في مفهوم الجاهلية.. بقلم الطيب مصطفى

السودان اليوم:

نورد اليوم حديث د.عصام البشير نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عن مفهوم الجاهلية، حيث يقول حول الموضوع ما يلي:

س : وسم المجتمعات المسلمة بالجاهلية، يقول أحدهم – على سبيل المثال – إن جميع المجتمعات التي تزعم الانتساب للإسلام اليوم هي مجتمعات جاهلية لا يستثنى واحد منها. وعليه دعنا نسأل ما هو مفهوم الجاهلية خاصة أن سيد قطب كثيراً ما استخدم هذا التوصيف؟

ج – الجاهلية لها مستويان: جاهلية اعتقاد وجاهلية عمل او معصية “إنك امرؤ فيك جاهلية”، وجاهلية لا تعني كفراً وإنما عمل، القرآن ذكر الجاهلية في أربعة سياقات: جاءت على سبيل الإضافة “في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية” (سورة الفتح، الآية: 26)، وظن الجاهلية (سورة آل عمران، الآية: 154)، وحكم الجاهلية (سورة المائدة، الآية: 50)، وتبرُّج الجاهلية (سورة الأحزاب، الآية: 33).

تبرُّج الجاهلية سلوك، يدخل في باب المعاصي إلا إذا استحل الإنسان الأمر، أما حكم الجاهلية فقد بينّا أنه إن كان يعتقد أن حكم غير الله تعالى أعظم من حكم الله فهذا كفر أكبر، وإذا كان يطبّق حكم غير الله تعالى ضعفاً فهذا من باب المعصية.. وظن الجاهلية اعتقاد، لأنهم يظنون ظنّ الجاهلية في غير الله، وهذا كفر.

إذن الجاهلية فيها مستويان؛ مستوى الاعتقاد ومستوى العمل. إذا أردنا أن نقول بأن المجتمعات الإسلامية ترزح في جاهلية الاعتقاد فمعنى هذا أنها كافرة، وهذا لا يجوز شرعاً.. والحمد لله هذه المجتمعات وهذه الجماهير المسلمة تدين لله سبحانه وتعالى بالولاء، وبالتعظيم، والتوقير لهذا الدين وقيمه وشرائعه وشعائره الظاهرة.

ولكن أن توجد جاهلية عمل، بمعنى أن هنالك أخطاء، وفيها قصور ومعاصٍ، فلا الفرد يسلم، ولا المجتمع يسلم ولا الدولة تسلم ولا الأمة تسلم من وجود الجاهلية بمعنى المعاصي والنقائص، سواء أكان في عالم الأفكار أو السلوك، ولكن في عالم الاعتقاد فمعناه أن هذه المجتمعات حكم عليها بالكفر، وهذا منافٍ لأحكام الشريعة وقواعدها ومنافٍ للواقع، فكيف تحكم على مسلم يتردّد على المسجد خمس مرات في اليوم، ولا يشرب الخمر، ويلتزم بقواعد التحريم، يلتزم بالحلال والحرام في مأكله ومشربه، يتحرّى مرضاة الله، يخطئ ويتعثر فتحكم عليه بالكفر؟.

س – كفّروه لأنه لم يتحاكم إلى الله، فقد نقض واحدة من عرى التوحيد.

ج – التحاكم إلى الله مطلوب في كل المستويات، على المستوى الشخصي إن ذهبت لتشتري وتبيع يفترض أن تتحاكم للحلال والحرام، وهذا تحاكم إلى الله وشرعه، ولكن إن غلب عليك الهوى وتحاكمت إلى هوى ومصلحة نفسك فهل كفرت أم اخطأت وقصرت؟ وقس على ذلك وتدرّج. وكما ذكرنا أن ابن عباس قال “ليس هو الكفر الذي تذهبون إليه وإنما هو كفر دون كفر”.

س – أتعتقد أن ما أوقعهم في هذا هو عجزهم عن التفريق في الحكم بين ما يأتي في مستوى السلوك ومستوى الاعتقاد؟

ج – نعم ، هم حملوا السلوك على أنه كله اعتقاد ، وهذا ليس بصحيح، وإلا على هذا المستوى فكل الأمة كفرت من بعد عهد الخلافة الراشدة وإلى يومنا هذا، لأنه لا أحد يسلم بل هم أنفسهم لا يسلمون من الوقوع في الأخطاء والمعاصي.. بهذا هل يكفرون؟ لا يكفرون.

س – بغيرتهم على الدين يريدون أن يقيموا الأمر والمعروف والنهي عن المنكر استناداً على النصوص مثل “من رأى منكم منكراً فليغيره”……؟

مفهوم القوة في “بيده”، معناه استعمال كل ذي سلطان في سلطانه، الأب في البيت، المدرس في المدرسة ، القاضي يحكم والشرطي ينفذ .. الأحكام الشرعية ثلاثة أنواع : حكم يتصل بالفرد كالأمر بإقامة الصلاة . حكم يتصل بالجماعة ولا يصح إلا بجماعة كصلاة الجمعة، فالجمعة واجب حق على كل مسلم في جماعة.. وحكم يتعلّق بالدولة كالحدود والتعازير، هذه من الأحكام السلطانية.. ولو أن كل فرد أخذ هذه الأحكام السلطانية لينفّذها بنفسه فستحصل فوضى. مثلاً شخص ارتكب جريمة تستحق القصاص فلو جاز أن تأخذ القصاص بنفسك وغيرك يفعل مثلك فسينزلق المجتمع كله إلى فوضى، ولكن ربنا سبحانه وتعالى جعل هذه الأحكام السلطانية التي تنفذها الجهة المعنية.

س – وفي حال غياب السلطان المسلم هم يعتقدون أن الجماعة المسلمة تحلُّ محلّه؟

لا – إقامة السلطان المسلم تكليف شرعي، والتكليف على قدر الوسع والطاقة ، إن لم نقدر عليه نفعل ما نستطيع أن نفعله من الأحكام الشرعية في حدود ما نملك. أما قياس أمير الجماعة على إمام المسلمين فلا يجوز.

أمير الجماعة نحوه وأمير السفر “إذا كنتم ثلاثة في سفر فأمّروا عليكم أحدكم”، فأمير الجماعة ليست له سلطة شرعية، وإنما سلطته تنظيمية وإدارية على ما يتواثق عليه أهل الجماعة، لكن لا يملك إن شرب واحد من أفراد الجماعة خمراً أن يقيم عليه الحد ، هذا قياس مع الفارق. الشيء نفسه أن ترى مجموعة من الشباب أن هنالك منكراً معيناً فيتجمعون ويتدربون ويحملون السلاح ليغيّروا.. فهذا خطأ.

في الأمر والمعروف والنهي عن المنكر توجد قاعدة شرعية ذكرناها سابقاً اسمها (النظر إلى المآلات)، وقد ذكر ابن القيم أربعة أحوال في التعامل بالمعروف والأمر والنهي عن المنكر، في اثنتين يكون واجباً: إذا زال المنكر بالكلية أو خف، وحالة يكون فيها موضع اجتهاد: إذا زال المنكر وجاء منكر في مستواه، والحالة الأخيرة أن يزول المنكر ويخلفه منكر أكبر ، وفي هذه الحالة يكون محرّماً ” وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ” (سورة الأنعام، الآية: 108).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى