ما هي الامراض النفسية الجسدية 2019

الامراض النفسية الجسدية (Psychosomatic Medicine):
تختص بعمليات تكون الامراض وتطورها ويركز، بشكل خاص، على وحدة الجسد (Soma) والنـفـس (Psyche) والتاثيرات المتبادلة بينهما.
وفي موازاة التقدم الذي حققه العلم في القرن الاخير، اختلف تدريجيا المفهوم الذي يعتقد بان للمرض مسببا واحدا الى مفهوم يعتقد بتعدد الاسباب التي تجتمع معا فتسبب مرضا معينا.
من الاسئلة التي تم طرحها في هذا المجال:

ما هي المتغيرات التي تسبب ظهور مرض ما؟
ما هي العلاقة المتبادلة بين المتغيرات النفسية – الاجتماعية، مثلا، وبين المرض؟
ما الذي يؤثر على ظهور مرض محدد لدى شخص معين دون اخر؟

محاولات الاجابة عن هذه الاسئلة وغيرها تمخضت عن ظهور توجهات فكرية عديدة ومختلفة، بل واثارت جدلا خفت حدته وقوته مع تقدم العلم والبحث العلمي (المرضي والاساسي)، سوية مع نشوء صورة تكاملية – شمولية للمهن التي تكمل بعضها البعض.

أسباب وعوامل خطر الامراض النفسية الجسدية

متغيرات تتعلق بنشوء الامراض وتطورها، تشمل:

ميزات شخصية فريدة (مثل: ثبات، استقرار ونجاعة منظومات الدفاع والتاقلم),
الاحداث الحياتية المختلفة (مثل: الحزن الشديد, الطلاق او الفصل من العمل),
عمل الوسطاء في الجهاز العصبي – الفسيولوجي (مثل: تغيرات في عمليات النقل العصبي وعلاقتها بالتغيرات التي تطرا في القلب والاوعية الدموية، وكذلك في الجهاز الهضمي والجلد، كردة فعل على حالات الكرب والاجهاد (Stress)، تحت اشراف ومراقبة الجهاز العصبي المركزي)،
وجود مسببات امراضية (فيروسات, جراثيم وملوثات بيئية)،
كما يؤثر في نشوء الامراض وتطورها، ايضا، الجهاز المناعي (Immune system) والجهاز العصبي الصماوي (Neuroendocrine system).

ويشمل التوجه البدنفسي (النفسي – الجسدي) الحديث مزيجا من المتغيرات، البيولوجية، الاجتماعية، النفسية، العصبية، الفسيولوجية – العصبية، الوراثية والجزيئية.
الجهاز القلبي الوعائي (Cardiovascular system):
تعتبر امراض القلب اكثر الامراض اماتة في الدول المتقدمة. وتشير التقديرات الى ان نحو الربع من مرضى احتشاء عضل القلب (Myocardial Infarction) يصابون بالاكتئاب. وعلاوة على ذلك، يزيد الاكتئاب من خطر الاصابة المتكررة باحتشاء عضل القلب. كما يتسبب الاكتئاب بتشويش عمل جهاز الغدد الصم (ما يؤدي الى ارتفاع مستوى الكاتيكولامينات (Catecholamines) وخلل في عملية استقلاب (Metabolism) الدهون), يزيد من تراكم صفيحات الدم ويعيق عمل الجهاز العصبي المستقل (هبوط في متغيرية سرعة القلب – Heart Rate Variability). كل هذه العوامل تؤدي الى زيادة خطر الاصابة باضطراب في نظم القلب.
وقد تم اكتشاف علاقة مشابهة ايضا بالنسبة للخوف. كما سجل ارتفاع ملحوظ في حالات الوفاة لدى 40% من المرضى الذين اجريت لهم عمليات طعم مجازة الشريان التاجي (Coronary artery bypassgraft surgery), واصيبوا باعراض الاكتئاب. اما الاشخاص الذين يتمتعون بمزايا الشخصية من نوع A (الطموح, قلة الصبر, التسرع والعدوانية، بشكل خاص) فهم معرضون، بشكل كبير، للاصابة بمرض القلب التاجي (Coronary heart disease).
وقد وجد ان فرط ضغط الدم (Hypertension)، الذي يشكل عاملا اساسيا حاسما في نشوء وتطور الامراض القلبية، مرتبط ايضا بحالات الكرب والاجهاد التي تبرز فيها النزعات العدوانية.
الجهاز الهضمي (Digestive system):
تعصيب (تزويد جزء او عضو بالاعصاب – Innervation) الجهاز الهضمي يجعله شديد التاثر بحالات الكرب والاجهاد والحساسية لها. فمن هذه، على سبيل المثال، وجود علاقة وثيقة بين الاضطرابات النفسية (psychiatric disorder)، ومنها اضطرابات الاكتئاب (Depression) والقلق (Anxiety) على وجه الخصوص، وبين ظهور متلازمة القولون المتهيج (Irritable Bowel Syndrome – IBS). كما وجدت علاقة متينة بين افراز احماض المعدة والببسين (Pepsin) وبين حالات التوتر، الكرب والاجهاد الحاد.
في حالات الكرب والاجهاد المزمنة يطرا هبوط في نشاط الجهاز المناعي، مما يرفع مستوى الحساسية لظهور تقرح, تبين ان ثمة علاقة سببية بينه وبين الاصابة بعدوى/ تلوث جرثومة الملوية البوابية (Helicobacter pylori). كما وجدت، لدى بعض المرضى المصابين بالتهاب القولون التقرحي (Ulcerative colitis) النازف، مزايا الشخصية الوسواسية القهرية (Obsessive compulsivepersonality)، فيما وجد اضطراب الهلع (Panic) لدى 23% من المرضى المصابين بداء كرون (Crohn’s disease), قبل ظهور اعراض المرض.
الجهاز التنفسي (Respiratory system):
يصاب نحو 30% من مرضى الربو (Asthma) باضطراب القلق. يسبب الخوف والقلق يسببان ضيق النفس, مما يسرع ظهور نوبات الربو, كما ان للقلق الشديد علاقة مع ازدياد حالات الاستشفاء والوفاة. وقد وجد ان الذين يصابون بالقلق الشديد, التقلب المزاجي العاطفي, الحساسية تجاه الرفض والنفور وصعوبة الاستمرار في اوضاع صعبة وقاسية، يميلون الى تناول كميات اكبر من الادوية (مثل الستيرويدات والموسعات القصبية – Bronchodilator)، كما يحتاجون الى الاستشفاء لفترات طويلة ومتواصلة، اكثر مما تبينه اختبارات التنفس.
جهاز الغدد الصم (Endocrine system):
لوحظ لدى مرضى متلازمة كوشينغ، التي تتميز بفرط افراز هرمون الكورتيزول (Cortisol), انتشار اضطرابات نفسية مختلفة، بدء بالاكتئاب الحاد وحتى الذهان النفسي (Manic psychosis). تزيد اضطرابات الغدة الدرقية من مخاطر نشوء مجموعة واسعة من الاضطرابات النفسية, منها: الهلع, القلق العام, الاكتئاب الكبير (Major Depression), رهاب المجتمع (Social phobia) الوسواس القهري، دوروية المزاج (Cyclothymic disorder), وحتى حالات الهوس الخفيف (Hypomania) او الهوس (Mania).
الجلد (Integumen):
المرضى المصابون بالالتهاب الجلدي العصبي (Neurodermatitis), وهو مرض جلدي مزمن يتسم بالحكة والالتهاب, معرضون للاصابة بالاكتئاب والقلق، اللذين يفاقمان حدة الاعراض والشعور بالالم. اما مرض الصداف (الصدفية – Psoriasis)، الذي هو مرض جلدي مزمن ايضا، فقد يسبب الكرب والاجهاد (stress). وقد تبين ان هؤلاء المرضى يصابون كثيرا بالاكتئاب، بالقلق وباضطرابات الشخصية المختلفة (الشخصية الفـصامانية – Schizoid personality, الشخصية الاجتنابية – Avoidant personality, الشخصية الوسواسية القهرية – Obsessive compulsivepersonality, الشخصية اللافاعلة العدوانية – Passive – aggressive personality).
وقد وجد ان حدة الاصابات او البقع تتناسب، بصورة طردية، مع الاكتئاب والافكار والميول الانتحارية وان الاكتئاب يخفض عتبة ظهور الحكة.

علاج الامراض النفسية الجسدية

لقد ادى التطور الذي حققه الطب النفسي – الجسدي (Psychosomatic Medicine)، الذي يساعد في فهم مركبات نشوء وتطور العديد من الامراض، الى تطوير رؤية علاجية متعددة الابعاد. فوفقا لهذه الرؤية، ينبغي اعتبار جميع الامراض بانها نفسية – جسدية (بدنفسية). ومن هنا تنبع اهمية المعالجة الشمولية. هذا التوجه المتكامل يشمل:
1. المعالجات الدوائية بالادوية النفسانية التاثير (psychotropic drugs) (الادوية المضادة للقلق, مضادة للاكتئاب, بل ومضادة للذهان (Psychosis) بجرعات قليلة) عند الحاجة. ويوصى بتناول هذه الادوية فقط بعد الشخيص النفسي. ويجب ان نتذكر ان هذه العلاجات تساعد في معالجة اعراض المرض فقط، ولمدى قصير.
2. المعالجات السلوكية (الارخاء – Relaxation, الارتجاع البيولوجي – Biofeedback، وحتى التنويم – Hypnosis) التي يمكن للمريض ان يكتسب من خلالها اليات وادوات تساعده على تمييز حالات الضغط النفسي والقلق وكيفية مواجهتها.
3. المعالـجة النفسية (Psychotherapy)، سواء الفردي، الجماعي او العائلي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى