اجابة سؤال حكم نفقة ما مضى
فصل وقد احتج بقصة هند هذه على أن نفقة الزوجة تسقط بمضي الزمان ؛ لأنه لم يمكنها من أخذ ما مضى لها من قدر الكفاية مع قولها : إنه لا يعطيها ما يكفيها ولا دليل فيها ؛ لأنها لم تدع به ولا طلبته ، وإنما استفتته : هل تأخذ في المستقبل ما يكفيها ؟ فأفتاها بذلك .
وبعد ، فقد اختلف الناس في نفقة الزوجات والأقارب ، هل يسقطان بمضي الزمان كلاهما ، أو لا يسقطان ، أو تسقط نفقة الأقارب دون الزوجات ؟ على ثلاثة أقوال .
أحدها : أنهما يسقطان بمضي الزمان ، وهذا مذهب أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد .
والثاني : أنهما لا يسقطان إذا كان القريب طفلا ، وهذا وجه للشافعية .
[ ص: 451 ] والثالث : تسقط نفقة القريب دون نفقة الزوجة ، وهذا هو المشهور من مذهب الشافعي وأحمد ومالك . ثم الذين أسقطوه بمضي الزمان منهم من قال : إذا كان الحاكم قد فرضها لم تسقط ، وهذا قول بعض الشافعية والحنابلة . ومنهم من قال : لا يؤثر فرض الحاكم في وجوبها شيئا إذا سقطت بمضي الزمان ، والذي ذكره أبو البركات في ” محرره ” الفرق بين نفقة الزوجة ونفقة القريب في ذلك ، فقال : وإذا غاب مدة ولم ينفق لزمه نفقة الماضي ، وعنه : لا يلزمه إلا أن يكون الحاكم قد فرضها .
وأما نفقة أقاربه فلا تلزمه لما مضى وإن فرضت إلا أن يستدان عليه بإذن الحاكم وهذا هو الصواب ، وأنه لا تأثير لفرض الحاكم في وجوب نفقة القريب لما مضى من الزمان نقلا وتوجيها ، أما النقل : فإنه لا يعرف عن أحمد ولا عن قدماء أصحابه استقرار نفقة القريب بمضي الزمان إذا فرضها الحاكم ، ولا عن الشافعي وقدماء أصحابه والمحققين لمذهبه منهم كصاحب ” المهذب ” و ” الحاوي ” و ” الشامل ” و ” النهاية ” و ” التهذيب ” و ” البيان ” و ” الذخائر ” ، وليس في هذه الكتب إلا السقوط بدون استثناء فرض ، وإنما يوجد استقرارها إذا فرضها الحاكم في ” الوسيط ” و ” الوجيز ” وشرح الرافعي وفروعه ، وقد صرح نصر المقدسي في ” تهذيبه ” والمحاملي في ” العدة ” ومحمد بن عثمان في ” التمهيد ” والبندنيجي في ” المعتمد ” بأنها لا تستقر ولو فرضها الحاكم ، وعللوا السقوط بأنها تجب على وجه المواساة لإحياء النفس ، ولهذا لا تجب مع يسار المنفق عليه ، وهذا التعليل يوجب سقوطها ، فرضت أو لم تفرض . وقال أبو [ ص: 452 ] المعالي : ومما يدل على ذلك أن نفقة القريب إمتاع لا تمليك ، وما لا يجب فيه التمليك وانتهى إلى الكفاية استحال مصيره دينا في الذمة ، واستبعد لهذا التعليل قول من يقول : إن نفقة الصغير تستقر بمضي الزمان ، وبالغ في تضعيفه من جهة أن إيجاب الكفاية مع إيجاب عوض ما مضى متناقض ، ثم اعتذر عن تقديرها في صورة الحمل على الأصح . إذا قلنا : إن النفقة له بأن الحامل مستحقة لها أو منتفعة بها فهي كنفقة الزوجة . قال : ولهذا قلنا : تتقدر ، ثم قال : هذا في الحمل والولد الصغير ، أما نفقة غيرهما فلا تصير دينا أصلا . انتهى .
وهذا الذي قاله هؤلاء هو الصواب ، فإن في تصور فرض الحاكم نظرا ؛ لأنه إما أن يعتقد سقوطها بمضي الزمان أو لا ، فإن كان يعتقده لم يسغ له الحكم بخلافه ، وإلزام ما يعتقد أنه غير لازم ، وإن كان لا يعتقد سقوطها مع أنه لا يعرف به قائل إلا في الطفل الصغير على وجه لأصحاب الشافعي . فإما أن يعني بالفرض الإيجاب ، أو إثبات الواجب ، أو تقديره أو أمرا رابعا ، فإن أريد به الإيجاب فهو تحصيل الحاصل ولا أثر لفرضه ، وكذلك إن أريد به إثبات الواجب ففرضه وعدمه سيان ، وإن أريد به تقدير الواجب فالتقدير إنما يؤثر في صفة الواجب من الزيادة والنقصان لا في سقوطه ولا ثبوته ، فلا أثر لفرضه في الواجب ألبتة ، هذا مع ما في التقدير من مصادمة الأدلة التي تقدمت على أن الواجب النفقة بالمعروف فيطعمهم مما يأكل ويكسوهم مما يلبس . وإن أريد به أمر رابع ، فلا بد من بيانه لينظر فيه .