تلك الفتاة.. الداعية الصامتة 2019

حدثتني أريج مُبتسمة و هي تتناول رشفة من فنجان قهوتها فقالت :

– لقد رأيت الإسلام بوجهه الجديد عندما عرفت ( منال) , ومع أنها لم تنطق بحرف واحد يومها ,
و لم تحاول دعوتي للالتزام حينها , إلا أنها قدَّمت لي أجمل صورة للإسلام كنت قد رأيتها في حياتي ,
و كانت سبباً في التزامي فيما بعد .
نشأت أريج في منزل لا يمتُّ للإسلام إلا بصلة الاسم و النسب , و لم تكن تعرف من دينها إلا أنَّها مسلمة
, و أن عليها أن تصوم في شهر رمضان , و أن هناك أمورا أخرى واجبة عليها لا تعرفها,
و لكنَّها ستتعلمها يوما ما , و ستعمل بها وما من داع للعجلة ,
و قد امتلأ رأسها بأفكار عن التديُّن و المتديِّنين شديدة القبح ,
وجمعت مخيلتها صورا مشوهةً للإسلام تشبه تلك التي يقدِّمها المستشرقون للعالم الغربي,
و للجهلة من أبناء المسلمين .
المسلم في قاموس أريج هو ذلك الهمجي الذي لا يعرف فنون التعامل ,
و ذلك المتخلف الذي لا يمت للحضارة بصلة, و ذلك الأشعث الأغبر الذي لا يعرف من الأناقة إلا اسمها ,
و قد كانت راضية مقتنعة بتلك الصور قبل أن تزور منزل ( منال) و تتعرف عليها جيدا ,
و تكفَّلت تلك الزيارة بقلب الموازين لديها , و محو الكثير من الصور العجيبة من ذلك القاموس الأسود .
كانت (منال) فتاة من ذوي الاحتياجات الخاصَّة , و كانت ابتسامة حُلوة تزيِّن وجهها على الدوام ,
و قد تفوَّقت في دراستِها, و نالت محبَّة الجميع بابتسامتها و تواضعها
و ثقتها بنفسها و طيب حديثها و حُسن معشرها , و بدا منزلها كتحفة فنية تزين ذلك الحي الراقي ,
و تكفي بعض النظرات في أرجائه , و بعض نسمات العطر الأخَّاذ في فضائه لتتأكد من حسن العناية
و التدبير التي يحظى بها ذلك المنزل ،
و كانت زيارة واحدة و بعض الجلسات مع صاحبته تكفي
لأن تُشعر أريج بحجم الظلم الذي ناله منها
دينها و نالته منها نفسها عندما هجرت تعاليمه البارعة .
التزمت أريج وقتها و حَسن التزامها , و تعلمت فنَّ الدعوة من معلمتها الصامتة ,
فكان النبل و الهمَّة و المظهر الحسن اللائق هو أساس تلك الدعوة ,
و كانت القلوب تخفق حباً لهذا الدين وتمتلئ رغبة في العيش في رحابه عندما تنثر
سعادة مُحياها عطرها البديع في كل الأماكن التي تتواجد فيها ,
و كانت قائمة القلوب التي رُدَّت بصورتها الرائعة تطول يوما بعد يوم .
ما زالت (منال) تقدم للكون صورة مُشرقة عن الإسلام توَّجتها أخيرا بحصولها على الماجستير,
و بدء تحضيرها للدكتوراه في علوم الشريعة , و قد أضافت إلى سلك المهتدين بصورتها داعية صامتة أخرى تعرض جمال الإسلام بفنٍ فريد .
لم تكن أريج أيضا تتكلم كثيراً و لكنها كانت تقول لي دائما :
– يكفيهم أن يروني مُسلمة أنيقة ملتزمة مبدعة رحيمة و سعيدة , فالصورة الجميلة عندي أقوى من كل برهان .
فهل لنا أن نكون داعيات بالصورة قبل اللسان ,
و هي الطريقة الأسهل و الأجدى , و التي تستطيع أن تنسل إلى القلوب
و تقطع المسافات و الحواجز التي قد تمنع حروفنا و أصواتنا من الوصول إلى من نقصد,
و ربما وصلنا بها إلى من لم يمتلك ناصية العربية , و بها وحدها سنرد إلى شريعتنا بعض الجميل .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى