غرس الإيمان

غرس الإيمان
الشيء الوحيد الذي يحفظ العبد من الافتتان ويوفقه للرضا عن الله في كل وقت وآن هو غرس الإيمان في صدره وتثبيت جذوره في قلبه ولذلك فإننا نتسائل لماذا أمرنا الله عزَّ وجلَّ أن نحتفي كل عام بالأعمال التي قام بها إبراهيم وزوجاته وإسماعيل؟ و يجيب الله على ذلك فيقول في كتابه {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ} دروس عظيمة ومن جملة هذه الدروس درس سار عليه خليل الله وكل أنبياء الله ورسله هذا الدرس جعلهم في حياتهم الدنيا يعيشون حياة هانئة زوجات قانتات مطيعات وأبناء بررة كرام لا يحدث بينهم وبين زوجاتهم مشكلات ولا بينهم وبين أبنائهم معضلات ولا خلافات ولا منازعات ناهيك عن فضل الله العظيم وثوابه الكريم في الدنيا ويوم الدين ما هذا الدرس الذي نريد أن نتعلمه أجمعين؟ هذا الدرس يشير إليه الخليل إبراهيم ومن بعده اسحق ويعقوب ومن وليهم وتبعهم من النبيين فيحكي عنهم الله قولهم {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } الدرس الأول الذى يلقنونه لأبنائهم وزوجاتهم هو الإيمان بـالله عز وجل الثقة في الله وتفويض الأمور كلها لحضرة الله والإعتماد في قضاء كل مصلحة وكل ملمة وكل أمر على حضرة الله والاستعانة بتوفيق الله ومعونة وقوة الله
على إنجاز أي أمر أو أي مهمة وإذا جاءت مشكلة أو كارثة أو نكبة رفعوا الأمر إلى الله وفوضوه لحضرة الله فيدفع الله عنهم ببأسه وقوته كل كرب وكل شدة ذلكم هو ملخص قصة إبراهيم وزوجاته وأبنائه أجمعين أول درس يلقنه له قبل تعلم اللغات وقبل دراسة الرياضيات وقبل الجلوس أمام الكمبيوترات وقبل مشاهدة الشاشات والفضائيات أن نحصن قلوبهم بتقوى الله وأن نملأ صدورهم بمراقبة الله ونعلمهم علم اليقين قول الله جل في علاه{مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} وبعد ذلك {ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} وإذا استوعبوا هذا الدرس نم قرير العين فإن زوجك لن تعصى لك أمراً وإن ابنك لن يخالفك في طرفة عين أو أقل لأنهم معك في تقوى الله وطاعة الله حتى ولو أحاط بهم ألد الأعداء ووجهوا بأعتى الطغاة فإن الله يجعل لهم مخرجاً ببركة تقوى الله جل في علاه تلكم هذه القصة : هذه هي الزوجه الجميلة التى كانت أجمل نساء حواء بعد حواء السيدة سارة ساقها الجنود الأشداء إلى فرعون مصر وكان رجلاً شهوانياً لا تعرف الرحمة إلى قلبه سبيل ماذا تصنع بعد أن اختلى بها والجنود يحيطون بالمكان من كل الجهات؟ رفعت القلب والأكف إلى من بيده الخلق والأمر كله وهي تعلم علم اليقين قول رب العالمين {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} ماذا كانت النتيجة؟مد يده إليها فشلت يده فاستغاث بها وقال لها: إدعي ربك أن يحل عن يدي ما هي فيه وأعاهدك ألا أمدها إليك مرة ثانية فدعت الله فاستجاب لها الله ففكت يده بأمر الله لكن الشيطان دار برأسه ونفسه لعبت بجسمه وحسه فنكث وعده وهم بأن يمد يده إليها مرة أخرى ماذا كانت النتيجة ؟
تخشب جسمه كله إلا لسانه وأصبح وكأنه قطعة من الثلج فأسرع إلى الإستغاثة بها وصاح وبأعلى صوته يدعوا جنده ويقول لهم أخرجوا هذه الشيطانة من عندى ويعاهدها على أنها إن دعت الله فرجع إلى حالته فلن يمسها بسوء ويغنيها من خير الله وفضل الله جل في علاه العجب في هذه القصة ليس من تخشيب يده أو جسمه ولكن أنها إذا دعت الله يستجيب لها ويفك يده ويفك جسمه فكأنها معنية بقول الله {لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ } وكانت في ذاك الوقت لا تخشى من فرعون ولكنها كانت تخاف من شدة غيرة إبراهيم فأسرعت إليه وهي ترتجف من شدة الخوف خوفاً من الظنون التي ربما يظنها فيها والوساوس التى هى على يقين أن الله يحفظه منها ولكن النفس البشرية لها تداعيات إنسانية فلما وقفت أمامه وأرادت أن تحدثه قال لها : لا تخافي لقد كشف الله القناع عن بصري فرأيت كل شيء يحدث لك وأنا في مكاني {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ } فأعطاها فرعون جارية تخدمها وأعطاها من خيرات الله التي عنده ما تغنى به وزوجها أبد الدهر ولما كانت لا تنجب قالت برضاء خاطر:يا إبراهيم تزوج بهاجر لعل الله يرزقك بولد منها يكون قرة عين لي ولك فرزقه الله عزَّ وجلَّ منها الولد وإياك أن تصدق قول اليهود ومن عاونهم أنها غارت من هاجر وابنها فقالت له إرميهما في الصحراء لأنها لو كانت قد غارت من هاجر وابنها وطلبت منه أن يبعدهما عنها وإبراهيم رجل عاقل حكيم لكان أبعدهما في بيت آخر في نفس البلدة أو أسكنهما في بلدة قريبة فيها أناس يأتنسون بهم وفيها طعام وشراب وما يحتاجون إليه لكن لماذا أخذهما إلى الصحراء التى ليس فيها زرع ولا ماء ولا أنيس ولا شيء؟ ليعطينا الله عزَّ وجلَّ الدرس الأمثل في تعليم أنبياء الله فإن إبراهيم بمجرد أن تزوج هاجر كان أحرص ما يحرص عليه أن يلقنها درس الإيمان والثقة بالله جل في علاه قبل أن يقضي شهوته وقبل أن يقضي حاجته كانت مهمته الأولى مع زوجته أن يحصنها بتقوى الله وصدق الإيمان في الله جل في علاه ولذلك عندما تركها وابنها في هذا المكان ومشى دار هذا الحوار قالت له: يا إبراهيم لمن تتركنا هاهنا؟ فلم يجبها فكررت السؤال مرتين ولم يجبها فقالت في الثالثة: أالله أمرك بهذا؟ قال : نعم قالت: إذن لا يضيعنا فلم تنازعه ولم تحاكمه ولم تشاتمه ولم تقل له لائمة وهو حقها لم تتركنا في هذا المكان الذي لا زرع فيه ولا ماء فيه ولا أنيس فيه؟لكنه علمها أن الله لا يضيع أهل الإيمان بالله جل في علاه ولذلك عندما نفذ زادها ونفذ ماؤها وجاع صبيها واحتارت في رضاعه أخذت تمشي مهرولة بين الصفا والمروة وهي مسرعة تبحث له عن ماء وأخيراً وجدت الطيور فوقه فخشيت عليه فأسرعت إليه فوجدت الماء قد نبع من تحت قدميه وجبريل أمين وحي السماء يقف بجواره يحرسه من طغيان الماء لأن الماء فار ولو ترك الوليد لغرق في هذا الماء الذي خرج من هذه الأرض فأخذت تزمه وتقول زمى زمى وقال لها الأمين جبريل: يا أمة الله لا تخشي الضيعة فإن الله عزَّ وجلَّ قيض لهذا الوليد وأبيه أن يبنيا بيتاً لله في هذا المكان فاطمأنت إلى صنع الله وعلمت أن الله عزَّ وجلَّ لا يضيع من اعتمد عليه في أي شأن وفي أي أمر مهما انقطعت الأسباب لكن باب مسبب الأسباب يحل كل المشاكل في الوقت والحين لأنه يرزق من يشاء بغير حساب ثم إن الغلام كان أول درس لقنه له أبوه هو الإيمان هل يوافق ولد على أن يقوم أبوه بذبحه ويستسلم له ولا ينازعه؟ وهل يجرأ والد أن يشاور ولده في ذبحه؟بل إنه إذا أراد ذبحه يأخذه على غرة وفجأة ولا يشاوره لأنه يعلم مسبقاً أنه لن يرضى بهذا الصنيع لكن الأستاذ العظيم في الإيمان في الله
يعلم أن تلميذه النجيب في درس الإيمان بالله سيستسلم معه لأمر الله فقال له كما قال كتاب الله {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} لو قال له إن الله أمرني بذبحك لكان هذا سهلاً على الغلام أن يصدق به ويستسلم له ولو قال إن وحي السماء وأمير الوحي نزل بكتاب من الله يأمرني بذبحك لكان عليه أن يصدق ويستسلم لأمر الله لكن البلاء شديد قال {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} ماذا قال الغلام الذي تعلم درس الإيمان؟{قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} من الذي عرف الغلام أن ذلك أمر وأن رؤيا الأنبياء وحي وأنها أمر من الله عز وجل؟ ثم انقلب الولد وإذ به هو الذي يسدي النصيحة لأبيه ويخاف على أبيه من أن يتقاعس في تنفيذ أمر الله الولد الذي سيذبح هو الذي يقول لأبيه يا أبت اشحذ المدية يعني حمي السكين جيداً واربطني جيداً بالحبال وكبني على وجهي حتى لا تنظر إلى وجهي فتأخذك الشفقة في تنفيذ أمر الله عزَّ وجلَّ وانزع القميص عنى حتى لا يقع عليه الدم فتراه أمي فتحزن الولد الذي سيذبح هو الذي ينصح الأب؟ نعم لا عجب لأنه الإيمان بالله جل في علاه الدرس الأول الذي علمه له أباه هو درس الإيمان بالله وفي الله جل في علاه ولما أوثقه وكتفه بالحبال قال: يا أبت ماذا تقول عني الملائكة أتقول أنى خائف من تنفيذ أمر الله عز وجل؟فك الحبال عني ولن يتحرك مني عضو ولن يضطرب مني عضو لأني سأستسلم لأمر الله جل في علاه فقد رأى أن الربط بالحبال يناقض التسليم الذي قال فيه المولى الكريم {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} فوضع إبراهيم السكين على رقبته ولم تقطع حتى أن الله عزَّ وجلَّ أمره أن يحدثها فقال لها: مالك يا سكين لا تقطعي عنق إسماعيل؟ فأنطقها الله وقالت له: وما للنار لم تحرق جسدك يا إبراهيم؟ وهنا نزلت العناية الإلهية وفداه الله بذبح عظيم كبش نزل من الجنة وهل الجنة فيها مراعي ترعى فيها الكباش؟إن الجنة يقول فيها الحبيب {فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر} والكبش تراه العين لكنه هو الكبش الذي قدمه هابيل عندما حدث خلاف بينه وبين أخيه قابيل وكان هابيل يرعى الأغنام فقدم كبشاً ثميناً وكان قابيل يشتغل بالزراعة فقدم زرعاً رديئاً فنزلت سحابة من السماء أخذت الكبش وصعدت به إلى السماء وأودعته في الجنة وظل في الجنة حتى نزل فداءاً لإسماعيل على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم السلام كان هذا المنهج النبوي هو الذي عليه الحبيب وصحبه الكرام فكانت زوجاتهم وبناتهم وأبناؤهم كلهم على تقوى من الله عزَّ وجلَّ فكانت البنت إذا خرج أبيها في الصباح لطلب الأرزاق هى التي تقول له: يا أبتاه تحرى لنا رزقاً حلالاً فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار وكان الرجل يمشي في الأرض ليس عليه شاهد إلا خالق السموات والأرض ويستحي من الله أن يراه الله عزَّ وجلَّ واقعاً في معصية تغضب الله جل في علاه فكانت المدينة المنورة في حياة آمنة مطمئنة هانئة لا يوجد فيها مشاكل ولا منازعات ولا خلافات بين الأفراد ولا بين الأسر ولا بين العائلات لأن قلوبهم كانت عامرة بالإيمان بالله ذهب سيدنا أنس بن مالك في جولة تفقدية إلى البصرة ليرى فيها أحوال المسلمين فوجد الغش في الأسواق والفساد في المعاملات ومثل هذه الأشياء وقد امتلأ بها هذا المجتمع فذهب إلى المساجد فوجدها عامرة بالمصلين ونظر إلى الكتاتيب فوجدها مليئة بالصبيان الذين يحفظون كتاب الله عن ظهر قلب فاختبرهم فوجدهم مع شدة حفظهم لكتاب الله يكذبون وينافقون ولا يتورعون فقال “كنا نتعلم الإيمان قبل القرآن وأنتم تتعلمون القرآن قبل الإيمان” كانوا يتعلمون الإيمان أولاً فإذا تعلموا القرآن راقبوا حضرة الرحمن عزَّ وجلَّ ونحن والحمد لله القرآن في كل ربوع بلادنا يتلى وما أكثر حفاظه وما أكثر التالين له والقارئين له والمساجد عامرة لكننا نحتاج لكي نرتاح في بيوتنا ونطمئن على أولادنا ولا يحدث ما يفسد العلاقات التي بيننا وبين زوجاتنا أو بيننا وبين إخواننا إلى أن نوثق الصلة التى في قلوبنا بالله جل في علاه فهذا هو العلاج الوحيد لما تفشى في مجتمعنا من أمراض أخلاقية وأحوال نفاقية وأمور استعصت على الحل بالقرارات الوزارية والقوانين الدستورية فإنه لا يصلحها إلا تعلق القلوب بعلام الغيوب عز وجل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى