بالدواب!.. بقلم الطاهر ساتي

السودان اليوم:

:: اكتوبر 2013، عندما زادت أسعار الوقود وغضب الشارع ونقلت وسائل الإعلام ردود الفعل، استضافت قناة العربية القيادي بالحزب الحاكم الدكتور قطبي المهدي، وسألته عن تأثير الزيادة في حياة الناس، فقال بالنص: (لن يتأثر الشعب السوداني بزيادة سعر البنزين، فالسواد الأعظم منهم يتنقل بالدواب)، فابتسم المذيع.. ويبدو أن الحزب الحاكم بحاجة إلى قطبي المهدي – أو مثله – ليُيرر ما يحدث حالياً في عالم الطيران الأجنبي!!
:: فالحدث، كما ورد بصحف الأمس، هو تقليص بعض شركات الطيران الأجنبية رحلاتها إلى بلادنا عقب ارتفاع أسعار التذاكر، ومن الشركات التي خفضت رحلاتها الخطوط الجوية السعودية وطيران الإمارات ومصر للطيران والخطوط القطرية. ومن المتوقع أن تتضاعف أسعار التذاكر عما هي عليها الآن بعد أن خاطب بنك السودان المركزي – أمس الأول – سلطة الطيران المدني بتحديد سعر الدولار الخاص بالتذاكر وفقاً لسعر آلية صناع السوق (47.7 جنيه)، بدلاً عن ثمانية عشر جنيهاً للدولار!!
:: وعليه، بهذا القرار، فإن نسبة الزيادة في السعر التأشيري لدولار التذاكر (200%)، ولم يعد هناك خيارٌ أمام شركات الطيران غير الامتثال لهذا السعر أو بيع تذاكرها بالدولار أو تخفيض رحلاتها لحد التوقف، كما فعلت شركة لوفتهانزا في أكتوبر العام 2013.. نعم، بعد نصف قرن من خدمة شعبنا وشعوب الدول المجاورة، تأسف هارتموت فولتس المدير العام لفرع لوفتهانزا بالسودان، واعتذر عن تسيير الرحلات المباشرة من فرانكفورت إلى الخرطوم، وذلك لعجزها عن مجابهة تكاليف التشغيل وتحويل أموالها بغير دولار السوق الأسود.
:: يومها قلت إن إيقاف شركة طيران عالمية بحجم لوفتهانزا رحلاتها المباشرة إلى الخرطوم يجب أن يكون حدثاً يشغل عقول ولاة أمر اقتصاد البلد بحيث تعيد العقول النظر في أمر سياساتها وطرائق تعاملها مع شركات الطيران (أجنبية كانت أو وطنية)، ولكن لم يشغل الحدث عقولهم، ولم يبالوا به، ولم يتأسّفوا كما فعل فولتس.. وكما لم يبالوا بقرار توقف رحلات لوفتهانزا بالأمس، فلن يبالوا اليوم أيضاً بقرارات تقليص الرحلات التي قررتها تلك الشركات، ولن يبالوا حتى ولو أوقفت كل الشركات رحلاتها لحد انعزال بلادنا عن العالم.. فالسادة لا يشعرون بالأحداث والمخاطر.
:: وتحسباً لتقليص أو إيقاف الشركات الأجنبية رحلاتها، ناشدت السلطات كثيراً بدعم الشركات الوطنية، بحيث تكون قادرة على خدمة المواطن بأسعار مناسبة.. نعم مع الالتزام بسياسة تحرير الأجواء، كان يجب خلق سياسة اقتصادية تُمكِّن شركات الطيران الوطنية من منافسة الشركات الأجنبية.. فالدول من حولنا لا تعامل شركاتها الوطنية – عامة كانت أو خاصة – بذات تعاملها للشركات الأجنبية، إذ للشركات الوطنية امتيازات.. ولكن سياسة الحكومة، كما ترغم الشركات الأجنبية على تخفيض وإيقاف الرحالات، فإنها أيضا ترغم الشركات الوطنية على (التصفيات).. ربما لنتنقَّل بالدواب، كما قال قطبي المهدي، أو (نطير)!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى