رونالد ريغان والشيوعية: يا فيها يا أطفيها .. بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم

السودان اليوم

(فهم بعض أصدقاء الصفحة أنني كمن دافع عن الحركة الإسلامية وتبناها في كلمتي “ماذا خسر السودانيون بانحطاط الحركة الإسلامية”. وأنشر هنا مقالين لي ربما أعانا من اشتبه في مقاصد “ماذا خسر . . . ” على تفهم من أين جئت لفكرة المقال المعني. والفكرة أن نجاح الحركة الإسلامية في إصابتنا في اليسار في شبه مقتل هو وظيفة لاستهانتنا بها، وظننا أنهم محض “كيزان”. ووصفنا لهم ب”كيزان” نفسه بعض استصغارنا لهم. فهم ليسوا “كبابي” البندر بل “كيزان” الريف. وتوسعت في هذا المقاربة في كتابي “هذيان مانوي” من واقع شغل إثنوغرافي في الريف”. هذا مقال المقدمة عن ريغان ويرد الآخر عن الترابي لاحقاً) .

نشرت في 2003 خطابات الرئيس الأمريكي ريغان التي خطها بيده. وبلغت هذه الخطابات درجة من الذكاء الاجتماعي جعل البعض يتساءل إن كان خصومه من الصفوة لم يعطوه حق قدره من جهة الخيال والعزيمة السياسيتين. وربما كان الحزب الشيوعي الأمريكي هو أول من اساء تقدير ملكات ريغان السياسية. ففي عام 1938 حاول ريغان ان يلتحق بغير طائل بفرع ذلك الحزب في لوس أنجلس. وقد جاء بهذه الرواية رجل من الثقاة هو الكاتب الأمريكي الشيوعي هوارد فاست. واشتهر فاست بروايات الخيال التاريخي مثل “سبارتوكس” و”المواطن توم بين” حتى حاز على جائزة ستالين للأدب. وقد عانى الأمرين لورود اسمه في قائمة مكارثي السوداء لحد سحب كتبه من المكتبات. وخرج فاست على الحزب الشيوعي في 1956 وكتب “الإله العاري” في نقد الحزب. وقد أطلعني عليه في آخر الخمسينات قريبي د. محجوب عبد المالك وأستاذي مستر ليني بعطبرة الثانوية. ومات فاست في مارس 2003 عن 88 عاماً.

كان إدموند ويلسون يعد لكتابة ترجمته للرئيس ريغان حين صادف الكاتب هوارد فاست. ولما علم فاست بأمر كتاب ويلسون الجديد سأله إن كان يعرف أن ريغان قد أراد في 1938 أن ينضم الي الحزب الشيوعي. ولم يصدق ويلسون أذنيه. وتمسك فاست بصدق المعلومة التي قال إنها كانت معروفة في أروقة الحزب. ولم يقبل الحزب ريغان لأنه، كما قال الشيوعيون، “ما مكرب flake” ولا يؤتمن على فكرة سياسية لأكثر من عشرين دقيقة. وقرروا أن يجعلوا منه “رفيق طريق” أو مغفل نافع في قول عداة الشيوعية. وأرسلوا من تحدث إليه عن حاجة الحزب إليه في الخارج لا في الداخل. وراح ويلسون يسأل عن هذه الواقعة الجيل اليساري المخضرم. فشهد جماعة منهم بصدق الواقعة. غير أن ريغان نفسه نفي الواقعة للكاتب. لكن بدا من وصف الكاتب لصفحة وجه ريغان وبلبل عيونه خلال المقابلة أن الكاتب لم يصدقه.

وأصبح ريغان (غير المكرب) رئيسا للولايات المتحدة وصاح صيحته المشهورة “اهدم هذا الجدار يامستر جورباتشوف”. وفي التاسع من نوفمبر 1989 هدم الناس الحجارة الأولي من حائط برلين ثم تهاوي عرش الاشتراكية بلداً بعد بلد. وقد رأيت جزءً من حائط برلين في مدينة فلتون بولاية ميسوري والتي لا تبعد كثيراً من حيث اقيم. وقد أهدت حفيدة تشرشل النحاتة هذا الجزء من جدار برلين للمدينة وجعلت فيه فراغات كالنوافذ على أشكال بشر. ولتخصيصها فولتون بالهدية قصة. فمن فولتون صدرت كلمة “الستار الحديدي” لأول مرة. فقد لبى ونستون تشرشل في 1946 دعوة من كلية وستمنستر بالمدينة لإلقاء محاضرة. وزكي الكلية لتشرشل الرئيس هاري ترومان الميسورابي. وكان تشرشل قد خرج ظافراً من الحرب العالمية وخاسراً من انتخابات ذلك العام التي سقط فيها حزبه، حزب المحافظين. وصحب الرئيس ضيفه الي الكلية. وفي هذه المحاضرة سك تشرشل مصطلح “الستار الحديدي” ليصف الحياة في المعسكر الاشتراكي بزعامة الاتحاد السوفياتي. وقال “من ستيتن في بحر البلطيق إلى تريستا في بحر الأدرياتيك تدلي ستار حديدي عبر القارة”. وصارت كلمته مثلاً.

ومن سخرية القدر أن الرئيس جورباتشوف زار مدنية فلتون وكليتها وتحدث الي طلابها في 1992. ولابد أن جورباتشوف قد علم أن أول مسمار في نعش الاشتراكية تسمكر في منطقة اللغة حين سمي تشرشل منظومتها بفيافي السجن. ولم يلبث أن جاء الزميل (الما كارب) ريغان ونادي الستار الحديدي أن يهبط ففعل.

كان تهافت المنظومة الاشتراكية هو زبدة الحديث في ذكر محاسن الفقيد ريغان. وقد سمعته على شريط معاد يتندر على الشيوعية. قال إنه رابطت امرأة روسية مرة عند باب الكرملين تريد ان تلقي برجنيف سكرتير الحزب الشيوعي وجهاً لوجه. فأذن لها. فلما قابلته سألته: “من اخترع الشيوعية؟ أعالم أم سياسي؟” فأستغرب وقال “اخترعها سياسي”. قالت: “عدلت راسي الله يعدل راسك. لو اخترعها عالم كان جربها على الفئران أولاً”. وقد اخترع القنبلة الذرية عالم ولم يجربها على الفئران أولاً أو هو جربها ولم يمنعه ذلك من تجريبها علي البشر. وقس على ذلك. أفسدنا النكتة الظريفة. ولا يهمك.

وفي كلمة قادمة نقارب بين ريغان والترابي بقرينة أن كليهما نجح في مقاصده من حيث لم يحتسب الخصم.

IbrahimA@missouri.edu

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى