محمد عبدالقادر: حيدر أحمد دفع الله.. رحيل الرمز وفاجعة العدالة !!

ولانه حدث يومي ملازم لحياة الانسان في رحلته بين الضفتين يظل الموت نقادا يتخير اروع واطيب الناس حتي لايفقد قدرته علي الافجاع، مباغت ومفاجئ يتربص باحلي الارواح يقطفها ويتركنا لنجني الوجع مسلمين طائعين يقينا ب(انا لله وانا اليه راجعون).

بالامس باغتنا الموت وخطف سيد قضاة السودان واميرهم المتوج علي عرش النبل والسماحة والاخاء الدكتور حيدر احمد دفع الله، القاضي والعالم ، والانسان صاحب الضمير اليقظ والملامح المطمئنة والروح النضرة ، والاشراق الجميل .

قبل اسبوع كنت وعدد من الزملاء الصحفيين نستظل بسيرة الرجل العطرة علي وعد بان نترافق للاطمئنان عليه اثر وعكة طارئة الزمته سرير المرض في مستشفي (رويال كير)، لم تمهلنا الايام للتمكن من زيارته فالقدر كان اسرع ، بهاء روحه الوثابة الي الفضائل كان عجلا للقاء ربه، لم ينتظرنا حتي نعاود الجلوس في حضرة جلاله العجيب، كنا نتسابق لامتداحه وفي ذاكرة كل منا سيرة وسيمة لقلب طيب اتسع لياوي الجميع حبا واطمئنا وحرصا علي التواصل والسؤال في كل الاحوال،
تعجبت يومها من اجماع الحاضرين علي محبة حيدر واستحسان ادائه، والصحفيون لا يتفقون عادة ولايحسنون الظن باحد حتي النهاية.

لم تشهد العلاقة بين القضاء والصحافة عهدا بنضرة ايام وسنوات مولانا الدكتور حيدر، كانت سماحته ونزاهته واستقامته هي الجسر الذي ربط بينه وكثبر من الصحفيين ، الرجل ومنذ تنصيبه رئيسا للقضاء في 23 ابريل 2014 ظل صاحب ابتسامة تشع عدالة ، وقلب يقسم نبضه بين الجميع بالتساوي ولانه قاض فقد كانت تشع في جيناته قيم العدل والمساواة حتي في حبه وتواصله للناس ، هو كذلك صاحب نفس تفيض سماحة علي كل من حوله ، فسرعان ما يستهويك هدوء الرجل ووعيه واهتمامه فيخلق بينك وبينه اصرة يغذيها بالنبل والاهتمام والوقار .

كان بعض ما ورثناه ان الاقتراب او التعرض لمملكة القضاة رجس من عمل الشيطان واجب الاجتناب لانه ربما يوقعك تحت طائلة المحاكمة و الجرجرة في دهاليز المحاكم التي يمتلكون مفاتيحها، غير ان حيدر احمد دفع الله كان علي قدر من الوعي الذي جعل من القضاء واحة بر واحترام وقبلة تبجيل دون ان يحتاج الي (تقطيبة وجه) او اعمال سلطات تحرر في وجهك عرضحالا للتوبيخ.

تواضع فزاده الله رفعة، كان لديه من الاحترام مخزونا يكفي الجميع ويفيض، سماحة واعتدال بلا شطط، ياخذ امانته في رئاسة القضاء من باب الرفق بالناس لا محاكمتهم فقط، يحمل همها بصدق عرفه الجميع، يتفقد وبوصي ، يسال، ينصح، يحاسب ويطور ، لتستمر مملكة القضاء عادلة ونزيهة وامينة علي حقوق المواطن وحريصة علي سمعة الوطن.

في عهده عرف السودان حوسبة المعاملات القضائية، ودخلت السلطة في استراتيجية التجويد عبر خطة 2017 _ 2027، ومع الدكتور حيدر تحسنت اوضاع القضاة ومنتسبي السلطة وسادت العدالة وحافظ القضاء علي سمعته نزيها وامينا علي الحقوق وحارسا وفيا للقانون ، مع دكتور حيدر حدث التوسع الافقي والراسي في المحاكم عبر زيادة عددها وتمديد رقعة العدالة ، انتظم منتسبو القضائية في برامج التدريب ورفع القدرات ضمن برنامج لتعزيز كفاءة العاملين والحاقهم بدورات داخل وخارج السودان، في عهده كانت الشرطة القضائية تجد ما تستحق من الاهتمام والعناية اللازمة .

ربما يعلم قليلون ان الدكتور حيدر لقي ربه شهيدا للواجب بعد ان تعرض لوعكة اعقبت تفقده لعدد كبير من المحاكم في نهر النيل وصلها راجلا يشق طريقه وسط كثبان الرمال وتعرجات التلال غير ابه كذلك ببعد المسافات رغم معاناته مع المرض، فعل ذلك لانه لم يكن يريد الترفع علي مرافقيه والوصول اليها بالسيارة.

برحيل حيدر فقد السودان قاضيا فذا واهتزت مملكة العدالة في بلادي حسرة علي رحيل احد اساطينها وحراسها الكبار، الا رحم الله حيدرا وادخله اعلي الجنان بقدر ما اعطي لبلاده وانسان السودان ، وقيض لاهله في مناطق (قندتو وحوش بانفا ونواحي شندي) صبرا يعينهم علي احتمال غيابه الابدي ، فقد انهد ركنا حصينا وانكسر(مرق كبير) في ديوان البلد ، العزاء لاسرتيه الكبيرة والصغيرة ولكل اهل السودان، انا لله وانا اليه راجعون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى