مصادم الجسيمات الياباني , ماهو مصادم الجسيمات , فائدة مصادم الجسيمات الياباني الفيزيا

غمرَتِ الفرحَةُ العارمةُ قلوبَ عُلماءِ الفيزياءِ إثرَ اكتشافِ بوزونِ هيغز بواسطةِ المصادمِ الهادروني العملاق LHC التابعِ للمنظمةِ الأوروبيةِ للأبحاثِ النوويَّةِ CERN، بالقُربِ مِنْ جنيف. وباكتشافِ بوزونات هيغز الّتي تنبأ العُلماءُ بوجودها منذُ الستينات، عَثرَ العُلماءُ على القطعةِ الأخيرةِ منَ الأُحجية التي حيَّرتهم لعقودٍ.
جاء هذا الاكتشاف بمثابةِ انتصارٍ للنموذج المعياري، وتأكيداً على أنَّهُ الإطارُ الأوسعُ الذي يَصِفُ جميعَ الجسيماتِ المعروفةِ والقوى الأساسيةِ في الفيزياءِ. لكن في مجالِ العلمِ ما إنْ تحُلَّ لغزًا حتى يَظهرَ لغزٌ آخرٌ بحاجةٍ إلى التوضيحِ وهذا ما حصلَ تمامًا!
ما زالَ النموذجُ المعياريُ يُعاني من بعضِ الثَغراتِ التي يستلزم مَلؤها وجودَ جُسيماتٍ تنبّأت بها نظريةُ التناظر الفائق، تُدعى باسمِ “الجسيماتِ المرافقةِ الفائقة “Super Partner Particles”. إلا أنّ العُلماء لم يتمكنوا من إيجادها بعد بوساطة مصادم LHC.
لكنَّ عُلماءَ الفيزياءِ كعادَتِهم يُرحبونَ بالألغاز لأنَّهم يؤمنون بأنَّ اللغزَ الواحدَ جزءٌ من تركيبةِ الحقيقةِ الكبيرةِ. أي أنَّ الثغراتِ التي ظَهرَتْ في النموذجِ المعياريِ ليسَتِ إلَّا ألغازاً جديدةً بحاجةٍ إلى توضّيحِ الغُموضِ الذي يَكتَنفُها.
يُشاعُ مُنذُ عقودٍ بين علماءِ الفيزياءِ أحاديثٌ عن احتماليةِ بُروزِ مُصادمٍ جديدٍ إلى الواجهةِ قدْ يستطيعُ إيجادَ تِلكَ الجسيماتِ المفقودة. وبالفعلِ أنهى فريقٌ عالميٌّ من علماءِ الفيزياءِ والمهندسينَ تصميمَ هذا المُصادِمِ مُنذُ عام 2013. أُطلقَ على هذا المُصادم اسم “المُصادمِ الخطيِّ العالمي International Linear Collider” أو اختصاراً ILC. وسيمتَدُّ هذا المُصادم مسافةَ 31 كم تحتَ جِبالِ مِنطقةِ كيتاكامي Kitakami شمالَ اليابان.
ما حاجتُنَا لهذا المصادمِ؟ وما الذي يُميّزُهُ عن نظيرهِ الأوروبي؟

إليكَ أحدَ أكثرِ الألغازِِ حيرةً على الإطلاقِ! اكتشَفَ العلماءُ في المُصادمِ الهادروني العملاقِ وجودَ جسيمٍ تُعادلُ كُتلتَهُ 125 GeV، ليتبيَّنَ فيما بعدُ أنَّ هذِهِ الكُتلةَ تعودُ للبوزون هيغز، لكنْ أنَّى للبوزونِ هيغز أنْ يمتلكَ كُتلة كهذه. إذ أنَّ هذه الكُتلةَ تُقارِبُ 125 ضِعفَ كُتلةَ البروتون الساكن، وأثقل بملايين المرات من كتلته المفترضة وفقاً للنموذج المعياري؟
حسناً، لا تستغربوا كثيراً!
فقدْ أثارَتْ محاولةُ تفسيرِ امتلاكِ بوزون هيغز لهذِهِ الكتلةِ جدلًا واسعًا بينَ علماءِ الفيزياءِ، فَهُم يعلمونَ مُسبقاً (مُنذُ بداياتِ الثمانيناتِ منَ القرنِ الماضي) بأنَّ ما يُدعى بـ “الأثارِ الكموميةِ الافتراضيةِ “Virtual Quantum Effects” ستجعلُ بوزون هيغز أثقلَ بملايينِ أو مليارات المراتِ حتى. لكنَّ نظريةَ التناظرِ الفائقِ قدمت حلًا *. كيفَ سيخدُمُنا التناظرُ الفائقُ في إيجادِ جسيماتِ بوزون هيغز ذاتِ كُتلةٍ مطابقةٍ للكتلةِ التي يتنبأ بها النموذجُ المعياريّ؟

حسنًا، يَفتَرضُ التناظُر الفائق وجودَ صِلةٍ أساسية بين جُسيمات المادَة كالكواركات واللبتونات، والجسيمات الحاملة للطاقة مِثلَ الفوتونات والغلوونز، وجسيمات W و Z. كما يتنبأُ التناظُر الفائق بِوجودِ مَجموعةٍ من الجُسيماتِ الجديدةِ المُرافِقة ذاتِ أسماءٍ عجيبة مثلَ السكواركات (شريكة الكواركات) و الهيغزونات (شريكة بوزونات هيغز). تتفاعَلُ هذهِ الجُسيماتُ المُرافِقة مع جُسيماتِ النّموذجِ المعياريّ بطريقةٍ تُلغي آثار الكم الافتراضية، وهكذا نحصلُ على جسيماتٍ ذاتِ كُتلٍ مطابقةٍ لللكُتلِ التي تنبأَ بها النموذجُ المعياري، يُفترَضُ أن يراها العلماءُ في مُصادمِ الهاردوناتِ الكبير LHC.

لكنَ عُلماءَ الفيزياءِ قاموا بِمحاولاتٍ عديدةٍ للكشفِ عن الجسيماتِ المُرافقةِ الفائقةِ، ولمْ ينجحْ أيُّ مِنها حتى الآن. أوَّلُها كانَ من خلالِ المُصادمِ الإلكتروني-البوزيتروني العملاق “Large Electron-Positron collider” التابع ل CERN، سَلَفِ المصادمِ الهادروني، الذي يعملُ مُنذُ ربعِ قرنٍ منَ الزمن. لكن لم تنجَح تلك المحاولة.
وعندما فشلت المحاولةُ الثانيةُ بواسطَةِ المُصادمِ الهادروني الأكبرِ والأقوى من الأولِ بكثيرٍ، أُصيبَ علماءُ الفيزياءِ بالهلعِ. إلى أنْ طمأنتهم دراسةٌ نظريةٌ ظهرَت في الآونةِ الأخيرةِ، أفادَت بأنَّ الهيغزينوس قد يَظهرُ فعلاً في المصادمِ لكنَّ الكشفَ عنه مستحيلٌ بوجودِ الفوضى العارمةِ من الجسيماتِ المتولّدةِ عن تصادماتِ البروتونات مع البروتونات المُضادة. فما العمل؟
لرُبّما نحتاجُ إلى تغييرِ نوعِ الجسيماتِ المتصادمةِ. فبدلاً من استخدامِ البروتونات والبروتونات المضادَّة، المكونة من جسيمات أوّلية هي الكواركات والكواركات المضادة، سنستخدمُ الجسيماتِ الأوّليةِ بحدٍ ذاتِها.
وهنا سيلمعُ نجمُ المصادمِ الخطيّ الدولي ILC.
سيقومُ المُصادمُ الخطي بِمُصادمةِ جُسيماتٍ أولية هي: الإلكتروناتَ والبوزيتروناتَ، وهذا ما يجعلهُ رائعًا. إذ أن طاقة التصادماتِ فيه ستكونُ أقل من نظيرهِ الأوروبي الّذي يقومُ بمصادمةِ البروتوناتِ والبروتوناتِ المضادةِ، المؤلفةِ من كواركاتٍ وكواركاتٍ مضادةٍ. الأمر الّذي يجعَلُ تصادماتهِ أكثر ترتيبًا وانتظامًا، ويخلصنا من فوضى انتشارِ الجُسيماتِ الأوليةِ العارمةِ ليجعلَ عمليةَ الكشفِ عن الهيغزينوس أو السليبتونات أو غيرها منَ الجسيماتِ المرافقةِ الفائقةِ أكثرَ سهولةً، في حالِ تَولُّدِها (وهو أمرٌ متوقعٌ من الناحيةِ النظريةِ).

هذا الجدول يوضّح الفروقات الأساسية بين المُصادم الخطي الياباني و المُصادم الحلقيّ الأوروبيّ
مصادم الجسيمات الياباني , ماهو مصادم الجسيمات , فائدة مصادم الجسيمات الياباني الفيزيا pic_ret.php?id=19971&b=1

تَبلغُ تكلُفةُ بناءِ المصادمِ الخطيِّ الدولي عشرَ ملياراتِ دولار وهو مبلغٌ مُساوٍ لِضعفِ المبلغِ الذي أُنفِقَ على بناءِ المُصادمِ الهادروني. تكلفةُ بناءِهِ الكبيرةِ، تَعجزُ عن تحمُّلِ أعباءِها دولةٌ واحدةٌ، لذلك فُتحتِ الأبوابُ أمامَ التشاركِ الدولي. وننتظرُ صدورَ قرارِ الحكومةِ اليابانيةِ حولَ بناءِ المصادمِ في أيٍ من الأيامِ القادمةَ.

ستُحدِدُ السنواتُ القادمةُ مدى صِحةِ نظريةِ التناظرِ الفائقِ. فإِنْ نجحَ العلماءُ في رصدِ الجسيماتِ فائقةِ التناظرِ في المصادمِ الجديد، ستثبتُ صحةُ نظرية التناظرُ الفائقُ، وستنجح في سدِ الثغرة في النموذج المعياري. كما أنَّ جسيمُ الهيغزينوس قد يكون المكوِّنَ الأساسيَّ للمادةِ المظلمةِ، التي لم تُرصد بعد، والتي تملأُ الكونَ من حولنا. أي أنَّه قد يُساهمُ في حلِّ أكثرِ المسائلِ غموضاً في الفيزياءِ الفلكية. وحتى إنْ فشِلَ المُصادمُ في إيجادِ الجُسيماتِ المرافقة الفائقة، فإنَّ هذا تقدمٌ علميٌ بحدِ ذاتهِ، فهو يسمحُ لعلماءِ فيزياءِ الطاقةِ العاليةِ بأن يركزوا جهودَهُمُ على النظرياتِ الأخرى التي تضعُ تفسيراتٍ أخرى لسد الثغرةِ في النموذج المعياريّ.
في النهاية، لن يتوقفَ العلماءُ عن البحثِ عن الحقيقة. فكلُّ نجاحٍ أو فشلٍ يُعدُّ خطوةً على الطريقِ الصحيح، و يزيدُ من فِهمنا لقوانينِ الطبيعةِ وآليةِ إسهامِها في نشأةِ وتطوُّرِ الكونِ المرصودِ.

*تفترضُ نظريةُ “التناظرِ الفائقِ SupperSymmetry” ما يلي:
1. وجودَ تناظرٍ في الطبيعة لا يدعُ الجسيماتَ الأوليةَ التي تندرجُ في إطارِ النموذجِ المعياري وحيدةً على الإطلاق، إنَّما يُضاعفُ عددَها بحيثُ يُرفقُ كلُ جسيمٍ أوّليّ معَ جسيمٍ مرافقٍ فائقٍ أثقلَ منهُ، يمتلكُ عزمَ اندفاعٍ ذاتي “سبين” يختلفُ عن عزمِهِ. تُلقبُ المرافقاتُ الفائقةُ بأسماءٍ غريبةٍ، سنعرِّفكُمُ على بعضٍ منها:”السكواركات Squarks ” (مُرافقاتُ الكواركات)، “السليبتونات Sleptons ” (مُرافقاتُ الليبتونات) و “الهيغزينوس Higgsinos ” (مُرافقُ البوزون هيغز).

2. يُوجدُ لجميعِ الجسيماتِ الأوليةِ جسيماتٌ مرافقةٌ فائقةٌ. سواءَ كانَتْ هذه الجسيمات فرميونات مِثلُ الكواركات واللبتونات، أو وسطاء انتشارِ القوى الأربعةِ في الفيزياء (الفوتونات، الغلويونات، البوزونان W وZ إضافةً إلى الجرافيتون الذي لم يُرصد بعدُ)، وليسَت جميعُ البوزوناتِ حاملاتً للقوى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى