ماذا أفعل في وقت الفراغ

قيمة الوقت

يتضح بمتابعة أحوال الناجحين وصفاتهم عظمة الوقت لديهم واحترامهم له، فهو رأس المال الحقيقيّ الذي يغلب استثماره عند العقلاء، ويبدو احترام الوقت والتزام أركانه أحد أهمّ سمات وضوح الهدف وإدراك غاياته، ومعرفة واقع النفس واحتياجاتها ومُطالبها، وصدق الإرادة والبذل في تمكينها من أمور الخير واستعمالها بما يضمن تحقيق الهدف ضمن عامل الزّمن المُحدّد لأدائها، ومعظم الناس يشكون تزاحم الأعمال المُقتَرن بقلّة الوقتومروره السريع، ما يترتّب عليه ضياع الكثير من الفرص والتأخّر عن إدراك الإبداع، فضلاً عن سيطرة الأعمال على سائر الأيام والسّاعات، والانشغال عن النفس والأهل، وما تتطلبه الحاجة البشريّة من حسن التّخطيط والترفيه والاسترخاء، أو لقاءات الأسرة والأصحاب.[١]

مفهوم الوقت ووقت الفراغ

إن مفهوم الوقت أمر مُصطلح عليه بين النَّاس لكثرة استعماله وتكراره ومُلامسة احتياجه لمُختلفِ أصناف البشر وأعمارهم وأعمالهم وطبقاتِهم، إلا أنّ رؤية النَّاس إليه بعين الاختلافِ تُظهر تبايناً في أهميَّة مَفاهيمه وقيمته، والمعنى المُجرّد للوقت يُشير إلى كونه فترة زمنيَّة مخصوصة تُستغرق في إنجاز مَهمّة ما أو أداء عمليَّة مُعيَّنة، وفيه يتساوى الناس في الامتلاك ويختلفون في الهدر، فاليوم عند جميع الناس محدودٌ بأربعٍ وعشرين ساعةً تترتب كلّ ساعة من ساعات أيامهم في ستّين دقيقةً مُتساويةً، لا تُفضّل غنيّاً أو فقيراً أو قويّاً أو ضعيفاً، ولا يمكن شراء أجزاءه بالمُجمل مهما ينفق لأجل ذلك، ولا يُستَبدل أو يعوَّض، لكن يُمكن استثماره ليكون حجم الإنجاز فيه كبيراً مُميّزاً ومُجزياً، وفي ذلك يختلف تعاطي الناس معه، واهتمامهم في إدارته، وحسن استثماره وصرفه.[٢]

يُعرَف وقت الفراغ بأنه الزّمن الذي يمرُّ على الإنسان خالياً من العمل، فيكون الفرد فيه خالياً من المَهمّات مُتحرّراً من الأعمال والواجباتِ، ويكون الوسط الذي يعيشه الفرد في تلك الفترة فارغاً لا واجب فيه ولا ارتباط،[٣] وتكمن أهميّة وقت الفراغ في كونه فرصة يُمكن استغلالها وتوظيفها بما يخدم الأفراد ويُلبّي احتياجاتهم، ويُعالج تقصيرهم في جوانب كانت غير مَحسوبة في مُخطّطاتهم اليوميّة أو جداولهم الزمنيّة، وقد يُحسن الإنسان استثمار هذا الوقت في مُتطلّبات أساسيّة غفل عن أدائها من قبل، أو إشباع احتياجاتٍ منسيَّة أو مُهمشّة؛ كأن يُمارس الرّياضة، أو يشارك بالأعمال التطوعيّة والمجتمعيّة، أو يُجدّد نشاطه الذهنيّ بالقراءة والتفكّر وغير ذلك من الأمور المُستحسَنة؛ بهدف ضبط رغباته واحتياجاته العقليّة، والانفعاليّة، والبدنيّة، والاجتماعيّة.[٤]

ماذا أفعل في وقت الفراغ

يُشكّل وقت الفراغ تحديّاً نفسيّاً ومُجتمعيّاً يعيشه الأفراد من مُختلف الفئات والأعمار، ومُلازمته للفرد بشكلٍ دائمٍ أو على فتراتٍ طويلةٍ يُكسبه عاداتٍ وصفاتٍ غير صحيَّة ولا محمودة إن لم يُحسن استثماره وتوظيفه بما يتلائم مع احتياجاته وشخصيّته؛ فقد يُؤدّي وقت الفراغ إلى حدوث اضطراباتٍ نفسيّة تعود على الفرد بانعكاسات سلبيّة، وقد تصنع منه إنساناً مُدمناً أو مُتسكّعاً، أو تسوقه إلى الأعمال القبيحة لترميه بين يدي رفقاء السّوء، وقد لا يُنتِج عن هذا الوقت الفائض عند البعض مُشكلات مُجتمعيّةً خطيرةً تُهدّد الأمن والأخلاق العامّة والمُمتلكات، ويُحسِن لمثل هذه الفسحة الزمنيّة التي تمنح للفرد أن يُخطّط لها تخطيطاً سويّاً يُكسبها قيمتها المُثلى، ويسعى لاستثمارها على أفضل وجه، ومن الأمور التي يمكن صرف الانتباه إليها في تنظيم وقت الفراغ وحسن استثماره ما يأتي:[٥]

  • استثمار الوقت في تعلّم القرآن الكريم وأحكامه ومُتابعة علومه وتفسيره، واكتساب العلوم الشرعيّة، وحضور الندوات والدورات والمُؤتمرات التي تُسهم في تفتح الذهن، وتوسعة المدارك، ورفد المعارف.
  • قراءة الكتب والمُؤلّفات والبحث في أعماقها والتزوّد من معارفها؛ لما يتحصّل من القراءة من منافع تُثري الثقافة، وتدعم المعارف والعلوم، وتُسعف الذاكرة وتُحسّنها.
  • مُمارسة الرياضة واستثمارها في رعاية الجسد وتربية النّفس.
  • مُراجعة مكامن القوّة والضّعف في الشخصيّة والتفكّر في الذّات واحتياجاتها وآليات تطويرها، والعمل على تنمية الشخصيّة عبر البحث المُنظّم في المَهمّات والإنجاز والنّشاط المأمول.
  • مُتابعة المُستجدّات التكنولوجيّة والانترنت، والبحث في أخبار العالم وجديد الاختراعات والاكتشافات وتطوّر العلوم عبر تصفح الانترنت.
  • تقييم الذات ومُراجعة احتياجاتها، وذلك عبر التمعّن في التغذية الراجعة من العمل، والنشاطات الاجتماعيّة والثقافيّة والرياضيّة وغيرها، والتّخطيط للتّطوير والتّنمية.
  • القيام بالمَهام المُتعلّقة بالمنزل؛ من إصلاحات وترتيب وتلبية احتياجاته.
  • الترفيه عن الذات بالمشاركة في تسيير رحلات مع الأقارب أو الأصدقاء، بهدف زيادة التّواصل والتّفريغ النفسيّ.

من صور استثمار الوقت في الإسلام

يضرب المنهج النبوي صوراً عديدةً في استثمار الوقت والحرص على إشغاله بلا ضياع، وذلك عبر مُمارسات وسلوكات كان يزرعها الرسول عليه الصَّلاة والسلام في المسلمين، وممّا كان مشهوراً من صور استثمار الوقت وإشغاله عند العرب واستمر في عصر الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام ما ياتي:[٦]

  • سباقات الإبل والخيل وتعليم الفروسية: كانت تُقام في أيام الجاهليّة، وهي من أهمّ رياضات العرب قديماً، وقد سابقَ الرَّسول عليه الصَّلاة والسلام بالخيل مرّات عديدة، وكان يُظهر في سباقاتِه تعليم الصَّحابة كيفيّة استثمار المُسابقة وتوظيفها في أرض المعركة، فكانت ترويحاً يهدف إلى التّسرية عن الصحابة، وإشغال أوقاتهم، وتمكين استعدادهم للحرب في آنٍ واحد.
  • الجري بالأقدام: وكانت مُسابقة الجري بالأقدام أحد المهارات التي يُعلّمها الرسول عليه الصلاة والسَّلام لأبناء الصّحابة، حيث كان ينظِّم بينهم المسابقات ويكافؤهم في ذلك، (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم يصِفُ عبدَ اللهِ وعُبَيدَ اللهِ وكثيرًا بني العبَّاسِ ثُمَّ يقولُ مَن سبَق إليَّ فله كذا وكذا قال فيستَبِقون إليه فيقَعون على ظهرِه وصدرِه فيُقبِّلُهم ويلتَزِمُهم).[٧]
  • المصارعة: وقد كان العرب من أهل الجاهليّة قديماً مُولعين بالمصارعة ويُقيمون لها الأسواق، حتى أنّها كانت تقُام في حلبات في سوق عكاظ، فلمَّا جاء الإسلام أقرَّ حُسنها وأثنى عليه، فكانت رياضة الصّحابة وصغارهم بلا توحّش أو تفحّش، إنّما كانت رياضة بدن وتأديب نفس، تشغل بها أوقات الفراغبلا مَضيعة عقيمة.
  • الرَّمي: حضَّ الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام على رياضة الرمي في مواقف عدَّة، حتَّى أنّه أمر بتعليمها ومُعاودتها بلا نسيان، (مرَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على نفرٍ من أسلمَ ينتضلونَ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ارموا بني إسماعيلَ، فإنَّ أباكم كان رامياً، ارموا وأنا مع بني فلانٍ. قال: فأمسكَ أَحَدُ الفريقينِ بأيديهم، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ما لكم لا ترمونَ؟ قالوا: كيف نرمي وأنتَ معهم؟ فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ارموا فأنا معكم كلُّكم).[٨]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى