من أين جاء هؤلاء.. الخطباء؟.. بقلم عثمان ميرغني

السودان اليوم:

بصراحة؛ أضبط نفسي مع آخر خطبة الجمعة ثم أذهب للجامع.. لا كسلا بل تجنباً للاستفزاز المهين الذي أحس به من خطباء يعتلون منابر الجمعة ليسمعونا ما حفظناه وامتحنا ونجحنا فيه من السنة الثالثة إبتدائي (أساس حاليا)..

أمس الجمعة؛ أخطأت في تقدير الزمن فوصلت الجامع مبكرا فسمعت خطبة الجمعة كاملة.. فكنت أسائل نفسي.. في أي كوكب يعيش هذا الخطيب؟ بكل يقين هو لم يسمع بأزمة الخبز ولا المواصلات ولا الدواء ولا صفوف الصرافات ولا صفوف محطات الوقود.. ولا .. ولا.. هؤلاء الأئمة والخطباء يسيئون للدين كثيراً عندما يحنطونه في كتب التاريخ ويجعلونه مجرد صور فتوغرافية بالأبيض والأسود من أرشيف قديم لا يصلح إلا للحسرة على الأيام الخوالي.

لكن الأـمر أخطر من مجرد خطباء يتعمدون مع سبق الإصرار والترصد (تهويم) الدين.. أي جعله مجرد أوهام في رؤوس الناس.. فهؤلاء الخطباء يكشفون عن نوع التعليم والمقررات والكتب التي يدرسونها في الكليات المتخصصة في العلوم الإسلامية.

مع احترامي لهيئات التدريس ممن تخصصوا في العلوم الإسلامية.. لكن هناك حاجة ماسة لإعادة النظر في ما يتلقونه من علوم ثم ما يدرِّسونه هم للأجيال اللاحقة.. بعبارة أخرى إعادة النظر في مفاهيم العلوم الإسلامية نفسها والمراجع التي تعتمدها..

أن تكون هذه الكتب مجرد مراجع (تاريخية) تمنح المعارف المطلوبة حول تطور (علوم الدين) خلال الحقب الماضية أمر مقبول بل ومطلوب، لكن أن تكون هذه المراجع هي الفيصل في توصيف (علوم الدين) التي تواكب الزمان الذي نعيشه أو المستقبل فهذا أمر ينافي تعاليم الدين نفسه..

هناك فجوة هائلة بين العالم الذي نعيشه وما تدرِّسه كليات العلوم الإسلامية.. الفجوة ناتجة من أن عقلية تلقي هذه العلوم الآن، علاوة على مشكلة المرجعيات، فهي أصلاً تقوم على مبدأ الحفظ والتكرار لا الفهم والاستنباط.. وينجم عن ذلك خلل خطير حينما تصبح آراء المفسرين والسلف مقدسة غير قابلة للأخذ والرد.. بصورة تهدم مفاهيم الدين الإسلامي.

من تجربتي الشخصية، أحياناً ألجأ لكتب التفسير لفهم آية من القرءان الكريم، أجدني في نهاية الأمر مجابه بـ(فهم) هذا المفسر أو ذاك بحكم عصره وعالمه وزمانه.

مثلاً؛ (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) التين “4” .. بالله راجع كل كتب التفسير، وللعلم سهل جداً الحصول عليها بلمسة زر في الكمبيوتر.. وانظر لما يقوله المفسرون.. بصراحة هذا محض ما أتاحته لهم عصورهم من معارف.. لكنه لا يقنعني إطلاقاً بإن ذلك هو معنى هذه الآية..

من هذه الثغرة ترسخت المفاهيم الخاطئة عن الدين فأنجبت الإرهاب والتخلف الذي تكابده دول (الأغلبيات المسلمة) وأنصح أن لا تستخدموا تعبير (العالم الإسلامي)، فالأفضل القول (دول الأغلبيات المسلمة) فإسلامية بريطانيا وأمريكا أكبر من إسلامية بلدنا السودان نفسه رغم أنف الأغلبيات هنا وهناك.

مطلوب مراجعة مقررات وكتب ومراجع كليات العلوم الإسلامية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى