مقدمة عن الاختبارات , كلمة عن الاختبارات , موضوع عن الاختبارات

هذه الأيام أيام الاختبارات التي تشغل كل الناس، حتى من ليس عنده إختبار ينشغل بها، وإن لم ينشغل بها هو شخصياً ؛ فإنه يضطر إلى أن يتعامل في أيام الاختبارات بتعاملات وأوقات وبطريقة مختلفة عن ما تعوّد عليه، والله سبحانه وتعالى يقول : { تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير * الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً } .

فالحياة كلها، اختبار .. الحياة منذ أن يتنفس الإنسان أول نفس فيها، وحتى يلفظ آخر نفس كتب له في هذه الدنيا، هي إختبار، فإذا كانت الحياة كلها إختبار، فينبغي أن نعرف هذا الاختبار ، وأن نعرف صلته أو علاقته بهذه الاختبارات الدنيوية الكثيرة وأكثرها تكراراً وأهمية عند الناس اختبارات الطلاب والطالبات، ينشغل بها الطلاب والطالبات، ينشغل بها الآباء والأمهات، وتزدحم بسببها الطرقات ، وتتغير من أجلها العادات، وتختلف فيها كثير من الأحوال ..
وحتى نستفيد في الوقت المتاح نحب أن نجعل الحديث منصباً على نوعي الاختبارات في الدنيا والآخرة معاً، حتى نرى كيف اعتنى الناس وانشغلوا وفكروا وخططوا واجتهدوا في اختبارات من اختبارات الدنيا العارضة، وكيف غفلوا وقصروا وتكاسلوا وانشغلوا عن الاختبار الأهم والأعظم إختبار حياة الدنيا الذي سؤاله وجوابه يوم القيامة .

دروس في ثنايا الاختبارات
أولاً : التنافس
طبيعة هذه الاختبارات هي أول أمر نعرض له، معلوم عند الطلاب أن الاختبارات فيها طابع التنافس والحماس ؛ لأجل أن يتفوق الواحد على بقية زملاءه أو أن يحصل على درجة أعلى، أو أن يحظى بتقدير أرفع ، وبالجملة فإننا نرى الناس في اختبارات الدنيا يتنافسون تنافساً شديداً ، سواء في هذه الاختبارات أو في اختبارات الوظائف .. إذا كان هناك وظيفة يتقدم لها جمع من الناس يتنافسون تنافساًَ شديداً في التحضير لها والإعداد لاختبارها ، حتى ولو كان الأمر ان يحسن من هيئته، أو أن يعد من يتوسط له، ويعد كل الأمور ويأخذ بكل الأسباب في سبيل التنافس، والله سبحانه وتعالى جعل التنافس الحقيقي في ميدان الآخرة، فقال جل وعلا : { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } .
وأصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم – تربوا في مدرسة النبوة فعلّمونا بأفعالهم فيما يكون التنافس وفي أي شيء يكون التسابق، لأن الله – سبحانه وتعالى – دعاهم فقال : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم } .
الأمر لا يحتاج إلى تباطؤ ولا يحتاج إلى إيثار، الأمر يحتاج إلى المسابقة إلى الخيرات فقط، قال الله عز وجل : { فاستبقوا الخيرات } ، وكما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم : ( بادروا بالأعمال سبعاً هل تنتظرون إلا فقراً منسياً او غنى مطغياً أو هرماً مفنداً أو مرضاً مقعداً، او الدجال فشر عائد ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر ) ، والله – سبحانه وتعالى – يقول مبيناً أمر الساعة : { وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب } .
ولو نظرنا في الأمثلة الواقعية المتمثلة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في تنافسهم، لرأينا صوراً مثالية .

صور عملية
** أهل الدثور
جاء أبو ذر – رضي الله عنه – كما في الحديث الصحيح ومعه نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون : ذهب أهل الدثور بالأجور ـ سبقونا ونافسونا فأخذوا أكثر منا وحازوا على درجات أعلى وأصبحت تقديراتهم أرفع – ثم قالوا: يصلون كما نصل ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم ! فماذا قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم : أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؛ إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة ـ كل ذلك صدقات، ماذا عمل الأغنياء والأثرياء ؟ فكروا وتنافسوا فأخذوا بهذا، فتساووا مرة أخرى، فتنافسوا معهم، فجاء الفقراء قائلين : ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم ويسبحون كما نسبح ! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .
كان تنافسهم شديداً في هذا الباب .

** اليوم أسبق
وأبو بكر وعمر كانت لهما قصة في التنافس عجيبة، كان أبو بكر يسبق عمر دائماً، فلما جاءت غزوة تبوك، ودعى النبي – صلى الله عليه وسلم – أصحابه للتبرع والإنفاق زوَّر عمر في نفسه عزماً ونية خالصة لله أن يسبق أبا بكر فقال : اليوم أسبق أبا بكر، فماذا فعل ؟ جاء بشطر ماله، نصف الميزانية كلها، الآن إذا أخرج الإنسان الزكاة إذا زاد على الزكاة، يحسب واحد اثنين ثلاثة بالمئة، هذا جاء بنصف رأس المال والميزانية كلها، فلما وافى النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ما أبقيت لأهلك يا عمر، قال : أبقيت لهم الله ورسوله وشطر مالي، فوافى أبا بكر بعد قليل وأتى بما عنده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما أبقيت لأهلك يا أبا بكر، قال أبقيت لهم الله ورسوله، فقال عمر رضي الله عنه : والله لا أرزأك بعدها بشيء أبداً، أنت السابق الذي لا تنافس أبداً .
والناس كما اشرنا يتنافسون في أمر الدنيا، وفي اختبار الدنيا، ونحن نرى هذا التنافس ظاهراً جلياً بين الطلاب، فينبغي أن نلتفت إلى التنافس في أمر الآخرة، لأن طبيعة الآخرة تنافس .

** من يأخذ هذا بحقه
والنبي صلى الله عليه وسلم لما علَّم الصحابة أمر التنافس، علمهم أمر التنافس أيضاً بشكل عملي، فكانوا لا يتقاعسون عن فضل، ولا يقدم أحدهم غيره في فضل وثواب، بل كانوا يستبقون ويتسابقون، لما رفع الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أحد سيفه قائلاً من يأخذ هذا بحقه فابتدره أبو دجانة رضي الله عنه، وهكذا أو ل طبيعة في الاختبار طبيعة التنافس ينبغي أن نتذكرها.

ثانياً : المنهج المحدَّد والواضح
المناهج في الاختبارات واضحة ومحددة المعالم،لا نجد في اختبارات الطلاب يقال له عندك مادة الجغرافيا تختبر فيها هكذا، فلا يوجد عنده منهج محدد وواضح، لا بد أن يكون هناك تحديد وتعيين، بأن يكون عنده نصف الكتاب أو ربع الكتاب محدَّد، فهذا الوضوح هو الذي يعين على تجاوز الاختبار وإلا لو ترك الاختبار هكذا، بعض المدرسين يجري اختبارات مفاجئة، أو يسألهم في أمر لم يتهيؤا له، أما هنا فالاختبارات في غالبها واضحة ومحددة المنهج، وهذا الذي يجعل الطالب يجيب ويحسن الإجابة .
والله جعل اختبار الآخرة واضح ومحدد، ما ترك هكذا مجهولاً، الله – سبحانه وتعالى – بيّن الإيمان وبين العبادة وبين الأخلاق وبين كل ذلك، وقال الله سبحانه وتعالى في أخبار الكفار يوم القيامة { سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ } ، حدد الله سبحانه وتعالى لهم المنهج من عنده عن طريق الرسل، وحدد لهم طبيعة الاختبار وطريقة الاختبار ولكن يغفل الناس عن ذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في ذلك : ( تركتكم على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ) .
المنهج واضح، كما إن اختبارات الدنيا المنهج فيها واضح والمطلوب فيها محدد، كذلك أمر الآخرة، جاء الأعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسأل عن الإيمان ثم يسأل بعد ذلك عن ما أمر به في هذا الدين من الصلوات الخمس في اليوم والليلة، وصيام شهر رمضان وحج البيت وإيتاء الزكاة، ثم قال الأعرابي هل علي شيء بعدها، فخرج وولَّى وهو يقول : والله لا أزيد عليها ولا أنقص ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أفلح إن صدق ) .
هذا المنهج محدد مطلوب منك الإيمان بالله وبقية أركان الإيمان وفرائض محدودة ليس فيها مشقة ولا عسر، وهكذا أيضاً طبيعة الاختبار واضح ومحدد المنهج .

ثالثاً : الجد والاجتهاد
التي هي اختبارات الطلاب أنها تحتاج إلى جد ونشاط، لا نرى أحداً في وقت الاختبارات ينام ويفرط ويهمل، بل يستعد ويجِدّ ويشمر ، ولا يترك فرصة تضيع، فلذلك إن سئل عن هذا قال أن الأمر جد، والوقت قد ضاع، وأحتاج إلى أن أصل شاطئ الأمان وبر النجاة، وهو تجاوز الاختبار وحصول النجاح، فإذاً لما أراد الهدف والغاية، أخذ لها طريقها وهو الجد والإجتهاد، أما إذا لم يأخذ الطريق ؛ فإنه لا يحصل النتيجة وإنه يكون عند الناس أحمقاً ومفرطاً ومقصراً ..
تبغي النجاة ولم تسلك مسالكها **** إن السفينة لا تمشي على اليبس

ولذلك بيّن الله – سبحانه وتعالى – أن ا لأمر بالنسبة للآخرة لا ينال إلا بالجد، أما المنافقون الذين وصفهم الله سبحانه وتعالى بقوله : { وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً } ، هذا الكسول المتثاقل لا ينجح النجاح المطلوب .
وقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض } ، هذا الذي لا يأخذ بالجد والمعالي من الأمور لا يستطيع أن يكون ناجحاً موفَّقاً ؛ لأن الله سبحانه وتعالى وصف أهل الجد بقوله : { كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون } ، يجدُّون حتى يحصِّلون النجاح ويسعون إلى الوصول إلى بر الأمان، أما بعض الناس إذا قيل له في الجد من أمر الدنيا، هو يجد في أمر الدنيا لا يحتاج أن توصي الناس بالجد في أمر الدنيا، الطلاب في غالب الأمر لا يحتاجون أن يوصيهم أحد بالجد، كلٌ يجد بقدر طاقته أقصى حد يجد به، ولكن إذا جئت إلى البعض وقلت لهم : جد في أمر الدين خذه بالعزيمة، وخذ فيه بمعالي الأمور قال : إن الدين يسر وتلا عليك قول الله جل وعلا : { إن الله يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر }
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ) .
وأتاك بآيات وأحاديث ووضعها في غير موضعها، وهو مفرط في حق الله سبحانه وتعالى، وهو مقصر عن التشمير للجد، كما ذكر وبين أبي بن كعب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، لما قال له وسأله عن التقوى، قال : أرأيت أنك إذا كنت تسير على طريق مليء بالشوك ما كنت تصنع يا أمير المؤمنين؟! قال : أشمر وأجتهد، قال : فذاك، أي فتلك التقوى.
من أراد أن ينجح في إختبار الآخرة فلا بد أن يحقق ما يحقق في أمر الدنيا من الجد والإجتهاد وبذل النشاط إلى أقصى غاية، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه العظيم الذي لا يبلغ له شأو ولا يصل أحد إلى تلك المرتبة من أنه كان يقوم حتى تتفطر قدماه، فيقال له : لما تفعل ذلك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟! فيقول : ( أفلا أكون عبداً شكوراً )
أو كما ورد في هذا الحديث، الجد كما تجد في أمر الدنيا، لا بد من الجد في أمر الآخرة .

رابعاً : الخوف وقلة الاطمئنان
أيضاً من طبيعة الاختبارات وأيامها وأوقاتها، أنها أيام خوف وفزع واضطراب، تجد الطالب في هلع في قلق إذا نام فهو خفيف النوم، وإذا أكل فهو سريع الطعام، ولا يطمئن له جنب، ولا تغمض له عين، ولا يسكن له قلب، لماذا لأن عنده ما يشغله ما يعلق قلبه، ولماذا ينشغل عقله ويتعلق قلبه لأنه مرتبط بأمر يرى له فيها مصلحة، ويرى له من وراءه خيراً .
فكيف وأنت تفكر في أمر الآخرة وإختبار الآخرة، إن تفكرت ينبغي أن تكون على خوف وعلى إضطراب فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين هذا النهج القويم بياناً إنخلعت له قلوب الصحابة وذرفت له عيونهم ووجفت واقشعرت منه جلودهم وكانوا منه على خوف عظيم : ( لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراً، ولخرجت إلى الصعدات تجأرون إلى الله ) .
تخويفاً من عدم الاطمئنان إلى نتيجة الاختبار، ما الذي يخوف الطالب هو يستعد ويأخذ لكنه لا يطمأن ولا يركن، وكذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح من حديث أنس رضي الله عنه، قال : ( كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم قرنه واحنى جبته ينتظر الأمر بالنفخ في الصور ) .
هذه معالم ليس المقصود منها مبالغة في اللفظ وإنما قصد بها غزواً للقلوب، حتى يرسخ فيها الخوف من عذاب الله، وحتى يرسخ فيها الخوف الذي يؤدي إلى طلب رحمة الله – سبحانه وتعالى – بالعمل الصالح، والتقرب إلى الله جل وعلا، فحينما يكون الإنسان على هذا لخوف والاضطراب من أمر الدنيا واختبارها، وهو أمر ميسور وعاقبته لو تردَّت لم تكن شيئاً، فينبغي أن نكون على هذا النهج ؛ فإن عائشة رضي الله عنه في حديثها الصحيح ترسم أيضاً منهجاً مخيفاً مرعباً ينبغي أن يتفطن له قلب المؤمن، لما سمعت قول الله سبحانه وتعالى : { الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون } ، معنى الآية الظاهر أناس يعملون أعمالاً طيبة ومع ذلك قلوبهم وجلة، وعِلَّة وجل القلوب أنهم يوقنون أنهم يرجعون إلى ربهم، فقالت عائشة : يا رسول الله هو الرجل يسرق ويزني ويشرب الخمر ثم يخاف ـ يعني يعمل السيئات ويخاف لأنه عمل أموراً منكرة يستجوب عليها العقوبة والعذاب – فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يا ابنة الصديق ! ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخشى أن لا يقبل منه .

هكذا رسم الرسول المنهج أنت تعمل وأنت على خوف ألا يقبل منك، الحسن البصري رحمه الله يخط في مقالة منهجاً عظيماً عجيباً فيقول رحمة الله عليه : ” لقد لقيت أقواماً هم أخوف على حسناتهم ألا تقبل منهم، أكثر خوفاً منكم من سيئاتكم أن تحاسبوا عليها ” .
يقول كنتم تعملون سيئات وخوفكم قليل، وأولئك يعملون الصالحات وخوفهم عظيم ألا تقبل منهم .
وكان الحسن رحمه الله يبكي فيقال له لم تبكي قال : ” أخشى أن يطِّلع عليَّ وأنا في بعض ذنبي، وقد عملت ذنباً فيقول يا حسن اعمل فلا أقبل منك أبداً ” .
من كان يخاف ويضطرب ويقلق ويزعج ولا يطمئن له جنب، ولا تغمض له عين، كل ذلك تخوف من هذا الاختبار الدنيوي، فالأولى أن يعرف طبيعة الآخرة ان يتدبر وأن يتأمل وأن يكون على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخرج في ظلمة الليل ينسل من بيت عائشة – رضي الله عنها – يفتقده أصحابه فإذا هو يخرج إلى البقيع يتفقد الموتى ويدعو كالمودع من الأحياء للأموات .
هذه أمور في طبيعة الاختبارات تربطنا باختبارات الآخرة .

المرحلة الأولى : ما قبل الاختبار وملامحها
الملح الأول : تغيير العادات والظروف
كيف يتصرف الطلاب والناس قبل الاختبار حتى نربط ذلك بسلوكهم في أمر إختبار الآخرة، قبل الاختبار تجد قدرة التكيف مع تغير الظروف مهما كانت، كل الطلاب والأهالي في البيوت يغيرون كل الظروف لا تجد شيئاً إلا ويتغير، أوقات الطعام التي كانت محددة في أوقات معينة تتغير، وقت الطعام الذي كان طويلاً يقصر، أمور كثيرة في حياة الناس تتغير، ينام ويستيقظ قبل الفجر، من الذي يوقظه الأم أو الأب مهتمين ومنشغلين، والزيارات تنقطع والاتصالات تتوقف، عجباً كيف استطاع الإنسان أن يغير، غيَّر لأنه اهتم ولأنه أراد أن يتهيأ لأمر عظيم، فغيَّر واستطاع أن يبدل .
لكن للأمر الذي يتعلق باختبار الآخرة نجد الصورة مختلفة، فالعادات والظروف تبقى كما هي ، ونحن في دنيانا كلها ما زلنا في مرحلة ما قبل الاختبار وفي مرحلة الاستعداد والتهيؤ، فهل غيرت ظرفك حينما نمت متأخراً لتستيقظ للفجر، وحينما فرطت في أمر ؟ هل تتدارك الأمر ؟ تجد كثيراً من الناس إذا جئت لتقول له، في شأن دينه وفي أمر ربه يقول : لا أستطيع ! صعب أن يغير الإنسان الظروف والأوقات والعادات التي تعود عليها، من الصعب أن يستيقظ للفجر ثم بعد ذلك قد ينام فلا يستيقظ للدوام، كيف غير في أيام معدودات هذه العادات كلها لأجل اختبار الدنيا ؟
وتجد أيضاً أن كل الظروف تتغير، بينما كان يفتح التلفزيون صباح مساء يعطل في هذه الأوقات، يخرج للنزهة لا يؤجِّلها، عنده وقت للتسلية يؤخره، لماذا ؟ لأننا في فترة ما قبل الاختبار، وكذلك في أمر إختبار الآخرة هل أجلت ما ينبغي تأجيله وتركت ما ينبغي تركه لا بد أن تستعد لاختبار الآخرة وهو أيضاً أمر يحتاج إلى انتباه وتيقظ .

الملمح الثاني : حسن الاستعداد العملي
قبل الاختبار يكون هناك حسن في الاستقبال بطريقة عملية، ليس فقط الناس يفرغون الأوقات ثم ينامون أو يغيرون، هم يستعدوا استعداداً واضحاً وظاهراً فتجد أولاً يفرِّغ الوقت للمراجعة والمذاكرة، والأب حريص يواظب على مراقبته وإذا احتاج إلى مدرِّس أحضر المدرس، وإذا لم يكفي مدرس يحضر اثنان، وإذا لم يكفي اثنان ممكن أن يسعى بكل وسيلة حتى يجبر أو يطمئن إلى أن الأمر استعداد على أقصى أنواع الاستعداد، هل يحتاج إلى كتب مساعدة، هل يحتاج إلى أسئلة وإجابات يحضرها، يسأل عن أسئلة العام الماضي والذي قبله وكيف إجاباتها وكيف طريقة الاختبارات، كل ذلك استعداد ومراجعة واستعداد عملي، لو تأملت في هذه الأوقات ؛ فإنك تجد أنهم لا يأتون بأعمال تخالف هذا الاستعداد مطلقاً، لا يغير من هذه الأمور كل ذلك استعداد !
وأين الاستعداد لأمر الآخرة ؟ هل راجعت الاختبارات السابقة ؟ هل نظرت كيف يكون الاختبار ؟ هل تأملت في مثل هذه الأمور التي تتعلق بأمر هو أعظم وأهم مما تهيأت له ؟ لو جئت الآن وقلت للأب : الابن لا يصلي، قال : الهادي هو الله، سبحانه وتعالى .. الابن لا يذاكر لما لا تقول الذي يعينه للمذاكرة هو الله وتتركه، هناك إذا تفلَّت عن الاستعداد للاختبار وقفت له بالمرصاد، وإذا لم يفهم أقمت له مدرس، وإذا ما نفع المدرس تقوم بنفسك وتتفرغ له وتذاكر له وتدرس إذا كنت تستطيع ذلك، أما في اختبار الآخرة الهادي هو الله .
لماذا اعتنيت بأن تهيؤه لاختبار الدنيا، ولم تعتني بتهيئة ابنك لاختبار الآخرة، توقظه قبل صلاة الفجر إذا أراد، ونادراً نسبة لا تكاد تذكر، الطلاب أو الطالب الذي ينام عن الاختبار ولا يحضر الاختبار، لكن كم من الناس طلاباً ورجالاً ونساء ينامون عن الفجر، كم من الناس أليس هذا إختبار بسيط من اختبارات الله سبحانه وتعالى للعبد حتى يخرج من رغبة نفسه ومحبة ما يميل إليه، إلى استجابته إلى أمر الله سبحانه وتعالى، لكن هناك يقول الهادي هو الله، لماذا لا يخرج إلى المسجد يقول الهادي هو الله، إن يرد الله به خيراً يأت به، لكن في أمر الاختبارات ما يقول هذا الكلام بل يستفرغ الجهد والطاقة، وهذا من سوء التدبير وفساد القياس ؛ لأن هذا من قياس الأولى إذا اعتنيت به فعنايتك بذلك الأمر ينبغي أن تكون أولى وأعظم .

الملح الثالث : التهيئة النفسية
وهذا مما يختص بالأهل تجد الوالد والوالدة، يستخدمون معسول الكلام والألفاظ والتشجيع وأخذ الله بيدك وأعانك ا لله وبارك الله فيك، ومن هذا الكلام صباحاً مساءً لا ترى وجهاً مقطباً ولا كلمة شديدة وكل الأمور ميسرة لماذا ؟، حتى يكون قبل الاختبار مستعد ويدفعه ذلك إلى أن يكون استعداده نفسياً وعملياً على أحسن وجه، لا يوجد أي معوق أبداً .
تجد كما ذكرنا كل هذه الأمور يعني من شحذ الهمة للاهتمام بالدراسة ذاكر أكثر يشحذ همته، سبحان الله لكن في أمر الآخرة في أمر دينه، تجد التقصير في أكثر الأحوال وارداً، ولا تجده يعتني بذلك ولا يشجعه للصلاة والإكثار من العبادات وارتياد المساجد، بل ربما أحياناً يقول ما شاء الله ( 24 ) ساعة في المسجد لا أحد يراك في البيت، وهو مسكين تأخر خمس دقائق صلى فيها السنة أقام الدنيا وأقعدها ؛ لأنه تأخر فقط عن المجيء للمذاكرة خمس دقائق فقط، أما في أمر الاختبارات لا بأس ! وهذا أيضاً من سوء وفساد القياس .

فروق ومفارقات
وهو فروق يسيرة بين الامتحان الدنيوي والأخروي وهي فروق يسيرة في عددها، ولكنها عظيمة في الفرق وعظيمة في النتيجة وعظيمة في الأثر :
المفارقة الأولى : أسئلة محددة معروفة مسبقاً
أنك في اختبار الآخرة لن تسأل عن إختبار الدنيا .. لن تسأل عن المناهج ولا عن الكتب ولا عن الوظائف ولا عن المناصب وإنما الأسئلة محددة، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن علمه ما عمل فيه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ) .
وكما قال بعض العلماء : “هل أعددت للسؤال جواباً وهل أعددت للجواب صواباً”
لأنك ممكن أن تجاوب ولكن يصير الجواب غلط، لذلك يحتاج أن يعد الجواب ويكون الجواب صحيحاً .

المفارقة الثانية : النجاح المطلق
إما سعادة مطلقة وإما شقاء والعياذ بالله، لذلك في الآية { فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق * خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد * وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ } ، وقال سبحانه وتعالى : { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } .
هذه النتيجة أما في الدنيا فتتنوع أحياناً فتجد الناجح ينجح بدرجة معينة، لكن هناك إما هذا وإما هذا، نعم يوجد درجات في الآخرة لكن الفوز والسعادة مطلقة وهنا جزئية مرحلية .

المفارقة الثالثة : لا يوجد إعادة
امتحانات الدنيا يمكن أن تتكرر، يمكن أن يعيد الدور الثاني، أو يعيد السنة يمكن أن يغير المدرسة كلها، يمكن أن يغير الدراسة من باب إلى باب آخر، يشق طريقه بأي وجه من الوجوه، أما إختبار الآخرة إختبار واحد، ليس فيه إعادة وليس فيه زيادة إذا سلمت ا لورقة لا يوجد لجنة رحمة ولا غير ذلك من الأمور إلا ما قضاه الله سبحانه وتعالى، فلذلك أيضاً يتنبه الإنسان في هذا الباب كثيراً، لأن الله سبحانه وتعالى بين أنه لا عودة إلى الدنيا { ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه } .. { قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون } .
والله سبحانه وتعالى يقول : { ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون } ، ويقول الله سبحانه وتعالى : { ولو أني لي كرة فأكون من المحسنين } .
انتهى الأمر وهو أمر واحد فقط، وكذلك ما هي نتيجة إختبار الدنيا، أن تأخذ شهادة تأخذ منصب، تأخذ نوع من الفخر الفارغ أو نوع من التعالي الذي لا قيمة له، أما الآخرة فشهادة وثمرتها جنة عرضها السماوات والأرض، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الجنة : ( فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب البشر ) .
وشهادة الجنة هي التي يقول فيها الله سبحانه وتعالى : { ادخلوا الجنة لا خوف عليكم } .
هذه الشهادة لا يوجد لها ورقة، لأنه إذا انتهى من الثانوية يأخذ ورقة يدخل بها الجامعة، وإذا خرج من الجامعة يأخذ ورقة يدخل بها الوظيفة، أما هنا فيأخذ شهادة يدخل بها الجنة فلا يخرج منها أبداً ، ونعيم لا ينقطع مطلقاً، بل هو في زيادة وتضاعف عظيم عند الله سبحانه وتعالى .

المفارقة الرابعة : لا واسطة إلا بإذن
امتحان الدنيا يمكن ان يجد الطالب فرصة ليغش وممكن بعد أن يسلم ا لورقة يوسط للمدرس من يوصيه به خيراً ليزيد له في الدرجات او ليتجاوز عن الأخطاء والهفوات، كلها أمور واردة ويتعلق بها الإنسان كثيراً ويفكر ويقول لعل وليت، أما في الآخرة فلا يشفع أحد عند الله إلا بإذنه، وينقطع كل أمر إلا ما قضى الله سبحانه وتعالى، وليس هناك مجال لأن تستزيد أو تأخذ دعماً من أحد كلٌ يقول : نفسي نفسي، يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، لا أحد ينظر في أحد { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ، ليس هناك من شيء أبداً إلا من أتى الله بقلب سليم، ورحمة يفيض بها الله على من يشاء، وشفاعة يأذن بها لمن رضي عنه جل وعلا، فلذلك ينبغي أن ينتبه الإنسان وليعلم أن الشهادة وأن المراوغة يوم القيامة لا توجد، إذا سأل تحرك كذباً وزوراً ختم الله على فمه، ونطق جلده ونطقت يده ونطقت رجله : { يوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون } .. { وقالوا لجلودهم لما شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطلق كل شيء } .
لا مجال هناك للمراوغة ولا للغش أبداً بل كل شيء يظهر على حقيقته أظهر ما يكون وأوضح ما يكون، ولذلك قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الذي أخرجه مسلم
( أول من تسعر بهم النار ثلاثة … ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به، فعرّفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ) ، فمن كذب في هذا الاختبار عوقب أشد العقاب، فليس هناك مجال لا للغش ولا للشفاعة ولا للوساطة من هذا النوع أبداً مطلقاً .

المرحلة الثانية : ماذا بعد الاختبار
المعلم الأول : فرحة غامرة أو حزن دفين
ما الذي يحصل بعد الاختبار في اختبارات الطلاب وفي اختبارات الدنيا، يحصل رسوب أو نجاح، شقاء أو سعادة، حزن أو فرح لكن أمره سهل، وبعض الناس طبعاً ممن تبلدت أحاسيسه يرسب وهو في قمة الفرح ؛ لأنه لا يدرك ولا يفهم أثراً لهذا الاختبار ولا قيمة له، لكن في قرارة نفسه حزين، في قلبه لذعة ؛ لأنه يرى الناس والطلاب من حوله كل معه، شهادة النجاح وان افتخر وان ادعى كما نرى في بعض الطلاب كاذب في شعوره، كاذب في التعبير عن شعوره، لماذا فرح ؟ لأنه نجح، ولماذا حزن ؟ لأنه رسب، سبحان الله وتجد هذا لا يخصه وحده إذا فرح ونجح إذا ابتسامة الأم عرضها كعرض البيت وإذا صياح الأب وتهليله كأنما فتحت الدنيا ! وكأنما انتصرت الأمة وكلٌ يفرح بطريقته، وإذا رسب تجد سحابة مظلمة تخيم على البيت .

هل نفرح لأمر الآخرة إذا وفق الإنسان إلى طاعة ؟ وهل يفرح الآن فرحاً صادقاً إذا رأى ابنه مستقيماً على أمر الله مرتاداً للمساجد ملتزماً بسنة الرسول يقضي وقته مع القرآن ويعيش في رياض القرآن ويرتاد حلق العلم ؟ هل يحدث الحزن إذا تم التفريط في أمر الآخرة، إذا فاتت صلاة الفجر، إذا تأخر عن أداء صلاة الجماعة، بل عن أداء الصلاة بالكلية ؟ لا حزن ولا اهتمام ..
الصحابة كان الواحد إذا فاتته ليس صلاة الجماعة بل تكبيرة الإحرام ورد أنهم يعزونه، وكانوا إذا فاتت الواحد منهم الجماعة ورد أنه يُعزَّى ثلاثة أيام وهو حزين والناس يرثون له ..
هذا سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – يقول : جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي فقلت يا رسول الله إني قد بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي أفأتصدق بثلثى مالي قال لا قلت فالشطر يا رسول الله فقال لا قلت فالثلث يا رسول الله قال الثلث والثلث كثير أو كبير إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في في امرأتك قال فقلت يا رسول الله أخلف بعد أصحابي قال إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم لكن البائس سعد بن خولة يرثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة .
لأنه أدركته الوفاة بمكة وهو من المهاجرين كان يحب أن يموت بالمدينة ، لأن المهاجرين كان مهاجرهم المدينة ولا يعودون منها أبداً، ما ورد أن أحداً من الصحابة رجع إلى مكة، نعم خرجوا الى الأمصار وساحوا فيها ولكن ما رجعوا إلى مكة وأقاموا فيها، فلذلك انظر إلى هذا الحزن وإلى هذا التغير ولأمر الدين ولأمر الآخرة .

النخلة وشجر البوادي
كان إذا نبغ الابن منهم في أمر الدين، ورد في صحيح الإمام البخاري في حديث ابن عمر رضي الله عنه حديث المعروف : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مجلس أصحابه : ( إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وهي مثل المسلم في نفعها ) ، فوقع الأصحاب في شجر البوادي، كل منهم يذكر اسم شجرة ورسول الله لا يوافقهم، كان في الأصحاب عبد الله بن عمر وكان صبياً يقول: فوقع في نفسي أنها النخلة، ولكن كان في المجلس أبو بكر وعمر فلم يتكلما، فاستحييت أن أتحدث بوجودهما ثم قال عليه الصلاة والسلام: إنها النخلة، فلما خرج عبد الله مع أبيه عمر بن الخطاب ، قال عبد الله: يا أبت والله لقد وقع في نفسي أنها النخلة، فقال عمر بن الخطاب : والله لئن كنت قلتها، لهي أحب إلي من الدنيا وما فيها .
يعني كان سيكون في قمة ا لفرح ولو أتي الدنيا بما فيها، لو أن ابنه قال هذه الكلمة، هل ليفتخر لا ليبرز علمه وفقهه وفطنته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .

نافق إذْ عافس !!
الصحابة كيف كانوا يفرحون ؟ متى كانوا يحزنون ؟كل ذلك متعلق بأمر الدين .. بأمر ما يفتح الله له من الخير، يقول الصحابي الجليل حنظلة الأسيدي: لقيني أبو بكر وقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قلت: نافق حنظلة! قال: سبحان الله، ما تقول؟ قلت: نكون عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يذكِّرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين فإذا خرجنا من عنده عافسنا – لاعبنا وخالطنا – الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا! فقال أبو بكر: فو الله إنا لنلقى مثل هذا. قال حنظلة: فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال: وما ذاك؟ قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافَسْنا الأزواج والأولاد والضيعات ونسينا كثيرا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة – وكررها ثلاثا ) رواه مسلم في صحيحه.
تلك ساعات الصحابة وليس ساعة وساعة التي يستشهد بها الناس، ويطبقونها تطبيقاً سيئاً ساعة فيها شيء من الطاعة الشيء اليسير وساعة فيها من المعاصي ما لا يعلمه الا الله سبحانه وتعالى.
أين فرحنا بأمر الدين فرحنا بالتوفيق للطاعات ؟ وأين حزننا إذا فاتتنا الصلوات وإذا قصرنا في هذا الأمر، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( ابك على خطيئتك وليسعك بيتك )

حزن على فوات التضحية
وكما فعل أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – في صورة فريدة رائعة – لا يوجد في التاريخ فيما أعلم مثلها أبداً- الصحابة الذين أطلق عليهم اسم البكاءون جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ليخرجوا معهم إلى الجهاد والغزو عند الاستعداد لغزوة تبوك، وهم صفر اليدين ليس عنده مال ولا زاد ولا رواحل يركبون عليها، قالوا : يا رسول الله احملنا معك نجاهد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا أجد ما أحملكم عليه ) فما كان منهم ؟! { تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حَزَناً ألا يجدوا ما ينفقون } .
حزنوا أن فاتتهم هذه الفرصة من الطاعة، وهي ليست فرصة من الطاعة، بل هي فرصة شاقة شديدة في حر شديد ، في صحراء ضاربة عبر الجزيرة إلى أقصى شمالها، لا يلقون فيها أرض خضراء ولا أهلا ولا أحبة ، إنما يلقون فيها موتاً أحمراً، ويلقون فيها سيوفاً مشرَفَة، ولكن حزنوا في أنفسهم حزناً عميقا على ما فاتهم من الطاعة، وحزنا على ما يقع من تفريط في جنب الله !

الملمح الثاني : ترقب على الجمر
تجد الناس مترقبين للنتائج ، فالذي يذهب من الصباح الباكر قبل الفجر وعند أبواب المطابع والجرائد، ينتظر الجريدة لينظر النتيجة، أجبت أم لم تجب، إجابات جيدة لكن لا يطمئن القلب حتى يرى النتيجة بأم عينيه، ويبقى في هذه الفترة مترقباً وهو على جمر من النار، فإذا طلعت النتيجة كأنه يسكن ويطمئن إذا فاز ونجح .
والله سبحانه وتعالى بيّن أن المسألة على أعظم من ذلك، وأشد وأكبر وأرهب وأعظم هولاً وأشد خوفاً وخطراً .. الناس في ذلك الصعيد في الحشر الأعظم، والعرق يبلغ من الناس إما إلى العقبين أو الركبتين أو الحقوين أو الكتفين، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً، والشمس دنت إلى رؤوس الخلائق قدر ميل، والرسل والأنبياء يقولون : ” نفسي .. نفسي ” وكل تبرأ من صاحبه، ثم يأتي قول الله جل وعلا : { فمن زُحزِح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز } .
” زحزح ” يعني كأنه كان يوشك أن يقع في النار فزُحزِح، هذا الذي زُحزِح، فكيف بالذي أصلاً نجى وكان سابقاً ومقدماً ؟ فهذا هو الترقب تصور هذه النتيجة العظمى .
والله سبحانه وتعالى يقول : { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة }
وهذا الثبات والترقب ينبغي أن يكون به استعداد ويبقى قلق : { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا }
صحيح ! صدقوا في الإيمان وأخلصوا في الطاعات وواظبوا على الفرائض، ومع ذلك أعدوا العدة، ثم بعد ذلك يترقبوا النتائج .

الملمح الثالث : بين هاؤم والقاضية
تطلع النتيجة يفرح بها لكن ينتظر الشهادة التي يبروزها والتي يرفعها ويظهرها .. الشهادات يوم القيامة ليس لك فيها اختيار .. تتطاير الصحف فيأتي كل أحد كتابه بحسب عمله، فمن كان خيراً أخذ كتابه بيمينه وأما صاحب العمل السيئ ورد في بعض الآثار أنه يريد أن يأخذ كتابه بشماله فلا يستطيع فإذا يده تلتصق وراء ظهره، فيأخذ كتابه بالشمال ملتصقة، ولا يملك في ذلك إختياراً ولا يملك في ذلك أن يدعها أو يتركها لأنه مثلاً لا يرغب فيها، الآن الشهادة إذا كانت غير مناسبة قد يتركها .. أما تسليم الشهادات يوم القيامة .. { فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤا كتابيه } ، يفرح بها ويرفعها، هذه الشهادة الحقيقية .
{ وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه * ولم أدري ما حسابيه * يا ليتها كانت القاضية } .
هكذا يقول بعض الناس في إختبار الدنيا ، يقول : يا ليتني لم أختبر، يا ليتها كانت القاضية يا ليتني لم أدخل المدرسة ولم أدخل التعليم نهائياً، كأنه اهتم لذلك والغم الأكبر إنما يكون في ذلك الحدث الأعظم في هذا الباب .
وكذلك نجد الناس إذا أخذوا الشهادات على هذا النسق وعلى هذا النحو يعتنون بإظهارها وإشهارها، ويوم القيامة من كانت شهادته حسنة ؛ فإنه يشهرها ويرفعها ومن كانت شهادته سيئة – والعياذ بالله – فإنه يود لو أنه لم يؤت ولم يعطى هذه الشهادة، ولم يرى حسابه .

هناك حضور لتسليم الشهادات يحضر مدير المدرسة والمدرسون وكذا للتكريم، والآخر الذي لا يكرم ينكِّس رأسه ولا يحضر أصلاً وهناك حضور أعظم { وجاء ربك والملك صفاً صفاً } .
الملائكة الحضور والرب – سبحانه وتعالى – يتجلى على الناس بعظمته فهو مشهد خطير تنخلع له القلوب، ويكون الخزي هو الخزي الأعظم الأكبر حينما لا يفلح الإنسان نسأل الله أن يجعلنا من الفائزين والناجين .

الملمح الرابع : درجات ودركات
الناس مراتب منهم المقبول الذي كان على شفا جرف هار لكن ربنا ستر عليه فأنجاه ، ومنهم من يأخذ جيد وجيد جداً وممتاز وممتاز مع مرتبة الشرف ، وكذلك الأمر في الآخرة ؛ فإن النجاة على مراتب ، لكن لننظر أدنى مرتبة أقل واحد هذا الذي يأخذ مقبول .
أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم كما ورد في صحيح مسلم عن آخر رجل يدخل الجنة يعذب في النار بقدر ذنوبه ومعاصيه فقال :
إني لأعلم آخر أهل النار خروجا منها ، وآخر أهل الجنة دخولا الجنة : رجل يخرج من النار حبوا، فيقول الله له: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول: يارب وجدتها ملأى ، فيقول الله عز وجل: اذهب فادخل الجنة ، فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها، أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا، فيقول: أتسخر بي- أو تضحك بي – وأنت الملك؟ قال: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه، فكان يقال: ذلك أدنى أهل الجنة منزلة ، كما ورد في الصحيح هذا آخر من يدخل الجنة من أهل الجنة .
فما ظننا بما هو أعلى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى فمنه تفجر الأنهار، ويظلله عرش الرحمن سبحانه وتعالى ) .
فإذا تصورت الدرجات هذا أقل درجة فلك أن تتصور شجرة يسير الراكب فيها مائة عام لا يقطعها، وأمور كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوجز في ذلك : ( فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب رجل )

هذه المراتب يقول عنها النبي صلى الله عليه وسلم ما بين الدرجة والدرجة مسيرة خمسمائة عام ، وفي بعض الروايات أيضاً ما بين الدرجة والدرجة كالكوب الغابر في السماء كوكب لا ترى منه إلا نقطة هذا الذي هو أبعد شيء ما بين الأرض كالمسافة ما بين مراتب الجنة وتفاوت الدرجات فيها، وهكذا ينبغي أن ننتبه لهذه أيضاً الفروق .

تنبيهات لغير المختبَرين
على الآباء والأمهات وأولياء أمور الطلبة أن يكون اعتناءهم وتذكرهم بهذه الاختبارت إختبار الآخرة الأعظم، الاختبار الذي يكون فيه المواقف الخطيرة : { يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد } .
الطلاب إذا أتوا إلى الاختبار منهم من يرتعد ومنهم من يخاف ، لكن الأمر لا يعدو ضربات من القلب تدق قليلاً وبعض القطرات من العرق تتصبب ، ومنهم من لا يلقي لذلك بالاً .. أما هناك الخوف الأعظم والهلع الأعظم والعرق قد يلجم العاصي إلجاماً فيغوص فيه .

وصايا وتنبيهات للمختبَرين
1 ـ الأخذ بالأسباب
فينبغي أن يشمروا وأن يذاكروا وأن يسترجعوا ما استطاعوا لذلك سبيلاً، أما فيقول بالنية أو ربنا الله ييسر والمسهل نعم ميسر ومسهل لكن لا بد من الأخذ بالأسباب .
إذا لم يكن عون من الله للفتى **** فـأول ما يقضي عليه اجتهاده

2 ـ ترك الغرور وخداع النفس
إذا ظن أنه أحفظ الحافظين وأذكى الأذكياء وأفطن الفطناء، فهنا يخشى عليه أن يقع، وكم رأينا ممن حصَّل وجد ثم لم يستعن بالله ولم يقل يا رب، فربما حرمه الله التوفيق لأجل نسيانه الاعتماد على الله، فينبغي أن ينتبه لذلك .

3 ـ العبادة والاختبار
أليس من طبيعة الإنسان إذا داهمته الشدة ان يزداد صلة ورجوعاً إلى الله – سبحانه وتعالى- الجواب نعم، لأنه إذا رجى الله سبحانه وتعالى يسأل ويرجو أن يكون بقربه ، وأن يوفقه الله سبحانه وتعالى فينتبه لذلك، ولكن كحال بعض الناس إذا جاءت الاختبارات ملئت المساجد وأصبحت الأمور على خير كثير، ثم إذا انتهى الأمر وتحقق المقصد انقلب على وجهه وترك طاعة ربه .
وهناك نوع آخر عند الطلاب بعضهم يقلل من الطاعات، إذا كان يصلي نوافل يذكر ويسبح فإذا جاءت الاختبارات حدك حد الفرض والفرض تحتاج إلى مقياس من السرعة حتى تنتهي من الصلاة بسرعة، وهذا يحرم نفسه كلما فرط في ذلك كلما كان ذلك حرماناً له .

4 ـ الطمأنينة وترك التوتر
ثم كذلك ينبغي للإنسان أن يستحضر السكينة والطمأنينة عند إختباره، لأن التوتر والمزيد من الانفعال يفقد الطالب التركيز والقدرة على الإجابة، لذلك بعض الطلاب إذا أخذ ورقة الأسئلة فيقرأها من الوسط أو من الأخير، فلا يعرف ماذا قرأ ولا يعرف كيف يجيب، ينبغي أن يكون آخذاً الأمر بالهدوء والسكينة والطمأنينة حتى يعينه الله على ذلك، وفوق ذلك ووراءه أن يعلم أن هذا الاختبار إنما هو أمر يسير يستعين به على طاعة الله وعلى الأخذ بالأسباب من الدنيا، تعينه وتوفقه ويخدم بها دينه ويخدم بها أمته، وحتى يوفَّق إن شاء الله سبحانه وتعالى .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى