مريم المنصورة الصادق المهدي: “واجهتُ مشاكل كبيرة جداً قبل تعييني طبيبة.. وحلقت شعر رأسي في مارس الماضي “

استضافت صحيفة (التيار) عبر منتداها الأسبوعي “كباية شاي” نائبة رئيس حزب الأمة القومي، مريم الصادق المهدي، التي تحدثت في العديد من الجوانب وتناولت قضايا الراهن السياسي، كما تطرقت المنصورة لبداياتها في مجال الطب، ثم انتقالها إلى القتال في جبهة الشرق عقب انقلاب الإنقاذ سنة 1989، مشيرة إلى أنها كانت ترفض بشكل قاطع مؤسسة الزواج التي وصفتها بـ(المقيدة)، وقالت إنَّ حزبها تجاوز الخطاب الهتافي لأنه لا يأتي بالانتفاضة، مؤكدة التزامهم وتمسكهم بخارطة الطريق التي طرحتها الآلية الأفريقية رفيعة المستوى.. وإلى التفاصيل.

سيرة ذاتية

اسمي مريم المنصورة الصادق الصديق عبد الرحمن المهدي، ولدت في مستشفى الخرطوم التعليمي القسم الجنوبي، وأنا الوحيدة بين إخوتي ولدت في مستشفى حكومي، لقب (بت الناس) الذي أسمى به نفسي في تطبيق واتساب هو نفسه كان شعاري في انتخابات 2010 عندما ترشحت في الريف الغربي، باعتبار أنني بنتكم وأختكم وأمكم وهذا هو التقديم الذي أستطيع أن أقدم به نفسي لأهلي في السودان بكل أرجائه، ولابد أن نعمل بصورة حاسمة من أجل السودان الذي نستحقه ويضمنا جميعاً، درست جميع المراحل التعليمية بكلية المعلمات بأمدرمان، مدرسة التمرين الابتدائية، ومدرسة الشاطئ الثانوية ثم انتقلت لأقدم مدرسة ثانوية بالسودان وهي مدرسة أمدرمان، من مواليد 28 يناير 1965، ولادتي مرتبطة بثورة أكتوبر لأنَّ والدتي ربنا يرحمها ويحسن إليها كانت حاملاً ووقعت في واحدة من المظاهرات، بعد ذلك التحقت بجامعة الخرطوم كلية العلوم لمدة عام واحد.

بين العسكرية والطب

وبعدها انضممت لوالدتي السيدة سارة وكانت تقود العمل المعارض من الخارج بعد اعتقال قيادات الحزب لمعارضتهم لقوانين سبتمبر المسماه جوراً الشريعة، ومن هناك قدمت لعدد من الجامعات وكنت أطمح للالتحاق بمجال الدراسات العسكرية، وبجانب هذا المجال كنت دائماً أفكر في دراسة الطب، وتم قبولي في مجال الطب بالأردن، ومباشرة ابتعثوني لمركز سمو الأمير الحسن وكان ولي العهد آنذاك، وأكملت الفترة كلها في الأردن وفي السنة الأخيرة حدث انقلاب الإنقاذ وفعلاً تعامل الأردنيون معي بصورة استثنائية لأنه كان لا يحق لي أن أواصل السنة الأخيرة، فواصلت ونجحت ولكن واجهت مشاكل كبيرة جداً في أن أتعين في وزارة الصحة كطبيبة، وأنا أول طبيبة أتخرج في الكلية الأردنية وكانوا يريدون أن يتأكدوا من مستوى الكلية، لكن الأكبر والأخطر أن ورقي كان أشبه بالجمرة وكل شخص يمسكه يرميه على طول وكان اسمي صعباً شديداً آنذاك سنة 1990، وهذا ساهم في تأخير تعييني لفترة لكنها كانت مثمرة لأنّي اختيارياً حُبست مع الحبيب الإمام في محبسه في الرياض بمنزل البروفيسور محجوب جعفر، كانت عشرة أشهر وهي من أهم فترات حياتي، بعدها عُينت في وزارة الصحة ومنها انتقلت ‘لى العمل المسلح في الجبهة الشرقية بعد الزواج، ثم عدت بعد ذلك مع قرار الحزب القاضي بالعودة وكنت من الذين تم اختيارهم في الهيكل المرحلي للحزب في قطاع المرأة وعضوة في المكتب السياسي كان ذلك في سبتمبر من العام 2000، متزوجة وعندي ستة من الأولاد أربع بنات وهنَّ الأكبر وتوأم بنين وهم الأصغر، ولا زلت أعمل في حزب الأمة القومي.

التضامن مع مرضى السرطان

في مارس الماضي حلقت شعر رأسي تضامناً مع إحدى صديقاتي التي أصيبت بمرض سرطان الثدي، التجربة كانت مدهشة بالنسبة لي لأنَّ الشئ التقليدي أن النساء لا يقصون شعرهن وكلما أتحدث عن الفكرة دائماً تحدث لي مشكلة لحظة التنفيذ، وكان القرار غير عادي لأن صديقاتي وحتى بناتي أصبحن يحلقن شعرهن بصورة عادية جداً، وكانت صديقتي المصابة بالسرطان قادمة إلى القاهرة وهي تعلم مسبقاً بمرضها وصابرة عليه، لكن الأطباء قالوا لها إنهم سيجرون لها عملية إزالة، وعندما علمت أنهم سيبدأون بالكيماوي صعبت عليها فكرة تساقط الشعر بصورة واضحة، عندي بنت عمتي في إنجلترا وكنا نتحدث عن كيف نساعدها من تقليل تساقط الشعر، لأنَّ هذه القصة كبيرة في نظرها وقالت لي من الأفضل أن نأخذ لها الشعر لندعمها، وبالفعل حلقنا شعرنا في لحظة متزامنة أنا في القاهرة ودكتورة إيمان حسين في لندن، وكانت التجربة فيها هذا المعنى ولم أفكر فيها كثيراً، وجعلتني أعيش في مطلع العام مع مرضى السرطان خاصة السيدات وأحياناً الرجال، وهذا الشئ لا يتحدث عنه الناس هو أن بعض الرجال يصابون بسرطان الثدي ويكون العبء عليهم مضاعفاً، لأنهم يشعرون بأن هذا المرض نسوي لماذا يصابون به. الشاهد أننا نقوم نقوم بهذه الفكرة ونتبرع بالشعر لمرضى السرطان خاصة الأطفال، ومن هنا أحيي الحبيبة الإعلامية ليمياء متوكل التي تعرفت عليها خلال هذه السنة، وأقول لجميع السيدات من الضروري أن تعملوا الرسم الإشعاعي الخاص بالسرطان وأن الفحص المبكر للثدي غير كافٍ.

الجردل وعلم السودان

عند وصولها لمقر الصحيفة كانت مريم تحمل جردلاً صغيراً مرسوماً عليه علم السودان تم به تقديم الضيافة للحضور، قالت إنَّ هذا تذكير لنا جميعاً بعلم السودان وكلنا استغرقنا في أعلامنا فأهلنا الاتحاديون متبنون شعاراً ونحن متبنون شعاراً، وغيرنا من القوى السياسية الأخرى تتبنى شعارات أخرى وأصبح علم السودان منسياً، وقبل سنتين عندما ذهبت لبحر أبيض وجدت إحدى الحبيبات أمها اشترت لها (كفتيرا وحلة وكورة وهذا الجردل) سنة 1956، أنظر كيف كان الناس فرحين بالاستقلال وتفاصيله لدرجة أن العلم تم وضعه في (العدة) التي يضعها الستات في بيوتهن، وهذه الحبيبة كتر خيرها أهدتني هذا الجردل وأصبح يحتل مكانة مميزة عندي ووضعته في بيتي الذي حرصت أن يكون بيتاً سودانياً.

خطابات وجوابات

صحيح أنني مريت بارتباط عاطفي قبل الزواج لكن أكثر خطاباتي وجواباتي كانت للزوج في فترة العمل المسلح، وكانت تفصيلية جداً أتونس معه وأكتب وكان لا يرد على خطاباتي، وأقوله له الله يبارك فيك رد علي لكنه لا يرد هددته بعد الكتابة مرة أخرى، وأصبحت أكتب في رأسي أكثر، وكنت أحب الكتابة على الورق وبالفعل نفذت تهديدي، لكنها لم تكن جوابات غرامية فهي عبارة عن ونسة لهموم يومية لشخص يعرفك، وقبل أيام عندما وجدت نسخاً من الخطابات تأسفت جداً لإيقاف الرسائل، لأنه كان توثيقاً مهماً جداً يمكن أن يساعدني.

الزواج مؤسسة مقيدة

أنا واحدة من الناس كنت أعتقد أنني لم أخلق للزواج وليس عندي له وقت ولا التزام بمؤسسته وأشعر أن به تقييداً، هناك العديد من الأشياء عندما تفعلها المرأة كأنها أساءت للزواج وأهله وأنا لا أريد أن أسئ لأي شخص، لكن أستطيع أن أكون في شكل تنميط معين فحنتنا جميلة وغيرها وعندما تشعر أنك تحترم وأشعر أن فيها نوعاً من التقييد، ومنذ صغري كنت متأثرة جداً بالقضية الفلسطينية وبفتكر أنني سأستشهد هناك وبالتالي فكرة أن تكون حياتي طويلة ويكون عندي التزامات أسرية، لم تكن ضمن خططي وهذا ما جعلني بين أن أدرس العسكرية والطب، وفكرة الزواج فاجأتني تماماً، وقلت لوالدي علاقتي مع عادل شريف (قلبت) وبدوره حاول أن يقنعني وقال لي هذا الكلام غير صحيح وكان يجلس معي بالساعات ليقنعني بفكرة الزواج ويقول (عشان نستولد منك)، وكانت محاولات إقناعه ممتدة، وعندما ذكرت له سيرة عادل شريف قبلها بأسبوع كنت قد رفضت أحد الذين تقدموا لخطبتي، لا أعرف ماذا أقول عنه فهو رجل مهذب وعنده ثقة عالية بنفسه وحب شديد للخير وصبور وهذا ما لفتني فيه، مع الأيام اتضح لي أنه عنده أشياء أكثر من ذلك.

الربح والخسارة

أهم خسارة تعرضت لها عند انضمامي لجبهة الشرق هي أنني خرجت من (البروقرام) الذي كنت فيه، وتبقى لي مرحلتين لمدة ثمانية شهور وامتحنت الجزء الثاني بالأطفال وأصبحت متخصصة، وكانت الفترة كلها ثلاث سنين كونو أقطع كل كل هذه المسافة وفي آخر ثمانية أشهر أتوقف تعتبر خسارة، لكن بالمقابل كان كبيراً لأن هذه من أهم المحطات في حياتي التي جعلتني أعيد نظرتي للآخر السودان، لأنك ستجد أناس مختلفين معك ومنك لكن في نفس الوقت يموتون أمامك من أجل هذا الاختلاف، إذاً هو اختلاف حقيقي، وهذا يجعلك تراجع نفسك مع الاختلاف. وعندما تكون وسط مقاتلين يموتون من أجل ما يعتقدوه صحيحاً هذا الشئ لابد من مراجعته، هذا ما جعلني أنظر بصورة ليس فيها لبس أنه في السودان هناك تعدد فكري وسياسي حقيقي ليس مع أو ضد، الخوة التي تجدها عند حاملي السلاح غير، وكنا نختلف مع حاملي السلاح من القوة الأخرى لكننا نجد منهم الاحترام والمودة، الفرصة التي أتيحت لي للتعرف على مناطق الشرق والتي لا أظنها أن تتكرر مرة أخرى، التجربة الإريترية كتجربة أفريقية أعتقد أننا لم نتملكها حتى الآن فتجربتهم في الثورة وإنشاء الدولة تجربة عميقة جداً ولم نستفد من تجربتهم في العمل العسكري النسوي، وهي من أغنى وأثرى التجارب وأنا دائماً ما أرجع لها وكان المقاتلات يمثلن نسبة 30% وعندما تتعرض إحداهن للتحرش وتخبر الضابط لا يسأل الشخص الذي ارتكب الجرم وإنما يقوم بإفراغ المسدس في رأسه، وعندما حدثت الحرب الإثيوبية الإريترية الأخيرة لم يحدث اعتداء جنسي بصورة كبيرة وسط المقاتلات.

ملاوزة من العرس

بعد عدد من الشهور لذهابي للقتال في جبهة الشرق التقيت بزوجتي عادل شريف في القاهرة، وهذه واحدة من الأشياء التي جعلتني (ملاوزة) من العرس، قصة ترجع وتستأذن غير موجودة عندي لا مع الأب أو غيره وتربيت بهذه الصورة، الحقيقة عادل كان يعرفني أكثر من نفسي، وقبل أن يخرج الحبيب الإمام في تهتدون كان عادل مقتنعاً أنني إنسانية فنية طبيبة ليست لدي علاقة بالسياسة، وعندما هاجر الإمام في تهتدون وبعدها بـ19 يوماً أنجبت بنتي الكبيرة في تلك الفترة، كنت لا أستطيع أن أنوم بالليل وأقول لنفسي لماذا فعلت هذه العملية غير المسئولة كانت سنة قاتلة بالنسبة لي وكان هو أكثر شاهد بالنسبة لي، ولم أكن أخطط للذهاب إلى جبهة الشرق، وكان عبد الرحمن أخي مهموماً لهذه القصة أكثر مني وظل يبحث عن طريقة يخبر بها عادل، وبعد ذلك التقينا في القاهرة وكانت (حاجة شديدة) لكن عادل هو شخص صحبي شديد ويعرفني جيداً استطاع أن يرى أهمية هذه المسألة عندي، أصلا فكرة العمل المسلح ليست غريبة عندي منذ زمن، وكان يسألني عن علاقتي بالعمل السياسي، وإلى أية درجة سأمضي فيه، وكنت أقول له أنا طبيبة فقط، وبعد ذلك ظل يأتينا سنوياً في القاهرة وأتيحت لي فرصة ألتقي بأهله هناك.

استنزاف

المناصب في حزب الأمة لا تجلب المال (والحزب كان ما شال منك ما بديك)، لكن مسألة المالية والاستتزاف تهمني شديد ومنذ السنة الماضية أنا أجتهد في هذ الجانب، لكن الدعم الأساسي من عادل واجتهدت أن أدخل في بزنس خاص أتمنى أن ينجح.

لا أحب المطبخ

في حياتي لم أجرب (عواسة الكسرة) وعندما كنت في الأردن كان الأحباب يأتون خاصة عمر علي بابكر وهو صديق وأحد الزملاء المقربين لتناول الطعام الذي أعده وناس الأردن يشهدون لي بأنني طباخة، لكنني لا أحب المطبخ بقدر ما أحب النظافة وترتيب البيت، ومؤخراً أصبحت أهتم بتنسيق الزهور حتى في قمة الصراعات السياسية وأصبحت متنفساً، المداخلات عبر الواتساب شئ سهل لكن الفيسبوك ليس لدي زمن لدخوله لأنه يحتاج إلى المتابعة والرد على التعليقات ( ما قدرت ليه)، القراءة في فترة ما كانت صعبة بالنسبة لي لأن السياسة والتقارير التي تكتب يومياً ومتابعة الانترنت، أبعدتني من القراءة وهذا بدا لي أمام نفسي كأنني سارقة الشهادات، لأنني عملت شهادات من أجل تحسين مستوانا في تنمية قطاع المرأة، وشهادة من جامعة الأحفاد عن النوع والتنمية، وهذه هي الأشياء التي تعوض عني القراءة.

الخرطوم: عمار حسن

الخرطوم (صحيفة التيار)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى