قلب الام

قــلب الأم

ابراهيم عبدالعزيزالمغربي

في منزل متواضع التشييد ، يطل على حقل القمح بلونه الخلاب وتلـُفه الأشجار، وبعض الورود التي تكسو المقر بجمالها .
يقطن خالد مع عائلته الضئيلة .
ترجع من والدته التلقين لآيات القرآن مع نطقه للحروف الأولى ،
وأخذ يحاكي أبويه بتأدية الصلوات منذ تحركت أعضاؤه خارج مهده الضئيل .
على أعتاب الفترة المتوسطة ، بدأت والدته حصاد تعبها ، وحرصها عليه ..
وفي ليلة أوت إلى الفراش ، في أعقاب المكابدة من الشغل بالبيت طيلة النهار ، مع اهتمام واجبات خالد ومتطلباته .
الوقت في أعقاب نصف الليل ، وقبل الغداة . استدعاها المجهود للتقلب في فراشها ،
وفي لحظتها شعرت بهمس أقدام خالد بصالة البيت . نفض السبات ذاته من عينيها . فتحت جفنيها على أقدام خالد وهو يدخل غرفته . الوقت متأخر ، طردت الخواطر المتزاحمة نومها : لماذا يقوم من نومه تلك الساعة ، وما عهدتها عليه ؟ آااه . لقد كبر خالد . لقد أفسد أصدقاء السوء ما تعبت بهدف ثباته عليه .
تــُـرى هل قام ذلك الوقت المتأخر لمشاهدة التلفزيون ؟؟ ما عهدته مشاهدًا لمُحـرمات .
ألا يمكن أن يشكل واحد من زملائه بالمدرسة أعطاه شريط مقطع مرئي ، وظن أن أنسب الأوقات لمشاهدته ونحن نيام ؟؟
لا.. لا . إنه من المؤكد الهاتف . إنه من المرجح سيتصل بـــــ ……. . لا .
خرجت الخواطر تدفع مشاعرها دفعـًا ، وما برد قـلبُها سوى بدمعات حزينة مفعـمة بالحب والخوف على نجلها خالد .
يــاااه . لأول مرة أشعر أنه كبـر .
أين حصاد السنين من التوجيه والتربية . تشاهد هل قصرت معه ؟ هل من الممكن أن يضيع كل هذا في مدة قصيرة ، على غفلة منا ؟؟
كل ذلك الإحساس وغيره تدفق في لحظات قصيرة ،
تدفق وهو مشوب بالوجع الذي اعتصر قلبها عندما ظنت أنها سترى ابنها في لحظة التدهور ، وما كانت تظن أن تشاهد ما تعيشه هذه اللحظة .
استجمعت قواها النفسية ، وسحبت جسمها المثقل من سريرها . كتمت أنفاسها ،
وأخذت خطوات قصيرة صوب قاعة خالد . وقد أعياها التفكير :
هل أفتح الباب عليه دون استئذان ؟؟ لا .. لقد رجوعه أدب الاسلام بالاستئذان .
ــ هل أصـيح به بصوتٍ مرتفعٍ ليعرف الجميع لوعتي وحسرتي ؟؟ لا .
إنه الموقف الأصعب الذي أتعرض له .
كل هذا ورجلاها تقتربان من الباب . استجمعت أنفاسَها ، قاربَت على باب حجرة خالد فما شعرت سوى بيدها على مزلاج الباب وقد أصابتها رعشة استمدت قوتها من ضربات قلبها المتتابعة .
نظرت فوجدت نظرها وقد استجمع زوايا القاعة كلها في لحظات .
أقدامها على عتبة القاعة . لا أثر لحركة بالغرفة . النور خافت .
لم تشعـر سوى وقد أيقظها صوتها العالي بترديدها : الشكر لله .. الشكر لله …
لقد وجدته فوق سجادته يصلي ركعتين قبل أن يؤذن المؤذن لصلاة الغداة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى