البشير وعلي عثمان ورهانات المستقبل الخاسرة .. بقلم: زين العابدين صالح عبد الرحمن

السودان اليوم

شهد الأسبوع الماضي سجالا و غزلا بين قيادات الحركة الإسلامية و السلطة في موقعين الأول في مداخلة للنائب الأول لرئيس الجمهورية السابق علي عثمان محمد طه في مركز دراسات المستقبل، و الثاني في المؤتمر التاسع للحركة الإسلامية، كان أبرزها مغازلة علي عثمان محمد طه للرئيس البشير في دفاعه عن وجوب ممارسة القوات المسلحة للعمل السياسي. و في سجاله عن رفض مقولة فشل الحركة الإسلامية في الحكم. و في الجانب الآخر مغازلة الرئيس البشير للحركة الإسلامية باعتبارها هي التي خططت لانقلاب الإنقاذ، التي تؤكد إن البشير مايزال في حالة من الريبة و الخوف أن تنقلب عليه الحركة، و هو لا يملك سندا شعبيا غيرها، هذا السجال و الغزل تبين إن قيادات الإنقاذ تشعر إن الأرض تتحرك من تحتها، و إن الزلزال قادم لا محال، و لكن ليس للجميع تصورات أو رؤى للخروج من الآزمات التي تضرب البلاد.

إن حديث النائب الأول السابق علي عثمان محمد طه في تعليقه علي كتاب الدكتور أبراهيم الكاروري الذي نقلته جريدة ” الجريدة” ” الاجتهاد السياسي في بناء الدولة المعاصرة رؤى و مراجعات حول كسب الحركة الإسلامية السودانية أفاق الفكر و قيود السلطة” بمركز دراسات المستقبل. هو حديث لا يدافع و لا يشيد بالحركة الإسلامية، إنما طه كان يدافع عن نفسه شخصيا، باعتباره كان عراب فترة ما بعد المفاصلة 1999م، كان الاعتقاد السائد إن طه يعتبر خليفة الترابي، و لديه رؤى متقدمة علي شيخه، و إن المفاصلة و إبعاد الدكتور الترابي سوف تفتح الباب للأجيال الجديدة لكي تقديم أفكارا جديدة في الحقلين السياسي و الفقهي، خاصة إن طه كان طارحا نفسه مفكر إسلامي سياسي، لديه أفكار جديدة متطورة عن شيخه، و سوف تحدث جدلا فكريا علي الساحة السياسية، و تخلق حالة من الانتعاش الذهني، ليس في الوسط الإسلامي وحده، بل يؤثر علي كل التيارات الفكرية ألأخرى، مما يؤدي لخلق واقعا سياسيا جديدا في البلاد. لكن التجربة أثبتت إن النائب الأول كان صورة تكثر فيها الرتوش لا تبين الحقيقة الصادمة، إن الرجل لا يملك من الفكر شروى نقير. فكان متواضعا، و كان حوله عناصر يفوقونه معرفة و تعامل مع الفكر، إذا كان سار في اتجاه الانفتاح الفكري، كان الجدل الفكري يكشف تواضعه المعرفي، سوف يقدم آخرين عليه، لذلك ذهب في اتجاه الكبت و إغلاق كل المنافذ التي تتسرب من خلالها الأفكار حتى لا يتعرض للحرج. في الجانب الآخر؛ إن الرئيس البشير لم يطرح نفسه مفكرا، و لا يملك المقدرات التي تجعله يدخل في هذا الحقل، لن التجربة سوف تكشف مقدراته، لذلك آثر العمل السياسي التقليدي، فكانت رؤيته كيف يستطيع أن يجعل كل الخيوط في يده، لذلك أخذ باب الساسية و فذلكتها، و السيطرة التامة علي الأجهزة القمعية، ثم سمح أن تبرز داخل السلطة و الحزب مراكز للقوي، فالصراع بينها سوف يصرفها عن التفكير حول الدخول معه شخصيا في صراع لن تكون نتائجه في صالحه، و عندما احتدم الصراع بين مراكز القوي أطاح بقيادتها، و هي في ذات الوقت رسالة للآخرين أن لا يحلموا بالصعود علي سلم القمة.

في مداخلة طه “دافع عن تجربة الحركة الاسلامية في الحكم ورفض توصيفها بالفاشلة، وارجع ذلك الى إن الحركة تقيم تجربة دولة إسلامية في زمن الهزيمة و الكفة المرجوحة، وأقر في الوقت ذاته بأن أسباب تردي الوضع الاقتصادي بالسودان بسبب سوء ادارة الموارد والاخطاء المؤسسية والفردية، واستبعد ان تكون بسبب وجــود دولــة الحركة الاسلامية، في ظل نظام عالمي يتحكم فيه عبر الربا والاحتكار والرأسمالية فقط. ونوه طه الى اضطرار الدولة للتعامل بالقروض الربوية في بعض الاحيان” حديث طه يحمل العديد من المتناقضات لآن الرجل لم يجعل حديثه موضوعيا ناقدا للتجربة لها أو عليها، أن ما كان الحديث محاولة للدفاع عن الذات، باعتبار أن يتحمل هو شخصيا هذا الفشل، لآن الرجل كان طارح نفسه العقل المحرك للتجربة. و في الوقت الذي يرفض الفشل يؤكد إن الأزمة الاقتصادية نتيجة لسوء إدارة، و تجربة الحكم جلها تقوم علي المشروع السياسي و كيفية إدارة هذا المشروع، فإذا فشلت الحركة في الإدارة تكون بالضرورة قد فشلت في تحقيق أهداف المشروع. و يقول في مداخلته أيضا ” إن الحركة الإسلامية تقيم تجربة الدولة الإسلامية زمن الهزيمة و الكفة المرجوحة” إذا كان قيادة الحركة تعرف إنها سوف تواجه تحديات و لا تملك القدرة علي مواجهتها، و عجزت عن التكتيك الذي يمكنها أن ترسخ أقدامها، لماذا بادرت بالهجوم علي الدول أمريكا و روسيا دنا عزابهما، و رفعت شعارات أكبر من إمكانياتها و قدراتها، إليس هذا فشل اداري و سياسي بعينه، إن تفتح منافذ ضدك و أنت لا تملك مقومات المواجهة.

إن إقالة الرئيس البشير للنائب الأول من مواقعه التنفيذية في الدولة و الحزبية، كانت مفاجأة للرجل و قد حجمت دوره السياسي إلا في الحدود التي يسمح بها البشير، و أنفض السامر من حول النائب الأول، لذلك كان لابد أن يغير استراتيجيته، و يمارس أساليب الغزل لكي يضمن جزءا من المساحة التي يتحرك فيها، فكانت دعوته لترشيح البشير نوع من الغزل و قال في الدعوة إن الدستور ليس شيئا مقدسا يمكن أن يعدل، و أيضا الائحة الحزبية، ثم عرج لكي يغازل القوات المسلحة، في إعتقاد إن البشير مايزال يعتمد في بقائه في السلطة علي مساندة القوات المسلحة له، فجاء حديثه الذي يقول فيه “على ضرورة إلا يطلب من القوات المسلحة السودانية عدم التدخل في السياسة بحجة أن دورها ينحصر في حماية الحدود، و أيضا سخر طه من الداعين لعدم تدخل القوات المسلحة في السياسة، وقال” أي زول سياسي ساذج يقول ندع الجيش لحراسة وتأمين الحدود، وتساءل” من الذي قال ذلك”، وواصل” هذا كلام الخواجات” ودافع طه عن تدخل القوات المسلحة في العمل السياسي، وذكر” ديل بشر وقوة منظمة وهل يمكن أن نقول لأكثر قطاع منظم يؤثرون ويتأثرون لأنهم من كافة قطاعات الناس، صموا خشمكم وأذنيكم ما عندكم علاقة بالناس يتضاربوا ويصوتوا ويأتلفوا ويفترقوا ما عندكم شغلة، لو جاتنا حاجة من برة تصدوها وبعدها تجو تقعدوا ونحنا نسوى الدايرنو بالداخل” الهدف من كل هذا الحديث المتناقض و غير المبني علي أسس فكرية الهدف منه هو مغازلة الرئيس البشير، بسبب أنفضاض الناس من حوله، و يتيقن علي عثمان أن البشير هو بيده التفضل عليه بممارسة السياسة في حدود، كما إن الذاكرة دائما تؤرقه بأنه وراء انفصال الجنوب و فشل مشروع الحركة الإسلامية، منذ أن تقلد وزارة التخطيط الاجتماعي، فالهزيمة النفسية هي من أخطر الهزائم علي السياسي، أصبح طه يبحث عن الكلمات التي ترضي البشير، و الرئيس البشير لا يأمن الرجل الذي باع شيخه.

في الجانب الآخر، نجد إن الرئيس البشير ما كان و مايزال لا يملك أي مشروع سياسي غير أن يبقي في موقعه، و سوء الإدارة الذي يتحدث عنها نائبه السابق علي عثمان طه، هو تحميل رئيس الدولة المسؤولية عن أدائها لأنه في قمة هرم إدارة الدولة، و الرئيس البشير رغم إنه قد أقال قيادات الحركة الإسلامية من مواقعهم التنفيذية و الحزبية، لكنه متيقن أن عدم مغازلة الحركة لا يضمن مؤامراتها، كما يقول المثل ” لا بريدك و لا بحمل بلاك” هو لا يريد قياداتها أن تكون قريبة من إتخاذ القرار، و لكن أن يكون الغزل مباح بينه و بين قاعدتها، لذلك قال إن الحركة الإسلامية هي التي أقامت حكم الإنقاذ و رسخته في الواقع. و في كلمته في المؤتمر التاسع للحركة الإسلامية التي نقلته الصحف قال ،بأنه لن يتزحزح عن مبادئ الحركة الإسلامية، داعياً إلى وحدة الصف الوطني لمجابهة ما اسماه “الكم الهائل من الكيد” المصوب إلى بلاده. وقال البشير الذي كان يتحدث للمشاركين في مؤتمر الحركة الإسلامية التاسع، بالعاصمة الخرطوم: “نؤكد التزامنا الأكيد، وموقفنا الثابت الذي لا يتزحزح عن المبادئ” هذا الحديث يؤكد إن البشير يريد فقط مد الجسور مع القاعدة، و يعلم تماما إن هؤلاء لا تحكمهم المبادئ إنما يدافعون عن المصالح الخاصة التي حصلوا عليها بوجودهم في السلطة التنفيذية و التشريعية إن كانت اتحادية أو في الولايات، و سقطت شعاراتهم الطهرانية حيث عم الفساد بينهم، و هؤلاء ليس لديهم غير الدفاع عن السلطة حماية للمصالح التي اكتسبوها، فالوطن ليس في مخيلتهم و لا معاناة الناس.

و في جانب آخر، و لكنه متصل بالمشهد السياسي، قال الزبير أحمد الحسن الإمين العام للحركة الإسلامية في كلمته في المؤتمر التاسع للحركة “أن السودان والحركة الإسلامية يشهدان حملات للتشويه وحملات منظمة دولية وإقليمية تستهدف السودان، وشدد على ضرورة بذل الجهود من قبل عضوية الحركة للتصدي للحملات.وأشار الحسن إلى أن الحركة كانت مساهماً فاعلاً وأساسياً عبر أفرادها في إصلاح الحزب والدولة، ويتوجب أن تتابع هذا المشروع المهم، لأن الحركة حريصة على الإصلاح السياسي في الفضاء العام بالبلاد” إن الحركة الإسلامية و بافعالها و ليس افعال غيرها هي التي شوهت صورتها بالفساد المستشري في السلطة، و فشلها في تحقيق حياة كريمة للناس، و فشل في كل ضروب الحياة و الخدمات، و إجازتها لفقه التحلل و التجنيب، و كلها أفعال توسع من دائرة الفساد. و يجب علي القيادات الإسلامية أن تخرج من دائرة البحث عن شماعات لكي تعلق عليها أخطائها، و تعليق فشلها علي الخواجات، أفضل أن يعترفوا بالفشل و تقيم التجربة تقيما علميا.

أثبتت التجارب أن الحركة الإسلامية تنكث دائما بوعودها و عهودها مع الآخرين، فهل القوي الخارجية طلبت من الحركة أن تقيم نظام شموليا و أن تضيق الحريات علي الآخرين؟ و هل القوي السياسية طالبت من قيادات الحركة أن تنحرف للفساد، و الحركة الإسلامية الآن تدافع عن نظام حكمها، كانت تعدد إنجازاتها و أنها استطاعت أن توفير حياة كريمة للمواطنين، و تحسين في الخدمات و التعليم و الصحة و الكهرباء و الماء و المواصلات، و قد طورت البني التحتية في البلاد، إنما الحركة استطاعت أن تمكث ثلاث عقود في السلطة بقوة السلاح و أجهزة القمع، و هي سياسة لا تسهم في حل أي مشكلة و لا تنهض بالبلاد، و كما قال المفكر الفرنسي الذي أسلم روجيه غارودي ” الحمد الله إنني عرفت الإسلام قبل أن أعرف المسلمين” فالزبير يريد أن يغالط واقع يعيشه الناس، و يعرفون عنه كل صغيرة و كبيرة، كان علي قيادات الحركة الإسلامية بدلا من الهروب للأمام، أن يضعوا التجربة موضع تقييم حقيقي باستخدام المنهج النقدي، لكن تحكم المصالح الخاصة فيهم جعلت الشخص يتخوف أن يشرع في نقد التجربة و يتسبب ذلك في وقف مخصصاته، أو يفقد موقعه، و أيضا إن المنهج النقدي لا يمارسه إلا الذين يشتغلون بالفكر و قد كشفت التجربة إن الحركة الإسلامية قد فقدت كل أولئك الذين كانوا يساهمون في هذا الجانب، و لم يبقي فيها غير الذين يجيدون رفع السبابة دون دراية أو معرفة حقيقة بما يهتفون به، إن الحركة الإسلامية قد فقدت بريقها، و لا تستطيع أن ترجع لمكانتها الأولي، إلا إذا جاءت أجيال جديدة لها أجتهادات فكرية جديدة و لن تكون ذات صلة بالحركة الإسلامية التي يتحدث عنها الزبير أحمد الحسن. و الغزل سوف يستمر بين الرئيس و قياداته السابقة بسبب الخوف من المستقبل. و نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى