(روح التأثير وتأثير الروح) فن الخطابة 2019

(روح التأثير وتأثير الروح)

من أبسط وأشهر تعريفات مصطلح أو مفهوم التنمية البشرية، أنها يقصد بها زيادة عملية المعرفة والمهارات والقدرات لدى الأفراد.
أي أنها علم تعلم المهارات للوصول للنجاح في أي مجال من المجالات.
كما يمكننا القول بأنها علم يهتم بتطوير الذات.
فعلم التنمية البشرية هو مجال يهدف إلى الاهتمام برفع كفاءة الإنسان مع من حوله، في شتى مجالات التعامل، سواء أكانت نفسية أم اجتماعية، وتخليصه من أي مشاعر أو تصرفات أو جوانب سلبية، ومحاولة الارتقاء بمستوى تعامله مع الآخرين.
هذا التعريف آنف الذكر هو الأشهر لما يسمى بالتنمية البشرية، أو تطوير الذات، أو البرمجة اللغوية العصبية، أو غيرها من المترادفات التي تحمل نفس المغزى والمدلول لهذا المصطلح.
وفي تقديري (إن لم أكن مخطئاً) أن هذا العلم الذي انتشر بصورة كبيرة ومفاجئة في زماننا هذا.
وانتشرت معه المراكز والمؤسسات التي تمنح الدورات والشهادات بعد خضوع المتدربين أو الدارسين لمجموعة من المحاضرات العلمية والعملية بغرض وصولهم للطاقات القصوى الكامنة في ذواتهم ودواخلهم.
وهذا بلا شك من أجمل وأروع العلوم التي يتمنى الإنسان تحصيلها للاستفادة منها في حياته وسائر مجالاته وتقلباته.
ولكن..
هل هذا العلم نابع أصلاً من ديننا وثقافتنا وتقاليدنا الإسلامية السمحاء؟ أم هي بضاعتنا ردت إلينا ولكن بعد إضافة كثير من المحسنات والمقبلات التي لا تشبهنا بأي حال من الأحوال.
ولكن فقط لكونها واردة من خارج حدودنا الجغرافية والثقافية، يكفي هذا لقبولها جملةً وتفصيلاً، دون إجراء أي تعديلات عليها لتتوافق مع توجهنا الإسلامي، بالرغم من أنه لا يبدو عليها أي علامة من علامات الغزو الفكري والثقافي فيما يبدو لنا؟
إن كون هذا العلم يهتم بالبحث عن عوامل ومسببات نجاح بعض الأمثلة لشخصيات في حياتنا على اختلاف أشكالها وأنماطها وأماكنها الجغرافية والآيدولوجيا التي تحملها، ليس كافياً لجعلها أنموذجاً يُحتذى به في جميع أنحاء الدنيا.
دون وضع اللمسة أو النكهة الخاصة بكل بقعة من البقاع أو مكان من الأمكنة أو زمان من الأزمنة، وهذا ما أشير إليه بخصوصية البقعة والمكان والزمان.
وعلى الأخص وضعيتنا كمسلمين تحتم علينا وضع كل ما يفد إلينا من خارج الفكرة والآيدولوجيا الإسلامية، في الميزان الدقيق والحساس والذي لم يدع شاردة أو واردة.
إلا وأعطانا فيها علم، حتى الخراءة، حيث نهانا النبي (صلى الله عليه وسلم) أن نستقبل القبلة بغائط أو بول أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو عظم، وأن نسمي الله قبل دخولنا الخلاء ونستعيذ به من الشيطان الرجيم، ونحمده تعالى على إذهابه للأذى عنا ومعافاتنا منه، بعد خروجنا من الخلاء.
ولكن ما أراه في علم التنمية البشرية هذا، أنه يخلو من “روح التأثير”، ويجنح لـ”تأثير الروح”!!!
وأقصد بروح التأثير القدوة الحسنة التي هي من أعظم وسائل التربية، والتأثير في الآخرين والتغيير في أخلاقهم وسلوكياتهم.
هذه القدوة التي تتمثل في كثير من المظاهر والأمثلة، والتي لها من السحر والتأثير ما تعجز عن الإتيان به مئات بل آلاف الدورات والأنشطة التي يغلب عليها طابع الصناعة أكثر من التأثير والتأثر الذاتي.
أما ما أقصده بـ “تأثير الروح”، فلا أجد تعبيراً أبلغ من كون علم التنمية البشرية هذا أشبه بالتنويم المغناطيسي، الذي يحقق كثيراً من الأهداف التي يريدها المنوم (بكسر الواو) من المنوم (بفتحها)، والذين يمثلون في هذه الحالة، المدرب والمتدرب!!!
فيكفيك فقط كمدرب أن تشحن هذه العقول بطاقات هائلة، وذلك بعد دراستك المتأنية لهذه النفوس والأمزجة المختلفة التي بين يديك، لتحقق هذه الحالات مكاسب في شتى مجالات الحياة، ولكن أين تأثير الروح من هذه النجاحات؟
بل أين عصارة الأفكار والتجارب السابقة الناجحة على هذه التجارب اللاحقة؟ وهل أسباب نجاحات السابقين، كافية لتتويج اللاحقين بنفس الأوسمة والنياشين؟ أم أن لكل نجاح وإخفاق ظروفه وملابساته وبيئته أولاً وآخراً؟
ولكن بالرغم من أن هذه التجارة الوافدة قد حققت في بلاد منشأها من النجاحات الباهرة التي أغرت الكثيرين لتصديرها لبلادنا.
إلاّ أنها قد أخفقت كذلك في التأثير على سلوكيات، وأنماط حياة الكثيرين ممن تناولوها واستهلكوها بعد التأكد من تاريخ صنعها، وذلك لعدم توضيح تأريخ انتهاء صلاحيتها على ديباجتها الخارجية!!!
ختاماً أقول: الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق الناس بها، أو كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم).
ولكن الحكمة أيضاً تحتم علينا وضع كل وافد فكر أو تجربة أو سلوك، في ميزان الشرع الحنيف، قبل قبوله واستخدامه، حتى لا نؤتى على حين غفلة من أمرنا. والله وليّ التوفيق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى