شذرات الإمتيازات من كتاب المزايا لابن القيم

صرح ابن القيم رحمه الله :

حال إبليس مع آدم .. !

تطمح كيف كتب سبحانه عذر آدم قبل هبوطه إلى الأرض ونبه الملائكة على فضله وشرفه وأشار باسمه قبل العثور عليه

بقوله‏:‏ ‏ «‏إني جاعل في الأرض خليفة» ‏‏ وتتمنى كيف وسمه بالخلافة وهذه ولاية له قبل وجوده،

وأقام عذره قبل الانخافض بقوله‏:‏ ‏ «‏في الأرض» ‏‏.‏ والمحب يقيم عذر المعشوق قبل جنايته‏.‏

فلما صوره ألقاه على باب الجنة أربعين سنة لأن دأب المحب النهوض على باب الحبيب،

ورمى به في سبيل ذل‏ «‏ ولم يك شيئا» ‏ لئلا يعجب يوم ‏ «‏اسجدوا» ‏‏.‏ وقد كان إبليس يتجاوز على جسمه فيعجب منه

ويقول‏:‏ لأمر قد خلقت، ثم يدخل من فيه ويخرج من دبره ويقول‏:‏ لئن سلطت عليك لأهلكنك ولئن سلطت علي لأعصينك،

ولم يعرف أن هلاكه على يده‏.‏ رأى طينا مجموعا فاحتقره، فلما صور الطين صورة دب فيه داء الحسد،

فلما نفخ فيه الروح توفي الحاسد‏.‏ فلما بسط له بساط العز عرضت عليه المخلوقات

فاستحضر مدعى ‏ «‏ونحن نسبح» ‏ إلى والي ‏ «‏أنبئوني» ‏‏.‏

وقد أخفى الوكيل عنه بينة ‏ «‏وعلم» ‏ فنكسوا رؤوس الإدعاءات على صدور التصديق‏.‏

فقام منادي التفضيل في أندية الملائكة ينادي‏:‏ ‏ «‏اسجدوا» ‏ فتطهروا من وقع دعوى ‏ «‏ونحن» ‏ بماء العذر في آنية ‏ «‏لا معرفة لنا» ‏،

فسجدوا على طهارة التسليم وقام إبليس جهة لم يسجد؛ لأنه خبث،

وقد تلون بنجاسة الاعتراض‏.‏ وما كانت نجاسته تتلاقى بالتطهير؛ لأنها مادية،

فلما تم كمال آدم قيل‏:‏ لا مفر من خال حُسن على وجه ‏ «‏اسجدوا» ‏،

فجرى القدر بالذنب ليتبين أثر العبودية في الذل‏.‏ يا آدم لو عفا لك عن هذه اللقمة لقال الحاسدون‏:‏

كيف فضل ذو شره لم يصبر على شجرة‏.‏ لولا نزولك ما تصاعدت صعداء الأنفاس،

ولا نزلت مراسلات‏:‏ ‏ «‏ هل من سائل‏؟‏‏» ‏ ولا فاحت روائح‏:‏ ‏ «‏ و لخلوف فم الصائم‏» ‏ ‏‏، فتبين حينئذ أن هذا التخلي لم يكن عن شَرَهٍ‏.‏

يا آدم، ضحكك في الجنة لك، وبكاؤك في دار التكليف لنا‏.‏

ما ضر من كسره عزى إذا جبره فضلى، إنما تليق خلعة العز ببدن الانكسار‏.‏

أنا نحو المنكسرة قلوبهم من أجلي‏.‏ ما زالت هذه الأكلة تعاده ‏ حتى استولى داؤه على أبناءه،

فأرسل إليهم اللطيف المتمرس وصاحب الخبرة العلاج على أيدي أطباء الوجود‏

«‏ فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى» ‏سورة طه، الآية 123.

فحماهم الطبيب بالمتناهي، وحفظ الشدة بالأوامر، وأفرغ أخلاطهم الرديئة بالتوبة، فجاءت العافية من كل جهة‏.‏

فيا من ضيع الشدة ولم يحفظها، وخلط في مرضه وما احتمى، ولا صبر على مرارة الاستفراغ لا تنكر قرب الهلاك،

فالداء مترام إلى الفساد‏.‏ لو ساعد القدر فأعنت الطبيب على نفسك بالحمية من شهوة خسيسة

ظفرت بأنواع اللذات وأصناف المشتهيات‏.‏ ولكن بخار الشهوة غطى عين المشاهدة،

فظننت أن الحزم بيع الوعد بالنقد‏.‏ يا لها رؤية عمياء، جزعت من صبر ساعة واحتملت ذل الأبد‏.‏

سافرت في دعوة الدنيا وهي عنها زائلة، وقعدت عن السفر إلى يوم القيامة وهي إليها راحلة‏.‏

إذا شاهدت الرجل يقوم بشراء الخسيس بالنفيس ويبيع الكبير بالحقير، فاعلم بأنه سفيه‏.‏

اختتم كلامه رحمه الله .. اسأل الله أن يعيذنا من الشيطان الرجيم ،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى