دسُّ السُّمِّ في الدَّسَمْ.. بقلم هنادي الصديق

السودان اليوم:

الوضع وصل إلى عنق الزجاجة، فمع مطلع كل يوم، يتضح أن الشعب في وادٍ والحكومة بأذرعها المختلفة في وادٍ آخر، وليس أبلغ دليل على ذلك من قول المراجع العام للدولة وهو يشير الى أن فقه التحلل ليس عيباً، بل يجوز شرعاً، ففي الوقت الذي ادعى فيه مسؤولو حكومتنا (الأماجد) بأنهم قاموا بتغطية احتياجات المواطن من الأدوية خاصة المنقذ للحياة منها، وفي الوقت الذي يملأون به شاشات الفضائيات والصحف بالإعلانات الفجَّة وغير المقنعة عن مجانية العلاج وما أدراك ما التأمين الصحي، نجد أن الحقيقة التي تدحض ما يدَّعون، وتجهض افتراءاتهم من خلال شكاوى المواطنين المتكررة من ارتفاع أسعار الدواء وانعدامها في أحيان أخرى خاصة الأدوية المنقذة للحياة.
وبالأمس جاء القول الفصل من وزير الصحة الاتحادي وهو يعلن نفاذ مخزون 34 صنفاً من الأدوية المنقذة للحياة من مخازن الإمدادات الطبية لا توجد بدائل لها في القطاع الخاص، وأعلن عن توقف 33 شركة أجنبية تعاملها تماماً مع الإمدادات لتراكم مديونيتها ووصولها إلى 34 مليون يورو، فيما قدر المبلغ المطلوب لاستيراد الأدوية التي لا يقبل موردوها إلا بالدفع المقدم 19 مليون يورو، الأمر الذي أدى لاستدعاء البرلمان لكل من رئيس الوزراء ووزير الصحة ومحافظ بنك السودان المركزي، والمدير العام للإمدادات، لمناقشة الوضع الدوائي الذي وصفه بالخطير جداً.
الوزير لم ينسَ أن يحذِّر من حدوث فجوة دوائية بالبلاد، ويطالب في الوقت نفسه بإلزام المركزي، بسداد فواتير الأدوية التي استوردها صندوق الإمدادات عن طريق الدفع الآجل وحل أجلها قبل شهور والبالغة 43 مليون يورو، وأشار إلى تأثر 97 صنفاً بهذا.
هذا الموقف الخطير سبق وحذَّرنا منه مراراً في هذه المساحة، وحذرنا من مافيا الدواء التي تلاعبت في هذا المجال الحساس جداً وبمساعدة من الحكومة التي عمدت إلى السردبة عن كل ما حدث في السابق من تجاوزات شركات الأدوية التي تلاعبت وهرَّبت الأموال المخصصة للدواء من قبل المركزي الى خارج السودان، بحثاً عن ثروات جديدة في مجال آخر غير الدواء. وكل ما قامت به عندما فاحت الروائح إجراء تسويات فطيرة أو ما يُسمى بفقه السُترة.
هذا التجاهل أدى إلى دخول الأدوية حتى غير المسجلة بالسودان عبر بوابات التهريب المتعددة، وفتح الباب أمام سماسرة الدواء ليبيعوا ويشتروا في أرواح المواطنين كيفا شاءوا.. ما حدث يُعتبر مؤشر سيئ جداً لمستقبل المواطنين، وبالتالي مستقبل الدولة، باعتبار أن توفير الدواء حق أساسي في ظل انعدام مقومات الحياة الأخرى، وفي ظل جهل المسؤولين بمقولة: (الوقاية خير من العلاج).
ولأن الهمَّ الأساسي لمعظم مسؤولينا يكون بتقديم المصلحة الخاصة على العامة، وجميعنا يعلم أن الكثير من المسؤولين مستفيدون من هذه الأوضاع، بامتلاكهم لشركات الأدوية والمستشفيات والصيدليات وغيرها من الخدمات المخالفة للقانون، لذا فلابد من (دس السم في الدسم)، وبالمقابل لا مجال معهم لمعالجة مشاكل مياه الشرب التي أتلفت كُلى ملايين الأبرياء، ولا معالجة لمشاكل السماد المضروب، ولا تحقيق في قضايا فساد العديد من مصانع الأغذية الفاسدة وغيرها من القضايا التي كان من الممكن أن تقي المواطن السوداني الكثير من الأمراض التي باتت تسكن كل بيت.
مأساة جديدة تُضاف لمآسي شعب متصالح مع نفسه ومع مشاكله ومع الحكومة نفسها ومع النظام، وما لم يفق من هذه الغيبوبة قبل فوات الأوان فلن تكون الأزمة في الدواء فقط، بل ستكون في الأوكسجين الذي يتنفسه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى