ما هي قدوة الرسول , كيف اكون قدوة للرسول , معلومات واهمية قدوة الرسول

محمد القدوة الطيبة التي أرسلها الله رحمة لنا وحبًّا بنا حتى نقتفي أثره[1].

جاء في تقارير منظمة اليونيسيف الدولية أنه من كل عشرة أطفال دون سن الخامسة كان يموت طفل عراقي بسبب نقص العلاج، وفي كل يوم من أيام الحصار الأمريكي كان يموت 250 إنسان عراقي بسبب العقوبات التي كانت مفروضة عليها[2].

وهذا نوع من الضعف يقع فيه عامة الخلق، كبيرهم وصغيرهم، غنيُّهم وفقيرهم، حاكمهم ومحكومهم..

أصحاب الأزمات

ليس هناك إنسان إلا ويقع في أزمة، كمرضٍ له أو لحبيب، وكموتٍ لقريب، وكدَيْنٍ وقع فيه المرء، وهكذا..

ولما كانت هذه الأزمة صورة من صور الضعف، وكثيرًا ما تأتي مفاجئة للإنسان، فإن رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت سريعًا ما تتحرك تجاه هؤلاء..

يلخص ذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه بقوله: “إنا -والله- قد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر، وكان يعود مرضانا ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير[3]”.

فهو -كما وصف عثمان – مع أصحابه في كل أزماتهم..

زيارة المريض

ومن أهم الأزمات التي لا بد لكل بشر أن يقع فيها أزمة المرض..

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا سمع بمريض أسرع لعيادته في بيته، مع كثرة همومه ومشاغله، ولم تكن زيارته هذه مُتكلَّفة أو اضطرارية، إنما كان يشعر بواجبه ناحية هذا المريض.. كيف لا، وهو الذي جعل زيارة المريض حقًّا من حقوقه؟!.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلامِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ”[4].

وكان يهدف من وراء زيارته لأمور شتى، فهو يُظهِر له -دون تَكَلُّف- مُوَاساتِه له، وحرصه عليه، وحبه له، فيُسعد ذلك المريضَ وأهلَه، ويهوِّن أزمته ومرضه..

يروي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فيقول: اشْتَكَى سعد بن عبادة رضي الله عنه شَكْوَى لَهُ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ يَعُودُهُ مَعَ عبد الرحمن بن عوف و سعد بن أبي وقاص و عبد الله بن أبي مسعود رضي الله عنهم أجمعين فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ فَوَجَدَهُ فِي غَاشِيَةِ أَهْلِهِ[5] فَقَالَ: “قَدْ قَضَى”, قَالُوا: لا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَبَكَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؛ فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ بُكَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَكَوْا فَقَالَ: “أَلا تَسْمَعُونَ؟! إِنَّ اللَّهَ لا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلا بِحُزْنِ الْقَلْبِ؛ وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ أَوْ يَرْحَمُ[6]”[7].

تبشير المريض

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم -من رحمته- كان يُبشِّر المريض بالأجر والمثوبة التي تلحق به نتيجة المرض، فيهوِّن بذلك عليه الأمر، ويرضيه به..

تروى أم العلاء[8] فتقول: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضة، فقال: ” أَبْشِرِي يَا أُمَّ الْعَلاءِ، فَإِنَّ مَرَضَ الْمُسْلِمِ يُذْهِبُ اللَّهُ بِهِ خَطَايَاهُ كَمَا تُذْهِبُ النَّارُ خَبَثَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ”[9].

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في زيارته للمريض يرقيه ويدعو له بالشفاء، وأدعيته في هذا المجال كثيرة ومشهورة، ومنها ما روته عائشة رضي الله عنها أن رسول الله كان يقول إذا أتى مريضًا: “أَذْهِبْ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي لا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا”[10].

التخفيف على المريض

وكان صلى الله عليه وسلم حريصًا على التخفيف على المريض، وعدم تعريضه لخطر أو أزمة أكبر، وكان يُبدي الكثير من الغضب إذا رأى من يتشدد في حكم من الأحكام مع مريض، ومن ذلك ما يرويه جابر بن عبد الله رضي الله عنه، يقول: خرجنا في سفر فأصاب رجلاً منا حجرٌ؛ فشجَّه في رأسه، ثم احتلم؛ فسأل أصحابه؛ فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء فاغتسل فمات؛ فلما قدمنا على النبي أُخبِرَ بذلك فقال: “قَتَلُوهُ قَتَلَهُمْ اللَّهُ، أَلا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا؛ فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ أَوْ يَعْصِبَ -شَكَّ مُوسَى- عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ”[11].

طلب الطب والعلاج

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يطلب الطب لأصحابه، ويتجاوز عن أمور كثيرة يتشدد فيها الآن كثيرٌ ممن لا يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا رحمته!!

ومن ذلك أنه كَلَّف رُفَيْدة[12] رضي الله عنها بعلاج سعد بن معاذ رضي الله عنه عندما أصيب في الأحزاب[13]، لأنها كانت أقدر أهل المدينة على علاجه، ولم يتحرَّج أن تعالج امرأةٌ رجلاً من الرجال..

وهكذا كان يرفق بالمرضى إلى أكبر درجات الرفق، ويقف معهم في أزمتهم بصورة لعلها أكبر من وقفة ذويهم إلى جوارهم..

[1] م. ج. دُرّاني (مرجع سابق: صـ 28).

[2] تقرير بعنوان اغتيال الإنسان العراقي، منشور على موقع إسلام أون لاين، الشبكة العنكبوتية، الرابط الإلكتروني:

[3] أحمد (504)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده حسن.

[4] البخاري: كتاب الجنائز، باب الأمر باتباع الجنائز (1183)، ومسلم في السلام، باب من حق المسلم للمسلم رد السلام (2162)، وأبو داود (5030)، وابن ماجة (1435)، وأحمد (8378) من حديث أبي هريرة.

[5] غاشية أهله: أي الذين يغشونه للخدمة وغيرها. انظر فتح الباري لابن حجر 3/ 175.

[6] (يعذب بهذا): أي إن قال سوءاً. (أو يرحم): أي إن قال خيراً. انظر المصدر السابق

[7] البخاري: كتاب الجنائز، باب البكاء عند المريض (1242) ومسلم في الجنائز، باب البكاء على الميت (924).

[8] أم العلاء: أسلمت وبايعت النبي ، وهي أم خارجة بنت زيد بن ثابت. أسد الغابة6/382، الإصابة الترجمة (12168).

[9] أبو داود (3092)، وقال الألباني: (صحيح). انظر حديث (7851) في صحيح الجامع.

[10] البخاري: كتاب المرضى، باب دعاء العائد للمريض (5351)، وأحمد (25003).

[11] أبو داود (336)، الدارقطني (3)، والبيهقي في سننه الكبرى (1016)، وقال الألباني: صحيح. انظر صحيح أبي داود (325).

[12] رفيدة: امرأة من أسلم، كان رسول الله حين أصاب سعد بن معاذ السهمُ بالخندق؛ قال لقومه: اجعلوه في خيمةِ رُفيدة حتى أعوده من قريب، فكانت تداوي الجرحى، وتخدم من كانت به ضيعة من المسلمين. أسد الغابة 6/114، الإصابة الترجمة (11169).

[13] تاريخ الطبري 2/100، عيون الأثر 2/103، سيرة ابن هشام 4/198.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى