قصيدة رائعة ومعبرة جدا لنزار قباني

مواطنون دونما وطن
مطاردون كالعصافير على خرائط الزمان
مسافرون دون أوراق ..وموتى دونما كفن
نحن بغايا العصر
كل والي يبيعنا ويقبض السعر
نحن جوارى القصر
يرسلوننا من غرفة لحجرة
من قبضة لقبضة
من مالك لمالك
ومن وثن إلى وثن
نركض كالكلاب كل ليلة
من مدينة عدن لطنجة
ومن مدينة عدن باليمن الى طنجة
نبحث عن قبيلة تقبلنا
نبحث عن ستارة تسترنا
وعن مأوى

وحولنا أولادنا
احدودبت ظهورهم وشاخوا
وهم يفتشون في المعاجم القديمة
عن جنة نظيرة
عن كذبة عظيمة … عظيمة
تدعى الوطن

مواطنون نحن فى مدائن البكاء
قهوتنا مصنوعة من دم كربلاء
حنطتنا معجونة بلحم كربلاء
طعامنا ..شرابنا
عاداتنا ..راياتنا
زهورنا ..قبورنا
جلودنا مختومة بختم كربلاء
لا واحد من يعرفنا فى تلك الصحراء
لا نخلة.. ولا ناقة
لا وتد ..ولا حجر
لا هند ..لا عفراء
أوراقنا مريبة
أفكارنا غريبة
أسماؤنا لا تشبه الأسماء
فلا الذين يشربون البترول يعرفوننا
ولا الذين يشربون الدمع والشقاء

معتقلون داخل المقال الذى يكتبه حكامنا
معتقلون داخل الدين كما فسره إمامنا
معتقلون داخل الحزن ..وأحلى ما بنا أحزاننا
مراقبون نحن فى المقهى ..وفى المنزل
وفى أرحام أمهاتنا !!
حيث تلفتنا وجدنا المخبر السرى فى انتظارنا
يشرب من قهوتنا
ينام فى فراشنا
يعبث فى بريدنا
ينكش فى أوراقنا
يدخل فى أنوفنا
يطلع من سعالنا
لساننا ..مقطوع
ورأسنا ..مقطوع
وخبزنا مبلل بالخوف والدموع
إذا تظلمنا إلى حامى الحمى
قيل لنا : ممنـــوع
وإذا تضرعنا إلى رب السما

قيل لنا : ممنوع
وإن هتفنا .. يا رسول الله كن فى عوننا
يعطوننا تأشيرة من غير ما عودة
وإن طلبنا قلماً لنكتب القصيدة الأخيرة
أو نكتب الوصية الأخيرة
قبيل أن نموت شنقاً
غيروا الموضوع

يا وطني المصلوب فوق حائط الكراهية يا كرة النار التى تمشي باتجاه الهاوية لا واحد من من مضر ..
أو من بنى ثقيف أعطى لذلك الوطن الغارق بالنزيف قنينة من دمه أو بوله الشريف لا واحد من على امتداد تلك العباءة المرقعة

أهداك يوماً معطفاً أو قبعة
يا وطني المكسور مثل عشبة الخريف
مقتلعون نحن كالأشجار من مكاننا
مهجرون من أمانينا وذكرياتنا
عيوننا تخاف من أصواتنا
حكامنا آلهة يجرى الدم الأزرق فى عروقهم
ونحن نسل الحالية
لا سادة الحجاز يعرفوننا .. ولا رعاع البادية
ولا أبو الطيب يستضيفنا .. ولا أبو العتاهية
إذا مضى طاغية
سلمنا لطاغية

مهاجرون نحن من مرافئ الجهد لا واحد من يريدنا من بحر بيروت إلى بحر العرب لا الفاطميون …
ولا القرامطة ولا المماليك …
ولا البرامكة ولا الشياطين …
ولا الملائكة لا واحد من يريدنا لا واحد من يقرؤنا في مدن الملح التي تذبح فى العام ملايين الكتب
لا واحد من يقرؤنا في مدن صارت بها مباحث الجمهورية عرّاب الأدب

مسافرون نحن فى باخرة الأحزان
قائدنا مرتزق
وشيخنا قرصان
مكومون داخل الأقفاص كالجرذان
لا مرفأ يقبلنا
لا حانة تقبلنا
كل الجوازات التى نحملها
نشرها الشيطان
كل الكتابات التى نكتبها
لا تعجب السلطان

مسافرون خارج الدهر والمكان
مسافرون ضيعوا نقودهم .. وضيعوا متاعهم !!
ضيعوا أبناءهم .. وضيعوا أسماءهم … وضيعوا إنتماءهم
وضيعوا الشعور بالأمان
لا بنو ‘ لينين ‘ يعرفوننا .. ولا بنو ‘ ريجان ‘
يا وطني .. كل العصافير لها بيوت
سوى العصافير التى تحترف الحرية
فهي تموت خارج الأوطان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى