لا تضع الملح على الجرح 2019

عندما نتوقَّف عن تضخيم صغائر الأمور في علاقتنا الزَّوجيَّة سنقلِّل من المشاكل ويذهب عنَّا أكثر التَّوتُّر والانفعال، وحتَّى إن نشأت بعض الصَّراعات والمشاكل فسيبصبح منَ السُّهولة بمكان علاجها بالرُّؤية المتزنة للأمور.

خذ مثالًا:
“قالت الزَّوجة لزوجها: سأقوم أنا الآن لأجهز لك وللأولاد طبق الطَّعام الخاصِّ الَّذي تحبُّونه، ويستغرق إعداده أكثر من ساعةٍ.
فردَّ الزَّوج: إنَّ تحضير ذلك الطَّبق لا يستغرق كلُّ ذلك الوقت، إنَّه يستغرق خمس عشرة دقيقة فقط..!!
لاشكَّ أنَّ هذا الرَّد منَ الزَّوج هو ردٌّ مؤلمٌ.

– قال الزَّوج وهو يحكي قصة وصوله إلى المطار بعد سفره، وأنَّه وجد في استقباله عشرة أشخاص، فقاطعته الزَّوجة لتقول: لا بل كانوا تسعة فقط.
ويا له من تعليقٍ مؤلمٍ، بل لا يحمل الاحترام لمشاعر الآخر.
في كلا الحكايتين، لم يكن هناك داعٍ للتَّصحيح، ذلك أنَّ التَّصحيح في مثل هذه الحالات يمتصُّ الفرصة الَّتي يصنعها الحوار للمشاركة بين الزَّوجين، فالزَّوجة الأولى الَّتي كانت تستأذن زوجها للقيام بعمل الطَّبق الَّذي يحبُّه، كانت تحاول تلبية احتياجاته واحتياجات الأولاد، وكانت بتلك الكلمات تحاول التَّعبير عن حبِّها له وللأولاد عن طريق الطَّهي، ولكن لم يُقدر الزَّوج ذلك، وكان ردُّه المؤلم الَّذي ربما أنَّه لم يقصد به أي إساءة، وربما لم يدرك أنَّه قد جرح مشاعرها.

نعم قد يكون محقًّا فيما يتعلَّق بالوقت الَّذي يستغرقه عمل الطَّبق، ولكنَّ الفرق الَّذي أحدثه التَّعليق؟ وكيف ينسى في زحمة التَّصحيح للوقت مشاعر إنسان يحبُّه؟ ألم يكن الأولى أن يشعر بالامتنان للزَّوجة بدلًا من تلك الكلمات الَّتي تقلِّل من شأنها، وتعطيها إحساسًا بالضَّآلَّة؟ ونفس الأمر ينطبق على الزَّوجة الَّتي قامت بتصحيح ما قاله زوجها، إنها ربما لم تقصد أن تفسد عليه حكايته، أو أن تجعله يبدو أحمق، فلقد كان تصرفها بريئًا، ولكنَّها إذا فكرت قليلًا أدركت أن أحدًا ممَّن يسمعون الحكاية لا يهمه أن يعرف العدد الحقيقي لمستقبلي زوجها” (حتَّى يبقى الحبُّ، محمَّد محمَّد بدري، ص(761-762)).

أخي الزَّوج/ أختي الزَّوجة:
حاول الاحتفاظ بالتَّوصيات والتَّعديلات لنفسك وبذلك يصبح شريك حياتك قادرًا على المشاركة بصورةٍ تلقائيَّةٍ وصريحةٍ، وهذا يساعد على إبقاء الحياة بينكما طيبةً، وتخيَّر أحسن العبارات، وأرق المشاعر لشريك حياتك، ولا تنتقده إلا في أضيق الحدود، وتجاوز عن العثرات، واجعل أسرتك متآلفةً مترابطةً تعمرها السَّكينة والمودَّة، فأسرتك هم أولى النَّاس بحِلمك وطيب معاشرتك وسعة صدرك، واعلم أنَّ: تجاهل الأخطاء والهفوات ونسيان الخلافات في الحياة الزَّوجيَّة من أنجح وسائل الاستقرار بين الزَّوجين في حياتهما.

“فالعيب ليس في أن يخطئ المرء، ولكنَّ العيب كلَّ العيب أن يكرر الخطأ ذاته دون الإفادة منه وإبداء الرَّغبة الصَّادقة في تجنبه وتلافيه، ولو كان الخطأ مشينًا في ذاته، لما حدَّثنا القرآن الكريم، أنَّ التقي قد يخطئ، وأنَّ هذا الخطأ لا يرفع عنه شرف التَّقوى ولا يحول دون جزائه جزاء المتَّقين ما دام يعالج خطأه ويستغفر ربَّه: {وَسَارِ*عُوا إِلَىٰ مَغْفِرَ*ةٍ مِّن رَّ*بِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْ*ضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْ*ضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133].
فلا تكن كريمًا في نقد شريك حياتك، ولا تكن كثير النَّقد حتى وإن لم يكن وراء نقدك إلا حرصك على أن يكون الشَّريك الآخر في أحسن صورةٍ وترنم معي قول الشَّاعر:
من ذا الَّذي ترضى سجاياه كلها***- كفى المرء نبلًا أن تُعد معايبه”
(حتَّى يبقى الحبُّ، محمد محمد بدري، ص(763)).

حقًّا إنَّه إنسانٌ:
“الإنسان في التَّصوُّر الإسلامي هو هذا الإنسان الَّذي نعهده، بقوَّته وضعفه، بنوازعه وأشواقه بلحمه ودمه وأعصابه، بجسمه وعقله وروحه، إنَّه ليس الإنسان كما يريده خيالٌ جامحٌ، أو كما يتمنَّاه حلمٌ سابحٌ” (خصائص التَّصوُّر الإسلامي، سيد قطب، ص(182)).

فالنَّقص من طبيعة البشر وليس عيبًا أن يُخطئ الإنسان إذا اجتهد وبذل ما في وسعه، ومن الإنصاف أن نغتفر قليل خطأ شريك الحياة في كثير صوابه ومن الحكمة أن نغض الطَّرف عن بعض عيوبه، ونترك استقصاء أخطائه، ونتغافل عن عثراته، ونتعامل معه وكأنَّه لم يتعثر قط، بل نتوقع منه بعض الأخطاء الصَّغيرة ذلك أنَّ هذا التَّوقع يُقلل من توترنا ويصرف عنا الكثير من المشاكل اليوميَّة.
إنَّ سرَّ السَّعادة في تلك الحياة أيُّها الأزواج كيف نفكِّر في حياتنا، بغض النَّظر عمَّا يحدث حولنا من أمورٍ، فمثلًا: إن كانت طريقتي في التَّفكير هي “إذا كنت أستطيع الارتباط بهذا الشَّريك في حياتي، إذًا لأصبحت سعيدًا، لو كانت هذه طريقة تفكيري فإنَّني لن أشعر بالسَّعادة حتَّى وإن حصلت على هذا الشَّريك لأنَّني ربما رأيت أفضل منه، فإنَّ السَّعادة الزَّوجيَّة تنبع من الفرد ذاته، فالَّذي يستطيع أن يكون سعيدًا قبل الزَّواج تزداد سعادته بعده، والتَّعيس قبل الزَّواج سيبقى تعيسًا بعد الزَّواج، بل ستزداد تعاسته وشقاؤه بسبب مسئوليات ومشاكل الزَّواج”
(لمن يريد الزَّواج وتزوَّج، فؤاد الصَّالح، ص(141)).

“ولذا فمنَ الضَّروري والمهم أن ندرك أن هناك ما يعوقنا عنِ الحبِّ، وأن ندرك أن هذا ليس بسبب أخطاء من شريك الحياة، فلا يمكن أن يكون خطأ شريك الحياة هو السَّبب في ألا نكون محبيِّن أو محبُّوبين، قد يجعلنا شريك الحياة أو شريكة الحياة نشعر بالغضب أو الاضطراب، ولكن الأمر يتوقَّف علينا في أن نبتعد عنِ المشاعر السَّلبيَّة وأن نتيقظ لحقيقة أنفسنا مرة أخرى” (معجزاتٌ عمليَّةٌ للمريخ والزّهرة، جون جراي، ص(271)).

هل نبدأ من جديدٍ؟

لا ينكر أحدٌ أنَّنا يجب أن نقف بأرجلنا على الأرض، وهذا لا يعني أن نغوص بأرجلنا في هذه الأرض، دونما أدنى رغبةٍ في التَّحرُّك من المكان الَّذي توقفنا فيه، ومن ثمَّ تموت لدينا أية محاولةٍ إبداعيَّةٍ يقوم بها شريك الحياة، “بل ربما نسخر دونما رحمةٍ من تلك المحاولات الإبداعيَّة، ونؤكِّد لشريك الحياة أنَّها ضربٌ من إضاعة الوقت فيما لا يفيد، لماذا نظنُّ أنَّ انسجام حياتنا الزَّوجيَّة لا يمكن أن يبدأ من جديدٍ؟ لماذا نحسب أنَّه فات الأوان؟ بل الأمر ممكنٌ، وخصومة الحياة أفضل عندي من سلام الموت، وأنَّ ضجة العاصفة أفضل من صمت الرُّكود، بل هي دليل الحياة المقبلة، وعنوان الخلاص من الحالة الماضية، إذا تعلمنا كيف نعيش مع شريك الحياة ونتعامل معه بقلبٍ كبيرٍ وتذكرنا دومًا أنَّ أيَّة مشكلةٍ ليست أكثر من مسألة تنتظر الحلَّ، وهذا الحلُّ ممكن جدًّا، فإنَّنا في كثير من مشكلات حياتنا لا نقوم بحصر الممكن وإنَّما ننشغل بحصر المستحيل”
(حتَّى يبقى الحبُّ، محمَّد محمَّد بدري، ص(767)).

ماذا بعد الكلام؟

أختي الزَّوجة، افعلي هذه الأشياء مع زوجك:
– امدحي فيه الصِّفات الحسنة وذكريه بنجاحاته الَّتي حقَّقها في حياته، وبثي فيه الهمَّة العالية عن طريق المدح والثَّناء والتَّشجيع، فهذا يعطيه دفعةً نحو النَّجاح والثَّقة بالنَّفس، وأشعريه بأنَّكِ فخورةٌ به وبالارتباط بشخص مثله.

– لا تتدخلي في عمل الزَّوج إلا بإذنه؛ حتَّى لا تفسدي شيئًا بقصد إصلاحه، أو تفعلي شيئًا لا يريده هو أن تفعليه.

– إن أخفق في عملٍ ما فهوِّني عليه، وذكريه بأنَّه لا يوجد فشل في الحياة ولكن هناك تجارب وخبرات، وقولي له: قدر الله وما شاء فعل، وهيا لنبدأ من جديدٍ.

– ولا تنسي توفير الجوِّ الهادئ له ليستريح، ويستأنف عمله بنشاطٍ، وبخاصَّةٍ في أيَّام الإجازات وأوقات الرَّاحة، وعليكِ التَّحكم إلى حدٍّ ما في مرح الأطفال وصوتهم عندما يريد الأب الرَّاحة من عناء العمل، أو يكون عنده امتحانٌ ومذاكرةٌ.

– اتركي وقتًا له يتفرغ فيه لنفسه ولفكره، فإن كان عالمًا تركت له وقتًا يطالع فيه ويقرأ أو يؤلف أو يفكر، وهذا التَّصرُّف تعاونٌ معه لتحقيق النَّجاح وتحقيق الأهداف.

وما يُقال للزَّوجة يُقال للزَّوج؛ لأنَّ الزوجين شركاء في النَّجاح وشركاء في الحياة.

وأنت أيُّها الزَّوج، افعل الآتي مع زوجتك:
1- من خلال معرفتك بشخصيَّة شريكك، اختر هدية تُناسبه، يتفاعل معها نفسيًّا وعاطفيًّا ويذكرك بها دومًا.

2- قدِّم الهدية بطريقةٍ عاطفيَّةٍ لتمتلك قلب شريكك.

3- قدِّم الهدية بنفسٍ طيِّبةٍ ووجهٍ طلقٍ.

4- استغل المناسبات لتقديم الهدية المناسبة ولتنمية الحبِّ في القلب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى