البنقوية.. بقلم علي بلدو

السودان اليوم:

في كل يوم يمر تتناهى إلى مسامعنا أخبار ضبطيات قوات الشرطة الباسلة في هذه البلاد للجوالات والدفارات والحاويات والطائرات التي تضم في ثناياها البنقو والحشيش والذي يتناوله حوالي ربع سكان العالم بصورة أو بأخرى، و لو مرة واحدة في الحياة، ولكن يتم الضبط من هنا لتنمو هناك نبتة القنب في مكان آخر من أرضنا المعطاءة وتصبح الحكاية مثل حجوة النملة التي تدخل وتمرق ولاتزال، فلا تعبت النمل ولا نفد الحب.
وارتبط الحشيش في أذهان الكثيرين بالفن والإبداع والشعر والموسيقى واشتهر به الكثيرون من رواد الأغنية السودانية والشعراء المعروفين والملحنين الرائعين وأهل الثقافة لدرجة اصطحاب بعض المطربين لأشخاص مهمتهم الوحيدة تجهيز السيجارة اثناء الحفلات ويذهب جزء مقدر من ريع الحفل للرأس وليس للجيب.
وشاركت حواء السودان الفنية ايضاً في التحشيش والغناء في الأماكن العامة وههن ضاربين المدامة وبذا يختلط الحابل بالنابل ويتعالى الدخان عالياً ومرتفعاً من دخان السيجار الأحمر لدخان السيجار الأزرق لدخان السيجارة الخضراء و باقي الدخاخين ولكن معظم الدخاخين عندنا هي بلا نار على خلاف السائد والحمدﻟﻠﻪ.
أما عالم السياسة فقد غزته المدامة منذ عهد الحسن الصباح وقلعته المثيرة الموت والتي كان الناس يغرقون في المتعة المحرمة ويكونوا دولة الحشاشين الفتية والتي غيرت مجرى التاريخ بسبب التعاطي وغياب العقل وارتكاب الموبقات كلها بدون فرز والتباهي بذلك والدعوة له وبصورة شعرية جذابة كما قال شاعرهم ويصف ليلة دعوية أقاموها في قلعتهم للوافدين الجدد والمتوالين والمردفين كمان: ومهفهف بادي النفور عهدته لا التقيه قط غير معبس صادفته بعض الليالي

ضاحكاً سهل العريكة رائقاً في المجلس
عيناه تخطب عاشقا متنسكاً
والسكر يحسن بالمحب ولا يسئ
فقضيت منه ماربي وتركته
إذ صار من بعد التنافر مؤنسي
فاجابني لا تشكرن خلائقي
وأشكر شفعيك ذاك خمر المفلس
فحشيشة الأرواح تشفع عندنا للعاشقين
ببسطها للأنفس
وإذا هممت بصيد ظبي نافر
فاجهد بأن يرعى حشيش القنبس
وسل المجرب للأمور وخلني
من حسن ظن الناسك المتلمس

ويعد هذا الاحتفاء بالسيجارة أحد أسباب انتشارها وإلباسها لباس الفن والسياسة التمرد والمعارضة والليبرالية وظل الكثيرون يرون فيها انعتاقاً من الجور وحرية لحظية كما في مذهب الراستافاريانيزم والتراث الكاريبي الآفرو أمريكي.
وسارت الركبان عندنا بأخبار أن فلاناً من الكتاب بضربها وأن علانًا من الفنانين (لو ما شرب تلاته ما بغني) وأن فرتكاناً من الزعماء زولها عديل وما آفة الأخبار إلا رواتها.
ويزدهي الواتس آب بأخبار ونكات الحشاشين ويوصف الذكي والمخترع والمبتكر بها ليحاول تقليده الآخرون وعندها يتحول الناس من حكاية يخرجون ويعودون ويهتدون إلى قصة ينضمون وينسلخون وبعدها يتحاورون ولربما يسطلون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى