ما هو الفرق بين مكر الله و مكر البشر ؟؟

مع صخب الحياة وكثرة تكاليفها وأعمالها والتنافس والصراع على شهواتها وضعف الإيمان من فترة إلى أخرى وغياب قيم الخير في النفوس تظهر بين الناس أخلاق ذميمة وسلوكيات خاطئة وأعمال سيئة يكون أثرها خطيراً على الفرد والمجتمع وتكون سبباً في الظلم والطغيان ومظهراً من مظاهر العدوان ودناءة النفس وخبثها وانحطاطها.

من هذه الأخلاق المكر السيئ ، وهو إرادة الشر بالآخرين؛ اعتماداً على القوة والسلطان أو على الذكاء والمال والجاه وقد يكون بأن يظهر الفرد الخير ويبطن الشر ويحيك المؤامرات في الخفاء ليحصل على مكاسب وأطماع دنيوية دون وجه حق، وأما مكر الله فإنه يعني أن الله يحق الحق ويبطل الباطل ويستدرج الظلمة والعصاة ويملي لهم ثم يأخذهم بذنوبهم.

والقرآن الكريم قد حذر من هذا الخلق وبين صفات أصحابه وبين أن عاقبة مكرهم سيئة ونهايتهم وخيمة في الدنيا والآخرة.. قال تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30]،

والمكر السيئ ناتج عن ضعف الإيمان وخبث النفس ودناءة الخلق، ويؤدي إلى انطماس البصيرة، وفساد العمل، وصاحبه عقوبته عاجلة غير آجلة قال تعالى: {وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ . وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ . فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ}[إبراهيم: 45- 47].

والمكر أنواع فقد يكون بالصد عن الحق ومحاربة المعروف والانتصار للباطل كما حدث للأنبياء والمصلحين، وقد يكون هناك المكر بين الناس على بعضهم البعض بسبب الصراع على المال أو المكانة أو الجاه، وهناك مكر بين الأقران سببه الحسد، وهناك المكر بين الدول سببه الأطماع وحب السيطرة وإظهار القوة، وهناك المكر السياسي بين الأحزاب والجماعات والأنظمة والشعوب سببه حب السيطرة والتملك والقمع والاستبداد وإلغاء الآخر وعدم فهم واستيعاب متطلبات الحكم الرشيد والتداول السلمي للسلطة والحقوق والواجبات المطلوب أدائها والقيام بها.

مكث فرعون سنوات يحيك المكر السيئ يقتل الرجال ويستحي النساء ويستعبد الناس خوفاً على الملك والسلطان فارتكب جميع الجرائم وادعى لنفسه الألوهية والربوبية من دون الله وأرسل جنوده في الأرض ليخوف الناس ويحكم سيطرة ومكر مكراً ومكر الله، وساق الله موسى عليه السلام بعد أن رمته أمه في البحر خوفاً عليه إلى قصر فرعون وشب موسى وترعرع في ذلك القصر والجيوش تحرسه وفرعون يرعاه وصدق الله إذ يقول: {قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ} [يونس: 21] أين ذهب مكر فرعون ودهاءه؟ أين قوته وجبروته وسلطانه وأمواله؟ لقد سخرها الله لرعاية موسى. وبعد أن آتاه الله النبوة والكتاب وعرض أمر الله على فرعون أخذ فرعون يمكر بموسى وبمن معه ويحيك المؤامرات والدسائس والأكاذيب ويحشد الجنود ويستعمل القهر والتعذيب ويجمع السحرة ليناصروه، فلما أيقنوا أنما جاء به موسى ليس بسحر إنما هو الحق آمنوا بالله وأخذ فرعون يتهمهم بالمكر والخداع وهو مكر أخير يستعمله فرعون أمام الجماهير وزبانيته وجيوشه.

إن علينا جميعاً أن نحذر من مكر الله والذي يأمن من مكر الله وغضبه وهو قائم على المعاصي والذنوب فقد ارتكب كبيرة من الكبائر يحتاج إلى توبة نصوح وعليه أن يراجع إيمانه بالله؛ فلا يغتر أحدنا بعمله مهما كان ولا يغتر بحلم الله عليه وهو مفرط في عمله ومقصر في واجباته والمطلوب من كل مسلم أن يحسن العمل ويتقنه وأن يحسن الظن بربه.. فبعض الناس يعتقد وهو قائم على المعاصي والذنوب ومقصر في واجباته وبالمقابل يعطيه الله الكثير من النعم أنها دلالة على حب الله له ورضاه عنه.. كلا.. فهذا استدراج من الله.. فلا تأمن مكره قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ . أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ . أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ . أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 96- 99].

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا!”. وقال الحسن البصري:”المؤمن يعمل بالطاعات وهو مشفق وَجِلٌ خائف، والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن”.

اللهم إنا نعوذ بك من الأمن من مكرك، ونسألك نفساً طيبة تعرف المعروف وتفعله، وتعرف المنكر وتجتنبه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى