الرسول في القرأن (عليه اكثر الصلاه والسلام)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (الأنفال : 64 )ونداءات رب
العالمين للنبي خاتم المرسلين بقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ … ) وردت في الذكر الحكيم في 13 آية ؛ وبقوله جل جلاله : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ …) في آيتين 2 ..
وَهَذَا تَفْسيِرُهذه الآيَاتِ الْمُبَارَكَاتِ مِنْ كُتُبِ نُخْبَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ رَحِمَهُمُ الله
1* ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (الأنفال : 64 )
الآية: 64 { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }
ليس هذا تكريرا، فإنه قال فيما سبق: ” (وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) (الأنفال : 62 ) ” وهذه كفاية خاصة. وفي قوله: ” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ ” أراد التعميم، أي حسبك الله في كل حال.. وقال ابن عباس: نزلت في إسلام عمر فإن النبي كان أسلم معه ثلاثة وثلاثون رجلا وست نسوة، فأسلم عمر وصاروا أربعين. والآية مكية، كتبت بأمر رسول الله رضي الله عنه في سورة مدنية، ذكره القشيري.قلت: ما ذكره من إسلام عمر رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما، فقد وقع في السيرة خلافه. عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: “ما كنا نقدر على أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر، فلما أسلم قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه”… وكان إسلام عمر بعه خروج من خرج من أصحاب رسول الله إلى الحبشة. قال ابن إسحاق: وكان جميع من لحق بأرض الحبشة وهاجر إليها من المسلمين، سوى أبنائهم الذين خرجوا بهم صغارا أو وُلدوا بها، ثلاثة وثمانين رجلا، إن كان عمار بن ياسر منهم. وهو يشك فيه. وقال الكلبي: نزلت الآية بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال.
قوله تعالى: ” وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ” قيل: المعنى حسبك الله، وحسبك المهاجرون والأنصار. وقيل: المعنى كافيك الله، وكافي من تبعك، قال الشعبي وابن زيد. والأول عن الحسن. واختاره النحاس وغيره. فـ “من” على القول الأول في موضع رفع، عطفا على اسم الله تعالى. على معنى: فإن حسبك الله وأتباعك من المؤمنين. وعلى الثاني على إضمار. ومثله قوله : (يكفينيه الله وأبناء قيلة). وقيل: يجوز أن يكون المعنى ” وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ” حسبهم الله، فيضمر الخبر. ويجوز أن يكون “من” في موضع نصب، على معنى: يكفيك الله ويكفي من اتبعك. اهـ…
وقال السعدي رحمه الله :
” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ ” أي : كافيك” وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ” أي : وكافي أتباعك من المؤمنين ، وهذا وعد من الله ، لعباده المؤمنين المتبعين لرسوله ، بالكفاية ، والنصرة على الأعداء . فإذا أتوا بالسبب الذي هو الإيمان والاتباع ، فلا بد أن يكفيهم ما أهمهم من أمور الدين والدنيا ، وإنما تتخلف الكفاية بتخلف شرطها..
وقال الشنقيطي رحمه الله :
قوله تعالى: {يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ}.
قال بعض العلماء: إن قوله: {وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ} في محل رفع بالعطف على اسم الجلالة، أي حسبك الله، وحسبك أيضاً من اتبعك من المؤمنين. وممن قال بهذا الحسن، واختاره النحاس وغيره، كما نقله القرطبي، وقال بعض العلماء: هو في محل خفض بالعطف على الضمير الذي هو الكاف في قوله: {حَسْبَكَ} وعليه، فالمعنى حسبك الله أي كافيك وكافي من اتبعك من المؤمنين، وبهذا قال الشعبي، وابن زيد وغيرهما، وصدر به صاحب الكشاف، واقتصر عليه ابن كثير وغيره، والآيات القرآنية تدل على تعيين الوجه الأخير، وأن المعنى كافيك الله، وكافي من اتبعك من المؤمنين لدلالة الاستقراء في القرآن على أن الحسب والكفاية لله وحده، كقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ ءَاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَٰغِبُونَ} ، فجعل الإيتاء لله ورسوله، كما قال: {وَمَآ ءَاتَـٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ} ، وجعل الحسب له وحده، فلم يقل: وقالوا حسبنا الله ورسوله، بل جعل الحسب مختصاً به… وقال: {أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} ؟ فخص الكفاية التي هي الحسب به وحده، وتمدح تعالى بذلك في قوله: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} ، وقال تعالى: {وَإِن يُرِيدُوۤاْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ ٱللَّهُ هُوَ ٱلَّذِىۤ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ} ففرق بين الحسب والتأييد، فجعل الحسب له وحده، وجعل التأييد له بنصره وبعباده. وقد أثنى سبحانه وتعالى على أهل التوحيد والتوكل من عباده حيث أفردوه بالحسب، فقال تعالى: {ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَـٰناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ} وقال تعالى: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِىَ ٱللَّهُ} . إلى غير ذلك من الآيات، فإن قيل: هذا الوجه الذي دل عليه القرآن، فيه أن العطف على الضمير المخفوض من غير إعادة الخافض، ضعفه غير واحد من علماء العربية، قال ابن مالك في (الخلاصة):
وعود خافض لدى عطف على ضمير خفض لازماً قد جعلا
فالجواب من أربعة أوجه:
الوجه الأول: أن جماعة من علماء العربية صححوا جواز العطف من غير إعادة الخافض، قال ابن مالك في (الخلاصة): وليس عندي لازماً إذ قد أتى في النظم والنثر الصحيح مثبتا
الوجه الثاني: أنه من العطف على المحل، لأن الكاف مخفوض في محل نصب، إذ معنى {حَسْبَكَ} يكفيك، قال في (الخلاصة): وجر ما يتبع ما جر ومــن راعى في الاتباع المحل فحسن
الوجه الثالث: نصبه بكونه مفعولاً معه، على تقدير ضعف وجه العطف، كما قال في (الخلاصة):
العطف إن يمكن بلا ضعف أحق والنصب مختار لدى ضعف النسق
الوجه الرابع: أن يكون {وَمِنْ} مبتدأ خبره محذوف، أي {وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ} فحسبهم الله أيضاً، فيكون من عطف الجملة، والعلم عند الله تعالى.
قلت : وهذه الكفاية وردت في قوله تعالى : (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ) (الزمر : 36 ) = قال الطبري رحمه الله:
-القول فـي تأويـل قوله تعالى: (أَلَيْسَ اللّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ )… اختلفت القرّاء في قراءة: (ألَيْسَ اللّهُ بكافٍ عَبْدَهُ) فقرأ ذلك بعض قراء المدينة وعامة قرّاء أهل الكوفة: «ألَيْسَ اللّهُ بكافٍ عِبادَهُ» على الجماع, بمعنى: أليس الله بكاف محمدا وأنبياءه من قبله ما خوفتهم أممهم من أن تنالهم آلهتهم بسوء ؟ وقرأ عامة قرّاء المدينة والبصرة, وبعض قرّاء الكوفة: (بكافَِ عَبْدَهُ) على التوحيد, بمعنى: أليس الله بكاف عبده محمدا.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان في قرَاءةِ الأمصار. فبأيتهما قرأ القاريء فمصيب لصحة مَعْنَيَيْهَما واستفاضة القراءة بهما في قرَاءةِ الأمصار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: – حدثني محمد, قال: حدثنا أحمد, قال: حدثنا أسباط, عن السدّيّ( ألَيْسَ اللّهُ بكافٍ عِبدَهُ) يقول: محمد . – حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله:( ألَيْسَ اللّهُ بِكافٍ عَبدَهُ) قال: بلى, والله ليكفينه الله ويعزّه وينصره كما وعده..اهـ.
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (الأنفال : 70 +71)قال ابن كثير رحمه الله :
– قال محمد بن إسحاق: حدثني العباس بن عبد الله بن مغفل ، عن بعض أهله ، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال يوم بدر: «إني قد عرفت أن أناساً من بني هاشم وغيرهم قد أخرِجوا كرهاً لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقي منكم أحداً منهم ـ أي من بني هاشم ـفلا يقتله, ومن لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله, ومن لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله, فإنه إنما أخرج مستكرَهاً» فقال أبو حذيفة بن عتبة أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشائرنا ونترك العباس ؟ والله لئن لقيته لألجمنه بالسيف فبلغت رسول الله فقال لعمر بن الخطاب «يا أبا حفص ـ قال عمر والله إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله أبا حفص ـ أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف ؟» فقال عمر يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه فوالله لقد نافق, فكان أبو حذيفة يقول بعد ذلك والله ما آمن من تلك الكلمة التي قلت ولا أزال منها خائفاً إلا أن يكفرها الله تعالى عني بشهادة, فقتل يوم اليمامة شهيداً رضي الله عنه. وبه عن ابن عباس قال: لما أمسى رسول الله يوم بدر, والأسارى محبوسون بالوثاق, بات رسول الله ساهراً أول الليل فقال له أصحابه يا رسول الله ما لك لا تنام ؟ وقد أسر العباسَ رجلٌُُ من الأنصار فقال رسول الله «سمعت أنين عمي العباس في وثاقه فأطلقوه» فسكت فنام رسول الله . –
– قال محمد بن إسحاق: وكان أكثر الأسارى يوم بدر فداء العباس بن عبد المطلب وذلك أنه كان رجلا موسراً فافتدى نفسه بمائة أوقية ذهباً, وفي صحيح البخاري من حديث موسى بن عقبة قال ابن شهاب حدثنا أنس بن مالك أن رجالاً من الأنصار قالوا يا رسول الله ائذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه. قال «لا والله لا تذرون منه درهماً» وقال يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان عن عروة عن الزهري عن جماعة سماهم قالوا: بعثت قريش إلى رسول الله في فداء أسراهم ففدى كل قوم أسيرهم بما رضوا, وقال العباس يا رسول الله قد كنت مسلماً فقال رسول الله : «الله أعلم بإسلامك فإن يكن كما تقول فإن الله يجزيك وأما ظاهرك فقد كان علينا فافتد نفسك وابني اخيك نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب, وحليفك عتبة بن عمرو أخي بني الحارث بن فهر»: قال ما ذاك عندي يا رسول الله قال: «فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل ؟ فقلت لها إن أصبت في سفري هذا, فهذا المال الذي دفنته لبني الفضل وعبد الله وقثم» قال: والله يا رسول الله إني لأعلم أنك رسول الله إن هذا لشيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم مني عشرين أوقية من مال كان معي فقال رسول الله «لا … ذاك شيء أعطانا الله تعالى منك» ففدى نفسه وابني أخويه وحليفه فأنزل الله عز وجل { (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (الأنفال : 70 )} قال العباس فأعطاني الله مكان العشرين الأوقية في الإسلام عشرين عبداً كلهم في يده مال يضرب به مع ما أرجو من مغفرة الله عز وجل,
وقد روى ابن إسحاق أيضاً عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن ابن عباس في هذه الاَية بنحو مما تقدم. وقال أبو جعفر بن جرير: حدثنا ابن وكيع حدثنا ابن إدريس عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال العباس: فيّ نزلت { (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال : 6 } فأخبرت النبي بإسلامي وسألته أن يحاسبني بالعشرين الأوقية التي أخذت مني فأبى فأبدلني الله بها عشرين عبداً كلهم تاجر مالي في يده, – وقال ابن إسحاق أيضاً حدثني الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما عن جابر بن عبد الله بن رباب قال كان العباس بن عبد المطلب يقول في نزلت والله حين ذكرت لرسول الله إسلامي ثم ذكر نحو الحديث كالذي قبله.
– وقال ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس {يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى} عباس وأصحابه قال: قالوا للنبي : آمنا بما جئت به ونشهد أنك رسول الله لننصحن لك على قومنا. فأنزل الله { إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ} إيماناً وتصديقاً يخلف لكم خيراً مما أخذ منكم { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } الشرك الذي كنتم عليه… قال فكان العباس يقول ما أحب أن هذه الاَية لم تنزل فينا وإن لي الدنيا لقد قال { يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ } فقد أعطاني خيراً مما أخذ مني مائة ضعف وقال { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } وأرجو أن يكون قد غفر لي,
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الاَية كان العباس أسر يوم بدر فافتدى نفسه بأربعين أوقية من ذهب فقال العباس حين قرئت هذه الاَية : لقد أعطاني الله عز وجل خصلتين ما أحب أن لي بهما الدنيا= إني أسرت يوم بدر ففديت نفسي بأربعين أوقية فآتاني أربعين عبداً وإني لأرجو المغفرة التي وعدنا الله عز وجل… فقال قتادة في تفسير هذه الاَية: ذكر لنا أن رسول الله لما قدم عليه مال البحرين ثمانون ألفاً وقد توضأ لصلاة الظهر فما أعطى يومئذ شاكياً ولا حرم سائلاً وما صلى يومئذ حتى فرقه, فأمر العباس أن يأخذ منه ويحتثي فكان العباس يقول: هذا خير مما أخذ منا وأرجو المغفرة
– وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا عمرو بن عاصم حدثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال بعث ابن الحضرمي إلى رسول الله من البحرين ثمانين ألفاً ما أتاه مال أكثر منه لا قبل ولا بعد. قال فنثرت على حصير ونودي بالصلاة. قال وجاء رسول الله فمثل قائماً على المال وجاء أهل المسجد فما كان يومئذ عدد ولا وزن ما كان إلا فيضاً وجاء العباس بن عبد المطلب فحثا في خميصة عليه وذهب يقوم فلم يستطع قال فرفع رأسه إلى رسول الله فقال: يا رسول الله ، ارفع عليَّ. قال فتبسم رسول الله حتى خرج ضاحكه أو نابه وقال له: «أعد من المال طائفة وقم بما تطيق» قال ففعل وجعل العباس يقول: وهو منطلق أما إحدى اللتين وعدنا الله فقد أنجزنا, وما ندري ما يصنع الله في الأخرى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (الأنفال : 70 )؛ ثم قال: هذا خير مما أُخذ منا ، وما أدري ما يصنع الله في الأخرى… فما زال رسول الله ماثلاً على ذلك المال حتى ما بقي منه درهم وما بعث إلى أهله بدرهم ثم أتى الصلاة فصلى.
(حديث آخر في ذلك) ـ قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو الطيب محمد بن محمد بن عبد الله السعيدي حدثنا محمد بن عصام حدثنا حفص بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن طهمان عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال: أتي رسول الله بمال من البحرين فقال «انثروه في مسجدي» قال وكان أكثر مال أتي به رسول الله فخرج إلى الصلاة ولم يلتفت إليه فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه فما كان يرى أحداً إلا أعطاه إذ جاءه العباس فقال: يا رسول الله ، أعطني فإني فاديت نفسي، وفاديت عقيلاً … فقال له رسول الله «خذ» فحثا في ثوبه ثم ذهب يُقِلُّه فلم يستطع؛ فقال مر بعضهم يرفعه إلي… قال «لا».. قال فارفعه أنت عليّ, قال «لا» فنثر منه ثم احتمله على كاهله ثم انطلق. فما زال رسول الله يتبعه بصره حتى خفي عنه عجباً من حرصه, فما قام رسول الله وثَمّ منها درهم,
– وقد رواه البخاري في مواضع من صحيحه تعليقاً بصيغة الجزم يقول: وقال إبراهيم بن طهمان… ويسوقه وفي بعض السياقات أتم من هذا.
– وقوله { وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } أي { وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ } فيما أظهروا لك من الأقوال { فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ } أي من قبل بدر بالكفر به { فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ } أي بالأسارى يوم بدر {وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } أي عليم بفعله حكيم فيه.
قال قتادة نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح الكاتب حين ارتد ولحق بالمشركين, وقال ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس: نزلت في عباس وأصحابه حين قالوا: لننصحن لك على قومنا وفسرها السدي على العموم وهو أشمل وأظهر والله أعلم.
وقال القرطبي رحمه الله :
-وفي مصنف أبي داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب في فداء أبي العاص بمال، وبعثت فيه بقلادة لها كانت عند خديجة أدخلتها بها على أبي العاص. قالت: فلما رآها رسول الله رقَّ لها رقة شديدة وقال: (إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها)؟ فقالوا: نعم. وكان النبي أخذ عليه أو وعده أن يخلي سبيل زينب إليه. بعث رسول الله زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار فقال: (كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصحباها حتى تأتيا بها). قال ابن إسحاق: وذلك بعد بدر بشهر.
-قال عبدالله بن أبي بكر: حدثت عن زينب بنت رسول الله أنها قالت: لما قدم أبو العاص مكة قال لي: تجهزي، فالحقي بأبيك. قالت: فخرجت أتجهز فلقيتني هند بنت عتبة فقالت: يا بنت محمد، ألم يبلغني أنك تريدين اللحوق بأبيك؟ فقلت لها: ما أردت ذلك. فقالت، أي بنت عم، لا تفعلي، إني امرأة موسرة وعندي سلع من حاجتك، فإن أردت سلعة بعتكها، أو قرضا من نفقة أقرضتك، فإنه لا يدخل بين النساء ما بين الرجال. قالت: فوالله ما أراها قالت ذلك إلا لتفعل، فخفتها فكتمتها وقلت: ما أريد ذلك. فلما فرغت زينب من جهازها ارتحلت وخرج بها حموها يقود بها نهارا كنانة بن الربيع. وتسامع بذلك أهل مكة، وخرج في طلبها هبار بن الأسود ونافع بن عبدالقيس الفهري، وكان أول من مبق إليها هبار فروعها بالرمح وهي في هودجها. وبرك كنانة ونثر نبله، ثم أخذ قوسه وقال: والله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهما. وأقبل أبو سفيان في أشراف قريش فقال: يا هذا، أمسك عنا نبلك حتى نكلمك، فوقف عليه أبو سفيان وقال: إنك لم تصنع شيئا، خرجت بالمرأة على رؤوس الناس، وقد عرفت مصيبتنا التي أصابتنا ببدر فتظن العرب وتتحدث أن هذا وهن منا وضعف خروجك إليه بابنته على رؤوس الناس من بين أظهرنا. أرجع بالمرأة فأقم بها أياما، ثم سلَّها سلاًّ رفيقا في الليل فألحقها بأبيها، فلعمري ما لنا بحبسها عن أبيها من حاجة، وما لنا في ذلك الآن من ثورة فيما أصاب منا، ففعل فلما مر به يومان أو ثلاثة سلها، فانطلقت حتى قدمت على رسول الله فذكروا أنها قد كانت ألقت – للروعة التي أصابتها حين روعها هبار بن أم درهم – ما في بطنها.
-قال ابن العربي: “لما أسر من أسر من المشركين تكلم قوم منهم بالإسلام ولم يمضوا فيه عزيمة ولا اعترفوا به اعترافا جازما. ويشبه أنهم أرادوا أن يقربوا من المسلمين ولا يبعدوا من المشركين. قال علماؤنا: إن تكلم الكافر بالإيمان في قلبه وبلسانه ولم يمض فيه عزيمة لم يكن مؤمنا. وإذا وجد مثل ذلك من المؤمن كان كافرا، إلا ما كان من الوسوسة التي لا يقدر على دفعها فإن الله قد عفا عنها وأسقطها. وقد بين الله لرسوله الحقيقة فقال: ” وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ ” أي إن كان هذا القول منهم خيانة ومكرا ” فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ ” بكفرهم ومكرهم بك وقتالهم لك. وإن كان هذا القول منهم خيرا ويعلمه الله فيقبل منهم ذلك ويعوضهم خيرا مما خرج عنهم ويغفر لهم ما تقدم من كفرهم وخيانتهم ومكرهم”. وجمع خيانة خيائن، وكان يجب أن يقال: خوائن لأنه من ذوات الواو، إلا أنهم فرقوا بينه وبين جمع خائنة. ويقال: خائن وخوان وخونة وخانة.
وقال البغوي رحمه الله :
قوله عز وجل ” وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ ” ، يعني الأسارى ، ” فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ ” ، ببدر ، ” وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” قال ابن جريج :أراد بالخيانة الكفر،أي:إن كفروا بك فقد كفروا بالله من قبل فأمكن منهم المؤمنين ببدر حتى قتلوهم وأسروهم ، وهذا تهديد لهم إن عادوا إلى قتال المؤمنين ومعاداتهم…
* ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ) (الأنفال : 65 )
قال ابن كثير رحمه الله :
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ } أي حُثَّهم عليه أو مُرْهم به, ولهذا كان رسول الله يُحرِّض على القتال, عند صفهم ومواجهة العدو, كما قال لأصحابه يوم بدر حين أقبل المشركون في عَدَدَهم وعُدَدِهم: «قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض» ؛ فقال عمير بن الحمام: عرضهاالسموات والأرض ؟ فقال رسول الله «نعم», فقال: بخ بخ فقال: «ما يحملك على قولك بخ بخ ؟» قال: رجاءَ أن أكون من أهلها, قال «فإنك من أهلها» فتقدم الرجل, فكسر جفن سيفه, وأخرج تمرات فجعل يأكل منهن, ثم ألقى بَقِيَّتَهُن من يده وقال: لئن أنا حييت حتى آكلهن إنها لحياة طويلة, ثم تقدم فقاتل حتى قتل رضي الله عنه,
وقال السعدي رحمه الله :
يقول تعالى لنبيه : ” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ” أي : حُثَّهم واستنهِضْهم إليه بكل ما يُقَوِّي عزائمهم ، ويُنشط هممَهم ، من الترغيبِ في الجهاد ، ومقارعةِ الأعداء ، والترهيبِ من ضدِّ ذلك ، وذكرِ فضائل الشجاعة والصبر ، وما يترتب على ذلك من خيرٍ في الدنيا والآخرة ، وذكرِ مضارِّ الجُبْـن ، وأنه من الأخلاق الرذيلة ، المنقِصة للدين والمُروءة ، وأن الشجاعة بالمؤمنين ، أولى من: غيرهم …
وقال ابن عطية رحمه الله
قوله (حَرِّضِ ) معناه حُثَّهم وحُضَّهم … قال النقاش وقُرئت ( حرص) بالصاد غير منقوطة والمعنى متقارب والحارض الذي هو القريب من الهلاك لفظة مباينة لهذه ليست منها في شيء… وقالت فرقة من المفسرين المعنى حرض على القتال حتى يَبِينَ لك فيمن تركه أنَّه حرض… قال القاضي أبو محمد وهذا قول غير مُلتئم ولا لازم من اللفظ ونحا إليه الزجاج … والقتال مفترض على المؤمنين بغير هذه الآية وإنما تضمنت هذه الآية أمر النبي بتحريضهم على أمر قد وجب عليهم من غير هذا الموضع .
قلت : يعني قوله عز وجل :(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (البقرة : 216 )وقال أبو السعود رحمه الله :
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ) بعدما بيَّن كفايته تعالىإياهم بالنصر والإمداد بقوله_يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ) أَمَر نبيَّه بترتيب مبادي نصره وإمداده وتكرير الخطاب على الوجه المذكور لإظهار كمال الاعتناء بشأن المأمور به قال : (حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ) أي بالغ في حثهم عليه وترغيبهم فيه بكل ما أمكن من الأمور المرغبة التي أعظمها تذكير وعده تعالى بالنصر وحكمه بكفايته تعالى أو بكفايتهم وأصل التحريض الحرض وهو أن ينهكه المرض حتى يشفى على الموت وقال الراغب كأنه في الأصل إزالة الحرض وهو ما لا خير فيه ولا يعتد به قلت فالأوجه حينئذ أن يجعل الحرض عبارة عن ضعف القلب الذي هو من باب نهك المرض وقيل معنى تحريضهم تسميتهم حرضا بأن يقال إني أراك في هذا الأمر حرضا أي محرضا فيه لتهيجه إلى الإقدام وقرئ حرص بالصاد المهملة وهو واضح