محكمة
محكمة
عفواً سيدي…
أنا لستُ تلك الدمية التي تلهو بها وقتما شئت… وترميها جانباً إذا مللت…
عفواً سيدي…
أنا لستُ تلك الزهرة التي تُقطف ويُستنشق عبيرُها ومن ثمَّ تُلقى لتدوسها الأقدام…
عفواُ سيدي…
لن تطال يدكَ الملطخة بالوحلِ حصوني المنيعة…
لأني شيّدتُ حولها أسواراً عالية ومتينة صعبة الإختراق ولا تطالها الأيدي…
سيدي…
وقفتَ تترافعُ في محكمتي عن تلك المشاعر التي زُجّت في قفص الاتهام…
ولكنكَ خسرت القضية…ليس لأنكَ محامي فاشل…
بل لأني كنتُ ذلك القاضي في تلك المحكمة الذي نظر في القضية بعين العقلِ لا بعين القلب…
وحكم على تلك المشاعر بالإعدام…
وكنتُ الجلاّد نفسه الذي قام بتنفيذ ذلك الحكم…
حيثُ خنقتُ بيدي تلك المشاعر التي كانت وليدة مهدِها…
رأيتها تحتضر أمام عيناي ولكني لم أشفق عليها ولا على دموعِها …
بل أجهزتُ عليها بدمٍ بارد التزاماً وتنفيذاً لذلك الحكم…
ومن ثمَّ دفنتُها في مقابر النسيان…
بلا صلاةٍ ولا إقامةٍ ولا تكبير…
دفنتُها هناك في لحود الفناء…
حيثُ لا حياة بعدها ولا نشور…
فهي تستحقُ أن تدفنَ هناك في تلك الحفرة الحقيرة…
وأمامي…
وبلا دموعٍ ولا آهات…
لأني كنتُ القاضي والجلاّد…
فكيف لعيني أن تدمع؟