قصة غزوة بدر كاملة بالتفصيل , أسماء شهداء غزوة بدر

لما استقر رسول الله وأصحابه في المدينة المنورة ونعموا بطيب العيش فيها، وارتاحت نفوسهم، واطمأنت أرواحهم بعد العناء والآلام التي كانوا يلاقونها في مكة وما جاورها، زاد غيظ الكفرة الملحدين فأرسلوا إلى عبد الله بن أُبي بن سلول حيث كان رئيس الأنصار قبل الهجرة كتابًا نصه: إنكم آويتم صاحبنا، وإنا نقسم بالله لنقاتلنه أو لتخرجنه، أو لنسيرن إليكم بأجمعنا، حتى نقتل مقاتلتكم ونستبيح نساءكم، وأرسلت قريش إلى المسلمين تقول: لا يغرَّنكم أنكم أفلتمونا إلى يثرب سنأتيكم فنستأصلكم ونبيد خضراءكم في عقر داركم.

وهكذا سنة الحياة، يغيظ الكفار وأذنابهم أن ترتفع راية الإسلام، أو يهنئ أهله بطيب العيش أو رغد الحياة، بل يغيظ الكفار وأذنابهم أن يأكل المسلم أكلة هنية، أو يشرب شربة روية، بل يحسدون المسلمين على هواء نقي يتنفسونه، هذا هو حال الكفار، منذ قام الصراع بين الحق والباطل إلى اليوم، فكفار اليوم هم أبناء الآباء بالأمس، ومنافقو اليوم ورثوا النفاق صاغرًا عن صاغر.

ولذلك خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم -في جمادى الأولى من السنة الثانية للهجرة- مع بعض أصحابه يعترضون عيرًا لقريش متجهة نحو الشام لاسترجاع أموالهم التي منهم قريش قبل وأثناء هجرتهم إلى المدينة المنورة. وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: “هذه عير قريش فيها أموالكم، فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفلكموها”[1]. ولم يعزم على أحد بالخروج، فسار رسول الله بالجيش فيه ثلاثمائة وأربعة عشر رجلاً بفرسين وسبعين بعيرًا يتعاقبونها، وكان النبي وعليٌ ومرثد بن أبي مرثد يعتقبون بعيرًا واحدًا. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا يوم بدر، كل ثلاثة على بعير، فكان أبو لبابة وعلي بن أبي طالب زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فكانت إذا جاءت عقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالا: نحن نمشي عنك قال: “ما أنتما بأقوى مني، وما أنا بأغنى عن الأجر منكما”[2].

أبو سفيان يفلت بالعير

وعلم أبو سفيان بجواسيسه مسير عسكر المؤمنين فأرسل ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة، فصرخ ببطن الوادي واقفًا على بعيره، وقد جدع أنفه، وحول رحله، وشق قميصه وهو يقول: اللطيمة اللطيمة، الغوث الغوث؛ فتحفز الناس سراعًا وتجمع نحو ألف وثلاثمائة مقاتل، في مائة فرس وستمائة درع وجمال كثيرة لا يعرف عددها بقيادة أبي جهل {بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}[الأنفال:47]، وأقبلوا “بحدهم وحديدهم يحادون الله، ويحادون رسوله”[3].

وقد أفلت أبو سفيان بالعير فسار باتجاه الساحل، وأرسل رسالة إلى جيش قريش وهم في الجحفة: إنكم خرجتم لتحرزوا عيركم ورجالكم وأموالكم، وقد نجاها الله فارجعوا، فهم الجيش بالرجوع، عندها قام الطاغية الأشر أبو جهل، فقال: والله لا نرجع حتى نرد بدرًا، فنقيم بها ثلاثًا فننحر الجزور، ونطعم الطعام، ونسقي الخمر، وتعزف لنا القيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا أبدًا، فرجعت بني زهرة وكانوا حوالي ثلاثمائة رجل، فسار الجيش من ألف مقاتل حتى نزل قريبًا من بدر وراء كثيب بالعدوة القصوى.

النبي يشاور أصحابه

فاستشار النبي أصحابه، فجمع الناس ووضعهم أمام الوضع الراهن، وقال لجنوده: “أَشِيرُوا عَلَيّ أَيّهَا النّاسُ!” ورددها مرارًا، وما زال يكررها عليهم، فيقوم الواحد تلو الآخر ويدلو بدلوه، فقام أبو بكر فقال وأحسن. ثم قام عمر فقال وأحسن. ثم قام المقْداد بن عمرٍو فقال فقال: يا رسول الله، امض لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:24] ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغمام لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، فقال له رسول الله خيرًا ودعا له، وهؤلاء القادة الثلاثة كانوا من المهاجرين وهم قلة في الجيش. ثم قام سعد بن معاذ، فحسم نتيجة الشورى لصالح الحل العسكري، قائًلا: “لَقَدْ آمَنّا بِك وَصَدّقْنَاك، وَشَهِدْنَا أَنّ مَا جِئْت بِهِ هُوَ الْحَقّ، وَأَعْطَيْنَاك عَلَى ذَلِكَ عُهُودِنَا وَمَوَاثِيقِنَا، عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ .. فَامْضِ يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَا أَرَدْت فَنَحْنُ مَعَك، فَوَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَوْ اسْتَعْرَضْت بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْته لَخُضْنَاهُ مَعَك، مَا تَخَلّفَ مِنّا رَجُلٌ وَاحِدٌ وَمَا نَكْرَهُ أَنْ تَلْقَى بِنَا عَدُوّنَا غَدًا، إنّا لَصُبُرٌ فِي الْحَرْبِ صُدُقٌ فِي اللّقَاءِ. لَعَلّ اللّهَ يُرِيك مِنّا مَا تَقُرّ بِهِ عَيْنُك، فَسِرْ بِنَا عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ”[4].

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى