شعر المتنبي في جدته 2019, رثاء المتنبي لجدته

ألا لا أُري الأحداثَ حمْدًا ولا ذمَّا=فما بطشُها جهلا ولا كفُّها حِلما
إلى مثل ما كان الفتى مرجعُ الفتى=يعود كما أُبدي ويُكْري كما أرمى
لك الله من مفجوعة بحبيبها=قتيلةِ شوقٍ غيرِ ملحقها وصْما
أحنُّ إلى الكأس التي شربت بها=وأهوى لمثواها التراب وما ضمّا
بكيت عليها خيفةً في حياتها=وذاق كلانا ثكلَ صاحبِه قِدْما
ولو قتل الهجر المحبين كلهم= مضى بلد باقٍ أجدَّت له صرما
منافعها ما ضر في نفع غيرها=تغذّى وتروى أن تجوع وأن تظما
عرفت الليالي قبل ما صنعت بنا=فلما دهتني لم تزدني بها علما
أتاها كتابي بعد يأس وترحة=فماتت سرورا بي فمتُّ بها همَّا
حرامٌ على قلبي السرورُ فإنني=أعدُّ الذي ماتت به بعدها سُمّا
تعجّبُ من خطِّي ولفظي كأنها=ترى بحروف السطر أغربةً عُصما
وتلثُمه حتى أصار مدادُه=محاجرَ عينيها وأنيابَها سُحما
رقا دمعُها الجاري وجفّت جفونُها=وفارق حبي قلبَها بعد ما أدمى
ولم يُسْلِها إلا المنايا وإنما=أشدُّ من السُّقم الذي أذهب السقما
طلبت لها حظا ففاتت وفاتني=وقد رضيتْ بي لو رضيتُ بها قَسما
فأصبحت أستسقي الغمامَ لقبرها=وقد كنت أستسقي الوغى والقنا الصُّمّا
وكنت قبيل الموت أستعظم النوى=فقد صارت الصغرى التي كانت العظمى
هبيني أخذت الثأرَ فيك من العدا=فكيف بأخذ الثأر فيك من الحمّى
وما انسدّت الدنيا علي لضيقها=ولكن طرفا لا أراك به أعمى
فوا أسفا أن لا أُكبّ مقبّلا=لرأسِك والصدرِ اللذي مُلئا حزما
وألا ألاقي روحَك الطيِّبَ الذي=كأن ذكيَّ المسكِ كان له جسما
ولو لم تكوني بنتَ أكرمِ والدٍ=لكان أباك الضخمَ كونُك لي أمَّا
لئن لذَّ يوم الشامتين بيومها=فقد ولدتْ مني لأنْفِهِمِ رَغْما
تغرّب لا مُستعظمًا غير نفسه=ولا قابلا إلا لخالقه حُكما
ولا سالكا إلا فؤاد عجاجةٍ=ولا واجدا إلا لمَكرُمَةٍ طعما
يقولون لي : ما أنت في كل بلدة؟=وما تبتغي؟ ما أبتغي جلّ أن يُسمى
كأن بَنيهم عالمون بأنني=جلوبٌ إليهم من معادنِه اليُتما
وما الجمع بين الماء والنار في يدي=بأصعبَ من أن أجمع الجِدَّ والفهما
ولكنني مستنصرٌ بذبابِه=ومرتكبٌ في كل حال به الغشما
وجاعلُه يوم اللقاء تحيتي=وإلا فلست السيِّدَ البطلَ القرما
إذا فلّ عزمي عن مدى خوفُ بعده=فأبعدُ شيءٍ ممكنٌ لم يجد عزما
وإني لمن قوم كأن نفوسهم=بها أنَفٌ أن تسكن اللحم والعظما
كذا أنا يا دنيا إذا شئت فاذهبي=ويا نفس زيدي في كرائهها قدما
فلا عبَرتْ بي ساعةٌ لا تُعزُّني=ولا صحبتْني مهجةٌ تقبلُ الظُّلما

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى