قانون الانتخابات والغرق في شبر موية!

عجبت لموقف بعض القوى السياسية التي انسحبت من جلسة المجلس الوطني التي انعقدت بالأمس لمناقشة مشروع قانون الانتخابات لمجرد عدم الاستجابة لرؤيتها حول مادة واحدة فقط هي عدد أيام الاقتراع بالرغم من التوافق على كل ما عداها من مواد القانون البالغة (109) مواد!

مما قلت خلال جلسة البرلمان وأنا أعلق على ذلك الموقف غير التوافقي، قول الشاعر عمرو بن الاهتم :

لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها

ولكن أخلاق الرجال تضيق

ذلك أن (ضيق أخلاق الرجال) هو الذي يتسبب في حالات الطلاق والخلافات الاجتماعية والسياسية محليًّا وعالميًّا بما في ذلك الحروب والكوارث الكبرى في العالم مثل الحرب العالمية الثانية التي تسببت في مصرع ستين مليون قتيل والحروب التي اجتاحت بلادنا منذ ما قبل الاستقلال وتسببت في تخلفه بعد أن كان موعودًا ببلوغ الثريا تقدمًا وعزًّا ومجدًا.

كانت رؤية تلك الأحزاب، المتباعدة فكريًّا وسياسيًّا، والتي تكتلت خلف المؤتمر الشعبي أن تكون فترة الاقتراع يومين بينما كان رأي الطرف الآخر الذي يضم المؤتمر الوطني وحلفاءه أن تكون الفترة ثلاثة أيام.

العجيب في الأمر أن رؤية الأحزاب المعارضة تقوم على الخوف من أن إطالة أمد الاقتراع تسهّل تزوير الانتخابات الذي يخشون من حدوثه ليلًا خلال فترة توقف الاقتراع!

لكي يطمئنوا ووفق على طلبهم بإعمال ضوابط تصعب من إمكانية التزوير مثل عدم تحريك صناديق الاقتراع من أماكنها وتمكين الأحزاب من البقاء مع الصناديق وغير ذلك من الإجراءات التي تضمن إجراء انتخابات نزيهة وشفافة، لكنهم رفضوا ذلك تمامًا وأصرّوا على رفض الثلاثة أيام ا!

لو سألتهم عن حيثيات الرفض الذي لا يستند على حجة أو على مخرجات الحوار التي أتاحت منطقًا قويًّا للثلاثة أيام حين نصّت على أن تكون مدة الاقتراع يومًا واحدًا (ما أمكن ذلك) ..لو سألتهم عن ذلك لحاروا جوابًا ولكن ماذا أقول غير قول ربنا سبحانه (وكان الإنسان أكثر شيء جدلا).

على مدى حوالي خمسة أشهر ظلت الأحزاب السياسية تتحاور داخل قاعات البرلمان في سبيل التوافق على قانون مجمع عليه سيّما وأن رئيس المجلس الوطني، بروف إبراهيم أحمد عمر، كان قد تعهد لجميع الأعضاء بألا يمرر القانون بالأغلبية الميكانيكية التي يستحوذ عليها المؤتمر الوطني إنما بتوافق الأحزاب.

أقولها إحقاقًا للحق وسعيًا للمضي ببلادنا إلى الأمام؛ أننا ظللنا دعاة وفاق بذات الروح التي دخلنا بها الحوار الوطني تجنيبًا لبلادنا مآلات التنازع والتدابر والتخاصم والحروب التي رأينا تداعياتها في بلاد أخرى أكثر تماسكًا وتوحّدًا مثل العراق وسوريا والصومال واليمن، كما رأينا على سبيل المثال ما حدث لأبناء الشعب السوري الذين هربوا من بلادهم وهاجروا إلينا وإلى بلاد أخرى فرارًا من حرب قتلت وشرّدت الملايين من نسائهم وأطفالهم ورجالهم ودمرت بلادهم وأرجعتها مئة عام إلى الوراء.

نعم ، بذات روح الحكمة الذهبية التي تصلح للعمل بها في بلادنا المأزومة : (ما لا يدرك كله لا يترك جله). أقبلنا على التفاوض حول القانون طالبين من الجميع أن يتحلّوا بروح التوافق التي لا تعني فرض طرف رأيه على الأطراف الأخرى، إنما أن يتنازل الجميع إلى منطقة وسطى في القضايا الخلافية بحيث يستجيبون لآراء بعضهم بعضًا أو تعدّل المواد بما يرضي الطرفين.

من رفضوا الموافقة على الثلاثة أيام بدلًا من اليومين لم يرضهم أن الطرف الآخر وافق على طلبين عزيزين تمثلان تنازلًا ضخمًا من المؤتمر الوطني وهما انتخاب الوالي ومنح المغتربين الحق في التصويت على المقاعد القومية النسبية بالإضافة إلى انتخاب رئيس الجمهورية.

كثير من نواب الحوار والحركات المسلحة ومنهم د.التجاني السيسي وأزرق زكريا وبحر أبوقردة تحدثوا عن صعوبة تمكن المواطنين من الإدلاء بأصواتهم في مناطقهم ودوائرهم في يوم أو ربما في يومين بل إن أزرق زكريا قال إن الوطني هو الأقدر من القوى الأخرى على حشد وترحيل عضويته للإدلاء بأصواتهم بسبب توافر الإمكانات لديه مقارنة بالأحزاب الأخرى الفقيرة.

قلت للمتعنتين إن كنتم تخشون من التزوير فلماذا تنسون أن قانون الانتخابات السابق كان أسوأ من الحالي وبالرغم من ذلك فاز عدد من نواب المعارضة مثل برطم على قيادات ذات مال وجاه من المؤتمر الوطني فلماذا لا تحرسون دوائركم كما حرس هؤلاء دوائرهم سيما وقد اُستحدثت ضوابط إضافية على عملية الاقتراع؟

إنه (الغرق في شبر موية) خاصة من الشعبي الذي يمارس نوعًا غريبًا من الديمقراطية شبيهًا بما كانت تفعله الحركة الشعبية حيث يشاركون في الحكومة وجهازها التنفيذي ويقودون في نفس الوقت المعارضة ظنًّا منهم أن ذلك السلوك سيعفيهم من المسؤولية عن أخطاء حكومة هم جزء لا يتجزأ منها…قد أفهم ذلك السلوك من حركة مسلحة متمردة متوحشة تقود جيشًا متوحشًّا، لكن كيف أفهم أن يحدث ذلك من المؤتمر الشعبي في أمر تافه لا يستحق أن يتصاعد فيه الخلاف لدرجة الانسحاب بدلًا من التحفظ أو التصويت ضد المادة المختلف حولها وتمرير بقية المواد التي يؤيدونها؟!

إن من انسحبوا نسوا أننا نحتاج إلى بناء الثقة مع الطرف الآخر في سبيل التوافق على قوانين ولوائح أخرى كثيرة، وحزنت أننا بدأنا التشاكس من أول قانون يوضع أمام البرلمان فكيف سيكون الحال مستقبلًا؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى