من أسس نجاح العلاقة الزوجية 2019

من أسس نجاح العلاقة الزوجية :

يحتاج صرح الزواج إلى بعض الأساسيات الضرورية للمساعدة على نجاحه، ومن الملاحظ أن تلك الأساسيات أو المفاهيم ليست مرتبة حسب أهميتها لكي يبدأ الزوجان بأولها وينتهيا بآخرها، فلكل زوجين خصائصهما وظروف ارتباطهما المختلفة عن الآخرين، فقد تبدأ علاقتهما بالحب أو بالشعور بالانتماء، أو تبدأ بالصداقة والتعاون، فليس المهم من أين نبدأ، لكن المهم أن تشمل العلاقة الزوجية كل تلك المفاهيم.
* الحب:
رابطة الحب هى خليط من القوة والحنان، ((لأن كلاً من الرجل والمرأة يريد أن يحيط كل منهما الآخر بعنايته، وأن يسبغ عليه عطفه وحنانه من جهته، كما أن كلاً منهما يريد أن يركن إلى الآخر ويتلقى منه العطف والرعاية كأنما هو مجرد طفل، وحاجته إلى رعاية الآخرين كأنما هو أب مسؤول )).وأرى أن على الزوج ألا ينتظر أن يأتي الحب منذ بداية الحياة الزوجية حباً ناضجاً مكتملاً، لأن الجانب الحسي في الحياة الزوجية ـ وخاصة بالنسبة للمرأة ـ هو في حاجة إلى تهيئة طويلة وتربية دقيقة.
* الاحترام:
من المهم أن يحترم كل شريك شخصية الطرف الآخر، ويتقبل عيوبها قبل مزاياها، والتقبل يعني القبول والتفهم بأن صفات قرينه قد يكون جزء منها وليد الظروف والبيئة، لذا يجب ألا نحاول أن نعيب على الطرف الآخر تلك العيوب ونتذمر منها، ونحاول أن نغيرها بالقوة. فبعض هذه العيوب قد يذوب تلقائياً عندما يشعر الطرف الذي يحملها أن شريكه يقبلها فقط من أجله، رغم أنها قد تكون صفات غير مرغوب فيها، وبعضها الآخر قد يظل على ما هو عليه، إذن فما جدوى الانتقاد الدائم والنزاع المستمر بشأنها؟ إن ذلك لن يخلق إلا مزيداً من المصاعب والمتاعب.
ونعني أيضاً بالاحترام تقدير القرين لآراء الطرف الآخر حتى ولو كانت لا تساير رغباته الشخصية، وهنا يظهر مبدأ التقارب الفكري، لأنه لا بد من التقابل في المنتصف . . إن ذلك يعني ويؤكد احترام كل منهما لآراء الآخر. والاحترام يشمل احترام كيان الشخص في وجوده أو غيابه، لأنه لا يصح أبداً أن نذم أو نشكو الشريك لآخرين في حالة عدم وجوده. . إن ذلك يهدم صرح الشريك في داخل الفرد قبل أن يهدم في عيون الآخرين.
* الانتماء:
إن الشعور بالانتماء إلى الكيان الأسري من المفاهيم الأساسية في العلاقة الزوجية، فالزواج ليس مجرد علاقة رسمية فقط تمت بموجب عقد الزواج، أو مجرد علاقة جسدية أباحها العقد ذاته، أو هو مجرد معيشة فردين معاً ألزمها الزواج، إن الزواج أسمى من ذلك بكثير، إنه يعني أن هناك شخصين قد ارتضيا أن يكملا مسيرة حياتهما معاً، يتقاسمان مرها قبل حلوها، وكل منهما يشعر بآلام الآخر كأنها آلامه، ويرقص قلبه فرحاً بأفراح شريكه، وكل نجاح أو تحقيق هدف يسجل لصالح الكيان الأسري وليس لصالح فرد معين. إن الفتاة تترك أسرتها الكبيرة وتذهب لتكوّن أسرتها الصغيرة، ويصبح انتماؤها الأكبر لأسرتها الصغيرة.
* التعاون
إن التعاون من السمات الأساسية التي يجب أن يتحلى بها الزوجان، فكل منهما لا بد أن يكون السند للطرف الآخر . . وقد يكون من المفيد أن نشير لبعض الصور السلبية التي قد نشاهدها أحياناً في بعض الأسر، حيث يقف أحد الطرفين في طريق نجاح الطرف الآخر، ويتفنن في وضع العراقيل أمامه، وكأن نجاح الشريك يحط من قدره هو. وفي الطرف المقابل نرى صوراً جميلة للتعاون بين الزوجين، فكل منهما يعاون الآخر ليدفعه قدماً للأمام، وليس هناك مانع من أن يتنازل أحد الطرفين قليلاً عن أهدافه إذا كانت ستعوق تحقيق أهداف الطرف الآخر، لأن كل تقدم يصيب أي شريك هو في النهاية لصالح الأسرة التي تضمهما معاً، لذا فإن القول: بأن ((وراء كل رجل عظيم امرأة )) هو قول على قدر كبير من الصواب والصدق.
* الصداقة:
لعل الصداقة هي الكلمة التي تشمل كل الصفات السابقة المتعلقة بالمفاهيم الأساس في العلاقة الزوجية، فالصداقة تعني المحبة الحقيقية، وتعني الاحترام المتبادل القائم على التفاهم، والانتماء الذي يعني الالتزام الأدبي والمعنوي تجاه الطرف الآخر. إن من أجمل التعبيرات التي تسمعها من أحد الزوجين أنه بالإضافة إلى علاقتهما الزوجية فإنهما قد يصبحا صديقين . . فالزوج قد لا يستطيع أن يبوح بكل مكنونات قلبه لزوجته ولكنه قد يقولها إذا شعر أن زوجته صديقته، بمعنى أن بإمكانها أن تفهم وتقدر دوافع سلوكه، ولن تسيء فهم كلماته (1).
يعتبر الزواج أو الأسرة جماعة تتميز إلى حد كبير بما تتميز به الجماعات الأولية والاجتماعية من خصائص. وعلى الرغم من ذلك فهناك بعض الخصائص التي تتميز بها مثل هذه الجماعات توفر قدراً أكبر من الاعتماد المتبادل الذي يؤدي إلى زيادة التفاعل بصورة أكبر مما يحدث في كثير من الجماعات الأخرى.
ويؤدي تشابك الأدوار التي تتضمنها جماعة الأسرة إلى أن تصبح كثير من التصرفات والأفعال التي تصدر عن الأعضاء ذات آثار عميقة في الأعضاء الآخرين. فهناك علاقات ودية متوازنة بين كثير من أعضاء الأسرة كالعلاقات بين الأبوين، وبينهما وبين الأطفال . . مثل هذه العوامل تتفاعل مع غيرها وتميل إلى زيادة كثافتها.
وعندما تكون للمعتقدات والتوقعات الخاصة بالعلاقات والروابط الأسرية صفة الاستقرار النسبي لفترة ملائمة من الزمن وفي مواقف مختلفة متعددة، تستطيع الأسرة أن تمارس وظائفها، ويتحرر الأفراد في الجماعة الأسرية نسبياً من التوترات، ويشكل الأفراد الذين يشتركون في عملية التفاعل وحدة وظيفية متكاملة.
ومن ثم عندما تتوفر جميع هذه الشروط، يكون للأسرة تنظيم معين، أي يتم التعاون في عملية بناء اتجاهات منظمة يوافق عليها الأعضاء. هذه المجموعة من الاتجاهات المتبادلة المشتركة أو التوقعات تكوِّن ما نطلق عليه تنظيم أو بناء الأسرة، أو شبكة علاقات المراكز والأدوار والأهداف المشتركة والقيم التي يقوم عليها نسق العلاقات الأسرية، وعندما يشترك أعضاء الأسرة في نفس التوقعات والأهداف، ويستطيعون العمل والتوافق معها، يستطيع أعضاء الأسرة بصفة عامة إشباع حاجاتهم اليومية.
وعلى الرغم من ذلك فقد يحدث أحياناً أن تظهر صعوبات تعوق التفاهم أو القيام بالأدوار، سواء من داخل جماعة الأسرة أو من خارجها، وفي مثل هذه المواقف قد ينشأ صراع مؤقت بين توقعات أعضاء الأسرة المختلفين. وإذا ما اتخذ هذا الصراع صفة الاستمرار فقد يؤثر في وحدة الأسرة برمتها.
وكذلك يمكن أن تؤدي التغيرات الاجتماعية التي تطرأ على المجتمع الذي تعتبر الأسرة جزءاً منه إلى تغير في بناء الأسرة. وعلى سبيل المثال، فقد يؤدي عدم توفر فرص العمالة إلى بطالة رب الأسرة، ولا يغير ذلك من دور الأب الاقتصادي في الأسرة فقط بل ويؤثر في اتجاهات وتوقعات أعضاء الأسرة في علاقتهم المتبادلة بين بعضهم بعضاً، وكذلك يؤثر بدرجات مختلفة في شبكة العلاقات الأسرية بأكملها، وفي علاقاتها بالتالي مع المجتمع الخارجي.
وفي الحياة الزوجية، قد يتدخل عدد من العوامل التي تؤدي إلى استقرار الحياة الأسرية والنجاح في الزواج، وقد تؤثر هذه العوامل بطريقة تؤثر هذه العوامل بطريقة عكسية فينتج عنها الفشل واضطراب الحياة الزوجية . فتشابه الخلفية الثقافية أو اختلافها التي يحملها كل من الزوج أو الزوجة وينقلها إلى الحياة الزوجية قد تؤدي إلى التوافق والتجانس أو تنتهي إلى الصراع والخلافات
وقد أظهرت إحدى الدراسات أهمية التقبل الاجتماعي الذي يبديه الآخر، كالأصهار والأقارب والأصدقاء، في مساعدة الزوجين على التوافق خاصة في بداية تكيفهم مع الموقف الجديد. ومع ذلك فإن دينامياكيات الحياة الزوجية تعتبر أكثر من مجرد نمو الروابط الودية، فالزواج يعني المشاركة في اتخاذ القرارات وتكامل وجهات النظر.
وفي مثل هذه العملية لا يعني الزواج قيام الأفراد باتخاذ قرارات مستقلة، ولكن الزوجين يفكران ويقرران معاً، فإذا اتخذت قرارات مشتركة حول موضوعات، كالميزانية والإنفاق أو تربية الأطفال، فإنها تؤدي إلى تكامل الحياة الزوجية، أما إذا تمت القرارات بطريقة فردية فإنها تضعف الزواج.
وعلى كلا من الزوج والزوجة على مواجهة المواقف الزوجية وعلاج التغيرات التي تطرأ على المواقف الاجتماعية والتي تعرقل وتؤثر في أدوارهما كزوج وزوجة . . وإلى جانب ذلك هناك جوانب أخرى من أهمها التصميم على نجاح الزواج والإيمان بقيمته(1).
ويقسم الدكتور سعد الأزمات الأسرية إلى الأقسام التالية:
1- الأسرة التي تشكل ما يطلق عليه (البناء الفارغ )، وهنا نجد الزوجين يعيشان معاً ولكنها لا يتواصلان إلا في أضيق الحدود، ويصعب على كل منهما منح الآخر دعماً عاطفياً.
2- الأزمات الأسرية التي ينتج عنها الانفصال الإرادي لأحد الزوجين، وقد يتخذ ذلك شكل الانفصال أو الطلاق أو الهجر.
3- الأزمات الأسرية الناتجة عن أحداث خارجية، كما هي الحال في حالات التغيب الدائم غير الإرادي لأحد الزوجين، بسبب الترمل أو السجن، أو الكوارث الطبيعية كالفضائيات أو الحرب.
4- الكوارث الداخلية التي تؤدي إلى إخفاق غير متعمد في أداء الأدوار، كما هو الحال بالنسبة للأمراض العقلية أو الفسيولوجية، ويدخل في ذلك التخلف العقلي لأحد الأطفال، أو الأمراض المستعصية التي قد تصيب أحد الزوجين.
إ أن التفكك الأسري يمر في العادة بعدة مراحل يمكن تلخيصها على النحو التالي :
1- مرحلة الكمون:
وهي فترة قترة محددة وربما تكون قصيرة جداً بشكل يجعلها غير ملحوظة، والخلافات فيها سواء كانت صغيرة أو كبيرة لا يتم مناقشتها أو التعامل معها بواقعية.
2- مرحلة الاستثارة
وفيها يشعر أحد الزوجين أو كلاهما بنوع من الارتباك، وبأنه مهدد وغير قانع بالإشباع الذي يحصل عليه.
3- مرحلة الاصطدام:
وفيها يحدث الاصطدام أو الانفجار نتيجة الانفعالات المترسبة، وتظهر الانفعالات المكبوتة لمدة طويلة.
4- مرحلة انتشار النزاع:
إذا زاد التحدي والصراع والرغبة في الانتقام فإن الأمور تزداد حدة، ويؤدي ذلك لزيادة العداء والخصومة بين الزوجين، والنقد المتبادل بينهما، ويكون هدف كل طرف هو الانتصار على الطرف الآخر دون محاولة الوصول إلى التسوية، وينظر كل منهما إلى نفسه على أنه الإنسان المتكامل على حساب الطرف الآخر، ويزداد السلوك السلبي . . وإذا كان النزاع في البداية يتعلق بناحية معينة فإنه سرعان ما ينتشر ليغطي النواحي الأخرى المتعددة.
5- مرحلة البحث عن حلفاء:
إذا لم يستطع الزوجان حل المشكلة بمفردها فإنهما يبحثان عمن يساعدهما في تحقيق ذلك من الأهل والأقارب والأصدقاء، وإذا استمر النزاع لفترة طويلة فإن القيم والمعايير التي تحكم بناء الأسرة تصبح مهددة، وهنا قد يلجأ أحد الطرفين أو كلاهما للحصول على الإشباع من خلال المصادر الأخرى البديلة، مثل التركيز على الاهتمام بالأطفال، أو المشاركة في الأنشطة الاجتماعية، والتركيز على النجاح في العمل على حساب الإشباع الذي يتحقق داخل الأسرة.
6- مرحلة إنهاء الزواج:
وعندما يكون لدى الزوجين على الأقل الدافعية والرغبة لتحمل مسؤولية القرار المتعلق بالانفصال، تبدأ إجراءات الانفصال، والتي تعني عدم التفكير في العودة مرة أخرى للحياة الزوجية، وهنا قد يوكل أحد الطرفين أو كليهما محامياً لذلك ويلجأ للقضاء(1)
إن مصطلح ((تفكك الأسرة )) يشير إلى انهيار الوحدة الأسرية وانحلال بناء الأدوار الاجتماعية المرتبطة بها، عند ما يفشل عضو أو أكثر في القيام بالتزاماته ودوره بصورة مرضية.

1- انحلال الأسرة تحت تأثير الرحيل الإرادي لأحد الزوجين عن طريق: الانفصال، أو الطلاق، أو الهجرة، وفي بعض الأحيان قد يستخدم أحد الزوجين حجة الانشغال الكثير بالعمل ليبقى بعيداً عن المنزل وبالتالي عن شريكه لأطول فترة ممكنة.
2- التغيرات في تعريف الدور، التي تنتج عن التأثر المختلف بالمتغيرات الثقافية، وهذه قد تؤثر في مدى ونوعية العلاقات بين الزوج والزوجة، غلا أن الصورة أو النتيجة الأكثر وضوحاً تكون في صراع الآباء مع أبنائهم الذين يكونون في سن الشباب.
3- أسرة (القوقعة الفارغة ) وفيها يعيش الأفراد تحت سقف واحد، ولكن تكون علاقاتهم في الحد الأدنى، وكذلك اتصالاتهم ببعضهم، ويفشلون في علاقاتهم معاً وخاصة من حيث الالتزام بتبادل العواطف بينهم. ويمكن أن تحل الأزمة العائلية بسبب أحداث خارجية External ، وذلك مثل الغياب الاضطراري المؤقت أو الدائم لأحد الزوجين بسبب الموت أو دخول السجن أو أية كوارث أخرى مثل الحرب أو الفيضان. . إلخ.
4- الكوارث الداخلية التي تنتج عن فشل لا إرادي في أداء الدور نتيجة الأمراض النفسية أو العقلية، مثل التخلف العقلي الشديد لأحد أطفال الأسرة، أو الاضطراب العقلي لأحد الأطفال أو لأحد الزوجين، والظروف المرضية الجسمانية المزمنة الخطيرة والتي يكون من الصعب علاجها(1). وجدير بالذكر أنه لا ينظر لجميع أنماط تفكك الأسرة في أي مجتمع بنفس الدرجة من الأهمية، إلا أن الطلاق يعتبر أهم أشكال التفكك الأسري في جميع المجتمعات بلا استثناء.والطلاق هو إنهاء العلاقات الزوجية بحكم الشرع والقانون، ويترتب عليه إزالة ملك النكاح . . ونظراً لخطورة هذه الظاهرة في حياة الأسرة والمجتمع، فقد قيدته المجتمعات بقيود شديدة وأباحته في حالات محددة، وهو مع إباحته شرعاً وقانوناً غير أنه أبغض الحلال إلى الله عزوجل، وهو ظاهرة قديمة قدم عهد الإنسانية بالزواج (2).
جاء الإسلام وجعل للطلاق ضوابط ومراحل وفرصة للرجوع والمعاودة، لأن الطلاق في نظر الإسلام أبغض الحلال، يقو الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق ))(1)، ((وما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق ))(2). ويحدد الإسلام الطلاق بثلاث مرات، كما قال سبحانه وتعالى: (الطلاق مرتان فإمساكُ بمعروف أو تسريحُ بإحسانٍ ) (البقرة: 229).
ففي المرة الأولى يكون رجعياً، بمعنى: يستطيع الرجل أن يراجع زوجته قبل انقضاء عدتها، أما إذا طلقها مرة أخرى، ولم يراجعها بعد مضي العدة فإنها لا تحل إلا بعقد ومهر جديدين. وعلى هذا فالطلاق يرتبط في الشريعة الإسلامية بالتصور الإسلامي للأسرة، حيث الأسرة في تصور الإسلام مؤسسة اجتماعية اقتصادية، والأسرة بمعناها المادي هو الشد والربط، وبمعناها الاجتماعي الرابطة بين الأفراد في المؤسسة الواحدة.
ومما يدل على خطر ظاهرة الطلاق، أن الدين جعله الحل الأخير لإنهاء حالة التوتر العائلي، واعتبره الخاتمة المؤلمة والمصير المحتوم بعد فشل كل جهود الإصلاح.
أن الطلاق من تلك القضايا والمشكلات التي لا يجدي فيها سنّ تشريع للحد من تفاقمها بقدر ما يجدي في علاجها والتغلب على أضرارها التوجيه والإرشاد بأسلوب علمي يخاطب العقل والوجدان، ولا بد من بذل الجهد المتواصل لتصحيح المفاهيم الخاطئة والتقاليد المضرة، وأن يقدم للناس التصور الصحيح الذي جاء به الدين وحض على التمسك به.
وتلخص الدراسة إلى وضع عدد من التوصيات لا بد من مراعاتها للعمل بالتصور المشار إليه سلفاً ووضعه حيز التنفيذ، ومن أهمها:
1- أن تهتم وسائل الإعلام بتخصيص برامج يومية أو أسبوعية توضح الأسس التي تقوم عليها الأسرة في الإسلام، وتبين الآثار السلبية للطلاق.
2- إنشاء مكاتب مختصة بشؤون الأسرة يشرف عليها علماء الدين والاجتماعي والتربية، وتكون مهمتها التدخل لحل المشكلات الزوجية والحيلولة دون وصول الأمر إلى القاضي للطلاق.
3- ضرورة إدخال بعض البرامج النظرية والعملية في مناهج السنوات النهائية في المرحلتين الثانوية والجامعية، تكون مختصة بالأسرة على نحو ينمي المفاهيم الصحيحة ويعد الأبناء لحياة زوجية سعيدة.
4- اتخاذ قرار يضمن للزوجية بقاءها في منزل زوجها، وذلك بوضع أسس لطلاقها وعدم الإسراع فيه من قبل المحكم(1).
ولعل قانون الأحوال الشخصية القطري ـ تحت التجربة ـ يأتي بالحلول الناجحة.
والآن لنتساءل: ماذا يمكن أن يحدث للأطفال عندما تتقوض دعائم الأسرة وتنهار؟
إنه من غير اليسير تقديم إجابة دقيقة على هذا التساؤل في الوقت الحاضر. ومن الجلي أن الأطفال الذين ينشأون في أحضان أسرة سعيدة يتمتعون بصحة نفسية ووجدانية جيدة، هذا في الوقت الذي يفتقد الأطفال الذين يربون في ظل أسرة تفتقر إلى الحنان والانسجام السعادة وذاك الهناء، حتى ولم لم يحدث طلاق بين الأبوين.
وقد ركزت الدراسات التي أجريت على التفكك الأسري بوجه عام على الفروق بين أطفال المطلقين وغيرهم. وقد أخفقت هذه الدراسات في التحقق من أهم المسائل التي كان ينبغي عليها أن تكشف عن أبعادها، ألا وهي مدى التزام أفراد الأسرة بالقيام بأدوارهم تجاه بعضهم بعضاً.
وتؤكد دراسات الطب النفسي على الصعوبات التي يواجهها الأفراد الذين نشأوا في أسر تفتقر إلى الحنان والانسجام، وقد استطاعت بحوث أجريت مؤخراً أن تزيح الغطاء عن الآثار المدمرة على الأسرة عندما يحجز طفل مصاب بتخلف عقلي في البيت وبالذات على الأخت الكبرى . . وعلى نحو مماثل تنشأ آثار ضارة عندما يصاب الأب أو أحد الإخوة بمرض عصبي.
ومن هنا فإنه من غير اليسير الإجابة عن ذلك التساؤل المطروح ما لم تتوفر لدينا البيانات الكافية التي تساعد على ذلك. وتؤكد إحدى الدراسات على أن الحاجة ملحة إلى مزيد من الفئات ذات المغزى بالنسبة لما يتوفر لدينا من بيانات عما يحدث للأطفال عندما ينهار البناء الأسري.
أما العنصر الآخر في هذا الارتباط فإنه يتمثل في تنشئة الأطفال على نحو ملائم، فغياب الأب عن الأسرة سواء كان بالطلاق أو الوفاة يؤدي إلى فقدان النموذج الذي يمكن أن يجتذبه الطفل.
وعلى كل حال، فإنه إذا افترضنا ثبات الوضع الطبقي للأبوين فإن معدلات الجناح ترتفع بين أبناء- تقديم نموذج طيب لأساليب المعاملة الزوجية يرغب الأبناء في الزواج، وفي اتباع هذه الأساليب السوية في قابل حياتهم الزوجية. فالبنت التي ترى أمها تحترم أباها لا شك أنها ستحترم زوجها في المستقبل والعكس صحيح . . وهذا بالنسبة للابن تماماً، فالابن الذي يجد أباه يحترم أمه ويقدس الحياة الزوجية، لا شك أنه سوف يقدسها ويتكون لديه اتجاه موجب نحوها.
– اتباع أساليب معاملة والديه سوية مع الأبناء، فلا شك أن اتباع مثل هذه الأساليب سوف يساعد على تكوين شخصيات ناضجة عاطفياً ووجدانياً، لديها مفهوم موجب عن ذاتها، مما ينعكس على اتباعها لهذه الأساليب السوية في تعاملها الزواج، وعلى العكس فإن اتباع أساليب معاملة غير سوية مع الأبناء سوف يكوّن شخصيات قلقة مضطربة تفتقر للنضج العاطفي والانفعالي، لدينها مفهوم وسالب عن ذاتها، مما ينعكس على أساليب معاملتها الزوجية مستقبلاً.
– تقديم المعارف والمعلومات الصحيحة والمبسطة عن الحياة الجنسية والزوجية للأبناء بشكل مبسط ومقبول.
– عدم إرغام الأبناء على اختيار شريكة حياة لا يرغبون في الزواج منه، والاكتفاء بالنصح والمشورة.
– عدم المغالاة في المهور عند زواج البنات، ومراعاة الكفاءة والتكافؤ ومستقبل شريك أو شريكة الحياة.
– البعد عن التدخل السافر في حياة الأبناء بعد زواجهم، وتركهم يعيشون هذه الحياة كما يرغبون، مع التدخل بالنصح والإرشاد والصلح عندما تقتضي الظروف ذلك وبرغبة الأبناء.
(ب) بالنسبة للمؤسسات التعليمية والتربوية:
– الاهتمام بالتربية الزوجية ووضعها ضمن مقررات الصفوف النهائية بالنسبة لطلاب المدارس الثانوية الفنية، ولطلاب النهائية بالجامعة.
– الاهتمام بالتربية الجنسية والعاطفية، وتقديم المعلومات الصحيحة عنها من خلال مقررات الأحياء ولم النفس وعلم الاجتماع.
– التركيز في التربية الدينية في المرحلة الثانوية على النكاح وأحكامه وما يتعلق به من خطبة وصداق، وعقد، ونفقة . . إلخ.
– التركيز في علم الاجتماع على الأسرة، وتكوينها، وأهميتها، والأسباب التي تساعد على تكوين أسرة ناجحة:
(ج) بالنسبة للعاملين بمراكز الأمومة والطفولة ووزارة الصحة:
– الاهتمام بمكاتب فحص الراغبين في الزواج لتقوم بتقديم خدماتها الطبية والإرشادية للراغبين في الزواج من حيث الأمراض الوراثية والتناسلية والعقم وخلافة تجنباً لمشكلات تهدد مستقبل الحياة الزوجية مستقبلاً.
– توسيع نطاق هذه الخدمات بإنشاء مكاتب للعلاقات الزوجية والإرشاد الزواج، وحل المشكلات بعيداً عن المحاكم.
(د) بالنسبة لعلماء الدين وعلماء الاجتماع ورجال القانون:
– تقديم الإرشادات والتوجيهات والأحكام والفتاوى الدينية السليمة المتعلقة بجميع أمور الزواج.
– تطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقاً تاماً يتمشى وروح العصر، فالإسلام صالح لكل زمان ومكان.
– توضيح الغموض حلو زواج المتعة، والزواج العرفي، والمساعدة على إصدار التشريعات اللازمة في هذا الخصوص.
– توضيح الأساليب الاجتماعية الرشيدة لقيام حياة زوجية سعيدة.
2- خدمات إرشادية للراغبين في الزواج:
– تقديم الخدمات الإرشادية المتعلقة بسيكولوجية المرأة والرجل.
– المساعدة في اختيار شيك/ شريكة الحياة من حيث:
– النضج العاطفي والجنسي والجسمي والعقلي.
– التدقيق في الاختيار، وعدم التسرع جرياً وراء نزوة طارئة أو إعجاب عارض مؤقت.
– التكافؤ نسبياً من حيث: المستوى التعليمي والعقلي، الوسط الاجتماعي، المهنة، الدخل، المستوري الديني والخلقي.
– اعتبار الدين المقوم الأساس للاختيار الزواج.
– البعد عن زواج المصلحة.
– تقديم خدمات إرشادية تتعلق بأساليب المعاملة الزوجية وإدارة الأسرة، وتربية الأبناء.
3- خدمات إرشادية للمتزوجين فعلاً:
– تقديم المعلومات المتعلقة بمقومات الزواج الناجح.
– تقديم المعلومات المتعلقة بالتوافق الزواج وأساليبه.
– تقديم الخدمات الإرشادية المتعلقة بكيفية حل المشكلات الزوجية بأيسر الطرق.
– تقديم الخدمات المتعلقة بطرق التفاعل الاجتماعي مع الزوجة والأبناء.
– تقديم الخدمات المتعلقة بطرق تربية الأبناء ورعاية نموهم.
وفي النهاية، فمما لا شك فيه أن الزواج السعيد ينمو في جو عامر بالثقة والحرية والاحترام المتبادل، فليس أخطر على السعادة الزوجية من أن يعيش الزوجان في قاتم من الشكوك المستمرة، والريبة الدائمة، أو في محيط خانق من الضغط المتوالي والقسر المتواصل، وإذا كانت الثقة لا تولد إلا الثقة، فإن الريبة أيضاً لا يمكن أن تولد إلا الريبة والشك.
ولما كانت السعادة الزوجية ليست منحة أو هبة بل هي كسب، فإنه لا بد لضمان هذا الكسب من تعاون كل من الزوج والزوجة في سعي حثيث من أجل العمل على تحقيق أسباب التكيف، وتجنب دواعي الخلاف والنزاع والتشاحن، وزيادة عوامل وأسباب التوافق والانسجام الشاملة . . . واهتمام الدولة بتوفير جميع سبل الرفاهية والتقدم للمجتمع . . كما أرى أن التخطيط Planning للمستقبل أمر حتمي تفرضه مسيرة التغير المستمر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى