بحث عن قضية فلسطين كامل وشامل بحث عن قضية فلسطين كامل وشامل
حـدودها
يحد فلسطين من الغرب البحر الأبيض المتوسط, على ساحل طوله نحو 224 كيلومترا ومن الشرق سوريا- ويبلغ طول الحدود بين القطرين 70 كيلومتر- والأردن على حدود طولها نحو 360 كلم، ومن الشمال لبنان – على حدود طولها 79 كلم وسوريا، ومن الجنوب سيناء وخليج العقبة. ويبلغ طول الحدود المصرية الفلسطينية بين رأس طابا على خليج العقبة ورفح على البحر الأبيض المتوسط نحو 240 كلم هذا وطول الساحل الفلسطيني الواقع على خليج العقبة عشرة كيلومترات ونصف الكيلومتر.
تعينت الحدود بين فلسطين من جهة ولبنان وسوريا من جهة أخرى بموجب الاتفاق الفرنسي- البريطاني المنعقد في /12/1920 وفي عام 1922- 1923 عدلت هذه الحدود فأدخلت ضمن حدود فلسطين بعض الأراضي السورية القريبة من نهري بانياس والحاصباني وكذلك بعض المواقع اللبنانية وكان أهم ما أخذ من لبنان هو منطقة (الحولة) التي كان اليهود يمهدون لشرائها ثم اشتروها، وكذلك جزء من جبل عامل فيه بلدة هونين. وبموجب هذا الاتفاق تسير الحدود من “رأس الناقورة” الواقع على البحر الأبيض المتوسط باتجاه الشرق إلى قرية “يارون” في لبنان. ومن ثم يسير باتجاه الشمال الشرقي إلى “القدس” و”المطلة” في فلسطين، وعبر وادي الأردن إلى “تل القاضي” في فلسطين، وإلى “بانياس” في سوريا. وبعد ذلك يسير خط الحدود باتجاه الجنوب الغربي إلى”جسر بنات يعقوب ” ومن ثم يسير باتجاه الجنوب على طول نهر الأردن حتى بحيرة طبرية، وساحلها الشرقي إلى نقطة تكاد تكون من مدينة طبرية حيث ينحرف خط الحدود في اتجاه الجنوب الشرقي إلى أن يصل محطة “الحمة” الواقعة على سكة حديد درعا- سمخ. وحسب هذا التحديد تقع جميع “بحيرة الحولة” وحوضها، و”بحيرة طبرية” بأكملها في فلسطين.
ويتألف القسم الفلسطيني الواقع شرقي البحيرتين من قطاع ضيق يمتد على طول ساحل بحيرة الحولة الشرقي، وقطعة ضيقة تقع شرقي بحيرة طبرية يتراوح عرضها بين 10-2000 متر على أكثر تعديل. وأما الحدود مع شرقي الأردن فقد حددها المندوب السامي البريطاني لفلسطين وشرقي الأردن في ا أيلول 1922. وهي تبدأ من نقطة اتصال اليرموك بالأردن فتسير جنوبا من منتصف مجرى نهر الأردن وبحيرة لوط ووادي العربة حيث تنتهي في ساحل خليج العقبة على بعد ميلين غربي مدينة العقبة.
وكانت الحدود بين فلسطين ومصر قد حددت بموجب الاتفاقية المعقودة في 12 شعبان 1324 أول أكتوبر- تشرين الأول- 1906 م. بين خديوية مصر والحكومة العثمانية. وتمتد الحدود من “تل الخرائب” في “رفح” على ساحل البحر الأبيض المتوسط وتنتهي في “رأس طابا” على خليج العقبة. وخط الحدو هذا يكاد يكون في امتداده مستقيم
كان العثمانيون يعتبرون هذه الحدود حدودا إدارية تفصل بين (خديوية مصر التي كانت لهم عليها سيادة اسمية- وبين ولاية سورية ومتصرفية القدس.
مسـاحة فلسطين السطحيّـة
تبلغ حوالي (27009) كيلومترات مربعة: 10421 ميلأ مربعأ، من هذه المساحة (704) كيلومترات مربعة : 262 ميلا مربعا، مساحة بحيرة الحولة وبحيرة طبرية ونصف مساحة البحر الميت. ولا يمكن اعتبار أرقام مساحة البلاد صحيحة ونهائية، وذلك لعدم تعيين الحدود في “وادي عربة” بين فلسطين وشرقي الأردن. فقد جعل الحد في وسط الوادي ولكنه لم يعين حتى نهاية الحكم البريطاني فضلا عن مجرى نهر الأردن الذي يفصل بين البلدين، عرضة للتغيرات الكثيرة, الأمر الذي يؤثر في خط الحدود, وبالتالي في مساحة البلاد. ان الوكالة اليهودية تذكر في صفحة 435 من احصاءاتها المطبوعة في عام 1947 بأن ما يملكه اليهود من ارض فلسطين, في نهاية شهر أيلول من عام 1946 بلغ 18070000 أي ما يعادل 6,8% من جميع أراضي البلاد.
وتوزع الدونمات عليها كما يلي:
– 175000 أجرتها الحكومة للوكالة اليهودية.
– 325000 منحتها الحكومة للوكالة اليهودية وهي من أملاك الدولة.
– 420600 ما حصل عليه اليهود في عهد الدولة العثمانية- حسب إحصاءات الوكالة اليهودية- وذلك بعد جهود عظيمة بذلت خلال خمسين عاما في العهد المذكور، وهذه الدونمات تعادل نحو 6،1% من مجموع مساحة البلاد باع العرب هذه المساحة في وقت لم يعلموا فيه شيئا عن الغايات الصهيونية.
– 261400 مساحة الأراضي التي اشتراها اليهود من عرب فلسطين. وبعضها نتيجة لقانون نزع الملكية وتنفيذا لأحكام أصدرتها المحاكم المختصة، أو لظروف اقتصادية بالغة القسوة والشدة.
– 625000 ما باعه الأقطاعيون من بعض (اللبنانيين ) و(السوريين) من غيرأهل فلسطين وتفصيلها كمايلي: 1807000 دونم .
– 400000 دونم في مرج بني عامر 156000 دونم في أراضي امتياز بحيرة الحولة 32000 دونم أراضي امتياز وادي الحوارث 28000 دونم من أراضي أقضية الناصرة وصفد وعكا وبيسان وجنين وطول كرم. ويتضح من هذه الأرقام بأن الفلسطينيين باعوا، ومعظمهم تحت ظروف قاهرة، أقل من 1% من مجموع مساحة البلاد البرية. وفي آخر إحصاء للأعداء أنهم كانوا يملكون في نهاية الانتداب البريطاني من فلسطين 15،7% من مجموع مساحة ا لبلاد. هذا والدونم يساوي ألف متر مربع أو 10/1 من هكتار. والفدان الواحد يساوي 0,405 من الهكتار.
عـدد السّـكان
قدر العثمانيون سكان فلسطين في عام 1914 العام الذي أعلنت فيه الحرب العالمية الأولى ب689275 نسمة 8% منهم من اليهود. وكان عدد سكان فلسطين حسب التقدير الرسمي، في سنة 1920م 673000 نسمة منهم 0 521000 من المسلمين .67000 من اليهود و78000 من المسيحيين و7000 من المذاهب الأخرى. وفي الإحصاء الذي أجراه البريطانيون في 22 تشرين الأول (أكتوبر) من عام1922 بلغ عدد السكان 757182 نسمة بينهم 83794 يهوديا، والباقي عرب يعودون في أصولهم إلى العناصر العربية التي هاجرت قديما من الجزيرة العربية وسكنت في هذه البقعة المقدسة من الوطن العربي.
وفي 13 اذار من عام 1947 م قدر عدد سكان البلاد بنحو 193367 نسمة على حساب عدد بدو بئر السبع هو 47981 كما جاء في إحصاء عام 1931. ولما كان عدد هؤلاء البدو بلغ في إحصاء فني سري دقيق، أجرته الحكومة عام 1946، 91934 نسمة فيكون عدد سكان فلسطين هو:
1933673-47981×91934=1977626 نسمة. بينهم 614239 يهوديا، وهذا يعادل نحو 31% من مجموع السكان وفي اخر إحصاء للأعداء أن عددهم بلغ عند نهاية الانتداب حوالي 650000 نسمة إلا أن معظم هؤلاء اليهود كانوا من المهاجرين الذين دخلوا البلاد بالقوة، وخلافا لرغبات سكانها الأصليين فلا يمكن اعتبارهم كالسكان العرب مواطنين فلسطينيين شرعيين بأي حال من الأحوال، وعليه فإن النسبة المذكورة أكثر من الواقع بكثير.
تطـور قضيـة فلسـطين
وفيما يلي كلمة للدكتور عبد الوهاب الكيالي عن الحركة الصهيونية منذ سنة 1897 حتى سنة 1947 السنة المشؤومة التي تمزقت فيها فلسطين. أما ما أتى بعد ذلك فسيكون له دراسات مستغلة نرجو أن نوفق لاستيعابها.
قال الدكتور الكيّـالي :
تعود جذور الصراع العربي- الصهيوني المعاصر إلى ثلاث ظواهر متداخلة متفاعلة متناقصة، برزت فى القرن التاسع عشر وحددت الإطار العام للحركة الجدلية التاريخية في المنطقة العربية :
أولاً : الظاهرة الإمبريالية وأطماع الغرب في المنطقة.
ثانيا : ظاهرة اليقظة القومية التحررية عند العرب.
ثالثا : الظاهرة الصهيونية الاستيطانية الإجلائية وهي ظاهرة وثيقة الصلة والتحالف بالظاهرة الأولى كما سنبين.
لفلسطين أهمية تاريخية وروحية وجغرافية واستراتيجية فريدة. فهي قلب الوطن العربي وواسطة عقدة وهي التي تصل أوروبا بآسيا وإفريقيا، وهي مهد الديانات التوحيدية الكبرى في التاريخ وملتقى الحضارات ومن أهم بقاع الأرض قاطبة من النواحي الاستراتيجية والسياحية والدينية. ومن هنا كانت أطماع الدول الغربية في فلسطين قديمة العهد، تشهد بقوتها ومداها الغزوات الصليبية المتعاقبة.
وقد استعاد الغرب اهتمامه الشديد بمنطقتنا في أعقاب احتلال بريطانيا للهند في القرن السابع عشر وبروز الأساطيل الغربية لتأمين المواصلات والتجارة بين الدول الأوروبية ومستعمراتها. كما أيقظت حملة نابليون بونابرت على مصر وفلسطين في أواخر القرن الثامن عشر وأطماع بريطانيا ورغبتها في السيطرة المباشرة نظرا إلى ما انطوت عليه حملة نابليون من تهديد خير للمصالح البريطانية. من هنا إن بريطانيا حرصت على الحفاظ على الإمبراطورية العثمانية كحاجز في وجه أطماع الدولة الغربية الأخرى وعارضت قيام أية قوة حقيقية محلية في المنطقة. وهكذا نظرت بريطانيا في قلق بالغ إلى بروز محمد علي الكبير في مصر ما لبث أن تحول إلى تدخل عسكري عندما هزمت جيوش محمد علي (بقيادة ابنه إبراهيم باشا) الجيوش العثمانية ووحدت مصر وسوريا الطبيعية مهددة بذلك استنبول عاصمة الدولة العثمانية ومعها مصالح الدول الغربية وامتيازاتها في المنطقة. أثار تقدم جيوش محمد علي في المشرق العربي ما عرف بـ “المسألة الشرقية” واستتبع ذلك إقدام بريطانيا على الالتزام بسياسة ثابتة هدفها الحفاظ على المصالح التجارية البريطانية في المنطقة، تحت ستار حماية الأقليات الدينية، وذلك عن طريق الحيلولة دون قيام دولة موحدة تضم مصر وسوريا تستطيع أن تهدد نفوذ الدولة الأجنبية ومصالحها.
وكان من جراء تلك السياسة أن أقامت بريطانيا أول قنصلية غربية في القدس عام 1839 وجهت معظم جهودها ونشاطها إلى حماية الجالية اليهودية في فلسطين التي لم تكن تتجاوز تسعة الاف وسبعمائة نسمة. وحاولت بريطانيا استقدام جاليات يهودية لأسباب ودوافع استعمارية بينها في وضوح الفايكونت بالمرستون رئيس وزراء بريطانيا في رسالة بعث بها إلى سفيره في إستانبول شرح فيها المنافع السياسية والمادية التي تعود على السلطان العثماني من جراء تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين وإقامة حاجز بشري استعماري يحول دون قيام دولة موحدة تضم المشرق العري وإفريقيا العربية.
“إن عودة الشعب اليهودي إلى فلسطين بدعوة من السلطان وتحت حمايته تشكل سدا في وجه مخططات شريرة يعدها محمد علي أو من يخلفه”.
وقد تبنى فكرة بالمرستون في هذا الصدد رجال السياسة الاستعمارية البريطانية الذين توالوا على الحكم في بريطانيا في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. ولا شك في أن شق قناة السويس واحتلال بريطانيا لمصر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر كان لهما أعمق الأثر في تفكير الساسة الإنكليز الاستراتيجي بالنسبة إلى أهمية فلسطين وضرورة السيطرة عليها وأدى بالتالي إلى تزايد الحماسة لفكرة إقامة مستعمرة يهودية تحت الحماية البريطانية فيها.
نشـوء الحـركة الصهيونية
وعلى رغم تبني بالمرستون للفكرة الصهيونية فإن الفكرة الصهيونية السياسية لم تأخذ في شق طريقها إلا بعدما فشلت الأفكار الليبرالية التي نادت بها الثورة الفرنسية في فرض مبادئ الإخاء والمساواة على المجتمعات الأوروبية، وبعدما اتضح أن الأكثرية الساحقة من اليهود عجزت عن الانصهار في المجتمعات التي تغيم فيها أو أن هذه الأكثرية رفضت ذلك. وهكذا جاءت الفكرة الصهيونية كتعبير عن فقدان الأمل في قيام مجتمعات أوروبية تحررية عادلة قادرة على استيعاب اليهود اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وكاستجابة لرغبة الدولة الاستعمارية الكبرى في استخدام الجاليات اليهودية لأغراض استعمار الشعوب المختلفة. وقد لاقى ذلك تشجيعا من كبار الرأسماليين اليهود في غرب أوروبا الذين كانوا يرغبون في تحويل سبل الهجرة اليهودية من أوروبا الشرقية (نتيجة زحف الرأسمالية الصناعية إليها وفقدان اليهود مكانتهم ووظائفهم التقليدية) إلى خارج أوروبا لتجنب نتائج منافسة اليهود الوافدين للبورجوازية الصغيرة في أوروبا الغربية وعواقب البطالة في إثارة النعرات اللاسامية عند الطبقات الشعبية.
وفي مطلع ستينات القرن التاسع عشر أخذ بعض المفكرين اليهود في الدعوة إلى العمل من أجل “العودة إلى فلسطين واستعمارها وكان أولهم هيرش كاليشر وذلك في كتابه “البحث عن صهيون” الصادر عام 1861 وفي العام التالي نشر مؤسس هس كتابه “روما والقدس” الذي نادى فيه بإقامة دولة يهودية في فلسطين. أما معاصرهما دافيد غوردن فقد نادى بما سماه “دين العمل ” مشددا على أهمية استعمار اليهود لفلسطين والعمل اليدوي لتحويل اليهود إلى أمة كغيرها من الأمم. ويعتبر كتاب ليون بينكر التحرير الذاتي الصادر عام 1882 والذي حلل الوضع اليهودي العام وخلص إلى المناداة بوطن قومي يهودي في فلسطين أو أميركا، أقوى الكتابات الصهيونية وأعمقها أثرا.
لكن الصهيونية بقيت مع ذلك فكرة معزولة عن جماهير اليهود حتى العام 1881 عندما اضطرت أعداد ضخمة من هؤلاء إلى النزوح عن روسيا نتيجة المجازر التي وقعت ضدهم أثر اغتيال القيصر الروسي الكسندر الثاني. وكان من نتائج المجازر انهيار الحركة الاندماجية اليهودية وقيام جمعيات صهيونية محلية مكانها باسم “حب صهيون” (نسبة إلى جبل صهيون في القدس ). وطرحت هذه الجمعيات مسألة استيطان اليهود لفلسطين كاحتمال عملي كما درست إحياء اللغة العبرية لتصبح لغة غالبية اليهود عوضا عن اليديشية التي كانت أقرب إلى الألمانية.
أدت المجازر الروسية من جهة ونشوء جمعيات “حب صهيون” من جهة أخرى إلى قيام بضع مئات من الشباب الصهيوني بحركة “البيلو” التي عملت على تهجير اليهود إلى فلسطين بقصد الاستيطان وتمكنت عام 1882 من إيصال 20 مستعمرا يهوديا إلى فلسطين شكلوا طليعة ما اصطلح على تسميته الهجرة الأولى. وحول هؤلاء قرى عربية نائية عدة إلى مستعمرات صهيونية شكلت في ما بعد المراكز الرئيسية للاستعمار الزراعي الصهيوني في المراحل اللاحقة لكن هؤلاء “الرواد” واجهوا مشاكل شائكة لم تكن في حسبانهم، فقد كانوا يجهلون أساليب الزراعة إضافة إلى عدم تعودهم الطقس وصعوبة المعيشة وغير ذلك من العوامل التي جعلتهم في حالة من اليأس الشديد.
وبقيت الحركة الصهيونية مبعثرة تفتقر إلى التنظيم الشامل والخطة الواضحة والجهاز القادر على تنفيذها إلى أن تمكن يهودي نمساوي اسمه تيودور هرتزل من عقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية في 27 آب 1897، في حضور 4 0 2 مندوبين يمثلون جمعيات صهيونية متناثرة في أرجاء مختلفة. وتمخض هذا المؤتمر عن رسم أهداف الحركة الصهيونية، في ما عرف ببرنامج بازل، وإنشاء الإدارة التنيمية لتنفيذ هذا البرنامج: المنظمة الصهيونية العالمية التي حددت أغراضها بالعمل على استعمار فلسطين بواسطة العمال الزراعيين والصناعيين وتغذية الشعور القومي اليهودي وتنظيم اليهودية العالمية والحصول على الموافقة الحكومية الضرورية لتحقيق أهداف الصهيونية.
وعلى رغم تأييد بريطانيا والدولة الغربية الأخرى للصهيونية ولمشاريع هرتزل فقد فشلت جميع محاولاته لحمل السلطان العثماني عبد الحميد على منح اليهود الحق في فلسطين. ولهذا السبب قررت المنظمة الصهيونية غزو فلسطين عن طريق التسلل والهجرة التدريجية. وخلال الفترة 1905-1907 بدأ ما يسمى “الهجرة الثانية” التي كان من أبرز قادتها دافيد بن غوريون. وقد وجدت الحركة الصهيونية في ثورة “تركيا الفتاة” عام 1908 وحركة الاتحاد والترقي فرصة لزيادة الهجرة والاستيلاء على الأراضي والاستيطان نظرا إلى التعاطفط الذي أبداه عدد من القادة العسكريين الذين شاركوافي الحكم الجديد، بعد العام 1908، إلا أنهم اصطدموا بمعارضة عربية قوية.
يقظـة العـرب
شهد القرن التاسع عشر احتكاكا حضاريا مهما بين الغرب والمنطقة العربية وخصوصا في مصر والمشرق أدى إلى تفاعلات بعيدة الأثر. فمع فتوحات نابليون أدخلت وسائل الطباعة الحديثة وتسربت بعض الأفكار الجديدة، ومع بروز محمد علي الكبير جاءت محاولات تحديث مصر في مختلف الحقول الاقتصادية والثقافية مما تطلب إيفاد البعثات الدراسية إلى الغرب والانفتاح على أفكاره وحضارته ولا سيما أفكار الثورة الفرنسية والفكرة القومية الليبرالية. وكانت بداية ظهور الوعي السياسي التيقظ للرابط القومي العربي والمطالبة بالتحرر والاستقلال سابقة لبداية بروز الحركة الصهيونية في طورها التنظيمي. وقد تتبع جورج أنطونيوس فى كتابه القيم “يقظة العرب” إرهاصات الحركة العربية الحديثة منذ عام 1868 في الجمعية السورية العلمية السرية حيث أطلق رواد النهضة الأدبية والعلمية العربية الحديثة صرختهم الشهيرة “تنبهوا واستفيقوا أيها العرب” والتي بفضلها أمكن عام 1875 تأسيس أول حركة قومية سرية.
والواقع أن تقارير قناصل الدول الغربية تلقي المزيد من الضوء على التحرك السياسي القومي في تلك الفترة وتؤكد الطابع الوحدوي العربي والتحرري لهذا التحرك. ولم يكن عرب فلسطين معزولين عن التيارات والاتجاهات السياسية الجديدة في المنطقة. وبحسب شهادة القنصل البريطاني في القدس فإن عرب فلسطين أبدوا تجاربا في يافا والقدس مع ثورة أحمد عرابي ووقوفه ضد الاحتلال البريطاني لمصر. كما أنهم تعاطفوا مع ثورة المهدي في السودان “كعربي يناضل من أجل جنسه (العربي ) ضد السيطرة العثمانية وسوء الحكم العثماني”.
ومن المهم أن نلاحظ أنه لم يرافق يقظة الشعور القومي عند العرب في القرن التاسع عشر أي شكل من أشكال العداء لليهود قبل بداية الغزو الصهيوني والهجرة الصهيونية الأولى عام 1882. كان رد الفعل الأولي هو رد الفعل الطبيعي لشعب أخذ يستيقظ، محب لأرضه، متمسك بها وبتاريخه إزاء محاولات الغزو والاغتصاب. ففي الريف بدأ أول اصطدام مسلح بين الفلاحين العرب والغزاة الصهيونيين عام 1886 عندما هاجم الفلاحون المطرودون من الخضيرة وملبس (بتاح تيكفا) قراهم المغتصبة التي أجلوا عنها على رغم إرادتهم. أما في المدن فقد أثارت الهجرة اليهودية الجديدة مخاوف المهنيين والتجار وبادرت هذه القطاعات وغيرها إلى تقديم عرائض احتجاج إلى الصدر الأعظم طالبوا فيها بمنع هجرة اليهود إلى فلسطين وتحريم استملاكهم للأراضي فيها في مطلع العقد الأخير من القرن التاسع عشر. واشتدت الحملات المناوئة للصهيونية في أعقاب المؤتمر الصهيوني الأول انطلاقا من إدراك حقيقة هدف الصهيونية في إقامة دولة يهودية في فلسطين، واتخذت شكلا تنظيميا محدودا وحالت دون حصول اليهود على أراض زراعية جديدة لسنوات وكان لمشاعر الفلسطينيين العرب صدى لدى المفكرين العرب كما كان لهذه المشاعر أثرها في مواقف السلطان عبد الحميد نفسه.
وبقيام ثورة 1908 وإعلان الدستور وإجراء انتخابات الهيئة التشريعية (المبعوثان) دخلت المناطق العربية في الإمبراطورية العثمانية مرحلة جديدة نظرا إلى ما تضمنه الدستور من إطلاق بعض الحريات وحق إصدار الصحف والى الآمال الواسعة التي علقت على المرحلة الجديدة. ولكن سرعان ما اتضح أن دعاة الإصلاح الدستوري الأتراك هم من غلاة العنصريين الأتراك الذين يكنون للعرب الحقد الأمر الذي دفع الشبان العرب في استنبول إلى تبني آراء ثورية والبدء بتأسيس جمعيات سرية (“القحطانية” و”العربية الفتاة”) إضافة إلى إقامة النوادي الاجتماعية والأدبية (المنتدى الأدبي ) واتخاذها ستارا لبث روح القومية العربية. وكانت جمعية “العربية الفتاة” أول جمعية تطالب بالاستقلال الكامل لا مجرد الحكم الذاتي للعرب ضمن الإمبراطورية. وأدى نشاط الجمعيات المختلفة إلى تحرك سياسي واسع مما دفع السلطات العثمانية إلى القيام بحملة اعتقالات شملت السياسيين والصحفيين.
1908-1914
أثار توافد يهود “الهجرة الثانية” الذين كانوا يتمتعون بدرجة عالية من التنظيم والتزمت الصهيوني المتمثل في مقاطعة اليد العاملة العربية مقاطعة تامة، استياء الفلاحين العرب ورافقت هذا الاستياء موجة من الغضب على الملاكين الإقطاعيين الغائبين، بعضهم من غير الفلسطينيين وبعضهم من التجار، الذين كانوا يجنون الأرباح من بيع الأراضي للصهيونيين وبحلول 1909 أصبحت معارضة الهجرة الصهيونية موضوع الأحاديث الدائمة للناس وعبرت عن ذلك الصحيفتان الفلسطينيتان الوحيدتان في ذلك الحين “الأصمعي” و”الكرمل “، ثم انتقلت معارضة الصهيونية إلى صحف دمشق وبيروت كما تولى نواب فلسطين في المبعوثان التعبير عن معارضة العرب الفلسطينيين للصهيونية والهجرة اليهودية. ولم يكتف العرب بتسجيل الاحتجاجات وإرسال البرقيات إذ شهد العام 1910 ظهور دعوة إلى مقاطعة البضائع اليهودية ردا على مقاطعة الصهيونيين للبضائع والأيدي العاملة العربية.
وفي العام 1911 قام “الحزب الوطني العثماني ” الذي كرس جهوده لمحاربة الخطر الصهيوني على فلسطين. وفي آب 1913 أعلنت صحيفة “فلسطين” في أحد أعدادها أنها ستضطر إلى زيادة عدد صفحاتها حتى تتمكن من استيعاب العدد المتزايد من العرائض والاحتجاجات الواردة ضد الصهيونية وفي الشهر نفسه نشرت صحيفة الكرمل في صفحتها الأولى نبأ قيام تظاهرة كبيرة في نابلس ضد اعتزام الحكومة بيع أراضي بيسان التابعة للدولة لليهود، وما لبثت أن أعلنت الصحيفة قيام “جمعية مكافحة الصهيونية” التي اتخذت من نابلس مقرها الرئيسي لإنشاء فروع لها في بعض المدن الفلسطينية الأخرى.
وفي السابع من تموز 1913 نشرت االكرمل نداء إلى الفلسطينيين تلقته من القدس جاء فيه :
“،. .هل تقبلون أن تصبحوا عبيدا للصهيونيين الذي جاءوا لطردكم من بلادكم مدعين أنها بلادهم ؟.. أيرضيكم ذلك أيها المسلمون والسوريون والعرب. . إننا نؤثر الموت على أن نسمح بأن يحدث ذلك”.
وحث النداء الشعب على الضغط على الحكومة لحظر بيع الأراضي الأميرية للأجانب وتشجيع الصناعات الوطنية ومحاربة الهجرة والنهوض بالصناعات والمهن الزراعية وعدم الاعتماد على الحكومة في كل ذلك. وكشف هذا النداء النقاب عن أن الفلسطينيين فقدوا الأمل في أن تتخذ الحكومة أي إجراء ضد العدوان الصهيوني، ومن هنا كان التفكير بالانتفاض على الحكم العثماني. وهكذا ضمنت جمعيتا “العهد” و”الفتاة” الثوريتان العديد من الفلسطينيين الذين باتوا ينظرون إلى الأتراك كحلفاء للصهيونيين في وجه النهضة العربية. وعبرت الانتخابات التي جرت على عام 1914 للمبعوثان عن جو البلاد حيث أعلن جميع المرشحين معارضتهم القوية للصهيونية ولسياسة الحكومة التي تعمل على تسهيل استيلاء الصهيونية على البلاد.
الحـرب العالميـة الأولى
كان من شأن اندلاع الحرب العالمية الأولى صرف الأنظار عن الأحداث المحلية. ومن دون الدخول في تفاصيل تطور الأوضاع العربية أثناء الحرب فإنه يكفينا في هذا المجال أن نقول أن العرب وجدوا في الحرب فرصة للثورة على الأتراك لنيل استقلالهم ووحدتهم عن طريق محالفة الإنكليز ضد دول “المحور” الذي جذب الإمبراطورية العثمانية إلى جانبه. أما الصهيونية فقد نشطت للحصول على فلسطين بموجب إعلان يصدر عن الدول المتحاربة وبما يوافق رغبة بريطانيا وفرنسا في تجزئة المناطق العربية الخاضعة للحكم العثماني. ووجدت هذه الجهود المتضاربة تعبيرا لها في وعود الحلفاء واتفاقاتهم السرية خلال الحرب. ففي مراسلات حسين ومكماهون وعدت بريطانيا العرب بتأليد مطالبهم في الاستقلال والوحدة في الوقت الذي اتفقت -سراً- مع حليفتها فرنسا اتفاق (سايكس – بيكو) على تجزئة الشرق العربي إلى مناطق نفوذ ضمن المنطق الاستعماري المحض كما حصلت الحركة الصهيونية على وعد بتأييد بريطانيا لأمانيها في إقامة وطن قومي يهودي في فلسطين عرف بوعد بلفور ( 2 تشرين الثاني 1917). ويعتبر وعد بلفور من أغرب الوئائق الدولية في التاريخ إذ منحت بموجبه دولة استعمارية أرضا لا تملكها (فلسطين ) لجماعة لا تستحقها (الصهاينة) على حساب من يملكها ويستحقها (الشعب العربي الفلسطينى) مما أدى إلى اغتصاب وطن وتشريد شعب بكامله على نحو لا سابقة له في التاريخ.
سعت الإدارة العسكرية البريطانية التي حكمت فلسطين طوال تلك الفترة إلى تهدئة عرب فلسطين وذلك بإخفاء الحقائق عنهم والتوفيق ما أمكن بين الزعماء العرب والصهاينة تمهيدا لفصل فلسطين عن سوريا وتمكين السيطرة الاستعمارية عليها.
1917-1920
وحاول الصهاينة أن يتجاوزوا معارضة عرب فلسطين لهم ولمشاريعهم عن طريق اتصالات – بتأييد من بريطانيا – مع العرب خارج فلسطين “حتى يؤثروا في العرب داخل فلسطين “. وإزاء اتضاح اللقاء الكامل بين السياسات البريطانية والأهداف الصهيونية، ونظرا إلى اندماجهم في الحركة العربية، تبنى الفلسطينيون في آيار 1918 “العلم العربي “و”النشيد القومي العربي ” (نشيد الثورة العربية) كذلك عمدوا إلى إنشاء الجمعيات والنوادي بما في ذلك أول ناد نسائي عربي، وفي حزيران تم في القدس تشكيل جمعية مسيحية-إسلامية ذات برنامج يهدف إلى مقاومة السيطرة اليهودية وإلى مكافحة النفوذ اليهودي والحيلولة بجميع الوسائل الممكنة دون شراء اليهود للأراضي. وقد فشلت طبقة الوجهاء التي كانت تقود هذه الجمعيات كما فشل أسلوبها في تقديم الاحتجاجات الخطية والشفهية في ممارسة تأثير حاسم على السياسة البريطانية.
إلا أن ردة الفعل العربية للسياسة البريطانية الصهيونية لم تكن متماثلة عند جميع فئات عرب فلسطين.
انقسمت مملكة سليمان إلى قسمين : مملكة إسرائيل في الشمال ومملكة يهوذا في الجنوب. وقد نشبت بينهما حروب ونزاعات كثيرة ولا سيما فيما يتعلق بالشؤون الدينية. وعاشت المملكة الإسرائيلية نحو قرنين ( 923- 722 ق. م. ) وكان القسم الأكبر من أهالي المملكة وملوكها يعبدون الأوثان. . وكانت نهاية إسرائيل على يد الأشوريين الذين سبوا نخبة أهلها إلى بلادهم في العراق.
أما المملكة اليهودية فقد اشتملت على القسم الجنوبي من فلسطين وكانت أفقر من أختها في الشمال ودامت نحو 136 سنة بعد خراب المملكة الشمالية. وكانت المملكتان خاضعتين في معظم فترات حياتهما لنفوذ الدول القوية المجاورة في العراق ومصر. وكانت نهايتها على يد بختنصر الكلداني الذي فتح القدس وأحرق الهيكل وبيت الملك عام 586 ق. م. وسبى زهاء 50 ألف أسير نقلهم إلى بابل. مكث اليهود في بابل نحو سبعين سنة تغير خلالها لسانهم وتنوعت آدابهم، فلما استولى كورش ملك الفرس على بابل عام 539ق. م ومن ثم على بلاد الشام أمر بإرجاع اليهود الذين ساعدوه حين فتح بابل ولكن قسما من هؤلاء آثروا البقاء في بابل حيث كانوا يتعاطون التجارة.
وقد تمكن الذين عادوا إلى القدس من أن يعيدوا في عام 516ق. م بناء هيكلهم الذي تهدم في عام 586ق. م وجعلوا رئيس كهنتهم زعيما لهم. امتد عهد الفرس في فلسطين من 538 إلى 332 ق. م وكانت نهايته على يد الإسكندر المقدوني الذي نشر قواده الذين تولوا الحكم بعد موته الثقافة اليونانية بين اليهود وفرضوا عليهم آدابهم وحضارتهم فانقسم اليهود إلى قسمين : قسم اقتدى باليونان وحضارتهم الراقية واخر تعصب لعقائده الدينية وتشبث بأساليب الحياة اليهودية التقليدية. وكان من نتائج هذا التشديد على اليهود قيام ثورة بقيادة العائلة المكابية عام 167 ق.م ويعزو أرنولد توينبي نجاح الثورة المكابية إلى تأخر اجتياح الجحافل الرومانية للمنطقة على أثر ضعف الدولة السلوقية لا إلى قوة المكابيين الذاتية.
وسرعان ما تحول المكابيون من ثورة على الاضطهاد ومقاومة لفرض الحضارة الهيلينية (اليونانية) على اليهود إلى قوة اضطهدت الشعوب التي كانت تعيش في فلسطين وشرقي الأردن أبشع اضطهاد وفرضت الدين اليهودي عليها قسرا في الفترة الواقعة ما بين 102- 76.
ومن الخطأ الاعتقاد أن سيطرة المكابيين على المنطقة المشار إليها كان مطلقا فقد كانوا موضع تحدي العرب الأنباط. الذين بسطوا سيطهرتهم على جنوبي فلسطين عندما امتدت مملكتهم في أوج مجدها من سهل البقاع شمالا حتى مدائن صالح (شمالي الحجاز) جنوبا. وقد نشبت بين المكابيين والأنباط معارك عديدة كان النصر في معظمها للأنباط.
جاءت نهاية الأنباط على يد الرومانيين الذين بسطوا سيطرتهم على البلاد وعينوا “هيرودس بن أنتيباتر” الأدومي (وأمه من الأنباط ) ملكأ على اليهود عام 37 ق. م. وكان على صلة حميمة بالإمبراطور أغسطس وعلى الرغم من تهوده وإعادة بنائه للهيكل فقد كرهه اليهود لأنه لم يكن من جنسهم ولأنه نشر الحضارة الرومانية واليونانية التي كانوا يكرهونها فحقد عليهم.
وفي آخر سنة من حكم هيرودس (4 ق. م. ) ولد السيد المسيح في بلدة بيت لحم ونشأ في الناصرة وعاش المسيح طول حياته في فلسطين، وفيها نشر تعاليمه. وكان أكثر تلاميذه وحوارييه من الجليل.