اجابة سؤال لماذا الاسلام اجرم الغيبه والنميمه ؟

ا يستهان بحجم المساوئ الأخلاقية والاجتماعية والخسائر الاقتصادية التي تنتج عن رذيلتي الغيبة والنميمة اللتين تمكنتا من نفوس الكثيرين والكثيرات وأصبحتا مصدراً للمشاجرات والخسائر اليومية، فلم يعد الحديث عن الآخرين بما يسيء إليهم في غيابهم مجرد خلق يشوه السمعة ويلحق الأذى بمن نغتابهم وننم عليهم، بل أصبح آفة اجتماعية خطرة لها تداعياتها السلبية وخسائرها الأمنية والاقتصادية فكم من معارك دامية نشبت بين أسر وسقط فيها قتلى وجرحى وحرقت فيها بيوت وسيارات وزراعات بسبب غيبة وكم من بيوت كانت عامرة بالحب والاستقرار خبت وشردت أفرادها بسبب نميمة وها نحن نهدر الملايين سنويا من ميزانيات بيوتنا ثمنا لمكالمات هاتفية معظمها غيبة ونميمة!

مثال بسيط على خسائر وتداعيات الغيبة والنميمة نراه في معركة حامية الوطيس نشبت بين عائلتين في مدينة أسيوط وسط صعيد مصر حيث تحدث مزارع عن جاره المزارع في محل حلاقة بما يسيء إليه وضحك الجالسون ونقل خبر ما حدث عن طريق الهاتف النقال إلى المزارع الذي استشاط غضباً وأحضر سلاحه الناري وذهب إلى حيث يوجد جاره وأمطره بوابل من الرصاص وهو على كرسي الحلاق ليلقى مصرعه في الحال ومعه أحد الأبرياء الذي تصادف وجوده في محل الحلاقة .

لم تقف التداعيات عند هذه الجريمة التي وقعت نتيجة غيبة، حيث تبادل أقارب القاتل والمقتول إطلاق النار في معركة استمرت أسبوعا كاملا سقط فيها خمسة من القتلى وأكثر من عشرين مصاباً!

هؤلاء الضحايا يؤكدون أن رذيلتي الغيبة والنميمة اللتين انتشرتا بين الناس في كل مكان، في المنازل والمكاتب والمقاهي والأندية والمواصلات العامة وعن طريق الهاتف، وأخيراً عن طريق منتديات الحوار والدردشة ومواقع التواصل الاجتماعي لم تعد خسائرهما تقف عند الحرام الذي يمارسه هواة الحديث عن الآخرين، بل تعددت وتنوعت الخسائر الناتجة عنهما، وهذه الجريمة مجرد مثال .

طرحنا آفتي الغيبة والنميمة للمناقشة على مائدة علماء الإسلام والتربية والطب النفسي لبيان موقف الشرع منهما والخطايا التي يرتكبها كل من يهواهما .

آفة خطرة

عالم السنة النبوية الدكتور محمد الأحمدي أبو النور، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر، يعبر عن حزنه وألمه لما يراه من تداعيات خطرة لرذيلة الغيبة التي تمكنت من نفوس المسلمين ولم يعد هناك خوف ولا رهبة من عقاب إلهي، فضلا عما تجلبه لمن يمارسها من مصائب دنيوية كالتي نراها ونسمع ونقرأ عنها في واقع حياتنا، ويقول: الإسلام دائماً يحثنا على كل ما فيه مصلحة حقيقية لنا وينهانا عن كل سلوك أو خلق سيىء يلحق بنا الأذى، لذلك كان رفضه وإدانته للغيبة والنميمة حيث يلحقان الظلم والأذى بالآخرين وتجلبان لمن يمارسهما أذى في الدنيا هو في غنى عنه، فضلاً عما ينتظره من عقاب إلهي رادع، حيث اقترف سلوكاً مسيئاً للآخرين والإسلام يرفع دائما شعار لا ضرر ولا ضرار .

ويوضح لنا الدكتور أبو النور معنى الغيبة فيقول: هي أن يذكر الإنسان غيره بما فيه من عيب، وهذا ما وضحه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم . قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته .

وسبب تحريم الإسلام لهذه الرذيلة كما يقول عالم السنة النبوية الأزهري أن هذا الدين العظيم يرفض إيذاء الإنسان لأخيه الإنسان بأي نوع من أنواع الإيذاء بالقول أو بالفعل، وكل من يؤذي مؤمنا بغير ما اكتسب فقد جاء ببهتان وارتكب إثماً عظيماً كما أخبرنا القرآن الكريم .

ويؤكد الدكتور أبو النور أن الغيبة من الأخلاق السيئة التي تفتك بأواصر الأخوة، وتمزق وشائج المودة، وتقطع العلاقات الإنسانية بين الأفراد والجماعات، ومع ذلك للأسف تعود عليها المسلمون وأدمنوها وأصبحت من مكونات ثقافتهم وخصالهم الملازمة لهم طوال الوقت رغم التحذير النبوي منها والعقاب الإلهي الرادع الذي ينتظر من يمارسها، وينبه هنا إلى وصية نبوية كريمة تعالج أو تواجه مدمني الغيبة والنميمة وهي الانتصار للمسلم الذي يغتاب فيما يطلق عليه بين الناس رد الغيبة فالرسول في هذا التوجيه الكريم يدفع المسلمين إلى مواجهة آفة الغيبة ومحاربتها وردع من يمارسها بعيدا عن المشاجرات والنزاعات التي تحدث بين من يمارس الغيبة ومن يقع عليه ظلم الغيبة، فيقول صلى الله عليه وسلم: ما من امرئ مسلم يخذل امرأ مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يجب فيه نصرته، وما من امرئ مسلم ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يجب فيه نصرته .

ويضيف: ولو رجعنا إلى القرآن لوجدنا نهياً صريحاً عن الغيبة، حيث صور الخالق سبحانه هذا السلوك السيئ تصويراً منفراً لكل صاحب عقل ووعي، محذراً من خطر الوقوع فيه، فقال عز وجل: ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم . فالله سبحانه وتعالى يقول لنا في هذه الآية الكريمة: إذا كنتم تعافون أكل لحم الميت فابتعدوا عن الغيبة لأنها أشد وأخطر .

وقد وضح لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطر الغيبة في سياق بيان خطر الكلمة التي يتفوه بها الإنسان لا يلقي لها بالاً فتجره إلى قاع جهنم، وفي سياق أن ريح الغيبة حين يوجد بالأمة كريح الجيفة النتنة .

ومن أجل ذلك أن يتجنب الإنسان إثم هذه الرذيلة نهى الله ورسوله عن حضور المجالس التي يغتاب فيها المسلم، بل لا بد من رد الغيبة وإلا فترك هذه المجالس هو السلوك الأمثل والواجب على المسلم يقول الحق سبحانه في شأن المسلمين الصادقين: وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين .

والغيبة محرمة بإجماع العلماء، لكن في ظروف معينة يجوز للمسلم أن يتحدث عن خلق أو سلوك سيئ لمسلم في تحقيقات قضائية أو بلاغات لأجهزة مسؤولة تحقيقاً لمصلحة عامة للمسلمين، وقد أذن رسول الله لما استأذن عليه يمينة بن حصن وقال: ائذنوا له بئس أخو العشيرة .

إن الغيبة انتهاك واضح لحرمة المسلم، وهي أعظم حرمة عند الله من الكعبة، وحرمة دم المسلم وعرضه وماله وسمعته مصانة كما أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع وفي أحاديث كثيرة تبين حق المسلم على المسلم وضرورة سلامته من لسانه ويده .

عقاب دنيوي

أما رذيلة النميمة وما تجلبه للإنسان من كراهية الآخرين، وغضب الله عليه وعقابه له فيقول عنها الدكتور حذيفة محمد المسير، الأستاذ في كلية أصول الدين في الأزهر: النميمة هي نقل قول إنسان إلى ما قيل فيه بقصد الفساد، وهذا القصد السيئ هو الذي يعطي النقل حكم التحريم . . ذلك أن نقل الأقوال بغير هذا القصد لا ضرر فيه، لذلك كانت النميمة من الرذائل والقبائح السلوكية التي حذر منها الإسلام، وهي من صفات الكافرين والمنافقين، فالله سبحانه وتعالى يقول: ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم . ونظرا لما للنميمة من مخاطر على المستوى الاجتماعي كان تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم منها، فهو القائل لا يدخل الجنة نمام وقد فسر العلماء هذا الحديث بأنه إن كان أي النمام يستحل النميمة ولا يعدها محرمة .

ورذيلة النميمة تجر معها رذائل كثيرة، فهي تدفع من يحترفونها إلى التجسس على الناس ومعرفة أخبارهم وتحركاتهم بكل وسيلة ونقل ذلك لخصومهم، إضافة إلى التزيد والتلفيق واختلاق الوقائع والتملق وغير ذلك من الصفات الكريهة التي يتصف بما النمام .

ويرى الدكتور حذيفة أن السلوك الأمثل لمواجهة مدمني الغيبة والنميمة هو عدم الاستماع إليهم وكشفهم للناس، فهذا أفضل عقاب دنيوي لهم، ويقول: جرائم كثيرة ترتكب يومياً بسبب الغيبة والنميمة، لذلك فإن واجبنا الديني والأخلاقي يفرض علينا التصدي لقوافل النمامين في مجتمعاتنا العربية والإسلامية وأن نقدم لهم النصيحة المخلصة فإذا ما أصروا على باطلهم واستمروا على هذا الخلق السيئ، كان واجبنا أن نقاطعهم، ونحقر من شأنهم، لو فعل كل مسلم ما يأمره به دينه وقاطع النمامين والكذابين لانقرضوا من بلادنا، لكن للأسف إن ما يؤدي إلى انتشار النميمة وتكاثر النمامين هو أننا نستمع إليهم ويقربهم المسؤولون منهم، وغالبا ما يمنحونهم مكافآت مجزية على ما يفعلون من سلوك سيئ!

تربية خاطئة

الخبير التربوي، الدكتور صلاح عبد السميع، أستاذ التربية في جامعة حلوان، يؤكد أن غياب التربية الأخلاقية داخل بيوتنا ومدارسنا وممارسة الغيبة والنميمة على نطاق واسع في كل وسائل إعلامنا خاصة الفضائيات أدى إلى ترسيخ هاتين الرذيلتين في نفوس الكبار والصغار وجعل منهما سلوكا طبيعيا تعود الناس عليه وأمنوه، ويقول: التحليل الاجتماعي والتربوي لسلوكياتنا اليومية يؤكد أن الغيبة تحولت إلى آفة اجتماعية ونفسية خطرة في حياة كثير من المسلمين، وذلك رغم محاربة الإسلام هذه الآفة التي تتعدد مساوئها وتترتب عليها مفاسد كثيرة، وهذه الرذيلة تنتشر أكثر بين هؤلاء الذين ضعف وازعهم الديني ولم يعد بداخلهم خوف حقيقي من الله .

ويضيف الدكتور عبد السميع: مما يؤسف له أن يمارس الوالدان الغيبة والنميمة طوال الوقت أمام صغارهم فيعلمون الأطفال منذ نعومة أظفارهم هذه العادة السيئة، ومن المؤسف أن يحرض الكبار صغارهم على الغيبة والنميمة بوسائل شتى من دون أن يدركوا خطورة ما يزرعونه في أطفالهم منذ الصغر .

ومن المحزن أن تمارس الغيبة والنميمة داخل قاعات التربية والتعليم في المدارس عن طريق معلمين غير تربويين يرتكبون حماقات كثيرة أمام تلاميذهم، أما الأبشع والأخطر فهو ما تبثه وسائل إعلامنا المتنوعة من تحريض يومي على الغيبة والنميمة بوسائل شتى، خاصة بعد أن أصبح عمل ونشاط هذه الوسائل قائما على كشف الأسر والخصوصيات وفضح الناس من دون وجه حق مع أن الإسلام أمر بالستر وحث عليه إلا ما كان يتعلق بالشأن العام، لكن وسائل إعلامنا للأسف تتبارى يومياً في مطاردة الناس بالإشاعات الكاذبة والأخبار الملفقة .

وينتهي أستاذ التربية إلى ضرورة إدراك مخاطر هذه الرذائل على واقعنا التربوي والاجتماعي والاقتصادي، خاصة بعد أن تعددت مخاطرها وتداعياتها، حيث لم تعد كل من الغيبة والنميمة صفة كريهة وخلقا سيئا يجلب لصاحبه غضب الله وعقابه فحسب، بل أصبحت هاتان الصفتان من الرذائل التي تجلب لمجتمعاتنا العربية الكثير من المفاسد والمساوئ والخسائر المادية، وهناك دراسات كثيرة ترصد مخاطر السلوكيات الخاطئة على الإنسان والمجتمع من المفروض أن نستفيد منها .

مرض نفسي

الدكتور هاشم بحري أستاذ الطب النفسي في جامعة الأزهر يؤكد أن من يقترفون رذيلة الغيبة يعانون خللاً نفسياً، فما وجد عائب إلا كان معيبا، ويقول: إن الغيبة تقطع العلاقات الطيبة وتفتح باب التعقب والبحث عن العيوب فقد قيل قديماً: إن من اغتاب اغتيب ومن عاب عيب، فبحث الإنسان عن عيوب الناس يحمل الناس على البحث عن عيوبه . وقيل أيضاً لا تعن الناس على عيبك بسوء غيبك .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى