عمر طاهر يكتب في التحرير: مكعب برما

نزل برما من التاكسي في مواجهة محل الكاسيت في التوقيت الذي اتفقنا عليه، نظر إلى أفيش ألبوم تامر حسني الحديث «اللي جي أحلى»، دقق البصر إليه ثم صرح «بالتأكيد أحلى.. هو فيه أوحش من اللي فات؟».
تحركنا صوب المقهى وعندما هممنا بالقعود عليه دعوة مني أن نغادر الموضع فسألته عن الداعِي فقال: شفت واحد ما بحبوش، لأنه يدير علاقته بالله على مزاجه مثل كثيرين، ذلك الفرد دام يدعو الله أن يرزقه بـ«دراجة بخارية» وعندما شعر أن الله لا يستجيب له لم يقنط فسرق موتوسيكلا وأخذ يدعو الله أن يسامحه، قلت له: الدنيا مليانة بلاوي فقال: الدنيا جميلة، يلزم علينا لاغير أن نفهم شكلها الهندسي، فهناك من يراها كدائرة وهو فرد يحس بالضجر وينتهي باستمرار حيثما بدأ، وهناك من يراها كمربع وهو فرد يشاهد ما تلتقطه عيناه لاغير ولا لديه أي خيال، سألته كيف يشاهد الحياة فقال: الحياة مكعب له عديدة أوجه عندما تراها جميعا ستصل إلى الحكمة وسترى الموضوعات على حقيقتها، ساعتها لن تقع في فخ سطحية التوضيح.. مثلا إذا تدبرت الزحام على الدكاكين قبل العيد بيومين ستعتقد أن الناس كلها تقطن في رخاء وأنهم يمتلكون ما يهبهم جميعا التمكن من شراء ملابس العيد، إلا أن الحقيقة أن الناس تقطن في فقر مدقع لدرجة أن الأسرة بكاملها تنزل من منزلها (الأب والأم والطفل والحماة والخال والعم) لاغير لأجل أن يتقاسموا بهجة شراء شبشب العيد الصيني للطفل، الفقر يقسو عليهم لدرجة أنهم لا يمتلكون سبيلا للبهجة سوى باقتسامها مع طفل فرحان بالشبشب الحديث.

جلسنا على مقهى آخر فطلب برما شايا بالنعناع البلدي ثم أفاد: عندما تشاهد الحياة مكعبا ستعرف الطريق إلى الحكمة، وأفضل ما في الحكمة أنها ستقيك شر المحادثات مع أحمق، ما لم تكن حكيما سيستدرجك الأحمق إلى أسلوب لعبه.. وإذا استدرجك إلى أسلوب لعبه سيهزمك بفارق الخبرة.
قلت له: كلمني أكثر عن إمتيازات الحكمة، فقال: الحكمة تجعلك متيقظا في مجتمع يفضل السبات عملا بقاعدة يؤمن بها تقول: «النايم في ذمة الصاحي» الحكمة تجعلك قويا لا بمنطق شيخ العرب فان ظل، إلا أن بمنطق أن «الخشب اللين ما بينكسرش»، الحكمة تجعلك قادرا على التداول كل يوم مع ناس، عقب كل تلك الفضائيات، ما زلت تطلب منهم أن «يوطوا التليفزيون» نحو التواصل بأحد البرامج في بث مباشر، الحكمة تجعلك مؤمنا بقاعدة أن الانقضاض الجيد يبدأ بخطوة إلى الخلف.. إنها تخطيطية المكسب، الحكمة تحميك من أن تكون شخصا معقدا ومنبوذا فهي تجعلك في أعين الجميع شخصا بسيطا بساطة واحد بيسأل: «الساعة كام؟».. التعقيد شيء مقيت ويخبئ خلفه فراغا هائلا، الحكمة تجعلك قادرا على تفادي الفرد اللزج الذي يتضح لك في مختلف مقر قائلا: «خد نصيحتي» ..هل تعرف لماذا يطلب منك أن تأخذ منه نصيحته؟ سألته: لماذا؟ فقال: لأنه ما بيستخدمهاش.
قلت له كلامك يا برما يؤهلك بكفاءة لأن تكون ضيفا في واحد من البرامج الحوارية، أخذ رشفة من الشاي ثم صرح: أهي البرامج الحوارية دي عوز غريبة بشكل كبير.. في مستهل الحلقة يتضح المذيع ليقول لك «عشية الخير» ثم يَبقى لفترة ثلاث ساعات كاملة يسعى إقناعك بأنها جملة كاذبة وأنه لا عشية الخير ولا عوز. قلت لبرما إلا أن هناك مذيعون في غرض المهنية والاحتراف، فقال: من الحكمة ايضاً أن لا تثق بأحد ثقة كاملة.. مبارك أكل دماغنا بالضربة الجوية وفي الآخر بلغ الغاز لإسرائيل.. طب كنت بتضربهم ليه من الأول؟!
أعجبني منطق برما فقلت له: برما.. أنا متفق معاك في جميع ما قلته، فنظر إلي بنصف ابتسامة ثم صرح: الحكمة أيضاً تجعلك لا تفرط في الفرحة باتفاقك مع من تحاوره فمن الوارد إنكو إنتو الاتنين تكونوا بهايم!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى