شرح اسماء الله الحسنى ، معاني اسماء الله الحسنى
القريب:
قال المؤلف رحمه الله تعالى: “القريب أي: هو القريب من كلّ أحد، وقربه نوعان:
قرب عام من كلّ أحد بعلمه، وخبرته، ومراقبته، ومشاهدته، وإحاطته وهو أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد.
وقرب خاص من عابديه، وسائليه، ومجيبيه، وهو قرب يقتضي المحبة، والنصرة، والتأييد في الحركات، والسكنات، والإجابة للداعين، والقبول، والإثابة.
وهو المذكور في قوله تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ}(1) وفي قوله: {إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ}(2) وفي قوله {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}(3)
وهذا النّوع قرب يقتضي إلطافه تعالى، وإجابته لدعواتهم، وتحقيقه لمراداتهم ولهذا يقرن باسمه “القريب” اسمه “المجيب” وهذا القرب قربه لا تدرك له حقيقة، وإنّما تعلم آثاره من لطفه بعبده، وعنايته به وتوفيقه، وتسديده، ومن آثاره الإجابة للدّاعين والإثابة للعابدين”(4).
القدير(5):
قال رحمه الله تعالى: “القدير: كامل القدرة بقدرته أوجد الموجودات، وبقدرته دبّرها، بقدرته سوّاها وأحكمها، وبقدرته يحيي ويميت، ويبعث العباد للجزاء، ويجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، الذي إذا أراد شيئاً قال له: كن فيكون، وبقدرته يقلّب القلوب ويصرّفها على مايشاء ويريد”(6).
القهّار(7):
قال رحمه الله تعالى: “القهّار: لجميع العالم العلوي، والسّفلي، القهّار لكلّ شيء الذي خضعت له المخلوقات وذلك لعزّته وقوّته، وكمال اقتداره(8).
وهو الّذي قهر جميع الكائنات، وذلّت له جميع المخلوقات أو دانت لقدرته، ومشيئته مواد وعناصر العالم العلوي والسّفلى، فلا يحدث حادث، ولا يسكن ساكن إلا بإذنه، وما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وجميع الخلق فقراء إلى الله عاجزون لا يملكون لأنفسهم نفعاً، ولا ضراً، ولا خيراً، ولا شراً ثم إنّ قهره مستلزم لحياته وعزّته وقدرته، فلا يتمّ قهره للخليقة إلاّ باتمام حياته، وقوّة عزّته، واقتداره”(9).
—————————————————–
(1) العلق (19).
(2) هود (61).
(3) البقرة (186).
(4) الحق الواضح المبين (640) والتفسير (1/224 و 3/437 و 5/630).
(5) قال الله تعالى: {وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (الممتحنة: 7).
وسبق زيادة إيضاح لهذا الإسم مع اسمه تعالى “العزيز”.
(6) التفسير (5/624 و625).
(7) قال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} (الرعد: 16).
(8) التفسير (5/624 و 6/448).
(9) الحق الواضح المبين (ص76) وتوضيح الكافية (ص126).
الكافي(1):
قال رحمه تعالى: “الكافي عباده جميع ما يحتاجون ويضطرون إليه.
الكافي كفاية خاصة من آمن به وتوكّل عليه واستمدّ منه حوائج دينه ودنياه”(2).
الكبير(3):
قال رحمه الله تعالى: ” الكبير(4): الذي له الكبرياء في ذاته، وصفاته وله الكبرياء في قلوب أهل السّماء، والأرض”(5).
الكريم(6):
قال رحمه الله تعالى: “الكريم(7): كثير الخير يعمّ به الشّاكر، والكافر، إلاّ أنّ شكر نعمه داع للمزيد منها، وكفرها داع لزوالها”(8).
———————————————————————
(1) لم أقف على نص يدل على تسمية الله تعالى بالكافي.
(2) التفسير (5/631).
(3) قال الله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} (الرعد: 9).
(4) سبق زيادة بيان لهذا الاسم مع اسمه تعالى “الجليل”.
(5) التفسير (6/171 و 5/622).
(6) قال الله تعالى: {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} (النحل:40)
(7) سبق زيادة بيان لهذا الاسم مع اسمه تعالى “البرّ”.
(8) التفسير (5/580 و 5/622).
اللّطيف(1):
قال المؤلف رحمه الله تعالى: “ومن أسمائه الحسنى “اللّطيف”: الّذي لطف علمه حتى أدرك الخفايا، والخبايا، وما احتوت عليه الصّدور، وما في الأراضي من خفايا البذور ولطف بأوليائه، وأصفيائه، فيسّرهم لليسرى وجنّبهم العسرى، وسهّل لهم كلّ طريق يوصل إلى مرضاته وكرامته وحفظهم من كلّ سبب ووسيلة توصل إلى سخطه، من طرق يشعرون بها، ومن طرق لا يشعرون بها، وقدّر عليهم أموراً يكرهونها لينيلهم ما يحبّون، فلطف بهم في أنفسهم فأجراهم على عوائده الجميلة، وصنائعه الكريمة، ولطف لهم في أمور خارجة عنهم لهم فيها كلّ خير وصلاح ونجاح،
فاللّطيف متقارب لمعاني الخبير، الرؤوف، الكريم(2).
ومن لطفه بعبده ووليّه الذي يريد أن يتمّ عليه إحسانه، ويشمله بكرمه ويرقّيه إلى المنازل العالية فييسّره لليسرى، ويجنّبه العسرى، ويجري عليه من أصناف المحن الّتي يكرهها وتشقّ عليه وهي عين صلاحه، والطريق إلى سعادته، كما أمتحن الأنبياء بأذى قومهم وبالجهاد في سبيله وكما ذكر الله عن يوسف عليه السّلام وكيف ترقّت به الأحوال ولطف الله به وله بما قدّره عليه من تلك الأحوال الّتي حصلت له في عاقبتها حسن العقبى في الدّنيا والآخرة.
وكما يمتحن أولياءه بما يكرهونه لينيلهم ما يحبون، وكم لله من لطف، وكرم لا تدركه الأفهام ولا تتصوّره الأوهام، وكم استشرف العبد على مطلوب من مطالب الدّنيا من ولاية ورياسة أو سبب من الأسباب المحبوبة فيصرفه الله عنها ويصرفها عنه رحمة به لئلاَّ تضرّه في دينه، فيظلّ العبد حزينا من جهله وعدم معرفته بربّه، ولو علم ما دخّر له في الغيب وأريد إصلاحه لحمد الله وشكره على ذلك، فإنّ الله بعباده رؤوف رحيم، لطيف بأوليائه.
وفي الدّعاء المأثور: “اللّهمّ ما رزقتني ممّا أحبّ فاجعله قوّة لي فيما تحب، وما زويت عنّي ممّا أحبّ فاجعله فراغاً لي فيما تحبّ”(3) اللّهمّ الطف بنا في قضائك وبارك لنا في قدرتك حتّى لا نحبّ تعجيل ماأخّرت ولا تأخير ما عجّلت(4).
واعلم أنّ اللّطف الّذي يطلبه العباد من الله بلسان المقال، ولسان الحال هو من الرّحمة بل هو رحمة خاصة
فالرّحمة التي تصل العبد من حيث لا يشعر بها أو لا يشعر بأسبابها هي اللّطف فإذا قال العبد: يالطيف ألطف بي أو لي وأسألك لطفك
فمعناه : تولّني ولاية خاصة بها تصلح أحوالي الظّاهرة ، والباطنة وبها تندفع عنّي جميع المكروهات من الأمور الدّاخلية والأمور الخارجية.
فالأمور الدّاخلية لطف بالعبد.
والأمور الخارجية لطف للعبد
فإذا يسّر الله عبده وسهّل له طريق الخير وأعانه عليه فقد لطف به وإذا قيّض الله له أسباباً خارجية غير داخلة تحت قدرة العبد فيها صلاحه فقد لطف له.
ولهذا لما تنقّلت بيوسف عليه السلام تلك الأحوال ، وتطوّرت به الأطوار من رؤياه، وحسد إخوته له، وسعيهم في إبعاده جدا، واختصامهم بأبيهم ثم محنته بالنّسوة ثم بالسّجن ثم بالخروج منه بسبب رؤيا الملك العظيمة، وانفراده بتعبيرها، وتبوّءه من الأرض حيث يشاء، وحصول ما حصل على أبيه من الابتلاء، والإمتحان ثم حصل بعد ذلك الإجتماع السّار وازالة الأكدار وصلاح حالة الجميع والاجتباء العظيم ليوسف عرف عليه السّلام أنّ هذه الأشياء وغيرها لطف لطف الله لهم به فاعترف بهذه النعمة فقال: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}(5) أي لطفه تعالى خاص لمن يشاء من عباده ممّن يعلمه تعالى محلاً لذلك وأهلاً له فلا يضعه إلاّ في محلّه.
الله أعلم حيث يضع فضله فإذا رأيت الله تعالى قد يسّر العبد لليسرى، وسهّل له طريق الخير، وذلّل له صعابه، وفتح له أبوابه، ونهج له طرقه، ومهّد له أسبابه، وجنّبه العسرى فقد لطف به.
-ومن لطفه بعباده المؤمنين أنّه يتولاّهم بلطفه فيخرجهم من الظّلمات إلى النّور من ظلمات الجهل، والكفر، والبدع، والمعاصي إلى نور العلم والإيمان والطّاعة،
– ومن لطفه أنّه يرحمهم من طاعة أنفسهم الأمّارة بالسّوء الّتي هذا طبعها وديدنها فيوفّقهم لنهي النّفس عن الهوى ويصرف عنهم السّوء والفحشاء فتوجد أسباب الفتنة، وجواذب المعاصي وشهوات الغي فيرسل الله عليها برهان لطفه ونور إيمانهم الّذي منَّ به عليهم فيدعونها مطمئنّين لذلك منشرحة لتركها صدورهم.
-ومن لطفه بعباده أنّه يقدّر أرزاقهم بحسب علمه بمصلحتهم لا بحسب مراداتهم فقد يريدون شيئاً وغيره أصلح فيقدّر لهم الأصلح وإن كرهوه لطفاً بهم، وبراً، وإحساناً {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ}(6) {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}(7).
-ومن لطفه بهم أنّه يقدّر عليهم أنواع المصائب، وضروب المحن، والإبتلاء بالأمر والنّهي الشّاق رحمة بهم، ولطفاً، وسوقا إلى كمالهم، وكمال نعيمهم {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}(8).
-ومن لطيف لطفه بعبده إذ أهّله للمراتب العالية، والمنازل السّامية الّتي لا تدرك بالأسباب العظام الّتي لا يدركها إلاّ أرباب الهمم العالية، والعزائم السّامية أن يقدّر له في ابتداء أمره بعض الأسباب المحتملة المناسبة للأسباب التي أهّل لها ليتدرّج من الأدنى إلى الأعلى ولتتمرّن نفسه ويصير له ملكة من جنس ذلك الأمر
وهذا كما قدّر لموسى ومحمد وغيرهما من الأنبياء – صلوات الله وسلامه عليهم – في ابتداء أمرهم رعاية الغنم ليتدرّجوا من رعاية الحيوان البهيم وإصلاحه إلى رعاية بني آدم ودعوتهم وإصلاحهم.
وكذلك يذيق عبده حلاوة بعض الطّاعات فينجذب ويرغب ويصير له ملكة قويّة بعد ذلك على طاعات أجلّ منها وأعلى ولم تكن تحصل بتلك الإرادة السّابقة حتى وصل إلى هذه الإرادة والرّغبة التّامة.
-ومن لطفه بعبده أن يقدّر له أن يتربّى في ولاية أهل الصّلاح، والعلم، والإيمان وبين أهل الخير ليكتسب من أدبهم، وتأديبهم ولينشأ على صلاحهم وإصلاحهم ، كما أمتنّ الله على مريم في قوله تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا}(9) إلى آخر قصّتها
-ومن ذلك إذا نشأ بين أبوين صالحين وأقارب أتقياء أو في بلد صلاح أو وفّقه الله لمقارنة أهل الخير وصحبتهم أو لتربية العلماء الربّانيّين فإنّ هذا من أعظم لطفه بعبده فإنّ صلاح العبد موقوف على أسباب كثيرة منها بل من أكثرها وأعظمها نفعاً هذه الحالة.
-ومن ذلك إذا نشأ العبد في بلد أهله على مذهب أهل السُّنَّة والجماعة فإنَّ هذا لطف له وكذلك إذا قدّر الله أن يكون مشايخه الذين يستفيد منهم الأحياء منهم والأموات أهل سنة وتقي فإن هذا من اللّطف الربَّاني .
ولا يخفى لطف الباري في وجود شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في أثناء قرون هذه الأمة وتبيين الله به وبتلامذته من الخير الكثير والعلم الغزير وجهاد أهل البدع والتّعطيل والكفر ثم انتشار كتبه في هذه الأوقات فلا شكّ أن هذا من لطف الله لمن انتفع بها وأنّه يتوقف خير كثير على وجودها فللّه الحمد والمنّة والفضل.
-ومن لطف الله بعبده أن يجعل رزقه حلالاً في راحة وقناعة يحصل به المقصود ولا يشغله عمّا خُلق له من العبادة والعلم والعمل بل يعينه على ذلك ويفرغه ويريح خاطره وأعضاءه
ولهذا من لطف الله تعالى لعبده أنّه ربّما طمحت نفسه لسبب من الأسباب الدّنيويّة الّتي يظن فيها إدراك بغيته فيعلم الله تعالى أنّها تضرّه وتصدّه عمّا ينفعه فيحول بينه وبينها فيظلّ العبد كارهاً ولم يدر أنَّ ربَّه قد لطف به حيث أبقى له الأمر النّافع وصرف عنه الأمر الضّار
ولهذا كان الرِّضَا بالقضاء في مثل هذه الأشياء من أعلى المنازل.
-ومن لطف الله بعبده إذا قدّر له طاعة جليلة لا تنال إلا بأعوان أن يقدّر له أعواناً عليها ومساعدين على حملهاقال موسى عليه السلام: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً}(10).
وكذلك امتنّ على عيسى بقوله: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ}(11).
وامتنّ على سيّد الخلق في قوله {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ}(12) وهذا لطف لعبده خارج عن قدرته
ومن هذا لطف الله بالهادين إذا قيّض الله من يهتدي بهداهم ويقبل إرشادهم فتتضاعف بذلك الخيرات والأجور التي لا يدركها العبد بمجرّد فعله بل هي مشروطة بأمر خارجي.
-ومن لطف الله بعبده أن يعطي عبده من الأولاد، والأموال، والأزواج ما به تقرّ عينه في الدّنيا، ويحصل له السّرور، ثم يبتليه ببعض ذلك ويأخذه، ويعوّضه عليه الأجر العظيم إذا صبر واحتسب فنعمة الله عليه بأخذه على هذا الوجه أعظم من نعمته عليه في وجوده وقضاء مجرّد وطره الدّنيوي منه وهذا أيضاً خير وأجر خارج عن أحوال العبد بنفسه بل هو لطف من الله له قيّض له أسبابا أعاضه عليها الثّواب الجزيل والأجر الجميل.
-ومن لطف الله بعبده أن يبتليه ببعض المصائب فيوفّقه للقيام بوظيفة الصّبر فيها فينيله درجات عالية لا يدركها بعمله وقد يشدّد عليه الإبتلاء بذلك كما فعل بأيّوب عليه السّلام ويوجد في قلبه حلاوة روح الرّجاء وتأميل الرّحمة وكشف الضّرّ فيخفّ ألمه وتنشط نفسه.
ولهذا من لطف الله بالمؤمنين أن جعل في قلوبهم احتساب الأجر فخفت مصائبهم وهان ما يلقون من المشاق في حصول مرضاته.
-ومن لطف الله بعبده المؤمن الضعيف أن يعافيه من أسباب الابتلاء التي تضعف إيمانه وتنقص إيقانه.
كما أنّ من لطفه بالمؤمن القويّ تهيئة أسباب الإبتلاء والإمتحان ويعينه عليها ويحملها عنه ويزداد بذلك إيمانه ويعظم أجره.
فسبحان اللّطيف في ابتلائه وعافيته وعطائه ومنعه.
-ومن لطف الله بعبده أن يسعى لكمال نفسه مع أقرب طريق يوصله إلى ذلك مع وجود غيرها من الطرق التي تبعد عليه فييسّر عليه التّعلّم من كتاب أو معلّم يكون حصول المقصود به أقرب وأسهل وكذلك ييسّره لعبادة يفعلها بحالة اليسر والسّهولة وعدم التّعويق عن غيرها ممّا ينفعه فهذا من اللّطف.
-ومن لطف الله بعبده قدّر الواردات الكثيرة والأشغال المتنوّعة والتّدبيرات والمتعلّقات الدّاخلة والخارجة الّتي لو قسّمت على أمّة من النّاس لعجزت قواهم عليها أن يمنّ عليه بخلق واسع وصدر متّسع وقلب منشرح بحيث يعطي كلّ فرد من أفرادها نظراً ثاقباً وتدبيراً تاماً وهو غير مكترث ولا منزعج لكثرتها وتفاوتها بل قد أعانه الله تعالى عليها ولطف به فيها ولطف له في تسهيل أسبابها وطرقها
وإذا أردت أن تعرف هذا الأمر فانظر إلى حالة المصطفى صلى الله عليه وسلم الّذي بعثه الله بصلاح الدّارين وحصول السّعادتين وبعثه مكمّلاً لنفسه ومكمّلاً لأُمّة عظيمة هي خير الأمم ومع هذا مكّنه الله ببعض عمره الشّريف في نحو ثلث عمره أن يقوم بأمر الله كلّه على كثرته وتنوّعه وأن يقيم لأمّته جميع دينهم ويعلّمهم جميع أصوله وفروعه ويخرج الله به أمّة كبيرة من الظّلمات إلى النّور ويحصل به من المصالح والمنافع والخير والسّعادة للخاص والعام مالا تقوم به أمّة من الخلق.
-ومن لطف الله تعالى بعبده أن يجعل ما يبتليه به من المعاصي سبباً لرحمته فيفتح له عند وقوع ذلك باب التّوبة والتّضرّع والابتهال إلى ربّه وازدراء نفسه واحتقارها وزوال العجب والكبر من قلبه ما هو خير له من كثير من الطّاعات.
– ومن لطفه بعبده الحبيب عنده إذا مالت نفسه مع شهوات النّفس الضّارّة واسترسلت في ذلك أن ينقصها عليه ويكدّرها فلا يكاد يتناول منها شيئاً إلا مقرونا بالمكدّرات محشواً بالغصص لئلا يميل معها كلّ الميل، كما أنّ من لطفه به أن يلذّذ له التّقرّبات ويحلي له الطّاعات ليميل إليها كل الميل.
-ومن لطيف لطف الله بعبده أن يأجره على أعمال لم يعملها بل عزم عليها فيعزم على قربة من القرب ثم تنحل عزيمته لسبب من الأسباب فلا يفعلها فيحصل له أجرها فانظر كيف لطف الله به فأوقعها في قلبه وأدارها في ضميره وقد علم تعالى أنه لا يفعلها سوقا لبرّه لعبده وإحسانه بكلّ طريق.
-وألطف من ذلك أن يقيّض لعبده طاعة أخرى غير الّتي عزم عليها هي أنفع له منها فيدع العبد الطّاعة التي ترضي ربّه لطاعة أخرى هي أرضى لله منها فتحصل له المفعولة بالفعل والمعزوم عليها بالنّيّة
وإذا كان من يهاجر إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت قبل حصول مقصوده قد وقع أجره على الله مع أن قطع الموت بغير اختياره فكيف بمن قطعت عليه نيته الفاضلة طاعة قد عزم على فعلها وربما ادار الله في ضمير عبده عدة طاعات كل طاعة لو انفردت لفعلها العبد لكمال رغبته ولا يمكن فعل شيء منها إلا بتفويت الأخرى فيوفّقه للموازنة بينها وإيثار أفضلها فعلا مع رجاء حصولها جميعها عزماً ونيّة.
-وألطف من هذا أن يقدّر تعالى لعبده ويبتليه بوجود أسباب المعصية ويوفّر له دواعيها وهو تعالى يعلم أنه لا يفعلها ليكون تركه لتلك المعصية التي توفرت أسباب فعلها من أكبر الطّاعات.
كما لطف بيوسف عليه السّلام في مراودة المرأة. وأحد السّبعة الّذين يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إنّي أخاف الله ربّ العالمين(13).
-ومن لطف الله بعبده أن يقدر خيراً وإحسانا من عبده ويجريه على يد عبده الآخر ويجعله طريقاً إلى وصوله إلى المستحق فيثيب الله الأول والآخر.
-ومن لطف الله بعبده أن يجري بشيء من ماله شيئاً من النفع وخيراً لغيره فيثيبه من حيث لا يحتسب فمن غرس غرساً أو زرع زرعاً فأصابت منه روح من الأرواح المحترمة شيئاً آجر الله صاحبه وهو لا يدري خصوصاً إذا كانت عنده نيّة حسنة وعقد مع ربّه عقداً في أنّه مهما ترتّب على ماله شيء من النّفع فأسألك يارب أن تأجرني وتجعله قربة لي عندك، وكذلك لو كان له بهائم انتفع بدرّها وركوبها والحمل عليها، أو مساكن انتفع بسكناها ولو شيئاً قليلاً، أو ماعون ونحوه انتفع به، أو عين شرب منها، وغير ذلك ككتاب انتفع به في تعلم شيء منه، أو مصحف قرئ فيه، والله ذو الفضل العظيم.
-ومن لطف الله بعبده أن يفتح له باباً من أبواب الخير لم يكن له على بال، وليس ذلك لقلّة رغبته فيه وإنّما هو غفلة منه وذهول عن ذلك الطّريق فلم يشعر إلاّ وقد وجد في قلبه الدّاعي إليه والملفت إليه ففرح بذلك وعرف أنّها من ألطاف سيّده وطرقه الّتي قيّض وصولها إليه فصرف لها ضميره ووجه إليها فكره وأدرك منها ماشاء الله”(14).
————————————————————————
(1) قال الله تعالى {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} ( الأنعام : 113).
(2) توضيح الكافية الشافية (ص123) والتفسير (5/625).
(3) أخرجه الترمذي (5/523) كتاب الدعوات، وقال هذا حديث حسن غريب، وقال عبد القادر الأرنؤط وحسنه الترمذي وهو كما قال. انظر: جامع الأصول (5/341).
وضعفه الألباني كما في ضعيف الجامع (ص 453 و454).
(4) الحق الواضح المبين (ص61، 62).
(5) يوسف (100).
(6) الشورى (19).
(7) الشورى (27).
(8) البقرة (216).
(9) آل عمران (37).
(10) طه (30).
(11) المائدة (111).
(12) الأنفال (62).
(13) هذا بمعنى حديث أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه البخاري (8/20) كتاب الحدود باب فضل من ترك الفواحش، ومسلم (2/715) كتاب الدعاء باب فضل اخفاء الصدقة.
(14) المواهب الربانية من الآيات القرآن (ص71-76).
المالك(1): (الملك(2)- المالك)
قال المؤلف رحمه الله: “الملك المالك: الذي له الملك فهو الموصوف بصفة الملك وهي صفات العظمة والكبرياء، والقهر، والتدبير، الذي له التصرف المطلق، في الخلق والأمر والجزاء(3).
وله جميع العالم العلوي والسفلي، كلهم عبيد، ومماليك، ومضطرون إليه(4) وهو الآمر الناهي المعز المذل الذي يصرف أمور عباده كما يحب، ويقلبهم كما يشاء، وله من معنى الملك ما يستحقه من الأسماء الحسنى كالعزيز الجبار المتكبر، الحكم، العدل، الخافض، الرافع، المعز، والمذل، العظيم، الجليل، الكبير، الحسيب، المجيد، الوالي، المتعالي، مالك الملك، المتسلط، الجامع، إلى غير ذلك من الأسماء العائدة إلى الملك(5).
المانع(6): (المعطي المانع)
قال رحمه الله: “المعطي المانع هذه من الأسماء المتقابلة التي لا ينبغي أن يثني على الله بها إلا كل واحد منها مع الآخر لأن الكمال المطلق من اجتماع الوصفين(7).
فهو المعطي المانع: لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، فجميع المصالح والمنافع منه تطلب، وإليه يرغب فيها، وهو الذي يعطيها لمن شاء ويمنعها من يشاء بحكمته ورحمته”(8).
– المبدئ: (المبدئ – المعيد)(9) قال رحمه الله: وقد عدهما ضمن الأسماء الحسنى الزجاج (ص55) والخطابي في شأن الدعاء (ص79) والبيهقي في كتابه الأسماء والصفات (ص95) والغزالي في كتابه المقصد الأسنى شرح أسماء الله الحسنى (ص63).
“المبدئ المعيد قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}(10) ابتدأ خلقهم ليبلوهم أيهم أحسن عملاً ثم يعيدهم ليجزي الذين أحسنوا بالحسنى ويجزئ المسيئين بإسأتهم.
وكذلك هو الذي يبدأ إيجاد المخلوقات شيئاً فشيئاً ثم يعيدها كل وقت”(11).
المتكبّر(12):
قال رحمه الله تعالى: “المتكبّر عن السّوء، والنّقص، والعيوب لعظمته، وكبريائه”(13).
المجيب(14):
قال رحمه الله تعالى: “من أسمائه المجيب لدعوة الداعين، وسؤال السائلين، وعباده المستجيبين،
وإجابته نوعان:
إجابة عامة لكل من دعاه دعاء عبادة أو دعاء مسألة قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}(15)
– فدعاء المسألة يقول العبد اللّهم أعطني كذا أو اللهم أدفع عني كذا، فهذا يقع من البرّ والفاجر، ويستجيب الله فيه لكل من دعاه بحسب الحالة المقتضية، وبحسب ما تقتضيه حكمته، وهذا يستدل به على كرم المولى وشمول إحسانه للبر والفاجر، ولا يدل بمجرده على حسن حال الداعي الذي أجيبت دعوته إن لم يقترن بذلك ما يدل عليه وعلى صدقه وتعين الحق معه، كسؤال الأنبياء ودعائهم لقومهم وعلى قومهم فيجيبهم الله، فإنه يدل على صدقهم فيما أخبروا به وكرامتهم على ربهم، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يدعو بدعاء يشاهد المسلمون وغيرهم إجابته، وذلك من دلائل نبوته وآيات صدقه، وكذلك ما يذكرونه عن كثير من أولياء الله من إجابة الدعوات فإنه من أدلة كراماتهم على الله.
وأما الإجابة الخاصة(16) فلها أسباب عديدة،
-منها دعوة المضطر الذي وقع في شدة وكربة عظيمة، فإن الله يجيب دعوته، قال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ}(17)، وسبب ذلك شدة الافتقار إلى الله، وقوة الانكسار، وانقطاع تعلقه بالمخلوقين، ولسعة رحمة الله التي يشمل بها الخلق بحسب حاجتهم إليها فكيف بمن اضطر إليها،
-ومن أسباب الإجابة طول السفر والتوسل إلى الله بأحب الوسائل إليه من أسمائه، وصفاته، ونعمه.
-وكذلك دعوة المريض، والمظلوم، والصائم، والوالد على ولده، أو له في الأوقات والأحوال الشريفة”(18).
—————————————————————————-
(1) قال الله تعالى {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (الفاتحة: 4).
(2) قال الله تعالى {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} (المؤمنون: 116).
(3) التفسير (5/620).
(4) التفسير (5/620).
(5) الحق الواضح المبين (ص104).
(6) سبق زيادة بيان لمعنى هذا الإسم مع اسمه تعالى: “الباسط”.
(7) الحق الواضح المبين (ص: 89).
(8) التفسير (5/628).
(9) لم أقف على نص صحيح يدل على تسمية الله تعالى بهذين الإسمين.
(10) الروم (27).
(11) التفسير (5/628 و 629).
(12) قال الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (الحشر: 23).
(13) التفسير (ص624).
(14) قال الله تعالى: {إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} (هود: 61).
(15) غافر (60).
(16) هذا هو النوع الثاني من أنواع الإجابة التي ذكرها المؤلف.
(17) النمل (62).
(18) الحق الواضح المبين (ص65-66) انظر: توضيح الكافية الشافية (ص124) والتفسير (3/437 و 5/630).
المجيد(1):
قال رحمه الله تعالى: “المجيد الذي له المجد العظيم، والمجد هو عظمة الصفات، وسعتها فكلّ وصف من أوصافه عظيم شأنه فهو العليم الكامل في علمه، الرّحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، القدير الذي لا يعجزه شيء، الحليم الكامل في حلمه، الحكيم الكامل في حكمته إلى بقية أسمائه وصفاته”(2).
المحيط(3):
قال رحمه الله تعالى: “المحيط بكل شيء علماً، وقدرة، ورحمة، وقهرا”(4).
المغيث(5):
قال رحمه الله تعالى: ” ومن أسمائه المغيث وهو المنقذ من الشدائد الفادحة والكروب {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}(6) (7)
فالمغيث يتعلق بالشّدائد والمشقّات فهو المغيث لجميع المخلوقات عندما تتعسر أمورها وتقع في الشدائد والكربات: يطعم جائعهم ويكسو عاريهم ويخلص مكروبهم وينزل الغيث عليهم في وقت الضرورة والحاجة، وكذلك يجيب إغاثة اللهفان أي دعاء من دعاه في حالة اللهف والشدة والاضطرار، فمن استغاثه أغاثه، وفي الكتاب والسنة من ذكر تفريجه للكروبات وإزالته الشدائد وتيسيره للعسير شيء كثير جداً معروف”(8).
المقدّم: (المقدّم- المؤخّر(9))
قال المؤلف رحمه الله تعالى: ” المقدّم والمؤخّر من أسمائه الحسنى المزدوجة المتقابلة التي لا يطلق واحد بمفرده على الله إلا مقروناً بالآخر فإن الكمال من اجتماعهما فهو تعالى المقدم لمن شاء والمؤخر لمن شاء بحكمته.
وهذا التقديم يكون كونياً كتقديم بعض المخلوقات على بعض وتأخير بعضها على بعض، وكتقديم الأسباب على مسبباتها والشروط على مشروطاتها.
وأنواع التقديم والتأخير في الخلق، والتقدير بحر لا ساحل له، ويكون شرعياً كما فضل الأنبياء على الخلق، وفضل بعضهم على بعض، وفضل بعض عباده على بعض، وقدمهم في العلم، والإيمان، والعمل، والأخلاق، وسائر الأوصاف، وأخر من أخر منهم بشيء من ذلك وكل هذا تبع لحكمته وهذان الوصفان وما أشبههما من الصفات الذاتية لكونهما قائمين بالله والله متصف بهما، ومن صفات الأفعال لأن التقديم والتأخير متعلق بالمخلوقات ذواتها، وأفعالها، ومعانيها، وأوصافها، وهي ناشئة عن إرادة الله وقدرته، فهذا هو التقسيم الصحيح لصفات البارئ وإن صفات الذات متعلقة بالذات، وصفات أفعاله من متصفه بها الذات ومتعلقه بما ينشأ عنها من الأقوال والأفعال”(10).
————————————————————————-
(1) قال الله تعالى {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} (هود: 73).
(2) الحق الواضح المبين (ص33) وانظر: التفسير (5/622) وتوضيح الكافية الشافية (188).
(3) قال الله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً} (النساء: 126).
(4) التفسير (5/625).
(5) لم أقف على نص صحيح يدل على أنه اسم لله تعالى.
(6) الأنعام (63).
(7) توضيح الكافية الشافية (ص124).
(8) الحق الواضح المبين (ص67).
(9) كان من آخر مايقول النبي صلى الله عليه وسلم بين التّشهد والتّسليم: “اللّهم اغفر لي ماقدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت، وما أنت أعلم به منّي أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت” أخرجه مسلم (1/535) كتاب صلاة المسافرين باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه من حديث علي رضي الله عنه .
(10)الحق الواضح المبين (ص100-101).
المُقيت(1):
قال رحمه الله تعالى: “المُقيت الذي أوصل إلى كلّ موجود مابه يقتات وأوصل إليها أرزاقها وصرفها كيف يشاء بحكمه وحمده”(2).
المهيمن(3):
قال رحمه الله: “المهيمن: المطّلع على خفايا الأمور، وخبايا الصّدور الذي أحاط بكلّ شيء علما”(4).
المؤمن(5):
قال رحمه الله تعالى: “المؤمن الذي أثنى على نفسه بصفات الكمال، وبكمال الجلال والجمال، الذي أرسل رسله وأنزل كتبه بالآيات، والبراهين وصدق رسله بكل آية وبرهان، يدلّ على صدقهم وصحّة ماجاؤا به”(6).
النُّور(7):
قال رحمه الله تعالى: “ومن أسمائه الحسنى النّور
فالنّور وصفه العظيم، وأسماؤه حسنى، وصفاته أكمل الصّفات له تعالى رحمة، وحمد، وحكمة، وهو نور السّماوات والأرض(8) الذي نوّر قلوب العارفين بمعرفته، والإيمان به ونوّر أفئدتهم بهدايته، وهو الذي أنار السّماوات والأرض بالأنوار التي وضعها.
وحجابه النّور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ماانتهى إليه بصره من خلقه(9). وبنوره استنارت جنّات النّعيم.
والنّور الذي هو وصفه من جملة نعوته العظيمة .
وأما النّور المخلوق فهو نوعان:
نور حسي كنور الشمس، والقمر، والكواكب، وسائر المخلوقات المدرك نورها بالأبصار.
والثاني نور معنوي، وهو نور المعرفة، والإيمان، والطّاعة فإنّ لها نورا في قلوب المؤمنين بحسب ما قام في قلوبهم من حقائق المعرفة مواجيد الإيمان، وحلاوة الطاعة، وسرور المحبة.
وهذا النّور هو الذي يمنع صاحبه من المعاصي ويجذبه إلى الخير ويدعوه إلى كمال الإخلاص لله، ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: “اللّهمّ اجعل في قلبي نوراً وفي سمعي نوراً وفي بصري نوراً ومن بين يدي نوراً ومن خلفي نوراً وفوقي نوراً وتحتي نوراً اللّهمّ اعطني نورا وزدني نورا”(10).
وهذا النّور الذي يعطيه الله عبده أعظم منّة منها عليه وأصل الخير.
وهذا النّور مهما قوي فإنّه مخلوق، فإيّاك أن تضعف بصيرتك ويقلّ تمييزك وعلمك فتظنّ هذا النور نور العيان ومشاهدة القلب لنور الذات المقدسة، وإنّما هو نور المعرفة- والإيمان،
ويبتلى بهذا بعض الصّوفية الّذين ترد عليهم الواردة القويّة فيقع منهم من الشّطح، والخطل ما ينافي العلم، والإيمان كما أنّ كثيف الطبع جافي القلب قد تراكمت عليه الظّلمات، وتوالت عليه الغفلات فلم يكن له من هذا النّور حظ، ولا نصيب بل ربّما ازدرى من سفاهة عقله وقلّة وجده هذه الأحوال وزهد فيها،
فمتى منَّ الله على العبد بمعرفة صحيحة متلقاة من الكتاب، والسُّنّة، وتفقّه في أسماء الله، وصفاته، وتعبّد لله بها، واجتهد أن يحقّق مقام الإحسان فيعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإنه يراه ولهج بذكر الله تعالى استنار قلبه، وحصل له من لذة المعرفة، ومواجيد الإيمان أعظم اللّذّات، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم(11).
والمؤمن إذا كمل إيمانه أنار الله قلبه فانكشفت له حقائق الأشياء، وحصل له فرقان يفرق به بين الحق، والباطل، وصار هذا النّور هو مادة حياة العبد، وقوّته على الخير علماً، وعملاً، وانكشفت عنه الشُّبهات القادمة في العلم واليقين، والشّهوات النّاشئة عن الغفلة والظلمة وكان قلبه نورا وكلامه نورا وعمله نورا والنور محيط به من جهاته.
والكافر أو المنافق أو المعارض أو المعرض الغافل كلّ هؤلاء يتخبّطون في الظّلمات كلّ له من الظلمة بحسب ما معه من موادها وأسبابها والله الموفّق وحده(12).
الهادي(13):
قال رحمه الله تعالى: “الهادي أي الذي يهدي ويرشد عباده إلى جميع المنافع وإلى دفع المضار، ويعلمهم ما لا يعلمون ويهديهم بهداية التّوفيق والتّسديد ويلهمهم التّقوى ويجعل قلوبهم منيبة إليه منقادة لأمره”(14).
الواسع(15):
قال رحمه الله: “الواسع الصفات والنعوت ومتعلقاتها بحيث لا يحصى أحد ثناء عليه، بل هو كما اثنى على نفسه، واسع العظمة، والسّلطان، والملك، واسع الفضل، والإحسان عظيم الجود والكرم”(16).
الودود(17):
قال رحمه الله تعالى: “الودود هو المحبّ المحبوب بمعنى واد ومودود(18) فهو الّذي يحبّ أنبياءه ورسله وأتباعهم ويحبّونه فهو أحبّ إليهم من كلّ شيء قد امتلئت قلوبهم من محبّته، ولهجت ألسنتهم بالثّناء عليه، وانجذبت أفئدتهم إليه وداً واخلاصاً وإنابة من جميع الوجوه(19).
ولا تعادل محبّة الله من أصفيائه محبة أخرى، لا في أصلها ولا في كيفيتها ولا في متعلقاتها وهذا هو الفرض
والواجب أن تكون محبة الله في قلب العبد سابقة لكلّ محبة غالبة كلّ محبة ويتعيّن أن تكون بقية المحاب تبعاً لها.
ومحبّة الله هي روح الأعمال، وجميع العبودية الظّاهرة، والباطنة ناشئة عن محبة الله،
ومحبة العبد لربّه فضل من الله وإحسان، ليست بحول العبد، ولا قوّته فهو تعالى الذي أحبّ عبده فجعل المحبّة في قلبه ثمّ لمّا أحبّه العبد بتوفيقه جازاه الله بحبّ آخر، فهذا هو الإحسان المحض على الحقيقة، إذ منه السّبب ومنه المسبّب ليس المقصود منها المعارضة وإنّما ذلك محبّة منه تعالى للشّاكرين من عباده ولشكرهم،
فالمصلحة كلّها عائدة إلى العبد، فتبارك الذي جعل وأودع المحبّة في قلوب المؤمنين، ثم لم يزل ينمّيها ويقوّيها حتّى وصلت في قلوب الأصفياء إلى حالة تتضاءل عندها جميع المحاب، وتسلّيهم عن الأحباب وتهون عليهم المصائب وتلذذ لهم مشقّة الطّاعة، وتثمر لهم ما يشاءون من أصناف الكرامات التي أعلاها محبّة الله والفوز برضاه والأُنس بقربه،
فمحبّة العبد لربّه محفوفة بمحبّتين من ربّه:
-فمحبّة قبلها صار بها محبًّا لربّه،
-ومحبّة بعدها شكراً من الله على محبّة صار بها من أصفيائه المخلصين،
وأعظم سبب يكتسب به العبد محبّة ربّه التي هي أعظم المطالب، الإكثار من ذكره والثناء عليه وكثرة الإنابة إليه، وقوّة التوكيل عليه، والتّقرّب إليه بالفرائض والنّوافل، وتحقيق الإخلاص له في الأقوال والأفعال، ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم ظاهراً وباطناً قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}(20)”(21).
الوكيل(22):
قال رحمه الله تعالى:”الوكيل: المتولّي لتدبير خلقه بعلمه وكمال قدرته وشمول حكمته والّذي تولّى أولياءه فيسّرهم لليسرى وجنّبهم العسرى وكفاهم الأمور.
فمن اتّخذه وكيلاً كفاه. {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}(23)”(24).
————————————————————-
(1) ودليل هذا الاسم قال تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً} (النساء: 126).
(2) التفسير (5/625).
(3) ودليل هذا الاسم قال الله تعالى: {الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ} (الحشر: 23).
(4) التفسير (5/624).
(5) ودليل هذا الاسم قال الله تعالى {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (الحشر: 23).
(6) التفسير (5/624).
(7) ودليل هذا الاسم قال الله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض} (النور: 35).
(8) توضيح الكافية الشافية (ص125).
(9) التفسير (5/628).
(10) أخرجه مسلم (1/529) كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب الدعاء في الصلاة وهو جزء =من حديث ابن عباس.
(11) توضيح الكافية الشافية (ص129- 130).
(12) الحق الواضح المبين (ص94-95).
(13) لم أقف على دليل يدل على اسميته لله تعالى وإنما ورد بلفظ الصفة كما قال تعالى:{وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} (الفرقان: 31).
(14) التفسير (5/631).
(15) ودليل هذا الاسم قال الله تعالى: {وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (البقرة: 268).
(16) التفسير (5/631).
(17) ودليل هذا الاسم قال الله تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} (البروج: 14).
(18) الحق الواضح المبين (ص69).
(19) التفسير (5/626).
(20) آل عمران (31).
(21) الحق الواضح المبين (69-70) وانظر: توضيح الكافية الشافية (ص124-125).
(22) ودليل هذا الاسم قال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} (الزمر: 62).
(23) البقرة (257).
(24) التفسير (5/626).
00000000000000000000000000000000000000000000000000
الخاتمة
الحمد لله الذي بحمده تتمّ الصّالحات، وأحمده على توفيقه، وأثنى عليه الخير كلّه لا أحصى ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، والصّلاة والسّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
ففي نهاية هذا البحث الذي حرصت فيه – قدر إمكاني – على إخراجه بصورة واضحة ميسّرة، وقد عنيت فيه ببيان جهود العلاّمة عبد الرّحمن السّعدي في تفاسير الأسماء الحسنى، والذي أظهر فيها حرصه رحمه الله الشّديد على بيان معتقد السّلف الصّالح في باب الأسماء والصّفات خاصّة والشيخ رحمه الله يشرح الأسماء الحسنى على منهج السّلف معتمداً على الأدلّة النقلية أدلّة الكتاب والسُّنَّة.
ومما خلصت به من هذا البحث يتلخص بالنقاط التالية:
1-الإقرار والاعتقاد بجميع ما ثبت في الكتاب والسُّنَّة من أسماء لله، وصفات، وأفعال.
2-إثبات جميع ما أثبته الله لنفسه وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من صفات الكمال ونعوت الجلال.
3-نفي جميع ما نفاه الله عن نفسه وما نفاه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من النقائص والعيوب، من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل.
4-اهتمام الشيخ رحمه الله بالقواعد والضوابط في هذا المجموع، وذلك ممّا يعين طلبة العلم على فهم مسائل هذا الباب العظيم.
5-أن أسماء الله الحسنى عند السّلف توقيفية لا تؤخذ من غير النّصوص الشّرعيّة الثّابتة.
6-اهتمام الشيخ رحمه الله في شرحه للأسماء الحسنى في إظهار معنى الاسم ودلالته على عظمة الله تعالى وأثر الإيمان بذلك.
7-أن أسماء الله غير محصورة بعدد معين ولم يصح حديث في تعيينها.
8-المراد باسم الله الأعظم والجمع بين النّصوص في ذلك.
9-أن المراد بإحصاء الأسماء الحسنى هو اجتماع ثلاثة أمور:
أ-إحصاء ألفاظها وعددها.
ب-فهم معانيها ومدلولها.
ج-دعاء الله سبحانه وتعالى بها.
وفي الختام فهذا جهد أسأل الله أن يجعله خالصاً لوجهه سبحانه، وأن يبارك فيه وينفع به من ألّفه، وجمعه، وكتبه، وقرأه، وسمعه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.