لماذا تأخرت كلمة الشيخ أبي إسحاق الحويني؟؟؟

بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا تأخرت

كلمتي إلي الآن

فضيلة الشيخ

أبي إسحاق الحويني

حفظه الله

المقدمة :إن الْحَمْد لِلَّه تَعَالَى نَحْمَدُه وَنَسْتَعِيْن بِه وَنَسْتَغْفِرُه وَنَعُوْذ بِاللَّه تَعَالَى مِن شُرُوْر أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَات أَعْمَالِنَا مَن يَهْدِى الْلَّه تَعَالَى فَلَا مُضِل لَه وَمَن يُضْلِل فَلَا هَادِى لَه وَأَشْهَد أَن لَا إِلَه إِلَّا الْلَّه وَحْدَه لَا شَرِيْك لَه وَأَشْهَد أَن مُحَمَّداً عَبْدُه وَرَسُوْلُه.
أَمَّا بَعــــــد.
فَإِن أَصْدَق الْحَدِيْث كِتَاب الْلَّه تَعَالَي وَأَحْسَن الْهَدْي هَدْي مُحَمَّدٍ صَلَّي الْلَّه عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم ، وَشَّر الْأُمُور مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدَعِه وَكِلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَة وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي الْنَّار ، الْلَّهُم صَلّى عَلَى مُحَمّدٍ وَعَلَى آَل مُحَمِّد كَمَا صَلَّيْت عَلَى إِبْرَاهِيْم وَعَلَى آَل إِبْرَاهِيْم فِي الْعَالَمِيْن إِنَّك حَمِيْدٌ مَجِيْد ، وَبَارِك عَلَى مُحَمدٍ وَعَلَى آَل مُحَمِّد كَمَا بَارَكْت عَلَى إِبْرَاهِيْم وَعَلَى آَل إِبْرَاهِيْم فِي الْعَالَمِيْن إِنَّك حَمِيْدٌ مَجِيْد.

آخر درس كان في مسجد العزيز بالله ألفان وثلاثة: فآخر مرة ألقيت فيها درسًا في القاهرة كان في هذا المسجد مسجد العزيز بالله وكان سنة ألفان وثلاثة وفي يوم جمعة وكان العراق يُضرَب لمدة أسبوع وكنت افتتحت درسي بحكاية خلاصتها: أن بعض الأخوات امتثلت فتوى لي وهذه الفتوى لم تعجب أمها ، فقالت هذه الفتاة: أنا لا أغير الفتوى ولا أخالفها فبحثت فسألت الأم ابنتها من أفتاك بهذا فقالت: شيخ اسمه أبو إسحاق الحويني ، فطافت الأم على المساجد تسأل عن هذا الشيخ النكرة الذي لا تعرفه حتى وصل بها المطاف إلى هذا المسجد عندما قالوا لها أن له خطبة جمعة وله درس في هذا المسجد .
فجاءت الأم إلى هذا المسجد تلتمس مني أن أغير فتواي حتى تستقيم حياة ابنتها ، فذكرت الحكاية التي سأذكرها الآن وأنني إذا اعتقدت شيئًا من الحق فإنني أثبت عليه ولا أغيره فإن عجزت عن الجهر به سكت ولا أغيره وذكرت:
حكاية يذكرها أهل الأدب عن أبي حِسل :فقد ذكروا أن بعض الأرانب كان بيده ثمرة فاكهة فخطفها الديك فأكلها فأمسكت الأرنب بتلابيب الديك وقالت لابد أن نختصم إلى حكم ، فقال الديك: لك ما شئت فقالت: هيا بنا نذهب إلى أبي حِسل ، أبو حِسل هذا هو الضب فذهبا جميعًا فوقفا على باب الجحر ونادت الأرنب يا أبا حِسل قال سميعًا دعوتما فقالت: إني اختصمت أنا وهذا فجئنا نحتكم إليك ، فقال في بيته يؤتى الحكم ، فقالت: كانت بيدي ثمرة فاكهة ، فقال لها: حلوة فكليها ، قالت: فخطفها مني هذا فأكلها قال: ما يبغي إلا الخير ، قالت: فلطمته ، قال: بحقك أخذتي ، قالت: فلطمني ، قال: حرٌ انتصر ، قالت: فاقض بيننا ، قال: قد قضيت .
أي أن مقصود القصة في النهاية أن هذا الضب لم يحكم بشيء ولم يغضب أحدًا ، فهي الدبلوماسية هي أن تتكلم ساعتين ولا تفهم ماذا يريد المتكلم.
محمد فوزي كان مؤسس العلم الدبلوماسي في مصر:ومؤسس هذا العلم الدبلوماسي في مصر الدكتور/ محمد فوزي بشهادة كل أقرانه الذين عاشروه أيام كان وزير الخارجية ، يتكلم ساعتين لا يسكت ولا يتلعثم ثم تسأل نفسك في النهاية ماذا يريد .الهدف من ذكر حكاية أبي حِسل:وأنا أريد أنا أقول إنما قدمت هذه الحكاية لأصل الماضي بالحاضر وأن هذه الحكاية ذكرتها في عام ألفان وثلاثة في هذا المسجد وأنني إنما قدمت بها لأن كثيرًا من إخواني أرسلوا إليَّ رسالات كثيرة وعاتبوني كثيرًا أنني لم أتكلم في هذه الأحداث ولم يعرفوا رأيي فيها وقالوا إن سكوتك طال ، وتعودنا منك أنك في أي قضية تضاد الإسلام حتى لو كانت يسيرة جدًا كنت تقف وتتكلم وتقيم الدنيا ولا تقعدها ، فلما يأتي حدث كهذا الحدث الذي ليس له نظير ولا مثيل تسكت الفتنة إذا جاءت فإنها تحتاج إلى بصيرة: فأنا أريد من إخواني أن يعرفوا أنني بحمد الله تعالى لا أتخلف عن قضايا أمتي وأيضًا أعيشها بقلبي وأحمل همها ليلًا ونهارًا ، حتى أنني في منامي لا أكاد أنام ، دماغي يعمل وأنا نائم فأقوم من نومي متعبًا جدًا كأنني لم أنام ، لكن الفتنة إذا جاءت فإنها تحتاج إلى بصيرة ولا تؤخذ من بدايتها ولا تقرأ قراءة سطحية ولا يصلح فيها ردود الأفعال ، لما كنا في السجن سنة واحد وثمانين ، سُجِنا قبل اغتيال الرئيس السادات بشهر ثم حدث حادث المنصة ثم حدثت أحداث أسيوط بعدها والجماعات الإسلامية وهذه القصة .
كنا مُغيَبين عن الدنيا لا نعرف شيئًا ، قُتل الرئيس ونحن لا نعرف أنه قتل لكن كنا نسمع هدير أصوات الدبابات حول السجن ولا ندري ما الذي يجري في الخارج حتى اعتقل شاب في نفس اليوم الذي قتل فيه الرئيس ووصل السجن الساعة الثالثة ليلاً ، وطبعًا كانت إدارة السجن كلها مجتمعة ومتحسبين إذا عرفنا بمقتل الرئيس ماذا سنصنع ، ممكن نكسر الزنازين ونخرج ، فهم مجتمعين وحالة طوارئ قصوى ونحن لا ندري طبعًا وعرفنا هذا فيما بعد .
المهم إن هذا الأخ الذي جاء الساعة الثالثة بالليل نادى بأعلى صوته أن الرئيس قتل ، طبعًا كان السجن كله مستيقضًا لأننا كنا في العشر الأوائل من ذي الحجة وكنا صائمين ونتناول السحور ، فلما نادى بهذا النداء التكبير هز جدران السجن ، وطبعًا كان مأمور السجن مستعد للميكرفون والضباط وغير ذلك ، فلما هدأ هدير التكبير فقام المأمور وقال: أيها الأخوة فأحد الأخوة قال لي: قامت الدولة الإسلامية المأمور يقول أيها الأخوة ، حتى لو قال: أيها الأخوة المواطنون كانت قد انكشفت اللعبة لكن لما يقول: أيها الإخوة فقط قال: قامت الدولة الإسلامية لأن المأمور نفسه يقول أيها الأخوة فهذه القراءة السطحية هذا مثل أضربه كمثل رجل يقرأ قراءة سطحية،لمجرد أن قال أيها الأخوة فتكون الدولة الإسلامية قامت .
سبب سكوت الشيخ حفظه الله في الفترة الماضية: والذي جعلني أسكت وأحجم أثران هما دستور في حياتي منذ عقلت فيما يتعلق في مسائل الفتن والاختلاف .
الأثر الأول:رواه الإمام البخاري في كتاب الحدود ورواه غيره من الأئمة الستة من حديث بن عباسt قال: ” كنت أُقرئ رجالًا من المهاجرين منهم عبدالرحمن بن عوف وكنت في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطابtفي آخر حجة حجها _آخر حجة حجها وعمر بن الخطابt كانت سنة ثلاثة وعشرين_فقال عبدالرحمن: هل لك في رجل أتى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فقال له: هل لك في فلان يقول لو مات عمر بايعت فلانًا فإن أبا بكر بويع وكانت بيعته فلتة فتمت ،قال: فغضب عمر وقال: إني لقائم العشية في الناس فمحذرهم من هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم ، قال عبدالرحمن: فقلت يا أمير المؤمنين: إن الموسم_أي موسم الحج_ يجمع رعاع الناس وغوغاءهم وهم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس فأخشى أن يأخذوا مقالتك فيطيروها كل مطار ولا يعوها ولا يضعوها في موضعها ، فأمهل حتى تأتي المدينة دار الهجرة والسنة فتقول ما تريد أن تقول متمكنًا بين أهل الفقه وأشراف الناس فيحملون مقالتك ويضعونها في مواضعها ، فقال عمر: أما إني لأقولن ذلك في أول مقامي إذا رجعت،قال بن عباس: فلما كان في عقب ذي الحجة ورجع عمر إلى المدينة وكان في يوم جمعة قال فبكرت إلى المسجد فإذا سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل يجلس في ركن المنبر فجلست بجانبه تمس ركبتي ركبته فلم أنشب أن خرج عمر ، فقلت لسعيد بن زيد بن عمر بن نفيل: ليقولن عمر اليوم مقالة ما قالها قبل ذلك قط ، قال: فأنكر عليَّ وقال: ما عسيت أن يقول ما لم يقله _هو منذ عشر سنين يتكلم ، ما هو الجديد الذي يمكن أن يقوله ولم يقله قبل ذلك_قال: فصعد عمر المنبر فلما سكت المؤذنون قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنه قد قدر لي أن أقول مقالةً لعلها بين يدي أجلي فمن وعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته وإلا فلا أحل لأحد أن يكذب عليَّ ” وساق الحديث كله وفيه حديث سقيفة بن ساعده إلى آخره:
الشاهد: قول عبدالرحمن بن عوف ” إن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغائهم ”
مصر لها وزن ثقيل إذا اهتزت قد تهز العالم: لما هبت هذه الهبة وانقلبت مصر رأسًا على عقب في واقعةٍ لم تحدث في التاريخ المعاصر على الأقل ولا في التاريخ الماضي بهذه الصورة ، ومصرُ لست بلدًا هينة وإن هُمشت ، مصر لها وزن ثقيل إذا اهتزت لا تهتز وحدها بل تهز المنطقة بكاملها وقد تهز العالم ، وهذا هو وضعها وقدرها ، وأنا أكره العصبية للأرض والطين وأنا أقول هذا لأنني مصري أبدًا ، لكن هذا وضع مصر ولذلك لما همشت مصر وخرجت من حلبة الصراع أُكِل العرب جميعًا ، لما كانت قوية ما كان يستطيع أحدٌ أبدًا أن ينظر إلى بلد من بلاد العرب والمسلمين ، لكن لما همشت وسقطت حدث الذي تعلمونه جميعًا .
فهذا حادث جلل ثقافة الصراخ هي التي سادت المشهد ، وثقافة الصراخ تحجب اتزان العقل :، فالذي يتكلم في حال صراخ الصارخين يكلم أناسًا بلا عقول ولذلك تذهب الحكمة أدراج الرياح وتخرج التهم .
أنا أعذر المريض إذا جاء المستشفى وهو يصرخ ، حقه مشروع أن يصرخ من الألم لكن لا يجوز للطبيب أن يبادله صراخًا بصراخ ، فثقافة الصراخ لا يجوز للطبيب أن يتبناها ، لذلك تجد المريض يصف الطبيب الذي يبتسم ويقول له بسيطة يقول أنه بلا قلب ، لو أن هذا الطبيب بادله صراخًا بصراخ لمات المريض، وقال علتي لا علاج لها ، إذا كان الطبيب يصرخ فعلتي لا علاج لها ، فهذا يحدث انزعاج أكثر .فأنا كنت أراقب المشهد وهو مشهد جديد ليس له نظير يقاس عليه وهذه هي المشكلة ، كل المظاهرات التي خرجت قبل ذلك كانت تجهض والقصة تكون معلومة قبل أن تحدث لنا جميعًا ، ستنتهي بقنابل مسيلة للدموع ورصاص مطاطي وغير ذل واعتقال وكله يذهب إلى مكانه أليس هذا هو المشهد الطبيعي الدائم الذي لم يتغير ، فكان يمكن أن تقيس فيه أصل ثابت يمكن أن ترجع الحادث إليه .أما أن يكون هناك شيء جديد لا نظير له فيكون القياس صعب جدًا لن القياس إنما يكون على المستقر وليس على الشاذ ، فتكون القراءة فيها نوع من الصعوبة البالغة هل تتكلم أو لا تتكلم ، إذا ذهبت إلى هناك وقلت يا جماعة لا يجوز لكم هذا قالوا عدو الثورة وطردوك ، وإذا ذهبت فصرخت قال لك آخرون: هذا على خلاف الحكمة وعلى خلاف ، فأنت لا تستطيع أن ترضي هؤلاء ولا هؤلاء ، وأنا قلت لإخواني والمسألة الحقيقة تحتاج إلى كلام كثير وأنا جئت الآن لأكسر حاجز الصمت فقط لا لأتناول الموضوع، تناولًا كبيرًا لأن هذا يحتاج إلي وقت وإلي بسط ، فلا أحد ينقل عني أنني قلت لهذا ولا ذاك ، أنا أتيت اليوم لأكسر حاجز الصمت وأقول رأيي في بعض القضايا بصورة مجملة ، أما التأصيل العلمي هذا إن شاء الله يأتي فيما بعد .
ثقافة الصُّراخ هي سيدة الموقف: قلت لبعض إخواني لو أن الله U بعث عمر بن الخطاب من قبره فوقف في ميدان التحرير وكل الناس يعلم أنه عمر ، وقال لهم قولًا يخالف أهواءهم لرجموه بالحجارة ، لماذا ؟! لأن ثقافة الصراخ هي سيدة الموقف .
وإذا اتصلت الفتنة بالعوام ذهب عقل الحكماء: لا يستطيع أحد أن يوقفها مهما كان ، واعتبروا بموقعة الجمل ولكن ليست الجمل والبغال والحمير التي نحن أصحابها ، لا ، موقعة الجمل القديمة موقعة الجمل التي كانت بين علي t ومعاوية t وكان مع علي أفاضل الصحابة ومع معاوية أفاضل الصحابة ، والذين يتقاتلون هنا وهناك من أفاضل التابعين دينًا ، وخلقًا ، وسدادًا في الرأي أراد طلحة والزبير وكلاهما من العشرة المبشرين بالجنة أنهم يأتوا بشخصية لا خلاف عليها بين المسلمين جميعًا من الفريقين لا من فريق علي ولا من فريق معاوية y ، من ؟ عائشة حبيبة النبي r ، الصديقة بنت الصديق ، طاهرة الذيل ما تظن بريبة وتصبح غرسي من لحوم الغوافل كما قال حسان ، والكل يعرف منزلة عائشة t فتصور إن إذا وقفت عائشة وقالت: كفوا عن القتال وهي محل اتفاق إن ممكن تحقن دماء المسلمين ، فلازال طلحة والزبير يكلمانها حتى خرجت ، ماذا كانت النتيجة ؟ عقر جملها وسميت الموقعة موقعة الجمل بسبب جمل عائشة وكادت أن تموت حتى أخذها علي بن أبي طالب وأرجعها إلي المدينة فكانت إذا ذكرت خروجها تبكي حتى تبل خمارها ، وهي تمر علي القرآن وتقرأ ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾(الأحزاب:33)كانت تبكي حتى تبل خمارها ، وقلت لغلامها: (إذا مر أبو عبدالرحمن فأذن له) ، أبو عبدالرحمن هو عبدالله بن عمر لأن عبدالله بن عمر كان اعتزل الفتنة ،( فبينما ابن عمر ذاهب إلي المسجد _فغلام عائشة t قال له: إن عائشة تريدك ، فدخل عليها فسلم فقالت: (يا أبا عبدالرحمن لما لم تنهني عن الخروج ؟) ، قال: (رأيت رجلين غلباكِ علي رأيك) ، قالت: (والله يا أبا عبدالرحمن لو أمرتني ألا أخرج ماخرجت) فعندما يكون طائفتان بهذا السداد ، والدين والعقل ، واتصلت الفتنة بالجماهير ، ماذا كانت النتيجة ؟! وهؤلاء كما ذكرت لكم دين ، وعقل ، وسداد ، ورأي ، ومحبة لله ولرسوله ، فالذي حدث لا يجوز أن يتكلم المرء فيه بادي الرأي ، لماذا ؟! لأنه ليس له مثال سابق يقيس عليه ، ولا يدري إلي ما تصير الأمور فيسكت حتى ينجلي الموقف .
الأثر الثاني لصمت الشيخ حفظه الله :الأثر الثاني الذي جعلني أيضًا اسكت متأملًا وليس ساكت مغمض عيني لا ، أنا أتأمل الأحداث كلها أثر سعد بن أبي وقاص وهو كان ممن اعتزل الفتنة أيضًا ، عندما سألوه: لما لم تخرج مع أحد الفريقين ؟! قال: (إنما مثلي ومثل إخواني كمثل رفقة في طريق فبينما هم يمشون إذ أظلمت عليهم فقال جماعة: الطريق يمينًا فصاروا يمينًا ، وقال جماعة: الطريق يسارًا فصاروا يسارًا ، وقلنا نحن: لا نمشي حتى تنجلي ، فلما انجلت كنا علي الأمر الأول) ، لأن كل الناس لا يختلفون علي أن المنطقة التي وقفنا عليها هي المتفق عليها ، الذين اجتهدوا وأخذوا يمينًا من المحتمل أن يخطئوا والذين اجتهدوا وأخذوا يسارًا من المحتمل أن يخطئوا ، أما الذين وقفوا فبالإجماع لم يخطئوا ، لماذا ؟! لأنهم وقفوا في المكان المتفق عليه.
سبب نجاح الثورة عند كثير من الكتاب ورد الشيخ عليهم:اليوم كثير من الكتاب يقول: أن هذه الثورة نجحت لأنها ليس لها رأس فبالله عليكم هل هناك جسد يحيا بلا رأس ؟! ، هل هناك أمر يمضي بحكمة بلا رأس ؟! أي دولة في الدنيا لها رئيس ، ولها نائب رئيس ، ولها رئيس وزراء ، ولها وزراء ، ولها محليات بدون هذا التنظيم لا يمكن أن تكون هناك دولة ، وقديمًا مر أبو حنيفة – رحمه الله – علي قوم يتفقهون فقال: (ألهم رأس ؟!) قالوا له: لا ، قال: (إذن لا يفلحون أبدًا) .
اليوم كل واحد يقول: الوزير هذا لا يعجبني انزلوه ينزلوه ، وهذا أيضًا لا يعجبني انزلوه ، فنحن نخاطب من ؟! هي ليس اسمها ثورة اسمها ثورة ، الثورة دائمًا لها رأس لها زعيم حتى في التعريفات السياسية الثورة لابد أن يكون لها زعيم ، لا توجد ثورة بلا زعامة هذه اسمها صورة فيقولون: إنها نجحت لأنها بلا رأس ، وبلا هوية لدرجة أن بعض الشيوخ الذي كان في ميدان التحرير قيل له: ارفع راية كتب عليهالا إله إلا الله فقط ، قال: هؤلاء يأكلونني ، هل لا إله إلا الله عليها خلاف ؟! هل نحن رفعنا راية الدعوة للعلانية السلفية أو الإخوان أو التبليغ أو التكفير أو التوقف أو الليبرالية أو الحزبية أو الوفدية ؟! يقول له: ارفع لافتة مكتوب عليها لا إله إلا الله ، قال: يأكلونني ، إذا كان لا إله إلا الله التي لا خلاف عليها في بلد سني كبلدنا لا تستطيع أن ترفعها كل ما يقول يريد أن يسرق الثورة ، الشباب الذين قالوا: الحكومة هذه لا تعجبنا أو الوزير هذا لا يعجبنا أو الكلام هذا ، الوزير الذي جاء ، هل تعلم أنه كفء أم لا ؟! ربما كان الذي تعترض عليه اخلص منه وأكفأ .
ما هو مقياسك عندما تقول: أنا لا أريد هذا وأرحب بهذا ؟! السياسة لأن اختيار الساسة عشوائي واختيار الوزراء واختيار المحافظين كله عشوائي فسد حال بلاد المسلمين ، كان قديمًا لا يتولي أمور الناس إلا رجل عُلِّمَّ كيف يعامل الناس من الصغر ، هارون الرشيد أولاده الأمين والمأمون كان لهم مؤدبون من أكابر العلماء ، الأصمعي مثلًا كان أحد مؤدبي هؤلاء وكان يضع جاسوس علي الشيخ أو المعلم أو المؤدب حتى يري ، هل يؤدب الأولاد كما ينبغي أم لا ؟ وفي ذات يوم من الأيام نقل الجاسوس للرشيد واقعة قال له: حدث اليوم أن الأصمعي أراد أن يلبس حذاءه فالولدين اختصموا كل واحد يريد أن يلبس الأصمعي الحذاء وهؤلاء وليا العهد ، فالمهم هذا يقول: لا ، أنا الذي سألبسه الحذاء ، والآخر يقول: لا ، أنا الذي سألبسه الحذاء ، أنا أولي منك أنا وجدت الحذاء الأول قبلك كلام مثل هذا ، المهم اتفقوا في الآخر علي أن كل واحد يلبسه واحدة ، فالجاسوس نقل هذا الكلام هذا للرشيد فالأصمعي دخل علي الرشيد فالرشيد يقول له: يا أصمعي ، من أعز الناس ؟ قال: أعز الناس أمير المؤمنين قال له: لا ، بل أعز الناس من تسابق وليا العهد أن يلبساه حذاءه ، هذا هو أعز الناس ، لماذا يربي الأصمعي هؤلاء ؟! لأن سياسة الناس فقه مختلف تمامًا يحتاج إلي دربة,
سياسة الناس فقه مختلف يحتاج إلي دربة:أنت تعلم معاهد إعداد القادة أنا أريد واحد محافظ لابد أن يكون هذا مدرب ، كيف يعامل الناس ؟! لا أأتي بواحد لواء أضعه محافظ هو ناجح في مكانه وأحرز في مكانه انتصارات ، لكن لا ينفع أن يسوس الناس لابد الذي يسوس الناس أن يكون عنده صفات خاصة .
سبب خروج النضر بن شميل من بغداد: أحد أئمة اللغة ، والعربية ، والحديث خرج من بغداد فشيعه ثلاثة آلاف ما بين عروضي عروضي: المتعلق بالشعر ومابين فقيه ، ومحدث ، ولغوي فقال: يا أهل بغداد لو أني أجد بين ظهرانيكم مد بقل في اليوم ما تركت بغداد ، خرج لأنه فقير لا يستطيعون أن يوفروا له كيلو فول ، خرج فذهب إلي مرو وكان مرو فيها المأمون ، فالمأمون أمير المؤمنين سأعرض لك كيف كان يسوس فالمأمون في يوم شعر أنه لديه ملل فقال للجماعة: أأتوني برجل أنادمه أي يسامرني كي أخرج مما أنا فيه من ملل، فأتوا له بالنضر بن شمير ، فالنضر بن شمير دخل علي المأمون ملابسه ممزقة فعندما دخل قال له المأمون: (ما هذا يا نضر أتدخل علي أمير المؤمنين بهذه االخُلقان ؟!) الملابس الممزقة التي تلبسها هذه ، قال له: (يا أمير المؤمنين إن حر مرو شديد) هذه فتحات تهوية قال: (لا ، لكنك رجل زاهد) ، قال: (ثم جري بنا الحديث حتى وصلنا إلي ذكر النساء فقال المأمون: حدثنا هشيم) ، هشيم هذا ابن بشير شيخ الإمام أحمد (عن مجالد عن الحسن البصري أن النبي r قال: «إذا تزوج الرجل المرأة لدينها كان له سَدادًا من عِوَز» ، فقال النضر: صدق أمير المؤمنين حدثنا فلان عن فلان أيضًا أتي بالحديث أن النبي r قال: «إذا تزوج الرجل المرأة لدينها كان له سِدادًا من عِوَز » المأمون قال: سَدادًا بفتح السين ، والنضر قال: سِدادًا بكسر السين عندما قال النضر: سِدادًا كأن حية لدغت المأمون كان متكًأ فجلس علي الفور ، وقال: (ما هذا يا نضر أتلحنني ؟!) اللحن: هو الخطأ ، لأنه عيب أن يلحن ، أمير المؤمنين هذه مصيبة لا يتحملها ، فقال: (لا يا أمير المؤمنين ، إنما كان هُشيم رجلًا لحانًا فتبع أمير المؤمنين لفظه) أي الخطأ من شيخ المأمون وليس من المأمون وفعلًا هُشيم كان لحانًا كي لا يظن أحد أن النضر جامل المأمون وأتهم هُشيم بن بشير، (قال له: وما الفرق بينهما ؟! ، قال: السَداد (بفتح السين) هو التوسط في كل شيء ، والسِداد (بكسر السين) هو البلغة يتبلغها الرجل) ، البلغة: الشيء الذي يريد أن يبلغه ، فقال: (يا نضر أتعرف العرب ذلك ؟! ، قال: نعم ، قول العرجي:

أضاعوني وأي فتيً أضاعوا

ليوم كريهة وسداد ثغري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى