منزلة معاذ بن جبل

منزلة معاذ بن جبل

كان معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه أحد الفقهاء الستة رضي الله عنه ، وكانوا ثلاثة من المهاجرين وثلاثة من الأنصار ، وكان رضي الله عنه يفتي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم و في ههد أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنه

وكان معاذ بن جبل من قلائل الصحابة الذين جمعوا القرآن الكريم ، وكان رضي الله عنه ماهراً في تلاوة القرآن الكريم ، فقد حض رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة رضوان الله عليهم أخذهم القرآن منه وقراءتهم عليه وعلى ابن مسعود وأبي بن كعب وسالم مولى أبي حذيفة

ولقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقه وأنه أعلم صحابته رضوان الله عليهم بالحلال والحرام ، فقد روى الإمام أحمدرضي الله عنه عن انس بن مالك : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرحم أمتي أبو بكر ، وأشهدها في دين الله عمر بن الخطاب ، وأصدقها حياء عثمان و أعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل رضي الله عنهم

ومما يدل على طول باعه في العلم والفقه اختيار النبي صلى الله عليه وسلم له بعد أن فتح مكة وسار إلى حنين أن يبقى في مكة ليعلم أهلها الإسلام ، ويفقههم في الدين ويفتيهم فيما يحدث لهم من أمور مشكلة ، ويدل على هذا أيضاً اختيار النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل ليكون قاضياً ومفتياً إلى اليمن ، وقد سر رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريقته ومنهجه في القضاء

وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه المشهور بفقهه بين الصحابة ، يحض الناس على التفقه على يد معاذ بن جبل رضي الله عنه

وقد روى الحاكم في مستدركه باسناد صحيح ووافقه الذهبي على ذلك عن موسى بن علي بن رباح عن أبيه قال:خطب عمر الناس بالجابية فقال : من أراد الفقه فليأت معاذ بن جبل

ولما خرج معاذ بن جبل إلى الشام ترك وراءه فراغاً في الفقه ، شعر به عمر بن الخطاب رضي الله عنه ونبه إليه فقال : لقد أخرج خروجه في المدينة وأهلها في الفقه وفيما كان يفتيهم به ، ولقد كنت كلمت أبا بكر أن يحبسه لحاجة الناس إليه ، فأبى علي وقال : رجلاً أراد وجهاً يعني الشهادة فلا أحبسه

وقد كان لمعاذ بن جبل رضي الله عنه نشاط علمي في كثير من أقطار الدولة الإسلامية ، ففي أي بلد حل اتخذ له مجلساً في مسجده يفقه الناس ويفتيهم ويعلمهم أمور دينهم

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب معاذ بن جبل رضي الله عنه، ومعاذ يبادله الحب ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يظهر لمعاذ هذا الحب ويقسم على ذلك ، فقد روى الإمام احمد بن حنبل ررضي الله عنه في إسناده إلى معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا معاذ ن إني لأحبك ، فقلت : يا رسول الله وأنا والله أحبك ، قال : فإني أوصيك بكلمات تقولهن في كل صلاة : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك

وروى الإمام أحمد رحمه الله تعالى في مسنده بإسناده إلى عاصم بن حميد عن معاذ قال : لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن خرج معه الرسول صلى الله عليه وسلم يوصيه ومعاذ راكب والرسول صلى الله عليه وسلم يمشي تحت راحلته ، فلما فرغ قال : يا معاذ ، إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا ، ولعلك أن تمر بمسجدي هذا أو قبري ، فبكى معاذ جشعاً لفراق الرسول صلى الله عليه وسلم

تأمل معي عزيزي القارئ كيف يودع رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه ، فإن هذا الوداع يدل على أن قلب النبي صلى الله عليه وسلم مفعم بحب معاذ

تتابعت المصائب على معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه ، فقد ماتت زوجتاه وأصيب ولده وبكره عبدالرحمن بالطاعون ، وكان يكنى به وأحب الخلق إليه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذهب إلى المسجد فصلى ثم عاد منه فوجد ولده مكروباً ، فقال : يا عبدالرحمن : كيف أنت ؟فاستجاب له فقال:يا أبت (الحق من ربك فلا تكن من المحترين)فقال معاذ :وأنا إن شاء الله ستجدني من الصابرين ، فأمسكه ليلة ثم دفنه من الغد فطعن معاذ فقال حين اشتد به النزع-نزع الموت-فنزع نزعاً لم ينزعه أحد ، وكان كلما أفاق من غمرة فتح طرفه ثم قال : رب اخنقني خنقتك ، فوعزتك إنك لتعلم ان قلبي يحبك

المراجع

د. محمد عبدالقادر أبو فارس, 1987. ثلة من الأولين . عمان -الاردن. دار الارقم للنشر والتوزيع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى