كل شئ عن الحج
كل شئ عن الحج
لا تهنئة أعظم ولا أجل ولا أكمل من قوله صلى الله عليه وسلم: ((من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)). وهذا في الصحيحين.
فلْيَهْنِ الوافدين لبيت الله ما وُعِدوا به من مغفرة الذنوب، وستر العيوب، ولْيَهْنِهم ما رُتِّبَ على الحج المبرور من هذا الجزاء الجزيل، ورضَى الربِّ الجليل.
لِيَهْنِهم ما تضمَّنه هذا النسك العظيم من الخير والفضل الجسيم، وما فيه من التمتع والتعبد في تلك المشاعر الكريمة والمواقف، وما احتوت عليه هذه العبادة من الأسرار والحكم واللطائف.
أليس الإحرام، ونزع اللباس المعتاد، ورفض المخيط عنواناً على الخضوع والخشوع للرب المحيط؟
أليس تكرار التلبية في تضاعيف النسك، وجميع أوقاته برهاناً على ملازمة العبد طاعة ربه في حركاته وسكناته، وأنه فقير إليه، مضطر إلى رحمته في مهماته وجميع حاجاته؟
يقول بلسان حاله ومقاله: (يا رب دعوتني على لسان خليلك ونبيك محمد، فأجبتك، وناديتني لمحض مصلحتي بمنتك وفضلك فلبيتك، كُلِّي لك؛ باطني وظاهري، عمري، وبشري، ومخي وعظمي، طالما وقعت في الذنوب والغفلات، وأعرضت عن سيدي وحبيبي مقبلاً على الأغراض والشهوات.
. . . فالآن تبت إليك من الهفوات، وأنبت إليك، طامعاً في عفوك عن المجرمين والعصاة، راجياً من كرمك أن تجيب دعوتي، وأن تقبل معذرتي، وافداً على بيتك وحرمك، طامعاً في خيرك وبِرِّك وكرمك، لئن رددتني من يؤويني، ولئن أقصيتني فمن يقربني ويدنيني، لا مانع لما أعطيت، ولا منجا ولا ملجأ منك إلا إليك، ولا معول لي إلا عليك.
أما الطواف بالبيت وبالمروة والصفا فبرهان والتزام التردد والتقلب في طاعة المولى، وفي ذلك اقتداء وتذكر للمصطفين من أنبيائه وأصفيائه، وأنهم حين تملَّقوا لله في هذه المواطن الشريفة غمرهم من جوده وكرمه ونعمائه في تنقلهم من عرفات إلى مزدلفة، ومنها إلى مشاعر منى. ورمي الجمرات دليل وبرهان على خضوعهم في خدمة الرب الجليل، وتزودهم من أسباب التعبدات والخير الجزيل.
هنالك تسكب العبرات وتضج الخليقة بالدعوات المستجابات، وينيلهم الكريم بأفضل الهبات وأكمل الكرامات، وهنالك تنكسر النفوس وتخشع، وتهيبب القلوب إلى ربها وتخضع.
مواقف يهون النصب والتعب متى وصل العبد إليها، ومشاعر تهوى قلوب الموفقين إليها، وكرامات وخيرات تأتي فاز بالخير والسعادة من نالها، ولمثلها فليعمل العاملون، ولتلك العرصات الفاضلة فليتنافس المتنافسون.
لهذه الفضائل العظيمة تُشدُّ الرحال، ولمثلها يسهل إنفاق نفائس الأموال، مع أن الله قد وعد بالخلف العاجل وحسن الثواب في المآل.
هنيئاً لكم أيها الوافدون لزيارة البيت العتيق، القادمون من كل فجٍّ عميق. لقد وجب أجركم على الله، وحقَّ احترامكم وإكرامكم على عباد الله.
دليل الحاج والمعتمر و زائر مسجد الرسول صلى الله عليه و سلم :
(الحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فيهِنَّ الحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلا جِدَالَ في الحَجِّ، وَمَا تَفْعَلوا مِنْ خَيْر يَعْلَمْهُ اللهُ، وَتَزَوَّدوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقوى،
وَاتَّقُونِ يا أُولي الاَلْبابِ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُم، فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفات فَاذْكُروا اللهَ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ، وَاذْكُروهُ كما هَدَاكُم وَإِنْ كُنْتُم مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّين *
ثُمَّ أَفيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِروا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحيمٌ * فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُم فَاذْكُروا الله كَذِكْرِكُم آباءَكُمْ أَو أَشَدَّ ذِكْراً ،
فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنا في الدُّنيا وَما لَهُ في الاخِرَةِ مِن خَلاق * وَمِنْهُم مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنيا حَسَنَةً وَفي الاخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ *
أُوْلـئِكَ لَهُم نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا واللهُ سَريعُ الحِسابِ * واذْكُروا اللهَ في أَيَّام مَعْدودات، فَمَنْ تَعَجَّلَ في يَوْمَينِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْه، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَن اتَّقى، وَاتَّقُوا اللهَ
وَاعْلَمُوا أَنَّكُم إِلَيْهِ تُحْشَرُون ).
(سورة البقرة/ 197 ـ 203)
الأنساك ثلاثة : التمتع، والقِرَان، والإفراد.
نبدأ بالتمتّع و من خلاله نشرح مناسك الحج التي تشترك بها جميع المناسك و من ثم نشير في النهاية إلى الفروق بينها :
* التمتع: هو الإحرام بالعمرة في أشهر الحج*(من أول شهر شوال إلى طلوع فجر اليوم العاشر من شهر ذي الحجة)
و التمتع معناه أن يحرم بالعمرة من ميقات بلده ويفرغ منها ثم يحرم للحج من مكة ، و عليه هديٌ يذبحه .
وسمي متمتعاً لاستمتاعه بمحظورات الإحرام بين العمرة والحج من الثياب, والطيب, والنساء…