الاحاديث القدسية للبخاري , احاديث البخاري

جمعت لكم الاحاديث القدسيه فى صحيح البخارى

1… كتاب الايمان

‏ ‏حدثنا ‏ ‏إسماعيل ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏عمرو بن يحيى المازني ‏ ‏عن ‏ ‏أبيه ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري ‏ ‏رضي الله عنه ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقول الله تعالى ‏ ‏أخرجوا من النار من كان في قلبه ‏ ‏مثقال ‏ ‏حبة من ‏ ‏خردل ‏ ‏من إيمان فيخرجون منها قد اسودوا فيلقون في نهر الحيا ‏ ‏أو الحياة شك ‏ ‏مالك ‏ ‏فينبتون كما تنبت الحبة في جانب السيل ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية ‏
‏قال ‏ ‏وهيب ‏ ‏حدثنا ‏ ‏عمرو ‏ ‏الحياة وقال ‏ ‏خردل ‏ ‏من خير ‏

فتح البارى فى صحيح البخارى


‏قَوْله ( حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل ) ‏

‏هُوَ اِبْن أَبِي أُوَيْس عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه الْأَصْبَحِيّ الْمَدَنِيّ اِبْن أُخْت مَالِك , وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى رِوَايَة هَذَا الْحَدِيث عَبْد اللَّه بْن وَهْب وَمَعْن بْن عِيسَى عَنْ مَالِك , وَلَيْسَ هُوَ فِي الْمُوَطَّأ . قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : هُوَ غَرِيب صَحِيح . ‏

‏قَوْله : ( يَدْخُل ) ‏

‏لِلدَّارَقُطْنِيّ مِنْ طَرِيق إِسْمَاعِيل وَغَيْره ” يُدْخِل اللَّه ” وَزَادَ مِنْ طَرِيق مَعْن ” يُدْخِل مَنْ يَشَاء بِرَحْمَتِهِ ” وَكَذَا لَهُ وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيق اِبْن وَهْب . ‏

‏قَوْله : ( مِثْقَال حَبَّة ) ‏

‏بِفَتْحِ الْحَاء هُوَ إِشَارَة إِلَى مَا لَا أَقَلّ مِنْهُ , قَالَ الْخَطَّابِيّ : هُوَ مَثَل لِيَكُونَ عِيَارًا فِي الْمَعْرِفَة لَا فِي الْوَزْن ; لِأَنَّ مَا يُشْكِل فِي الْمَعْقُول يُرَدّ إِلَى الْمَحْسُوس لِيُفْهَم . وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ : الْوَزْن لِلصُّحُفِ الْمُشْتَمِلَة عَلَى الْأَعْمَال , وَيَقَع وَزْنهَا عَلَى قَدْر أُجُور الْأَعْمَال . وَقَالَ غَيْره : يَجُوز أَنْ تُجَسَّد الْأَعْرَاض فَتُوزَن , وَمَا ثَبَتَ مِنْ أُمُور الْآخِرَة بِالشَّرْعِ لَا دَخْل لِلْعَقْلِ فِيهِ , وَالْمُرَاد بِحَبَّةِ الْخَرْدَل هُنَا مَا زَادَ مِنْ الْأَعْمَال عَلَى أَصْل التَّوْحِيد , لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى ” أَخْرِجُوا مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَعَمِلَ مِنْ الْخَيْر مَا يَزِنُ ذَرَّة ” . وَمَحَلّ بَسْط هَذَا يَقَع فِي الْكَلَام عَلَى حَدِيث الشَّفَاعَة حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّف فِي كِتَاب الرِّقَاق . ‏

‏قَوْله : ( فِي نَهَر الْحَيَاء ) ‏

‏كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَة بِالْمَدِّ , وَلِكَرِيمَة وَغَيْرهَا بِالْقَصْرِ , وَبِهِ جَزَمَ الْخَطَّابِيّ وَعَلَيْهِ الْمَعْنَى ; لِأَنَّ الْمُرَاد كُلّ مَا بِهِ تَحْصُل الْحَيَاة , وَالْحَيَا بِالْقَصْرِ هُوَ الْمَطَر , وَبِهِ تَحْصُل حَيَاة النَّبَات , فَهُوَ أَلْيَق بِمَعْنَى الْحَيَاة مِنْ الْحَيَاء الْمَمْدُود الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْخَجَل . ‏

‏قَوْله : ( الْحِبَّة ) ‏

‏بِكَسْرِ أَوَّله , قَالَ أَبُو حَنِيفَة الدِّينَوَرِيّ : الْحِبَّة جَمْع بُزُور النَّبَات وَاحِدَتهَا حَبَّة بِالْفَتْحِ , وَأَمَّا الْحِبّ فَهُوَ الْحِنْطَة وَالشَّعِير , وَاحِدَتهَا حَبَّة بِالْفَتْحِ أَيْضًا , وَإِنَّمَا اِفْتَرَقَا فِي الْجَمْع . وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي الْمُنْتَهَى : الْحِبَّة بِالْكَسْرِ بُزُور الصَّحْرَاء مِمَّا لَيْسَ بِقُوتٍ . ‏

‏قَوْله : ( قَالَ وُهَيْب ) ‏

‏أَيْ : اِبْن خَالِد ( حَدَّثَنَا عَمْرو ) أَيْ : اِبْن يَحْيَى الْمَازِنِيّ الْمَذْكُور . ‏

‏قَوْله : ( الْحَيَاة ) ‏

‏بِالْخَفْضِ عَلَى الْحِكَايَة , وَمُرَاده أَنَّ وُهَيْبًا وَافَقَ مَالِكًا فِي رِوَايَته لِهَذَا الْحَدِيث عَنْ عَمْرو بْن يَحْيَى بِسَنَدِهِ , وَجَزَمَ بِقَوْلِهِ فِي نَهْر الْحَيَاة وَلَمْ يَشُكّ كَمَا شَكَّ مَالِك . ‏
‏( فَائِدَة ) : ‏
‏أَخْرَجَ مُسْلِم هَذَا الْحَدِيث مِنْ رِوَايَة مَالِك فَأَبْهَمَ الشَّاكّ , وَقَدْ يُفَسَّر هُنَا . ‏

‏قَوْله ( وَقَالَ خَرْدَل مِنْ خَيْر ) ‏

‏هُوَ عَلَى الْحِكَايَة أَيْضًا , أَيْ : وَقَالَ وُهَيْب فِي رِوَايَته : مِثْقَال حَبَّة مِنْ خَرْدَل مِنْ خَيْر , فَخَالَفَ مَالِكًا أَيْضًا فِي هَذِهِ الْكَلِمَة . وَقَدْ سَاقَ الْمُؤَلِّف حَدِيث وُهَيْب هَذَا فِي كِتَاب الرِّقَاق عَنْ مُوسَى , بْن إِسْمَاعِيل عَنْ وُهَيْب , وَسِيَاقه أَتَمّ مِنْ سِيَاق مَالِك ; لَكِنَّهُ قَالَ ” مِنْ خَرْدَل مِنْ إِيمَان ” كَرِوَايَةِ مَالِك , فَاعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّف بِهَذَا , وَلَا اِعْتِرَاض عَلَيْهِ فَإِنَّ أَبَا بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيث فِي مُسْنَده عَنْ عَفَّان بْن مُسْلِم عَنْ وُهَيْب فَقَالَ ” مِنْ خَرْدَل مِنْ خَيْر ” كَمَا عَلَّقَهُ الْمُصَنِّف , فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مُرَاده لَا لَفْظ مُوسَى . وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِم عَنْ أَبِي بَكْر هَذَا , لَكِنْ لَمْ يَسُقْ لَفْظه , وَوَجْه مُطَابَقَة هَذَا الْحَدِيث لِلتَّرْجَمَةِ ظَاهِر , وَأَرَادَ بِإِيرَادِهِ الرَّدّ عَلَى الْمُرْجِئَة لِمَا فِيهِ مِنْ بَيَان ضَرَر الْمَعَاصِي مَعَ الْإِيمَان , وَعَلَى الْمُعْتَزِلَة فِي أَنَّ الْمَعَاصِيَ مُوجِبَة لِلْخُلُودِ . ‏

2…كتـــاب المعلـــــم

‏ ‏باب ‏ ‏قول المحدث حدثنا وأخبرنا وأنبأنا ‏ ‏وقال لنا ‏ ‏الحميدي ‏ ‏كان عند ‏ ‏ابن عيينة ‏ ‏حدثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعت واحدا ‏ ‏وقال ‏ ‏ابن مسعود ‏ ‏حدثنا رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وهو الصادق المصدوق ‏ ‏وقال ‏ ‏شقيق ‏ ‏عن ‏ ‏عبد الله ‏ ‏سمعت النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏كلمة ‏ ‏وقال ‏ ‏حذيفة ‏ ‏حدثنا رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏حديثين ‏ ‏وقال ‏ ‏أبو العالية ‏ ‏عن ‏ ‏ابن عباس ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فيما يروي عن ربه ‏ ‏وقال ‏ ‏أنس ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فيما يرويه عن ربه عز وجل ‏ ‏وقال ‏ ‏أبو هريرة ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يرويه عن ربكم عز وجل ‏

فتح البارى بشرح صحيح البخارى


‏قَوْله : ( بَاب قَوْل الْمُحَدِّث حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا وَأَنْبَأَنَا ) ‏

‏قَالَ اِبْن رَشِيد : أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى أَنَّهُ بَنَى كِتَابه عَلَى الْمُسْنَدَات الْمَرْوِيَّات عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قُلْت : وَمُرَاده : هَلْ هَذِهِ الْأَلْفَاظ بِمَعْنًى وَاحِد أَمْ لَا ؟ وَإِيرَاده قَوْل اِبْن عُيَيْنَةَ دُون غَيْره دَالّ عَلَى أَنَّهُ مُخْتَاره . ‏

‏قَوْله : ( وَقَالَ الْحُمَيْدِيّ ) ‏

‏فِي رِوَايَة كَرِيمَة وَالْأَصِيلِيّ ” وَقَالَ لَنَا الْحُمَيْدِيّ ” وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَج , فَهُوَ مُتَّصِل . وَسَقَطَ مِنْ رِوَايَة كَرِيمَة قَوْله ” وَأَنْبَأَنَا ” وَمِنْ رِوَايَة الْأَصِيلِيّ قَوْله ” أَخْبَرَنَا ” وَثَبَتَ الْجَمِيع فِي رِوَايَة أَبِي ذَرّ . ‏
‏قَوْله : ( وَقَالَ اِبْن مَسْعُود ) ‏

‏هَذَا التَّعْلِيق طَرَف مِنْ الْحَدِيث الْمَشْهُور فِي خَلْق الْجَنِين , وَقَدْ وَصَلَهُ الْمُصَنِّف فِي كِتَاب الْقَدَر , وَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . ‏

‏قَوْله : ( وَقَالَ شَقِيق ) ‏

‏( تَنْبِيه ) : ‏

‏هُوَ أَبُو وَائِل ( عَنْ عَبْد اللَّه ) هُوَ اِبْن مَسْعُود , سَيَأْتِي مَوْصُولًا أَيْضًا حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّف فِي كِتَاب الْجَنَائِز , وَيَأْتِي أَيْضًا حَدِيث حُذَيْفَة فِي كِتَاب الرِّقَاق . وَمُرَاده مِنْ هَذِهِ التَّعَالِيق أَنَّ الصَّحَابِيّ قَالَ تَارَة ” حَدَّثَنَا ” وَتَارَة ” سَمِعْت ” فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْن الصِّيَغ . وَأَمَّا أَحَادِيث اِبْن عَبَّاس وَأَنَس وَأَبِي هُرَيْرَة فِي رِوَايَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَبّه فَقَدْ وَصَلَهَا فِي كِتَاب التَّوْحِيد , وَأَرَادَ بِذِكْرِهَا هُنَا التَّنْبِيه عَلَى الْعَنْعَنَة , وَأَنَّ حُكْمهَا الْوَصْل عِنْد ثُبُوت اللُّقِيّ , وَأَشَارَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ اِبْن رَشِيد إِلَى أَنَّ رِوَايَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هِيَ عَنْ رَبّه سَوَاء صَرَّحَ الصَّحَابِيّ بِذَلِكَ أَمْ لَا , وَيَدُلّ لَهُ حَدِيث اِبْن عَبَّاس الْمَذْكُور فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ فِي بَعْض الْمَوَاضِع ” عَنْ رَبّه ” وَلَكِنَّهُ اِخْتِصَار فَيَحْتَاج إِلَى التَّقْدِير . قُلْت : وَيُسْتَفَاد مِنْ الْحُكْم بِصِحَّةِ مَا كَانَ ذَلِكَ سَبِيله صِحَّة الِاحْتِجَاج بِمَرَاسِيل الصَّحَابَة ; لِأَنَّ الْوَاسِطَة بَيْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْن رَبّه فِيمَا لَمْ يُكَلِّمهُ بِهِ مِثْل لَيْلَة الْإِسْرَاء جِبْرِيل وَهُوَ مَقْبُول قَطْعًا , وَالْوَاسِطَة بَيْن الصَّحَابِيّ وَبَيْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْبُول اِتِّفَاقًا وَهُوَ صَحَابِيّ آخَر , وَهَذَا فِي أَحَادِيث الْأَحْكَام دُون غَيْرهَا , فَإِنَّ بَعْض الصَّحَابَة رُبَّمَا حَمَلَهَا عَنْ بَعْض التَّابِعِينَ مِثْل كَعْب الْأَحْبَار . ‏ ‏أَبُو الْعَالِيَة الْمَذْكُور هُنَا هُوَ الرِّيَاحِيّ بِالْيَاءِ الْأَخِيرَة , وَاسْمه رُفَيْع بِضَمِّ الرَّاء . مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ الْبَرَّاء بِالرَّاءِ الثَّقِيلَة فَقَدْ وَهَمَ , فَإِنَّ الْحَدِيث الْمَذْكُور مَعْرُوف بِرِوَايَةِ الرِّيَاحِيّ دُونه . فَإِنْ قِيلَ : فَمِنْ أَيْنَ تَظْهَر مُنَاسَبَة حَدِيث اِبْن عُمَر لِلتَّرْجَمَةِ , وَمُحَصَّل التَّرْجَمَة التَّسْوِيَة بَيْن صِيَغ الْأَدَاء الصَّرِيحَة , وَلَيْسَ ذَلِكَ بِظَاهِرٍ فِي الْحَدِيث الْمَذْكُور ؟ فَالْجَوَاب أَنَّ ذَلِكَ يُسْتَفَاد مِنْ اِخْتِلَاف أَلْفَاظ الْحَدِيث الْمَذْكُور , وَيَظْهَر ذَلِكَ إِذَا اِجْتَمَعَتْ طُرُقه , فَإِنَّ لَفْظ رِوَايَة عَبْد اللَّه بْن دِينَار الْمَذْكُور فِي الْبَاب ” فَحَدَّثُونِي مَا هِيَ ” وَفِي رِوَايَة نَافِع عِنْد الْمُؤَلِّف فِي التَّفْسِير ” أَخْبَرُونِي ” وَفِي رِوَايَة عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ ” أَنْبَئُونِي ” وَفِي رِوَايَة مَالِك عِنْد الْمُصَنِّف فِي بَاب الْحَيَاء فِي الْعِلْم ” حَدَّثُونِي مَا هِيَ ” وَقَالَ فِيهَا ” فَقَالُوا أَخْبَرَنَا بِهَا ” فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّحْدِيث وَالْإِخْبَار وَالْإِنْبَاء عِنْدهمْ سَوَاء , وَهَذَا لَا خِلَاف فِيهِ عِنْد أَهْل الْعِلْم بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللُّغَة , وَمِنْ أَصْرَح الْأَدِلَّة فِيهِ قَوْله تَعَالَى ( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّث أَخْبَارهَا ) وَقَوْله تَعَالَى ( وَلَا يُنَبِّئك مِثْل خَبِير ) . وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الِاصْطِلَاح فَفِيهِ الْخِلَاف : فَمِنْهُمْ مَنْ اِسْتَمَرَّ عَلَى أَصْل اللُّغَة , وَهَذَا رَأْي الزُّهْرِيّ وَمَالِك وَابْن عُيَيْنَةَ وَيَحْيَى الْقَطَّان وَأَكْثَر الْحِجَازِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ , وَعَلَيْهِ اِسْتَمَرَّ عَمَل الْمَغَارِبَة , وَرَجَّحَهُ اِبْن الْحَاجِب فِي مُخْتَصَره , وَنُقِلَ عَنْ الْحَاكِم أَنَّهُ مَذْهَب الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة . وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى إِطْلَاق ذَلِكَ حَيْثُ يَقْرَأ الشَّيْخ مِنْ لَفْظه وَتَقْيِيده حَيْثُ يُقْرَأ عَلَيْهِ , وَهُوَ مَذْهَب إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ وَالنَّسَائِيِّ وَابْن حِبَّان وَابْن مَنْدَهْ وَغَيْرهمْ , وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى التَّفْرِقَة بَيْن الصِّيَغ بِحَسَبِ اِفْتِرَاق التَّحَمُّل : فَيَخُصُّونَ التَّحْدِيث بِمَا يَلْفِظ بِهِ الشَّيْخ , وَالْإِخْبَار بِمَا يُقْرَأ عَلَيْهِ , وَهَذَا مَذْهَب اِبْن جُرَيْجٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيّ وَابْن وَهْب وَجُمْهُور أَهْل الْمَشْرِق . ثُمَّ أَحْدَثَ أَتْبَاعهمْ تَفْصِيلًا آخَر : فَمَنْ سَمِعَ وَحْده مِنْ لَفْظ الشَّيْخ أَفْرَدَ فَقَالَ ” حَدَّثَنِي ” وَمَنْ سَمِعَ مَعَ غَيْره جَمَعَ , وَمَنْ قَرَأَ بِنَفْسِهِ عَلَى الشَّيْخ أَفْرَدَ فَقَالَ ” أَخْبَرَنِي ” , وَمَنْ سَمِعَ بِقِرَاءَةِ غَيْره جَمَعَ . وَكَذَا خَصَّصُوا الْإِنْبَاء بِالْإِجَازَةِ الَّتِي يُشَافِه بِهَا الشَّيْخ مَنْ يُجِيزهُ , كُلّ هَذَا مُسْتَحْسَن وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْدهمْ , وَإِنَّمَا أَرَادُوا التَّمْيِيز بَيْن أَحْوَال التَّحَمُّل . وَظَنَّ بَعْضهمْ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيل الْوُجُوب : فَتَكَلَّفُوا فِي الِاحْتِجَاج لَهُ وَعَلَيْهِ بِمَا لَا طَائِل تَحْته . نَعَمْ يَحْتَاج الْمُتَأَخِّرُونَ إِلَى مُرَاعَاة الِاصْطِلَاح الْمَذْكُور لِئَلَّا يَخْتَلِط ; لِأَنَّهُ صَارَ حَقِيقَة عُرْفِيَّة عِنْدهمْ , فَمَنْ تَجَوَّزَ عَنْهَا اِحْتَاجَ إِلَى الْإِتْيَان بِقَرِينَةٍ تَدُلّ عَلَى مُرَاده , وَإِلَّا فَلَا يُؤْمَن اِخْتِلَاط الْمَسْمُوع بِالْمَجَازِ بَعْد تَقْرِير الِاصْطِلَاح , فَيُحْمَل مَا يَرِد مِنْ أَلْفَاظ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى مَحْمَل وَاحِد بِخِلَافِ الْمُتَأَخِّرِينَ . ‏

3….كتــــــاب الغســــــل

‏ ‏وعن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال بينا ‏ ‏أيوب ‏ ‏يغتسل عريانا فخر عليه جراد من ذهب فجعل ‏ ‏أيوب ‏ ‏يحتثي ‏ ‏في ثوبه فناداه ربه يا ‏ ‏أيوب ‏ ‏ألم أكن أغنيتك عما ترى قال بلى وعزتك ولكن لا غنى بي عن بركتك ‏
‏ورواه ‏ ‏إبراهيم ‏ ‏عن ‏ ‏موسى بن عقبة ‏ ‏عن ‏ ‏صفوان بن سليم ‏ ‏عن ‏ ‏عطاء بن يسار ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏بينا ‏ ‏أيوب ‏ ‏يغتسل عريانا ‏

فتح البارى بشرح صحيح البخارى


‏قَوْله : ( وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة ) ‏

‏هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ وَجَزَمَ الْكَرْمَانِيّ بِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ بِصِيغَة التَّمْرِيض فَأَخْطَأَ فَإِنَّ الْحَدِيثَيْنِ ثَابِتَانِ فِي نُسْخَة هَمَّام بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ . وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيّ هَذَا الثَّانِي مِنْ رِوَايَةِ عَبْد الرَّزَّاق بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ . ‏

‏قَوْله : ( يَحْتَثِي ) ‏

‏بِإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاة بَعْدَهَا مُثَلَّثَة وَالْحَثْيَةُ هِيَ الْأَخْذ بِالْيَدِ . وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ عَنْ أَبِي زَيْد ” يَحْتَثن ” بِنُونٍ فِي آخِرِهِ بَدَل الْيَاء . ‏

‏قَوْله : ( لَا غِنَى ) ‏

‏الْقَصْر بِلَا تَنْوِينٍ وَرَوَيْنَاهُ بِالتَّنْوِينِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ ” لَا ” بِمَعْنَى لَيْسَ . ‏

‏قَوْله : ( وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ ) ‏

‏هُوَ اِبْن طَهْمَان وَرِوَايَتُهُ مَوْصُولَة بِهَذَا الْإِسْنَادِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ قَالَ اِبْن بَطَّالٍ : وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَاتَبَهُ عَلَى جَمْعِ الْجَرَادِ وَلَمْ يُعَاتِبْهُ عَلَى الِاغْتِسَالِ عُرْيَانًا فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِ . وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ أَيْضًا . ‏
**********************************************

4…كتـــاب مواقيــت الصــــلاه

‏ ‏حدثنا ‏ ‏عبد الله بن يوسف ‏ ‏قال حدثنا ‏ ‏مالك ‏ ‏عن ‏ ‏أبي الزناد ‏ ‏عن ‏ ‏الأعرج ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم ‏ ‏يعرج ‏ ‏الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم ‏ ‏كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون ‏

فتح البارى بشرح صحيح البخارى


‏قَوْلُهُ ( يَتَعَاقَبُونَ ) ‏

‏أَيْ تَأْتِي طَائِفَةٌ عَقِبَ طَائِفَةٍ , ثُمَّ تَعُودُ الْأُولَى عَقِبَ الثَّانِيَةِ . قَالَ اِبْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّعَاقُبُ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ أَوْ رَجُلَيْنِ بِأَنْ يَأْتِيَ هَذَا مَرَّةً وَيَعْقُبُهُ هَذَا , وَمِنْهُ تَعْقِيبُ الْجُيُوشِ أَنْ يُجَهِّزَ الْأَمِيرُ بَعْثًا إِلَى مُدَّةٍ ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُمْ فِي الرُّجُوعِ بَعْدَ أَنْ يُجَهِّزَ غَيْرَهُمْ إِلَى مُدَّةٍ , ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُمْ فِي الرُّجُوعِ بَعْدَ أَنْ يُجَهِّزَ الْأَوَّلِينَ . قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ ” يَتَعَاقَبُونَ ” عَلَامَةُ الْفَاعِلِ الْمُذَكَّرِ الْمَجْمُوعِ عَلَى لُغَةِ بِلْحَارِثِ وَهُمْ الْقَائِلُونَ أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ , وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ ‏ ‏بِحُورَانَ يَعْصِرْنَ السَّلِيطَ أَقَارِبُهُ ‏ ‏وَهِيَ لُغَةٌ فَاشِيَةٌ وَعَلَيْهَا حَمَلَ الْأَخْفَشُ قَوْلَهُ تَعَالَى ( وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) قَالَ : وَقَدْ تَعَسَّفَ بَعْضُ النُّحَاةِ فِي تَأْوِيلِهَا وَرَدِّهَا لِلْبَدَلِ , وَهُوَ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ , فَإِنَّ تِلْكَ اللُّغَةَ مَشْهُورَةٌ وَلَهَا وَجْهٌ مِنْ الْقِيَاسِ وَاضِحٌ . وَقَالَ غَيْرُهُ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ : قَوْلُهُ ( وَأَسَرُّوا ) عَائِدٌ عَلَى النَّاسِ الْمَذْكُورِينَ أَوَّلًا . وَ ( الَّذِينَ ظَلَمُوا ) بَدَلٌ مِنْ الضَّمِيرِ . وَقِيلَ التَّقْدِيرُ أَنَّهُ لَمَّا قِيلَ ( وَأَسَرُّوا النَّجْوَى ) قِيلَ : مَنْ هُمْ ؟ قَالَ : ( الَّذِينَ ظَلَمُوا ) حَكَاهُ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ , وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إِذْ الْأَصْلُ عَدَمُ التَّقْدِيرِ . وَتَوَارَدَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّرَّاحِ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ , وَوَافَقَهُمْ اِبْنُ مَالِكٍ وَنَاقَشَهُ أَبُو حَيَّانَ زَاعِمًا أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَ اِخْتَصَرَهَا الرَّاوِي , وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ ” إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ : مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ , وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ ” الْحَدِيثَ , وَقَدْ سُومِحَ فِي الْعَزْوِ إِلَى مُسْنَدِ الْبَزَّارِ مَعَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَالْعَزْوُ إِلَيْهِمَا أَوْلَى , وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ ” يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ ” وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْهُ , وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِلَفْظِ ” الْمَلَائِكَةُ يَتَعَاقَبُونَ : مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ , وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ ” , وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِلَفْظِ ” إِنَّ الْمَلَائِكَةَ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ ” فَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَبِي الزِّنَادِ , فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ تَارَةً يَذْكُرُهُ هَكَذَا وَتَارَةً هَكَذَا , فَيُقَوِّي بَحْثَ أَبِي حَيَّان , وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ غَيْرَ الْأَعْرَجِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَدْ رَوَوْهُ تَامًّا فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَة لَكِنْ بِحَذْفِ ” إِنَّ ” مِنْ أَوَّلِهِ , وَأَخْرَجَهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ وَالسَّرَّاجُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ ” إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَتَعَاقَبُونَ ” وَهَذِهِ هِيَ الطَّرِيقَةُ الَّتِي أَخْرَجَهَا الْبَزَّارُ , وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ ” إِنَّ الْمَلَائِكَةَ فِيكُمْ يَتَعَقَّبُونَ ” وَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَالْعَزْوُ إِلَى الطَّرِيقِ الَّتِي تَتَّحِدُ مَعَ الطَّرِيقِ الَّتِي وَقَعَ الْقَوْلُ فِيهَا أَوْلَى مِنْ طَرِيقٍ مُغَايِرَةٍ لَهَا , فَلْيُعْزَ ذَلِكَ إِلَى تَخْرِيجِ الْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ لِمَا أَوْضَحْته . وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ . ‏
‏قَوْله ( فِيكُمْ ) ‏

‏أَيْ الْمُصَلِّينَ أَوْ مُطْلَق الْمُؤْمِنِينَ .

‏قَوْله ( مَلَائِكَة ) ‏

‏قِيلَ هُمْ الْحَفَظَة نَقَلَهُ عِيَاض وَغَيْره عَنْ الْجُمْهُور , وَتَرَدَّدَ اِبْن بَزِيزَةَ , وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : الْأَظْهَر عِنْدِي أَنَّهُمْ غَيْرهمْ , وَيُقَوِّيه أَنَّهُ لَمْ يَنْقُل أَنَّ الْحَفَظَة يُفَارِقُونَ الْعَبْد , وَلَا أَنَّ حَفَظَة اللَّيْل غَيْر حَفَظَة النَّهَار , وَبِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا هُمْ الْحَفَظَة لَمْ يَقَع الِاكْتِفَاء فِي السُّؤَال مِنْهُمْ عَنْ حَالَة التَّرْك دُون غَيْرهَا فِي قَوْله ” كَيْف تَرَكْتُمْ عِبَادِي ” . ‏

‏قَوْله ( وَيَجْتَمِعُونَ ) ‏

‏قَالَ الزَّيْن بْن الْمُنِير : التَّعَاقُب مُغَايِر لِلِاجْتِمَاعِ , لَكِنَّ ذَلِكَ مُنَزَّل عَلَى حَالَيْنِ . ‏ ‏قُلْت : وَهُوَ ظَاهِر , وَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : الْأَظْهَر أَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ مَعَهُمْ الصَّلَاة فِي الْجَمَاعَة , وَاللَّفْظ مُحْتَمِل لِلْجَمَاعَةِ وَغَيْرهَا , كَمَا يَحْتَمِل أَنَّ التَّعَاقُب يَقَع بَيْن طَائِفَتَيْنِ دُون غَيْرهمْ , وَأَنْ يَقَع التَّعَاقُب بَيْنهمْ فِي النَّوْع لَا فِي الشَّخْص . قَالَ عِيَاض : وَالْحِكْمَة فِي اِجْتِمَاعهمْ فِي هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ لُطْف اللَّه تَعَالَى بِعِبَادِهِ وَإِكْرَامه لَهُمْ بِأَنْ جَعَلَ اِجْتِمَاع مَلَائِكَته فِي حَال طَاعَة عِبَاده لِتَكُونَ شَهَادَتهمْ لَهُمْ بِأَحْسَنِ الشَّهَادَة . ‏ ‏قُلْت : وَفِيهِ شَيْء , لِأَنَّهُ رَجَّحَ أَنَّهُمْ الْحَفَظَة , وَلَا شَكَّ أَنَّ الَّذِينَ يَصْعَدُونَ كَانُوا مُقِيمِينَ عِنْدهمْ مُشَاهِدِينَ لِأَعْمَالِهِمْ فِي جَمِيع الْأَوْقَات , فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَال : الْحِكْمَة فِي كَوْنه تَعَالَى لَا يَسْأَلهُمْ إِلَّا عَنْ الْحَالَة الَّتِي تَرَكُوهُمْ عَلَيْهَا مَا ذُكِرَ , وَيَحْتَمِل أَنْ يُقَال إِنَّ اللَّه تَعَالَى يَسْتُر عَنْهُمْ مَا يَعْمَلُونَهُ فِيمَا بَيْن الْوَقْتَيْنِ , لَكِنَّهُ بِنَاء عَلَى أَنَّهُمْ غَيْر الْحَفَظَة . وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى الْحَدِيث الْآخَر ” إِنَّ الصَّلَاة إِلَى الصَّلَاة كَفَّارَة لِمَا بَيْنهمَا ” فَمِنْ ثَمَّ وَقَعَ السُّؤَال مِنْ كُلّ طَائِفَة عَنْ آخِر شَيْء فَارَقُوهُمْ عَلَيْهِ .

‏قَوْله ( ثُمَّ يَعْرُج الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ ) ‏

لرِّوَايَات , وَلَا سِيَّمَا أَنَّ الزِّيَادَة مِنْ الْعَدْل الضَّابِط مَقْبُولَة . وَلِمَ لَا يُقَال : إِنَّ رِوَايَة مَنْ لَمْ يَذْكُر سُؤَال الَّذِينَ أَقَامُوا فِي النَّهَار وَاقِع مِنْ تَقْصِير بَعْض الرُّوَاة , أَوْ يُحْمَل قَوْله ” ثُمَّ يَعْرُج الَّذِينَ بَاتُوا ” عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَبِيت بِاللَّيْلِ وَالْإِقَامَة بِالنَّهَارِ , فَلَا يَخْتَصّ ذَلِكَ بِلَيْلٍ دُون نَهَار وَلَا عَكْسِهِ , بَلْ كُلّ طَائِفَة مِنْهُمْ إِذَا صَعِدَتْ سُئِلَتْ , وَغَايَة مَا فِيهِ أَنَّهُ اِسْتَعْمَلَ لَفْظ ” بَاتَ ” فِي أَقَامَ مَجَازًا , وَيَكُون قَوْله ” فَيَسْأَلُهُمْ ” أَيْ كُلًّا مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ فِي الْوَقْت الَّذِي يَصْعَد فِيهِ , وَيَدُلّ عَلَى هَذَا الْحَمْل رِوَايَة مُوسَى بْن عُقْبَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَاد عِنْد النَّسَائِيِّ وَلَفْظه ” ثُمَّ يَعْرُج الَّذِينَ كَانُوا فِيكُمْ ” فَعَلَى هَذَا لَمْ يَقَع فِي الْمَتْن اِخْتِصَار وَلَا اِقْتِصَار , وَهَذَا أَقْرَب الْأَجْوِبَة . وَقَدْ وَقَعَ لَنَا هَذَا الْحَدِيث مِنْ طَرِيق أُخْرَى وَاضِحًا وَفِيهِ التَّصْرِيح بِسُؤَالِ كُلّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ , وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ اِبْن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحه وَأَبُو الْعَبَّاس السَّرَّاجُ جَمِيعًا عَنْ يُوسُف بْن مُوسَى عَنْ جَرِير عَنْ الْأَعْمَش عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” تَجْتَمِع مَلَائِكَة اللَّيْل وَمَلَائِكَة النَّهَار فِي صَلَاة الْفَجْر وَصَلَاة الْعَصْر , فَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاة الْفَجْر , فَتَصْعَدُ مَلَائِكَة اللَّيْل وَتَبِيتُ مَلَائِكَة النَّهَار , وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاة الْعَصْر فَتَصْعَدُ مَلَائِكَة النَّهَار وَتَبِيت مَلَائِكَة اللَّيْل , فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ : كَيْف تَرَكْتُمْ عِبَادِي ” الْحَدِيث . وَهَذِهِ الرِّوَايَة تُزِيل الْإِشْكَال وَتُغْنِي عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الِاحْتِمَالَات الْمُتَقَدِّمَة , فَهِيَ الْمُعْتَمَدَة , وَيُحْمَل مَا نَقَصَ مِنْهَا عَلَى تَقْصِير بَعْض الرُّوَاة .

‏اِسْتَدَلَّ بِهِ بَعْض الْحَنَفِيَّة عَلَى اِسْتِحْبَاب تَأْخِير صَلَاة الْعَصْر لِيَقَع عُرُوج الْمَلَائِكَة إِذَا فَرَغَ مِنْهَا آخِرَ النَّهَار , وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ذَلِكَ غَيْر لَازِم , إِذْ لَيْسَ فِي الْحَدِيث مَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَا يَصْعَدُونَ إِلَّا سَاعَة الْفَرَاغ مِنْ الصَّلَاة بَلْ جَائِز أَنْ تَفْرُغ الصَّلَاة وَيَتَأَخَّرُوا بَعْد ذَلِكَ إِلَى آخِرِ النَّهَار , وَلَا مَانِع أَيْضًا مِنْ أَنْ تَصْعَدَ مَلَائِكَة النَّهَار وَبَعْض النَّهَار بَاقٍ وَتُقِيم مَلَائِكَة اللَّيْل , وَلَا يَرُدّ عَلَى ذَلِكَ وَصْفُهُمْ بِالْمَبِيتِ بِقَوْلِهِ ” بَاتُوا فِيكُمْ ” لِأَنَّ اِسْم الْمَبِيت صَادِق عَلَيْهِمْ وَلَوْ تَقَدَّمَتْ إِقَامَتهمْ بِاللَّيْلِ قِطْعَة مِنْ النَّهَار . ‏ ‏قَوْله ( الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ ) اُخْتُلِفَ فِي سَبَب الِاقْتِصَار عَلَى سُؤَال الَّذِينَ بَاتُوا دُون الَّذِينَ ظَلُّوا , فَقِيلَ : هُوَ مِنْ بَاب الِاكْتِفَاء بِذِكْرِ أَحَد الْمِثْلَيْنِ عَنْ الْآخَر كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَنْفَع , وَقَوْله تَعَالَى ( سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ الْحَرَّ ) أَيْ وَالْبَرْد , وَإِلَى هَذَا أَشَارَ اِبْن التِّين وَغَيْره , ثُمَّ قِيلَ : الْحِكْمَة فِي الِاقْتِصَار عَلَى ذَلِكَ أَنَّ حُكْم طَرَفَيْ النَّهَار يُعْلَم مِنْ حُكْم طَرَفَيْ اللَّيْل , فَلَوْ ذَكَرَهُ لَكَانَ تَكْرَارًا . ثُمَّ قِيلَ : الْحِكْمَة فِي الِاقْتِصَار عَلَى هَذَا الشِّقّ دُون الْآخَر أَنَّ اللَّيْل مَظِنَّة الْمَعْصِيَة فَلَمَّا لَمْ يَقَع مِنْهُمْ عِصْيَان – مَعَ إِمْكَان دَوَاعِي الْفِعْل مِنْ إِمْكَان الْإِخْفَاء وَنَحْوه – وَاشْتَغَلُوا بِالطَّاعَةِ كَانَ النَّهَار أَوْلَى بِذَلِكَ , فَكَانَ السُّؤَال عَنْ اللَّيْل أَبْلَغ مِنْ السُّؤَال عَنْ النَّهَار لِكَوْنِ النَّهَار مَحَلّ الِاشْتِهَار . وَقِيلَ : الْحِكْمَة فِي ذَلِكَ أَنَّ مَلَائِكَة اللَّيْل إِذَا صَلَّوْا الْفَجْر عَرَجُوا فِي الْحَال , وَمَلَائِكَة النَّهَار إِذَا صَلَّوْا الْعَصْر لَبِثُوا إِلَى آخِرِ النَّهَار لِضَبْطِ بَقِيَّة عَمَل النَّهَار , وَهَذَا ضَعِيف , لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَلَائِكَة النَّهَار لَا يُسْأَلُونَ عَنْ وَقْت الْعَصْر , وَهُوَ خِلَاف ظَاهِر الْحَدِيث كَمَا سَيَأْتِي . ثُمَّ هُوَ مَبْنِيّ عَلَى أَنَّهُمْ الْحَفَظَة وَفِيهِ نَظَر لِمَا سَنُبَيِّنُهُ , وَقِيلَ بَنَاهُ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُمْ الْحَفَظَة أَنَّهُمْ مَلَائِكَة النَّهَار فَقَطْ وَهُمْ لَا يَبْرَحُونَ عَنْ مُلَازَمَة بَنِي آدَم , وَمَلَائِكَة اللَّيْل هُمْ الَّذِينَ يَعْرُجُونَ وَيَتَعَاقَبُونَ , وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْم فِي ” كِتَاب الصَّلَاة ” لَهُ مِنْ طَرِيق الْأَسْوَد بْن يَزِيد النَّخَعِيِّ قَالَ : يَلْتَقِي الْحَارِسَانِ – أَيْ مَلَائِكَة اللَّيْل وَمَلَائِكَة النَّهَار – عِنْد صَلَاة الصُّبْح فَيُسَلِّم بَعْضهمْ عَلَى بَعْض فَتَصْعَد مَلَائِكَة اللَّيْل وَتَلْبَث مَلَائِكَة النَّهَار . وَقِيلَ : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْعُرُوج إِنَّمَا يَقَع عِنْد صَلَاة الْفَجْر خَاصَّةً , وَأَمَّا النُّزُول فَيَقَع فِي الصَّلَاتَيْنِ مَعًا , وَفِيهِ التَّعَاقُب , وَصُورَته أَنْ تَنْزِل طَائِفَة عِنْد الْعَصْر وَتَبِيت , ثُمَّ تَنْزِل طَائِفَة ثَانِيَة عِنْد الْفَجْر , فَيَجْتَمِع الطَّائِفَتَانِ فِي صَلَاة الْفَجْر , ثُمَّ يَعْرُج الَّذِينَ بَاتُوا فَقَطْ وَيَسْتَمِرّ الَّذِينَ نَزَلُوا وَقْت الْفَجْر إِلَى الْعَصْر فَتَنْزِل الطَّائِفَة الْأُخْرَى حَصَلَ اِجْتِمَاعهمْ عِنْد الْعَصْر أَيْضًا وَلَا يَصْعَد مِنْهُمْ أَحَد بَلْ تَبِيت الطَّائِفَتَانِ أَيْضًا ثُمَّ تَعْرُج إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ وَيَسْتَمِرّ ذَلِكَ فَتَصِحّ صُورَة التَّعَاقُب مَعَ اِخْتِصَاص النُّزُول بِالْعَصْرِ وَالْعُرُوج بِالْفَجْرِ , فَلِهَذَا خَصَّ السُّؤَال بِاَلَّذِينَ بَاتُوا , وَاَللَّه أَعْلَم . وَقِيلَ : إِنَّ قَوْله فِي هَذَا الْحَدِيث ” وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاة الْفَجْر وَصَلَاة الْعَصْر ” وَهْم لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي طُرُق كَثِيرَة أَنَّ الِاجْتِمَاع فِي صَلَاة الْفَجْر مِنْ غَيْر ذِكْر صَلَاة الْعَصْر كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيق سَعِيد بْن الْمُسَيِّب عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فِي أَثْنَاء حَدِيث قَالَ فِيهِ ” وَتَجْتَمِع مَلَائِكَة اللَّيْل وَمَلَائِكَة النَّهَار فِي صَلَاة الْفَجْر ” قَالَ أَبُو هُرَيْرَة : وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ ( وَقُرْآن الْفَجْر إِنَّ قُرْآن الْفَجْر كَانَ مَشْهُودًا ) وَفِي التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ مِنْ وَجْه آخَر بِإِسْنَادٍ صَحِيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فِي قَوْله تَعَالَى ( إِنَّ قُرْآن الْفَجْر كَانَ مَشْهُودًا ) قَالَ : ” تَشْهَدهُ مَلَائِكَة اللَّيْل وَالنَّهَار ” وَرَوَى اِبْن مَرْدُوَيْهِ مِنْ حَدِيث أَبِي الدَّرْدَاء مَرْفُوعًا نَحْوه , قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : لَيْسَ فِي هَذَا دَفْعٌ لِلرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا ذِكْر الْعَصْر , إِذْ لَا يَلْزَم مِنْ عَدَم ذِكْر الْعَصْر فِي الْآيَة وَالْحَدِيث الْآخَر عَدَم اِجْتِمَاعهمْ فِي الْعَصْر لِأَنَّ الْمَسْكُوت عَنْهُ قَدْ يَكُون فِي حُكْم الْمَذْكُور بِدَلِيلٍ آخَر , قَالَ : وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الِاقْتِصَار وَقَعَ فِي الْفَجْر لِكَوْنِهَا جَهْرِيَّة , وَبَحْثُهُ الْأَوَّل مُتَّجَه لِأَنَّهُ لَا سَبِيل إِلَى اِدِّعَاء تَوْهِيم الرَّاوِي الثِّقَة مَعَ إِمْكَان التَّوْفِيق بَيْن ا

‏قَوْله ( فَيَسْأَلهُمْ ) ‏

‏قِيلَ الْحِكْمَة فِيهِ اِسْتِدْعَاء شَهَادَتهمْ لِبَنِي آدَم بِالْخَيْرِ , وَاسْتِنْطَاقهمْ بِمَا يَقْتَضِي التَّعَطُّف عَلَيْهِمْ , وَذَلِكَ لِإِظْهَارِ الْحِكْمَة فِي خَلْق نَوْع الْإِنْسَان فِي مُقَابَلَة مَنْ قَالَ مِنْ الْمَلَائِكَة ( أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِد فِيهَا وَيَسْفِك الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّح بِحَمْدِك وَنُقَدِّس لَك , قَالَ إِنِّي أَعْلَم مَا لَا تَعْلَمُونَ ) أَيْ وَقَدْ وُجِدَ فِيهِمْ مَنْ يُسَبِّح وَيُقَدِّس مِثْلكُمْ بِنَصِّ شَهَادَتكُمْ , وَقَالَ عِيَاض : هَذَا السُّؤَال عَلَى سَبِيل التَّعَبُّد لِلْمَلَائِكَةِ كَمَا أُمِرُوا أَنْ يَكْتُبُوا أَعْمَال بَنِي آدَم , وَهُوَ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَم مِنْ الْجَمِيع بِالْجَمِيعِ . ‏
‏قَوْله : ( كَيْف تَرَكْتُمْ عِبَادِي ) ‏

‏قَالَ اِبْن أَبِي جَمْرَة . وَقَعَ السُّؤَال عَنْ آخِرِ الْأَعْمَال لِأَنَّ الْأَعْمَال بِخَوَاتِيمِهَا . ‏ ‏قَالَ وَالْعِبَاد الْمَسْئُول عَنْهُمْ هُمْ الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْله تَعَالَى ( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَك عَلَيْهِمْ سُلْطَان ) . ‏
‏قَوْله : ( تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ) ‏

‏( تَنْبِيهٌ ) ‏

‏: اِسْتَنْبَطَ مِنْهُ بَعْض الصُّوفِيَّة أَنَّهُ يُسْتَحَبّ أَنْ لَا يُفَارِقَ الشَّخْصُ شَيْئًا مِنْ أُمُوره إِلَّا وَهُوَ عَلَى طَهَارَة كَشَعْرِهِ إِذَا حَلَقَهُ وَظُفْرِهِ إِذَا قَلَّمَهُ وَثَوْبه إِذَا أَبْدَلَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَقَالَ اِبْن أَبِي جَمْرَةَ : أَجَابَتْ الْمَلَائِكَة بِأَكْثَرَ مِمَّا سُئِلُوا عَنْهُ , لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُ سُؤَال يَسْتَدْعِي التَّعَطُّف عَلَى بَنِي آدَم فَزَادُوا فِي مُوجِب ذَلِكَ . ‏
‏لَمْ يُرَاعُوا التَّرْتِيب الْوُجُودِيّ , لِأَنَّهُمْ بَدَءُوا بِالتَّرْكِ قَبْل الْإِتْيَان , وَالْحِكْمَة فِيهِ أَنَّهُمْ طَابَقُوا السُّؤَال لِأَنَّهُ قَالَ : كَيْف تَرَكْتُمْ ؟ وَلِأَنَّ الْمُخْبَر بِهِ صَلَاة الْعِبَاد وَالْأَعْمَال بِخَوَاتِيمِهَا فَنَاسَبَ ذَلِكَ إِخْبَارهمْ عَنْ آخِرِ عَمَلهمْ قَبْل أَوَّله , وَقَوْله ” تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ ” ظَاهِره أَنَّهُمْ فَارَقُوهُمْ عِنْد شُرُوعهمْ فِي الْعَصْر سَوَاء تَمَّتْ أَمْ مَنَعَ مَانِع مِنْ إِتْمَامهَا وَسَوَاء شَرَعَ الْجَمِيع فِيهَا أَمْ لَا لِأَنَّ الْمُنْتَظِر فِي حُكْم الْمُصَلِّي , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِقَوْلِهِمْ ” وَهُمْ يُصَلُّونَ ” أَيْ يَنْتَظِرُونَ صَلَاة الْمَغْرِب . وَقَالَ اِبْن التِّين : الْوَاو فِي قَوْله ” وَهُمْ يُصَلُّونَ ” وَاو الْحَال أَيْ تَرَكْنَاهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَال , وَلَا يُقَال يَلْزَم مِنْهُ أَنَّهُمْ فَارَقُوهُمْ قَبْل اِنْقِضَاء الصَّلَاة فَلَمْ يَشْهَدُوهَا مَعَهُمْ , وَالْخَبَر نَاطِق بِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَهَا لِأَنَّا نَقُول : هُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُمْ شَهِدُوا الصَّلَاة مَعَ مَنْ صَلَّاهَا فِي أَوَّل وَقْتهَا , وَشَهِدُوا مَنْ دَخَلَ فِيهَا بَعْد ذَلِكَ , وَمَنْ شَرَعَ فِي أَسْبَاب ذَلِكَ . ‏ ‏قُلْت : وَوَقَعَ فِي صَحِيح اِبْن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيق الْأَعْمَش عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فِي آخِر هَذَا الْحَدِيث ” فَاغْفِرْ لَهُمْ يَوْم الدِّين ” قَالَ : وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَنَّ الصَّلَاة أَعْلَى الْعِبَادَات لِأَنَّهُ عَنْهَا وَقَعَ السُّؤَال وَالْجَوَاب , وَفِيهِ الْإِشَارَة إِلَى عِظَم هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ لِكَوْنِهِمَا تَجْتَمِع فِيهِمَا الطَّائِفَتَانِ وَفِي غَيْرهمَا طَائِفَة وَاحِدَة وَالْإِشَارَة إِلَى شَرَف الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ , وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الرِّزْق يُقَسَّم بَعْد صَلَاة الصُّبْح , وَأَنَّ الْأَعْمَال تُرْفَع آخِرَ النَّهَار , فَمَنْ كَانَ حِينَئِذٍ فِي طَاعَة بُورِكَ فِي رِزْقه وَفِي عَمَله , وَاَللَّه أَعْلَم . وَيَتَرَتَّب عَلَيْهِ حِكْمَة الْأَمْر بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِمَا وَالِاهْتِمَام بِهِمَا , وَفِيهِ تَشْرِيفُ هَذِهِ الْأُمَّة عَلَى غَيْرهَا , وَيَسْتَلْزِم تَشْرِيف نَبِيّهَا عَلَى غَيْره . وَفِيهِ الْإِخْبَار بِالْغُيُوبِ , وَيَتَرَتَّب عَلَيْهِ زِيَادَة الْإِيمَان . وَفِيهِ الْإِخْبَار بِمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ ضَبْط أَحْوَالنَا حَتَّى نَتَيَقَّظ وَنَتَحَفَّظ فِي الْأَوَامِر وَالنَّوَاهِي وَنَفْرَح فِي هَذِهِ الْأَوْقَات بِقُدُومِ رُسُل رَبّنَا وَسُؤَال رَبّنَا عَنَّا . وَفِيهِ إِعْلَامنَا بِحُبِّ مَلَائِكَة اللَّه لَنَا لِنَزْدَادَ فِيهِمْ حُبًّا وَنَتَقَرَّب إِلَى اللَّه بِذَلِكَ . وَفِيهِ كَلَام اللَّه تَعَالَى مَعَ مَلَائِكَته . وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْفَوَائِد وَاَللَّه أَعْلَم . وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَى ذَلِكَ فِي ” بَاب قَوْله ثُمَّ يَعْرُج ” فِي كِتَاب التَّوْحِيد إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى