شيزوفرينيا.. بقلم علي بلدو

السودان اليوم:

فرح كثيراً وهو طالب بالمرحلة االثانوية بقدوم أستاذ مادة الأحياء الجديد بعد طول انتظار وهو في تلك الأصقاع النائية، ولكنه كما الفصل كله قد تفاجأوا بأن الأستاذ الجديد ما هو إلا خريج آداب قسم فلسفة! ولما سألوه عن ذلك أجاب (بفلسفة):
(أنا كلمتهم لكن جماعة كده قالوا مشي الأمور والموضوع بسيط).
وبذلك درسوا فلسفة الأحياء والأشياء وأصابوا أربعة عصافير بأستاذ واحد.
أعدت هيئة الآثار والمتاحف وتصاحبها فرق الفنون الشعبية وإدارات التراث الشعبي، أعدت احتفالاً فخيماً بمقدم وزيرها الجديد (المردوف) على بغال السلطة والجاه، والمرفوع بلا عمد ولا عماد الى سدة الحكم والاستوزار بعد أن استخار واستوعب المرحلة الحرجة والمنعطف الخطير الذي تمر به هذه البلاد والعباد وظن نفسه الوليد:
أتته الخلافة منقادة اليه تجرجر أذيالها
وساده اعتقاد بالباطل أنها لم تخلق إلا له وأنه لم يكن الا لها وتلك فرية أخرى ويا لها؟
وبعد أن لهط الضيافة والبارد إيذاناً بـ(لهط قادم) و(سفسفة) لا حدود لها، أتاه مقدم الحفل ليتلو سيرته الذاتية ليعلم الجميع أنه خريج إنتاج حيواني قسم ألبان بتقدير مقبول ودبلوم كمان، وبالانتساب كماااان؟
وإذا سأل سائل بسؤال كارب:
(كيف يكون بالانتساب في كلية علمية وعملية)، والإجابة بكل بساطة، أنها من نعم الله علينا ومنه وبركاته وفيض من دعاء الوالدين وكرامة من كرامات المهاجرين لله وإن كانوا في قلب الخرطوم والمجاهدين بأموالهم وأنفسهم وإن لم يغبروا أقدامهم الا ساعة من نهار في بوفية مفتوح بإحدى سفارات الدول الصديقة والشقيقة أو التسكع والتبضع لشراء ثياب الشفون والعمم السويسرية والأحذية الإيطالية وحتى العراريق الصينية والطواقي الماليزية، ولله الحمد من قبل ومن بعد؟
وأطنب وزيرنا في حديثه مذكراً السامعين، وأن الذكرى تنفع المؤمنين، مذكراً إياهم بأن الغناء والتماثيل ما محتاجة لقراية ذاتو، وسط تصفيق حار من ناس كسير التلج وأهل الشأن، قبل أن يقترح عليهم تحويل ميزانية الوزارة لشراء فقاسات دواجن وعجول لاحمة لإسكات جوع البسطاء والمساكين، بدلاً من الاعتناء بالتماثيل والجفان والتصاوير، ليغالب دمعة طفرت من عينه السليمة وسط صيحات التكبير والتهليل وأطباق الإفطار من أعماق البحر العاتية؟
وفي بقعة أخرى من هذه البلاد، تخرج أحد الغبش ممنياً النفس بالحصول على وظيفة كاربة تتسر الناظرين والعاطلين، وتقدم لإحداها بعد أن شجعه إعلان ضخم موضوع على مدخل غرفة المعاينة فحواه (أن يا أيها الناس، إن الكفاءة هي معيار الاختيار ولا غير) وأنه لن يظلم لدينا اليوم أغبش أو مهمش.
وفرح بذلك كما فرح الأولون، ليتم سؤاله:
( يا زول إنت حالق دقنك مالك)
(في الجامعة كان أميرك منو)
( مشيت عمليات كم مرة)
(إنت لي حسه عزابي مالك)
وبعدها تم نفضه بحجة رسوبه في الامتحان التحريري؟
وبعد كل ذلك يطلبون منا أن نكون بالغين عاقلين وراشدين ومواطنين شاطرين ومهذبين ونحن نهتف :
(يا مثبت العقل والدين)
ثببت قلوبنا برغم هذا الشويطين؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى