ذوي الإعاقة البصرية بالجامعات.. تتعدَّد الحالات والظُلم واحد !!

السودان اليوم:

“سجود عبد السلام” من شريحة ذوي الإعاقة البصرية، الذين (عوَّضهم) المولى بـ(فتح البصيرة)؛ جلست لامتحان الشهادة الثانوية الأخير وأحرزت نسبة (88%) في المساق الأدبي، منذ طفولتها كانت “سجود” تحلمُ بالالتحاق بجامعة الخرطوم، كلية الآداب وتحديداً قسم اللغة الفرنسية، وبما أنها نالت النسبة التي تؤهلها لتحقيق أمنيتها وتم قبولها حقيقةً بالكلية التي طالما حلمت بها، فقد انصبَّ تفكيرها في ما بعد التخرُّج، لكن هيهات حيث وُئدت أحلامها بلا ذنبٍ جنته سوى أنها (كفيفة)، وأُلحِقت بقسم الإنسانيات رغم أنف (نتيجتها ورغبتها).

(بعد أيه؟؟!!)
وهكذا تؤكد وقائع القصص التي استمعنا إليها من شريحة ذوي الإعاقة البصرية أن (قضية) طالب جامعة الخرطوم كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية، لم تكُنْ سوى (رأس جبل الجليد) لمظالم بالجُملة وقعت على هؤلاء الأبرياء.
تقول سجود لـ(السوداني) بعد ظهور نتيجة الشهادة الثانوية قدَّمت رغبة أولى جامعة الخرطوم كلية الآداب، وتم قبولي فذهبت لإجراء المعاينة وكانت برئاسة دكتور، سألني عن القسم الذي أود الالتحاق به، وقلتُ له (قسم اللغة الفرنسية)، فأكَّد لي أن نسبتي ودرجاتي في المواد المطلوبة تأهلني للقسم، بعد ذلك ذهبت إلى منزلنا باعتبار أن قبولي قد تم بالفعل – حسبما أكدت لي اللجنة- لكن بعد أن فتحت الجامعة أبوابها وقفتُ أمام لوحة قوائم توزيع الطلاب، فلم أجد اسمي بقسم اللغة الفرنسية، بل كان ضمن قائمة القسم الثاني (إنسانيات). هنا ما كان مني إلا أن أذهب إلى رئيسة قسم اللغة الفرنسية، فقالت لي لقد تم استيعاب العدد الكافي بالقسم ولن أستطيع قبولك حتى لو أتاني توجيه من الكلية، لصعوبة الدراسة بالنسبة لأمثالي، فضربتُ لها مثلاً بالطالب “المقداد” الذي برع في قسم اللغة الفرنسية وأصبح مضرب مثل على مستوى الجامعة، لكنها تمسَّكت بأن معينات وإمكانات القسم لا تسمح لها وأمثالها بالالتحاق به، ليس ذلك بل أنها تعرَّضت لذات التجريح الذي طال زميلها “أحمد عبد العظيم”. وأكدت “سجود” بأن إدارة القسم قد حوَّلتها إلى (الإنسانيات) غصباً عنها. وبعد أن تحوَّلت تفاصيل (قصة) زميلها أحمد عبد العظيم إلى قضية رأي عام، جاءت إدارة قسم اللغة الفرنسية لتقول لها (لو عايزة ترجعي القسم تعالي نحن موافقين)، لكن “سجود” ردَّت على الطلب بعبارة واحدة هي (بعد أيه؟؟!!)
متاريس (الجميلة ومستحيلة)
وتتواصل مآسي شريحة ذوي الاعاقة البصرية بجامعة الخرطوم على لسان الأستاذة “شمائل فيصل محمد عبد” التي تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة العربية في 2012م وحققت تفوقاً جعلها تنال بجدارة واستحقاق (مرتبة الشرف)، تقول شيماء لـ(السوداني): في فبراير 2017م أعلن قسم اللغة العربية الذي تخرجت فيه، عن حاجته لوظيفتين (مُساعد تدريس)، فكنتُ واحدة من الذين دخلوا المعاينات، وفي الشهر التالي مباشرة ظهرت النتيجة وتم إبلاغي بأنني نجحتُ في المعاينة وتم استيعابي كمُساعد تدريس بقسم اللغة العربية، وطلبوا مني الحضور بعد ثلاثة أيام لاستلام عرض الوظيفة، فذهبت في الزمان والمكان المحددين، لتخبرني السكرتيرة بأن عرض الوظيفة سيأتي بعد شهر، سألتها عن السبب الذي جعل الثلاثة أيام تتحوَّلُ إلى شهر كامل؟ فردَّت عليَّ: (أمشي أسألي ناس الشؤون العلمية).
الطريق إلى ساحات القضاء
وتمضي “شمائل” بقصتها قائلة: ذهبتُ للشؤون العلمية، وقابلت مدير إدارة التدريب د. معتصم فقال لي: (لقد تم تعليق قرار تعيينك لأنَّو ناس قسمك اعترضوا)، ومن ثم طلبوا مني مقابلة نائب مدير الجامعة، فقابلته وشرحت له مشكلتي منذ بدايتها، فطأنني بأن هذا الإشكال سيحل وطلب مني منحه أسبوعين فقط لحله، فرجعت له بعد الأسبوعين لكنه للأسف اعتذر لأغرب سبب، حيث قال لي ناس قسمك قالوا مستواك ضعيف)، فرددتُ عليه: كيف يكون مستواي ضعيفاً وقد تخرَّجت بمرتبة الشرف، ليس ذلك فحسب بل أنني حائزة على جائزتين الأولى على مستوى كلية الآداب والثانية على مستوى الجامعة؟. وأخبرته بأنه قد تم قبول (8) أساتذة مُعدَّلهم أقل من مُعدَّلي. وتضيف “شيماء”: هنا غيَّر نائب المدير مسار الحديث ليسألني (أنتِ اتخرجتِ متين؟) قلت له عام 2012م فقال لي ولماذا لم تقدِّمي منذ ذلك التاريخ؟ فأجبته لأنَّ القسم لم يفتح فرص وظائف. وبعد ذلك أصبح الرجُل زاهداً حتى في مقابلتي، فاضطررت لمخاطبته كتابةً وعندما أتيت لمعرفة مصير خطابي قالت لي سكرتارية النائب إن الخطاب تم تحويله الى إدارة مساعدي التدريس.. فذهبت لهم وقالوا هنالك لجنة ستنظر في خطابك ثم تقرر، طلبتُ منهم أن يكتبوا لي ذلك ليبقى مستنداً عندي، لكنهم رفضوا، فطلبتُ منهم فقط أن يحددوا لي زمن لكنهم أيضاً رفضوا، وبعد أن وصلت معهم إلى طريق مسدود خاطبت وزارة التعليم العالي عن طريق المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة، لكن كذلك لم يتم الرد عليَّ حتى سبتمبر الماضي، لتكون وُجهتي الأخيرة الذهاب إلى القضاء، حيث رفعتُ دعوى ضد جامعة الخرطوم، وعُقدت أول جلسة قبل أيام.
(مأساة ) طالبة كسلا..!!
أما (مأساة) الطالبة “تهاني هارون” فيحكيها لنا الأمين العام لمجلس المعاقين بولاية كسلا، حيث يقول لـ(السوداني) إنّ “تهاني” إحدى بنات ريفي كسلا، تم قبولها بكلية التربية قسم الجغرافيا والتاريخ للعام الدراسي 2012م، وعندما أتت مع زملائها لتكملة إجراءاتها كان عميد الكلية لها بالمرصاد، حيث رفض تسجيلها جُملةً وتفصيلاً، بحُجة غاية في الغرابة حيث قال لها : ( لو فرضنا إنك كمِّلتِ الدراسة وتخرَّجتِ، كيف تستطيعين ممارسة مهنة التدريس؟؟!!).
ويمضي الصافي بقوله: بعد تطور الموضوع تدَّخلنا نحن كاتحاد حيث قابلنا العميد، وقال لنا نفس العبارة (أين ستدرِّس تهاني إذا تخرَّجت؟)، فأجبته بأن مهمة الجامعة تدريس الطالب وليس توظيفه، لكنه رفض قبولها بشكل نهائي، ليكون السبيل الوحيد أمامنا الحضور إلى الخرطوم وقابلتُ مدير مكتب والذي اندهش لتصرُّف العميد وأكد أنه ليس هنالك ما يمنع قبول الكفيف بكليات التربية. وبالفعل تم إرجاعها إلى كلية التربية لكن بعد أن أضاع العميد عاماً كاملاً من عُمرها، لأنَّ العام الدراسي – ذاك – فاتها لتبدأ الدراسة في التالي.
النيلين والسودان
من داخل حرم جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا الطالب محمد نور محمد (من ذوي الإعاقة البصرية) والذي يدرس بكلية علم النفس المستوى الأول، مؤكداً أنه تحدَّى الصعاب من أجل الوصول إلى عتبة الجامعة لأنها حُلم حياته، مشيراً إلى أنه لم تواجهه مشكلة خاصة في الجامعة لكن ثمَّة صعوبات تقف أمام جميع الطلاب من ذوي الاعاقة البصرية وهي عدم وجود أجهزة تسجيل المحاضرات.
وليس بعيداً من جامعة السودان، يقول الطالب النعيم مساعد أحمد – جامعة النيلين كلية الاداب قسم اللغة الإنجليزية المستوى الثاني، إنَّ القاسم المشترك الذي يجمع كافة الطلاب من شريحة ذوي الإعاقة البصرية بالجامعات السودانية هو عدم وجود مكتبات صوتية خاصة بالمكفوفين وكذلك لا يوجد متطوعون، إضافة إلى مشكلة الشبكات (واي فاي) والتي يعتمدون عليها في تنزيل البرامج الذكية والمحاضرات الصوتية من الإنترنت.
وذات المعوِّقات التي تم ذكرها قالها لـ(السوداني) نزار طالب ماجستير بجامعة النيلين كلية الآداب، مؤكداً أنها تنحصر في معينات الدراسة، وشدَّد على أن الجامعة من واجبها توفير هذه المعينات وليس رفض تسجيل الطالب بسبب عدم وجودها لأنَّ مهمة توفُّرها تقع على الجامعة وليس الطالب، وأشار إلى أن عدد الطلاب المكفوفين بجامعة النيلين كلية الآداب يتراوح ما بين (35-40) طالباً، مُختتماً بأنهم يعانون أشد المعاناة في سبيل الحصول على وظيفة.
الخرطوم تُبرِّر
ويقول نائب عميد الشؤون الإدارية بحامعة الخرطوم د. عبدالرحمن إبراهيم سعيد لـ(السوداني) إن قضية الطالب أحمد عبد العظيم جعلت رئيس قسم اللغة الفرنسية يطالب الإدارة بتوفير المعينات المطلوبة للمكفوفين ونحن كإدارة قمنا برفع الأمر للشؤون العلمية، لمعالجة المشكلة ليس لهذا الطالب وحده بل لكل زملائه.
مصدر بقسم اللغة الفرنسية كلية الآداب جامعة الخرطوم قال لـ(السوداني) – طالباً حجب اسمه – إن عدم قبول الطلاب ذوي الإعاقة البصرية ليس المقصود التقليل من شأنهم، ولكن المشكلة الحقيقة هي عدم توفرالمعينات، فالقسم لا يستطيع أن يلزمهم باحضار هذه المُعينات وفي ذات الوقت هي غير متوفرة بالقسم ومن هنا تأتي الإشكالية كلها. ومضى المصدر بقوله إن هنالك نقصاً في أساتذة قسم اللغة الفرنسية، حيث تقلَّص عددهم من (22) إلى (11) أستاذاً فقط، وهذا هو السبب الرئيسي في عدم قبول الطلاب المكفوفين بالقسم، موضحاً أن اللغة الفرنسية تعتبر صعبة جداً للمكفوفين لأن لديها مهارات للتعلم وهي مهارات (الكتابة والقراءة والنطق والسمع )، والمكفوف لا يتمكن من الكتابة لوحده إلا عن طريق أستاذ أو جهاز خاص بالكتابة، وهذا يكون خصماً عليه وعلى تحصيله الأكاديمي، في حال عدم وجود جهاز للمكفوف لا بد أن يكون برفقته أحد الأساتذة داخل قاعة الامتحان والجامعة ليس لديها إمكانات في ظل الوضع الراهن.
حقٌ مكفول بالدستور
المستشار القانوني بوزارة العدل، والمُحاضر (مُتعاون) بجامعة الخرطوم، عمرو – هو نفسه من ذوي الإعاقة البصرية- قال لـ(السوداني): إنَّ قبول الطلاب المكفوفين بالقسم الذي يرغبون في الدراسة به حق أصيل لهم، وبالتالي يجب على الجامعة توفير المُعينات التي تمكَّنهم من أن تكون فرصهم على قدم المساواة مع غيرهم، ومن هنُا أن ينبغي أن نُثبَّت أنه لا عميد ولا مدير يحق له تغيير رغبة (الكفيف)، ذلك لأنَّ السودان وقَّع على الاتفافية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والتي تمنع التمييز ضدهم، وبنص المادة (27) الفقرة (3) من دستور السودان فإنَّ أي اتفاقية متعلقة بالحقوق صادق عليها السودان تُعتبر جزءاً لا يتجزأ من الدستور، وكذلك نجد أن قانون الأشخاص ذوي الإعاقة القومي لعام 2017م قد منع ممارسة أي تمييز ضد ذوي الإعاقة ونصَّ على حقهم في التعليم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى