حوار إبراهيم عليه السّلام وملك الموت

إبراهيم عليه السلام

يُعتبر رسول الله ونبيه، وخَليله وكَليمه إبراهيم ـ عليه السلام- واحداً من أعظم وأهمّ الشخصيّات على الإطلاق، فهو أبو الأنبياء كما يُلَقّب، حيث كافأه الله تعالى على حُسْن أخلاقه بأنْ جعل كلّ الأنبياء من بعد يرجعون في أنسابهم إليه، وهو واحدٌ من أُولِي العزم من الرُّسُل، وقد أعلى الله مَكانته في الدّنيا والآخرة، ومن علامات علوّ مكانته أنّ الله عزّ وجلّ قَرَن أهمّ الشّعائر الإسلاميّة به، كالصّلاة، والحجّ، والأضحية، وجعله كليماً له على سائر الخلق، وقد ورد ذكر إبراهيم -عليه السلام- في القرآن الكريم عشرات المرات؛ فمنها ما كان على سبيل سَرد الحوادث والقصص، ومنها ما كان على سبيل الدّعاء وغير ذلك، ومن علامات علوّ مكانته أيضاً أنَّ أتباعالدّيانات السماويّة الثّلاث – اليهوديّة والنصرانيّة والإسلام- يُوقّرونه ويُجلّونه.

اسمه ونَسَبه

هو إِبرَاهِيم بن تارخ بن ناحور بن ساروغ بن أرغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن قينان بن أرفخشد بن سام بن نوح. قَالَ الزُّبَير بن بكار: ويقولون إِبرَاهِيم بن آزر بن النّاحور بن الشّارغ بن القَاسِم الذِي قسم الأَرض بَينَ أهلها، ابن يعبر بن السّالح بن سنحاريب. واسم أمه نونا بنت كرنبا بن كوثا من بَنِي أرفخشد بن سام، وكرنبا هُوَ الذِي كرى نهر كوثا.[١] وَقَد رَوَى أَبُو أُمَامَةُ أَنَّ رجلاً سأل رسول الله صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (كَم بَينَ نُوحٍ وِإبَرَاهِيمَ؟ فَقَالَ: عَشْرَةُ قُرُونٍ).[٢]

ولادته

أفادت بعض الرّوايات أنّ رسول الله إبراهيم ـ عليه السلام- قد ولد في منطقة حرّان التي تُعتبر من المُدن القديمة التي كانت تقع في منطقة بلاد ما بين النّهرين، والتي تقع حاليّاً في الجنوب الشرقيّ من الدّولة التركيّة، إلا أنّ غالبيّة الرّوايات والدّلائل التاريخيّة تُشير إلى أنّ رسول الله إبراهيم ـ عليه السّلام- قد وُلِدَ في منطة أُور التي تقع بالقرب من منطقة بابل، وقال بعضهم: كان مولده بالسّوس من أرض الأهواز، وقال بعضهم: كان بالسّواد بناحية كوثى، وقال بعضهم: كان مولده بالوركاء ناحية الزَوابيّ وحدود كسكر، ثم نقله أبوه إلى الموضع الذي كان به نمرود من ناحية كوثى، وقال بعضهم: كان مولده بحرَّان. أمّا تاريخ ولادته الشّريف ففيه تضارب كبير جداً، إلا أنّ جميعها حصرت ولادته بما بين العام ألفين وثلاثمئة وأربعة وعشرين قبل الميلاد والعام ألف وثمانمئة وخمسين قبل الميلاد، أمّا التّوراة فقد أفادت أنّ ولادته كانت قبل ألف وتسعمئة عام قبل الميلاد.[٣]
وجاء في تاريخ الأمم لابن الجوزي: (وَكَانَ بَينَ الطوفان وإبراهيم ألف وتسع وتسعون سَنَة. وَقِيلَ: ألف ومائتان وثلاث وستون سنة، وَذَلِكَ بَعد خلق آدَم بثلاثة آلافٍ وثلاثمائة وثلاثين سَنَة).[١] وَقَد رَوَى أَبُو أُمَامَةُ أَنَّ رجلاً سأل رسول الله صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (كَم بَينَ نُوحٍ وِإبَرَاهِيمَ؟ فَقَالَ: عَشْرَةُ قُرُونٍ).[٢]
وروى ابن عساكر من غير وجه عن عكرمة أنّه قال: (كان إبراهيم عليه السلام يُكَنّى أبا الضّيفان، قالوا: ولما كان عُمْر تارخ خمساً وسبعين سنة وُلِد له إبراهيم عليه السلام، وناحور، وهاران، وولد لهاران لوط. وعندهم أنّ إبراهيم عليه السّلام هو الأوسط، وأنّ هاران مات في حياة أبيه في أرضه التي وُلِد فيها، وهي أرض الكلدانيّين يعنون أرض بابل. وهذا هو الصّحيح المشهور عند أهل السِّيَر والتّواريخ والأخبار، وصحّح ذلك الحافظ ابن عساكر بعدما روى من طريق هشام بن عمار، عن الوليد، عن سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول، عن ابن عباس قال: ولد إبراهيم بغوطة دمشق في قرية يُقال لها برزة في جبل يقال له قاسيون. ثم قال: والصّحيح أنّه وُلِد ببابل، وإنّما نُسِبَ إليه هذا المقام لأنّه صلّى فيه إذ جاء مُعيناً للوط عليه السّلام).[٤]

صُحُفه

ورد عن رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- أنه وَصَف صُحُفَ إبراهيم -عليه السلام- بأنها كانت كُلُّها أمثالاً[٥]، فقد روى ابن حِبَّان في صحيحه والحاكِم وصَحَّحه عن أبي ذَر – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – قَالَ: (قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَتْ صُحُفُ إبْرَاهِيمَ – عَلَيْهِ السَّلَامُ -؟ قَالَ: كَانَتْ أَمْثَالًا كُلُّهَا: أَيُّهَا الْمَلِكُ الْمُسَلَّطُ الْمُبْتَلَى الْمَغْرُورُ لَمْ أَبْعَثك لِتَجْمَعَ الدُّنْيَا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَكِنِّي بَعَثْتُك لِتَرُدَّ عَنِّي دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنِّي لَا أَرُدُّهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ كَافِرٍ. وَعَلَى الْعَاقِلِ مَا لَمْ يَكُنْ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ سَاعَاتٌ: سَاعَةٌ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ، وَسَاعَةٌ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ، وَسَاعَةٌ يَتَفَكَّرُ فِيهَا فِي صُنْعِ اللَّهِ، وَسَاعَةٌ يَخْلُو فِيهَا لِحَاجَتِهِ مِنْ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ. وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لَا يَكُونَ ظَاعِنًا إلَّا لِثَلَاثٍ: تَزَوُّدٍ لِمَعَادٍ أَوْ مَرَمَّةٍ لِمَعَاشٍ أَوْ لَذَّةٍ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا بِزَمَانِهِ مُقْبِلًا عَلَى شَأْنِهِ حَافِظًا لِلِسَانِهِ وَمَنْ حَسَبَ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلَامُهُ إلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ).[٦]

حوار إبراهيم عليه السّلام وملك الموت

كان إبراهيم عليه السّلام رجلاً غيوراً، وكان له بيت يتعبّد فيه، فإذا خرج أغلقه. رجع ذات يوم فإذا هو برجل في جوف البيت، فقال: من أدخلك داري؟ فقال: أدخلنيها ربّها، قال إبراهيم: أنا ربّها، قال: أدخلنيها من هو أملك بها منك، قال: فمن أنت من الملائكة؟ قال: أنا ملك الموت. قال: أتستطيع أن تُريني الصّورة التي تقبض فيها روح المؤمن؟ قال: نعم، ثم التفت إبراهيم فإذا هو بشاب فذكر من حسن وجهه وحسن ثيابه وطيب رائحته، فقال: يا ملك الموت لو لم يلقَ المؤمن عند الموت إلا صورتك لكان حسبه، ثم قبض روحه عليه السّلام.[٧]

وفاته

وفاة إبراهيم عليه السّلام فيها اختلاف أيضاً، ولكن الرّاجح في ذلك أنّه عاش مع زوجته سارة في حبرون وهي مدينة الخليل الحالية، ويُقال أنّه دُفِنَ في المغارة المعروفة باسم مَغارة المكفليّة، وهي المغارة التي اشتراها إبراهيم حتّى تصير قبراً ومَدفناً له ولأسرته، وهي التي بُني فوقها المسجد الإبراهيميّ لاحقاً في مدينة الخليل، فقد عاش إبراهيم -عليه السّلام- مع سارة في الخليل كما يَذكر ياقوت الحمويّ؛ ولمّا ماتت زوجته سارة دفنها في المغارة التي اشتراها لذلك، فلمّا مات عليه السلام دُفِن في نفس المَغارة.[٨]

المراجع

  1. ^ أ ب جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (1992)، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 258، جزء 11.
  2. ^ أ ب رواه الطبراني، في المعجم الأوسط، عن أبو أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم: 1/128، رجاله رجال الصحيح.
  3. محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الطبري (1387)، تاريخ الطبري (الطبعة الثانية)، بيروت: دار التراث، صفحة 233، جزء 11.
  4. أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير (2003)، البداية والنهاية (الطبعة الأولى)، بيروت: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، صفحة 324، جزء 1.
  5. أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي (1987)، الزواجر عن اقتراف الكبائر (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الفكر، صفحة 193، جزء 22.
  6. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبو ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 361، حديثٌ صحيح.
  7. أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر شمس الدين القرطبي (1425)، التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة (الطبعة الأولى)، الرياض: مكتبة دار المنهاج للنشر والتوزيع، صفحة 2566.
  8. أحمد غلوش (2002)، دعوة الرسل عليهم السلام، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 212.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى