مدينة البندقية في إيطاليا

البندقية

مدينة البندقية (بالإنجليزية: Venice) هي مدينة إيطاليّة وميناء بحريّ رئيسيّ، تُعدّ عاصمة مقاطعة فينيسيا، ومنطقة فينيتو فيشمال إيطاليا، وهي مدينة مُكوّنة من مجموعة من الجزر الصغيرة التي يصل عددها إلى 118 جزيرة، تربط بينها الجسور والقنوات المائيّة، وتُستخدَم القوارب للتنقل فيما بينها.

تتميّز البندقية بطابع معماريّ فريد من نوعه، وبيئة مميزة، وتاريخ عريق؛ حيث عملت المدينة كحلقة وصل بين قارتَي أوروبا وآسيا في القرون الوسطى من خلال مينائها، الذي ما زال يمتلك مكانة خاصة كميناء في شمال البحر الأدرياتيكيّ، وتُلقّب المدينة باسم “Serenissima” أو الجمهورية الأكثر هدوءاً.[١][٢] تبلغ مساحة مدينة البندقية 2,461.52 كم2، ووفق تقديرات عام 2016م وصل تعدادها السكاني إلى 855,696 نسمة.[٣]

جغرافيّة البندقية

الموقع

تقع مدينة البندقية في الشمال الشرقي من إيطاليا، في منطقة فينيتو،[٤] وهي سادس أكبر مدينة في المنطقة،[٥] وتطُل البندقية على سواحل البحر الأدرياتيكي،[٤] وتقع في بُحيرة هلاليّة الشكل تمتد لأكثر من 50 كم جنوب مدينة كيودجا ومستنقعات جيسولو.[٦]وتُعتبر البندقية بُحيرة تجمع عدداً من الجزر الصغيرة، ومحمية بواسطة شريط من الأراضي التي تُدعى الليدو.[٧] فلكياً تمتد إحداثيات المدينة بين خط طول 45.4º شمالاً، وخط عرض 12.3º شرقاً.[٤]

المُناخ

تتمتع مدينة البندقية بمُناخ مُعتدل بشكل عام، ويُوصف صيفها بالاعتدال وشتاؤها بالبرودة؛ ففي فصل الصيف يتراوح متوسط درجات الحرارة بين 24 و27 درجة مئويّة، وترتفع معدلات الرطوبة في الجو مما يُساعد على تشكّل الضباب حول المدينة، أما درجات الحرارة في فصلي الربيع والخريف فهي باردة نسبيّاً، ولكن تستمر الشمس بالسطوع، مع هبوب رياح شماليّة، أما فصل الشتاء فهو بارد إلى شديد البرودة، حيث يصل متوسط درجات الحرارة في شهر يناير إلى 2.2 درجة مئويّة، وينتشر الضباب في المدينة بشكل كثيف، وفي شهرَي أكتوبر ونوفمبر ترتفع نسبة التساقط المطري، حيث يصل المعدل خلال هذَين الشهرين إلى 185 ملم، يليهما شهر مايو الذي يصل معدل التساقط المطري فيه إلى 170 ملم، أما معدل التساقط المطري السنوي فيصل إلى 865 ملم.[١]

تاريخ البندقية

تأسيس المدينة وازدهارها

تأسست مدينة البندقية بعد سقوط الدولة الرومانية الغربية؛ بعكس معظم المدن الإيطاليّة الكبيرة، حيث أدّت هجمات الوَندال في شمال إيطاليا في عام 568م إلى نزوح عدد كبير من السكان إلى منطقة البندقيّة، وأصبحت المنطقة لاحقاً جزءاً من إكسرخسية رافينا البيزنطية في عام 584م، ولكن بعد سقوط المدينة البيزنطية أوديرزو في عام 641م أصبحت بُحيرة البندقية هي مركز السُلطة.[٨]

مقالات ذات صلة

في أعقاب هذه الأحداث مرّت المدينة بسلسلة من التقلُّبات ما بين المؤيّدين والمعارضين للحكم البيزنطي، إلى أن شكّل الدوق أوبيليريو وأخوه بياتو حلفاً مع مملكة إيطاليا، ووضعوا مدينة البندقية تحت حكم الملك بيبين للخلاص من الحكم البيزنطي، بعد ذلك ازدهرت التجارة في المدينة، وتطوّر الوعي السياسي فيها حتى أصبح اختيار الدوق يتم عبر الانتخابات العامة في بداية القرن التاسع الميلادي.[٨]
تحت حكم الدوق دومينيكو كونتاريني (1043–70م) بُنيت كنيسة للقديس مارك؛ حيث دافع الدوق كونتاريني عن الاستقلالية الدينيّة للدوقيّة، لكن الصراع ما بين الكنيسة والإمبراطورية استمر، إلا أنّ ذلك لم يُؤثر في حركة التجارة للمدينة، وحافظت البندقية على صِلاتها التجارية المفتوحة على البحر الأبيض المتوسط، بالرغم من محاولات النورمان لقطعها، كما أعطت الدولة البيزنطية الصلاحيات الكاملة للمدينة بالتجارة عبر أراضيها بدون أية رسوم، مما أدى إلى بداية نشاط البندقية التجاري في الشرق في عام 1082م، لكن الحال لم يبقَ كما هو؛ ففي القرن الحادي عشر الميلادي بدأت العلاقات بين الإمبراطورية البيزنطية والبندقية بالتّدهور، لكن امتداد البندقية عبر البحر الأدرياتيكي وساحل دالماسيا عزّز دورها السياسيّ كمركز للقوة.[٨]

القرن الرابع عشر الميلادي

تماشياً مع القوة السياسيّة التي اكتسبتها مدينة البندقية وأهميتها الاقتصاديّة فقد خضعت المدينة لتغيير جذريّ في هيكلها السياسيّ، وأعلنت نفسها جمهوريّة بين عامَي 1140م و1160م، وبذلك تراجعت صلاحيات الدوق، وأصبح الحكم في يد البلديّة، إلى جانب وظائف المدينة وصلاحياتها، ووُضِعَت جميع الأمور الإداريّة والسياسيّة في يد المجلس الأعلى 45.[٨]

في بداية القرن الرابع عشر للميلاد اجتاحت المدينة موجات من الصراعات مع الأراضي الإيطاليّة وسواحل المتوسط والأدرياتيكيّة، فسيطرت البندقية على مدينة تريفيزو؛ لتأمين مؤونة الطعام، والسيطرة على خطوط الدفاع الأماميّة، ودخلت البندقية حروباً وصراعات سياسيّة، خسرتها تارة وربحتها تارةً أُخرى، لكنها نالت في نهاية المطاف حُكم الطرق البحريّة التجاريّة في البحر المتوسط وسيطرت عليها.[٨]

ذروة ازدهار البندقية

كانت انتصارات مدينة البندقية مُتوازية مع تهديد قيام الدولة التركيّة في الشرق، لذا كان على البندقية البحث عن قاعدة اقتصاديّة لملء الفجوة في علاقاتها التجاريّة مع الشرق، لذا توجّهت أنظارها نحو الأراضي الإيطاليّة؛ للتخلُّص من اللوردات المُجاورين لها، واستغلال الأراضي التي حصلت عليها في معاركها، حيث امتد حكم البندقية حتى حدود نهري مينسيو وليفنزا، وبعد حدود النهرَين كان يحكم بطريرك أكويليا الذي سيطر على الطرق التجاريّة الرئيسيّة لألمانيا وإستريا، لكن سرعان ما انضمت هذه البطريريكيّة تحت حكم البندقية في عام 1420م، وبذلك توسعت حدود البندقية حتى وصلت ذروة ازدهارها تحت حكم الدوق توماسو موسينيغو، وكوّنت قاعدة اقتصاديّة قويّة في الأراضي الإيطالية لتعويض تلك التي خسرتها في الشرق.[٨]

سقوط جمهورية البندقية

بدأ تهديد الأتراك يصل إلى البندقية، وسقطت عدة مدن في أيديهم، إلى أن وُقّعت معاهدة سلام في عام 1479م، لكن الصراعات الداخليّة القائمة في الأراضي الإيطالية جعلتها فريسة للأطماع الأجنبية؛ حتى شكّلت إسبانيا، وفرنسا، وألمانيا، والكنيسة، والهنغاريين، والسافوياردز، والفيراريس عصبة كامبراي في عام 1508م في مواجهة البندقية، التي هُزِمَت في معركة أنياديللو، وأدى ذلك إلى تضاؤل امتداد البندقية داخل الأراضي الإيطالية، وتعرّضت لأزمة اقتصادية، وتراجع دورها التجاري في المنطقة. وبعد صراع سياسي طويل وقعت البندقية تحت الحكم التركي بين عامَي (1645–69م)، ثم أصبحت جزءاً من الدولة اليونانيّة في عام 1699م.[٨]
جاءت نهاية جمهوريّة البندقية عند قيام الثورة الفرنسيّة؛ حيث أصرّنابليون على تدميرها بذريعة أنّها مصدر عدائي لدولته، وبسبب الصراعات السياسية التي خاضتها المدينة سابقاً؛ وقفت دون حليف، وفي عام 1797م عُزِلَ آخر دوق في الجمهورية، وتم إنشاء بلدية ديمقراطية مؤقتة بدلاً من الجمهورية، ولكن في وقت لاحق من العام نفسه تم تسليم البندقية إلى النمسا. في عام 1848م أنشأ الزعيم الثوري دانيال مانين حكومة جمهورية مؤقتة، لكنها سقطت بعد عام، وبعد هزيمة البروسيين للنمسا في عام 1866م تم التنازل عن البندقية لصالح إيطاليا، التي أصبحت جزءاً من المملكة الإيطالية المتحدة منذ عام 1861م.[٨]

السياحة في البندقية

تُعتبر مدينة البندقية من أبرز الوجهات السياحية التي تستقطب السياح من جميع أنحاء العالم سنوياً، ولأهميتها أُدرجت مدينة البندقية وبحيرتها على لائحة اليونسكو للتراث والآثار العالمية في عام 1987م.[٩] ومن أبرز المعالم التي توجد في مدينة البندقية:[١٠]

  • القنال الكبير: يُعتبر القنال الكبير بمثابة طريق رئيسي تجري عبره وسائل النقل المائية مثل الجندول، وسيارات الأجرة المائية، والحافلات المائية، بما أن وسائل النقل الاعتيادية من سيارات وباصات غير مسموحة في المدينة، ويمر القنال الكبير عبر المدينة، مروراً بكنيسة سان ماركو وحتى كنيسة سانتا كيارا، ويجتازها 4 جسور.
  • كنيسة سان ماركو وبرج الأجراس: يقع برج الأجراس في ساحة سان ماركو ويبلغ ارتفاعه 30 طابقاً، وتقع خلفه كنيسة سان ماركو، ويعود المَعلمان إلى القرن التاسع الميلادي، وتمت إعادة بنائهما وترميمها عدة مرات، ويتبع التصميم المعماري للمبنيَين أنماط العمارة القوطية البيزنطية بطريقة فريدة من نوعها.
  • جسر ريالتو: هو أحد الجسور الأربعة الذي يقع على القنال الكبير، وهو مصنوع من الحجارة، وقد صممه أنطونيو دا بونتي، وانتهى بناؤه في عام 1591م وبُنِيَ كبديل للجسر الخشبي الذي انهار في عام 1524م.
  • ساحة سان مارك: هي الساحة العامة الوحيدة في البندقية، وكانت الساحة في مكان التجمع الرئيسي في المدينة، وتقع فيها كنيسة سانتا كيارا وقصر دوجي، وشكل الساحة شبه منحرف.
  • سانتا ماريا ديلا سالوت: تعود هذه الكنيسة إلى القرن التاسع عشر وتقع عند نقطة التقاء القنال الكبيرة مع بحيرة البندقية، وهي عبارة عن مبنى أبيض ذي قبة ضخمة، وبُنِيَ في الأصل كضريح تكريساً لمريم العذراء لإنقاذ المدينة من الطاعون الذي قضى على ثلث سكان المدينة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى