مغنطة العزوم الدورانية للذرات المتحركة , قياس مغنطة العزوم الدورانية للذرات المتحركه

مغنطة العزوم الدورانية للذرات المتحركة , قياس مغنطة العزوم الدورانية للذرات المتحركه

تنتجُ الحقولُ الدّورانيّةُ للمغانطِ عن السلوكُ المايكروسكوبي (المجهري) للذّرّاتِ وإلكتروناتها. ففي المغانطِ الدّائمةِ تصطفُّ الذّرّات المتجاورةُ وتحبسُ نفسها في مكانٍ واحدٍ مشكّلةً قُطبينِ مغناطيسيينِ ﻻ يمكنُ فصلهما. أمّا في موادَ أخرى فإنّ المغنطةَ يمكنُ تحريضُها عبر حقل ذي طاقةٍ كافيةٍ ليُجبرَ الذّرّاتِ على أن تصطفّ مع بعضها البعض.
في كلتا الحالتين تُرتّبُ الذّرّاتُ نفسها في بنيةٍ صلبةٍ وتثبّتُ نفسها في شبكةٍ تمنعُها من التّحرك، لكنّ فريقَ إيان سبيلمان “Ian Spielman” كان يدرسُ الخصائصَ المغناطيسيّةَ ﻷنظمةٍ معيّنةٍ مقوّماتُها الصّغيرةِ حرّةُ الحركةِ في ظاهرةٍ تُدعى المغنطةُ المتجوّلةُ “itinerant magnetism”.
تقول طالبةُ التخرّجِ آنّا فالديس كوريل Ana Valdés-Curiel: “عندما نُفكّر بالمغانطِ فنحنُ عادةً نفكّر بالشبكات” وفي التّجربةِ الجديدة تمكنّت آنا وزملاؤها من رؤيةِ علاماتِ ظاهرةِ المغنطةِ المتجوّلةِ في سحابةٍ باردةٍ من ذرّات الروبيديوم*.
استطاعَ الفريقُ تحديدَ الخصائصِ المغناطيسيّةِ من السّحاباتِ الذرّية عبرَ تقصّي الانتقالاتِ بين الأطوارِ المغناطيسيّة واللامغناطيسية. استطاعَ الباحثونَ الوصولَ إلى الحقولِ المغناطيسيّةِ واكتشافِ ردّ فعل الذرّات، وذلك باستخدام الليزرات المتداخلة. تُعتبرُ هذه التّجربةُ اﻷولى في رصدِ الخصائصِ المغناطيسيّةِ النّاتجةِ عن الذّرّات المتحرّكة بشكلٍ مباشر. قُدّم التّقريرُ في الثّلاثينَ من شهر آذار (مارس) في “Nature Communications”.
عندما يدرسُ الفيزيائيّون الانتقالات الطّوريّة فإنّ النتائجَ الكبيرةَ للتصرّفاتِ المجهريّة تصبحُ بارزةً؛ فمثلاً نُلاحظُ اختلافَ مظهرِ الماءِ عندما يكونُ سائلاً عن كونِه بخاراً أو صلباً، وهي نتيجةٌ بارزةٌ لتأثيرِ درجةِ الحرارة على حركةِ الذّرّات، كذلك الأمرُ في المغانطِ الدّائمة، فتلكَ المغانطُ تخسرُ خصائصها المغناطيسيّة عندما تُسخّن، إذ تقومُ الذرّاتُ بامتصاصِ الطّاقةِ الحراريّة المحيطةِ بها فتؤثّرُ على الرّوابطِ التي تُبقي الأقطابَ المغناطيسيّة متحاذيةً.
في سبيل اكتشاف المغنطة في سحابة الروبيديوم، قام باحثو معهد JQI بتبريد الذرات أوﻻً. حيث قامت عندها الإلكترونات بالانتقال إلى الطبقات الطاقية الكمية الثلاث الأضعف طاقةً. هذه الطبقات تُعرف بخاصية كميّة تُدعى السبين (Spin)، وبهذا تتفاعلُ الإلكتروناتٌ بشكلٍ مختلفٍ مع الحقولِ المغناطيسيّة. ثمّ حاولت طبقتانِ من الطّبقات الثّلاثِ أن تصطفّ مع اتّجاه حقلٍ قامَ العلماءُ بتطبيقه أو ضدّه، في حين أنّ الطّبقةَ الثّالثةَ تجاهلتِ الحقل تماماً. (معلومات اضافية عن السبين/اللف الذاتي في هذا المقال هنا )
قام الفريق بإنارة السّحابة باستخدام ليزرين متداخلين، وأنشأ الفريقُ حقلاً مغناطيسيّاً فعّالاً بشكلِ حلزون. ثمّ قاموا بتغيير كثافة الليزرين وتواترهما ورصدوا استجابةَ الذّرّات، وبعد تعديلِ الليزرين والسّماحِ للذّرّات بالاستقرار قامَ العلماء بإسقاط الذّرّات إلى السويّات المغناطيسيّة وراقبوا كيفَ تنفصلُ حالاتُ السبين المختلفة. سمحَ ذلك للفريقِ بقياسِ نسبة الذّرّات التي كانت في حالةٍ مغناطيسيّةٍ وكانت تلك النّسبةُ بمثابةِ علامةٍ ﻷي مستوٍ من المغنطةِ وصلت إليه السّحابةُ.
ظهرت ثلاثُ حالاتٍ مختلفةٍ وذلك لاختلافِ إعداداتٍ الليزرين، فعندما جعلَ العلماءُ تواترَ أحدِ الليزرين عالياً مع كثافةِ أشعّةٍ منخفضةٍ نسبياً لكلا الليزرين، انتقلت الذّرّات إلى حالةٍ غيرِ مغناطيسيّةٍ غيرُ متأثرةٍ بالحقول المطبّقة، وعندما عُكست الحالة؛ أي خفضُ تواترِ الليزر الأول ورفع تواترِ الليزر الثّاني مع المحافظةِ على كثافةٍ منخفضةٍ، فضّلت الذرّات الانتقالَ إلى إحدى الطّبقاتِ المغناطيسية ما أدّى إلى زيادةٍ في حركة الذرة، وقامت الذّرّات بتجميع نفسها في الحالة الكموميّة ذاتها ممّا أدّى إلى الوصولِ إلى حقولٍ مغناطيسيّة مشابهةٍ لتلك التي نراها في المغانطِ العادية.
لكن عندما قام العلماءُ برفعِ كثافةِ الليزر انهارَ ذلك الترتيبُ المغناطيسيّ للذّرّات، حيثُ قامتِ الذّرّات بالانتقالِ إلى الطّبقاتِ الثلاث لكنّها لم تقم بتجميعِ نفسها في مواقعَ متحاذيةٍ كما في الحالةِ المُمَغنطةِ وعوضاً عن ذلك قامت الذّرّاتُ بتوجيهِ السبين باتّجاهِ الحقل المغناطيسيّ الفعّال المُنُشأ بواسطةِ الليزرات.
عندما فحصَ الباحثون العديد من تلك الطّرق استطاعوا تحديدَ الأطوارِ المغناطيسيّة واللامغناطيسيّة لسحابةِ الروبيديوم، ووجدوا أنّ النّتائج العمليّة قريبةُ جداً من التنبّؤات الّنظريّة حولَ سلوكِ ذرّاتِ سحابة الروبيديوم.

تفتحُ النّتيجة التي حصل عليها العلماءُ في التّجربةِ باباً جديداً لدراساتٍ مفصّلةٍ أكثرَ حولَ الانتقالاتِ المغناطيسيّة في الذّرّات المعتدلة الشّحنة، وباباً جديداً لتجاربَ تدرسُ التّفاعلاتِ بين الذّرّات المغناطيسيّة المتحرّكة. يقول إيان “هذه التجربة هي المثال الأول على الأنظمة المغناطيسية التي تكون فيها حركةُ الجزيئاتِ (في حالتنا حركة الذّرّات) ضروريّةً في الفيزياء المغناطيسيّة. قياساتنا للمداراتِ السبينيّة للبوزونات تُمهّدُ الطّريقَ لتجاربَ مماثلةٍ على الفيرميونات، والتي يُمكنُ في يومٍ من الأيامِ أن تساعدنا في إيجادِ أنوعٍ جديدةٍ من الموادّ المغناطيسيّة.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى