ما هي حقوق الوالدين
قال تعالى: ” وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً “.
إن الله سبحانه وتعالى قرن عبادته وطاعته ببر الوالدين، والإحسان اليهما، وحسن معاملتهما؛ لما لهما من أفضال على الولد منذ ولادته حتى يمضي به العمر؛ فهما أحرص الناس عليه، وأشدهم حباَ له ولمصلحته، كما أنهما بذلا جل وقتهما ومالهما وعمرهما وقوتهما في رعايته، وتربيته وتنشئته خير تنشئة، وهما سبب وجوده، وأكثر من ذلك كله أنهما مفطوران على عاطفة الأبوة والأمومة التي تقتضي أن يؤثراه على نفسيهما، ويحمياه بكل ما لديهما، ويسعداه وإن شقيا؛ فهو امتدادهما في هذه الحياة، ووجه سعادتهما وفلذة كبدهما ، فبذلك هو يجد عندهما ما لا يجده عند باقي البشر .
كل هذا وغيره يوجب على المرء أن يبر والديه، ويحسن إليهما أشد الإحسان، وأن يجعل رضاهما بعد رضى الله الهدف الأسمى في حياته، فطاعتهما واجب، ورعايتهما أقل ما يفي به حقهما. ويكون برهما عن طريق الإنفاق عليهما، وطاعتهما ما دامت في رضى الله تعالى، والدعاء لهما، والإحسان إليهما بحسن الكلام والمعاملة، والفخر بهما أمام الناس، والسعي لسعادتهما، وتوقيرهما والتلطف معهما، خاصة في أشد حاجتهما للابن، وذاك عند كبره، ورقة عظمه وانحناء ظهره .
كما أن الخطاب القرآني العظيم جاء مفصلاً ومشدداً على بر الولد لأبيه، ونهى عن كل ما يعقه به ، فالتواضع إن كان خلقاً كريماً مطلوباً من المسلم مع غيره فإن تواضعه لوالديه أولى وأبر .
وقد خص الله سبحانه الأم بالبر، وقدمها على الأب لفضلها وتعبها، وشدة ما تكابده لأجل أبنائها، حيث أشار الله إلى ذلك : “حملته أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْن” ثم بعد ذلك حضانة ورضاع لمدة سنتين مع التعب والعناء والصعوبة.
لقد جاءت الأحاديث النبوية تنهى أشد النهي عن عقوق الآباء، والتسبب بالأذى لهما، وجعلت عقوقهما من كبائر الذنوب، وأقبح الأفعال عند الله تعالى ورسوله . وهاهم الصحابة – رضوان الله عليهم أجمعين- يضربون أروع الأمثلة في بر الآباء، والحرص عليهم قولاً وعملاً؛ فقد رأى أبوهريرة ـ رضي الله عنه ـ رجلاً يمشي خلف رجل، فقال: “من هذا؟ قال: أبي، قال: لا تدعُه باسمه، ولا تجلس قبله، ولا تمش أمامه”.
وقد حرص الأنبياء والمرسلين على الإحسان إلى الوالدين؛ فهذا نوح ـ عليه الصلاة والسلام ـ دعا لوالديه فقال:”رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات”، فقد قدم والديه في عن كل آدمي قريب كان أم بعيد، عزيز أو صديق، وذاك لاستحقاق الوالدين في ذلك، ولعظم مكانتهما .
إنّ فضل الوالدين ومكانتهما بلغت أن يقدمهما النبي – صلى الله عليه وسلم- على الجهاد، فجعل فضل برهما أكبر من فضل الجهاد، وحث على الجهاد فيهما، والصبر عليهما والرفق بهما، وإن ظلما الابن وأساءا إليه.
فحتى إن كان الوالد مشركاً بالله تعالى فقد أمر الابن بمصاحبته بالمعروف، وعدم الإساءة إليه؛ رداً لجميله وفضله عليه، فأي دين أطهر وأرقى من هذا الدين الإسلامي الحنيف !؟