كَسَرَتْ بيضتَها الأرضُ

كَسَرَتْ بيضتَها الأرضُ
وألقتْنا إلى السجنِ الترابيّ عصافيرَ حيارىَ
تتدلّى صيحةُ الخوفِ على أفواهنا
مثل تجاعيدَ على خدّ العذارىَ
كيف نشدُو!
ليسَ في المشهدِ أغصانٌ
تُحيِّي روعةَ الشدو فتزدادُ اخضراراَ
ربّما أغنيةٌ تكفي لأنْ تقتلعَ البابَ وتفتضَّ الجداراَ
ربّما أغنيةٌ تكفي..
ولكنْ أينَ نمضي ووراءَ السجنِ تنّينٌ
يبثُّ الرعبَ في الطيرِ إذا اهتزَّ وثاراَ
والمدى يمتدُّ ليلاً سرمديّاً..
كلُّ شيءٍ فيهِ سهرانُ على قارعةِ الوَهْمِ
يخالُ الشُهْبَ عشّاقاً سهارىَ
كلُّ عصفورٍ هُنا بشّرهُ الحبُّ
لئنْ زغردَ أنْ يغدو هزاراَ
واتّفقنا أنْ نُحيلَ السجنَ بستاناً
وأنْ ننثرَ آلافَ الزغاريدِ من القلبِ ، بذاراَ
يا رفاقَ القَيْدِ في الزنزانةِ الكُبرى
هلمُّوا نسأل الجدرانَ عمّا نحتَ الماضونَ من خربشةٍ فيها
وما سكُّوا على الأبوابِ أوهاماً كِباراَ
ربّما نكسرُ قيدَ اللُّغزِ
عن أعمارِنا الملقاةِ في الرمزِ
ونهديها من العتقِ سِواراَ
{ { {
ضَحِكَ اللغزُ السماويُّ
وهبّتْ في المدى عاصفةٌ من قهقهاتٍ
قَذَفَتْنا خارجَ الوعي سُكارىَ
صاحتِ السَكرةُ:
إنَّ الموتَ مبراةٌ بكفِّ الدهر..
والأعمار أقلامٌ أُسارىَ
فاكتبُوا أسماءَكُمْ في الدفترِ السُفليّ بالأخضرِ..
روُّوا جرّة الفخّارِ..
هذا النبعُ لا يوردُ إلا مرّةً واحدةً
لن تردُوا النبعَ مِراراَ
خامَرَتْنا فتنةٌ تكشفُ عن نَهْدٍ
على الغيّ استدَاراَ
فانتشى الماءُ المُعَنّى
وتَنَادَمْنا معاً كي نطردَ الشيبَ
وأدلَيْنا المناقيرَ وخَمَّرْنا الجراراَ
{ { {
بيضةُ الفتنةِ لا تحضنُها إلا الثعابينُ
فلا بُدَّ إذنْ أن تُخلقَ الأُنثى
لكي تكتملَ الفتنةُ في الأرضِ وتشتدَّ اختباراَ
شهقَ الإبداعُ في أيقونةِ الخالقِ
حيثُ الطينُ مسبوكٌ من الرغبةِ..
والإكسيرُ في أقصى تجلّيه ابتكاراَ
وسمعنَا داخلَ المخلوقِ
– من فرطِ اغتلامِ الروحِ – للطينِ خُواراَ
فسألنا:
جنّةً أبدعتَ – يا ربَّاهُ – أم أبدعتَ ناراَ؟؟
أطفأتْ نشوتَنا الأنثى
ولم تتركْ من النشوةِ في أجسادِنا إلا خُماراَ
كم تشاجَرْنا على الوِرْدِ
وكانتْ رشفةٌ واحدةٌ تكفي
لأن تستنهضَ الريشَ وتُهديه المداراَ
كلُّ طيرٍ يدّعي النبعَ ولا يعلمُ أنَّ النبعَ غاراَ
ما تبقّى غيرُ وَهْمِ الماءِ مطوِيّاً على المنثورِ من ريشِ (الحُباَرَى(
يا عصافيرَ ستأتي بعدَنا
تلتقطُ الوهمَ وتجترُّ الشجاراَ
حاذروا أنْ تسقطُوا في ظلّنا الملقى
على الشطآنِ أشواكاً صِغاراَ
نحنُ لا ندري:
أَجئنا النبعَ بالإكراهِ أمْ جئنَا اختياراَ؟؟
ظمأٌ خامَرَنا في عتمةِ الآزالِ
فانشقّ المدى عن سربنا الحيرانِ
يقتادُ مع الماءِ حواراَ
ثرثراتُ الموجِ للشاطئِ
لم تبلغْ بِنا الأسبابَ..
لم ترفعْ عن الغيبِ سِتاراَ
فانزلَقْنا في الأساطيرِ..
دخَلنا في دفوفِ (الزارِ)..
أصبحنا دراويشَ على أرصفةِ الغيبِ
وشيّدْنا من الوحشةِ داراَ
{ { {
كان لا بُدّ من المعبدِ
كي نشعلَ في الوحشةَ رُمّاناً ونُذكي جُلّناراَ
لم نُفِقْ إلاّ على التنيّنِ
في رابعةِ الشمسِ على السجنِ أغاراَ
شدّ فكّيْهِ على أجملِ عصفورٍ
و وَارَاهُ بعيداً وتوارىَ
من سيُنهي موقفَ الحيرةِ بينَ السجنِ والتنّينِ..
من يفتحُ ما بينهما ثقباً ويهدينا الفراراَ؟؟
صاحَ عصفورٌ ظننّاهُ من الجنِّ
على أجنحةِ المجهولِ طاراَ:
لا تخافوا.. فأنا الفنُّ..
أنا من وَسَمَ التنّينَ في الهامةِ
فاهتزَّ ليَ الخلدُ وأبقاني على قمّتِهِ الكُبرى مناراَ
لا تخافوا.. فأنا الناطقُ باسمِ الشمسِ منذُ الأبجديّاتِ
أنا من زوّجَ (الجوديَّ) و (الفُلكَ)
غداةَ ارتفعَ (الطوفانُ) و (التنّورُ) فاراَ
يا رفاقَ القيدِ.. إنَّ الفنَّ جرحٌ في جبينِ الموتِ
فافتنُّوا على القيد صموداً واصطباراَ
{ { {
لم نخلْ أنْ يُخلقَ الوحشُ عقاباً للخطايا..
كلُّ طيرٍ مسّهُ المسخُ على قَدْرِ خطاياهُ احتقاراَ
ريشُنا الأعرجُ حطّتْ فوقَهُ شيخوخةُ الهمِّ
فما يسبحُ في رحبِ المدى إلا ادّكاراَ
سخرتْ أُنثى العصافير من الأجنحةِ الشمطاءِ
وافترّتْ على السربِ المسجّى
تتهجّاهُ انحناءً وانكساراَ
نحنُ يا أنثى اشتعالٌ أبديٌّ..
ما انطفأنا منذُ هاجَ الشبقُ الأحمرُ
في الكونِ الذكوريّ
وأومأنَا إلى الشهوةِ: زيدِيه احمراراَ
لم نزلْ نحصي انهياراتِ المدى
تحتَ جناحِ الشمسِ..
مشغوفينَ بالتحليقِ في رغبتِنا
حتّى إذا استدرجَنا الغصنُ نزلناهُ مطاراَ
لم نَخُنْ شهوةَ عنقودٍ
تدلّى من يدِ الحقلِ يُناجينا: اعتصاراَ
{ { {
عبثاً نحلمُ بالنشوةِ..
بالفتحِ الذي يخترقُ الذاتَ ويجتازُ الحصاراَ
يا رفاقَ القيدِ.. هل من فكرةٍ
تبلغُ من نبعِ السماواتِ قراراَ ؟
كم دخلنا غابةً من فلسفاتٍ
واحتطبنا شجرَ الحكمةِ كي نوقدَ في المجهولِ ناراَ!
كلّما حنّتْ مرايانا إلى السرِّ
تمادى زئبقُ التأويلِ في شطحتهِ الكُبرى
فما نُمْسِكهُ إلا انبهاراَ
هكذا جُزْنا الليالي
وتناسَلْنَا على وجه مراياها غُباراَ
يعبرُ الدهرُ
وما أعمارُنا إلا محطّاتٌ تُجيدُ الانتظاراَ
وعلى سُكّتِنا العمياءِ
تعوي عرباتُ القهر ذؤباناً وتمتدّ قطاراَ
أيّها السرُّ.. افتِنا عن موعدِ الرحلةِ..
عن تذكرةٍ يقطعُها الغيبُ لنا
سوداءَ مثل الشمسِ لم تصنعْ نهاراَ!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى