د عيسي حمودة: خلفية تاريخية للحرب الأهلية والتحول السياسي في ميانمار

في الثاني عشر من فبراير من كل عام تحتفل جمهورية اتحاد الميانمار بعيد الاتحاد. حقيقة تم اعتماد الاسم ‘ميانمار’ بواسطة العسكر في 1988 بدلا عن الاسم الاستعماري ‘بورما’. وعيد الاتحاد هو مناسبة لإحياء ذكري توقيع اتفاقية بانغ لونغ في 1947 Panglong Agreement بين الحكومة البورمية و ثلاث حركات إثنية مسلحة. وهي السنة ذات التي تم فيها التوافق علي دستور الاستقلال. قاد تلك المفاوضات رئيس الحكومة الانتقالية و الزعيم الوطني الجنرال أُنغ سان – والد السيدة سو كي ( تنطق چي) زعيمة حزب الرابطة الوطنية للديمقراطية ومستشارة الدولة الآن. ونص دستور 47 علي حقوق سياسية ومدنية للاثنيات في ظل دولة اتحادية وحكم ذاتي لمدة عشرة سنوات يجري بعده تقرير للمصير او البقاء في الاتحاد. وأشير هنا الي نقطة حساسة في الصراعات تناولها ذلك الدستور وهي مسالة الدين. نص دستور الاتحاد علي ان البوذية هي الديانة التي تعتنقها الأغلبية العظمي من الميانمار واقرت الفقرة الثانية بان الدولة تعترف بالإسلام، المسيحية، الهندوسية و الديانات المحلية animism كديانات تُمارس في مينامار. و ذُكر ان السيد أُنغ سان عمل علي عدم الاشارة علي ان البوذية هي ديانة الأغلبية ولكن كانت هناك مجموعات ضغط يقودها صديقه السيد نو U Nu -الذي أصبح فيما بعد الاستقلال رئيسا للوزراء- قد نجحت في خلق راي عام ونجحت في في ادراج تلك الفقرة في الدستور. علي الرغم من عدم الإيفاء بتنفيذ اتفاقية بان لونغ بعد الاستقلال – اذ اغتيل راعيها الجنرال انغ سان بعد شهور من توقيع الاتفاقية وقبيل الاستقلال – الا ان ذلك التاريخ أصبح هو العيد الرسمي لاتحاد الميانمار.

توجد في ميانمار ١٣٥ من الأعراق /الإثنيات القومية التي تعترف بها الدولة بما فيهم إثنية الكامان المسلمة في اقليم اراكان ( راخين). والاخيرة هي الأقلية المسلمة الوحيدة التي يعترف دستور 2008 بها وسط العديد من الأقلية المسلمة الآخري من أصول هندية او صينية. رسميا لا يعترف بالروهنقا كعرقية/كاثنية ميانمارية وانما يلطق عليهم مجتمع البنغال.

تعود جذور الصراعات الاثنية المسلحة في ميانمار الي تاريخ بعيد في التهميش الجغرافي، السياسي والاقتصادي يسبق تاريخ استقلال ميانمار ولكن أصبحت اكثر عمقا قبيل تحقيق الاستقلال وبعده. و يهيمن شعب البامار – وهو المجموعة المركزية – هيمنة تشمل الارض والدولة ليس في هرمها الاعلي بل جميع مؤسسات الخدمة المدنية، الدبلوماسية، التعليم التجارة والزراعة ، والتعدين، وبالطبع الجيش والشرطة والأمن. وهو وضع لا يزال قائما.

الفترة ما بين الاستقلال في عام 1948 وحتي عام 1962, تمتعت ميانمار بحكم ديمقراطي برلماني وان سيطرت عليه الأغلبية البورمية. ظل وضع الحركات الاثنية كما هو كما تخللت هذه الفترة حروب من الحكومة المركزية ضد هذه الحركات والمجموعات الاثنية.

في فترة النظام الديكتاتوري العسكري الذي امتد لأكثر من خمسين عاما – من 1962 حيث الغي دستور الاستقلال المشار اليه أعلاه والي عام 2010 حيث جرت الانتخابات البرلمانية علي ضوء الاتفاقات علي إصلاحات شاملة بما فيها قيام انتخابات برلمانية ورئاسية في 2015 – واصلت هذه الحركات الاثنية المسلحة حروبها ضد المركز. وكحال جميع حركات المقاومة المسلحة تعرضت هذه المجموعات الي هزات وهزائم قادت الي كتشظيها الي عدة مجموعات. كما قامت حركات مسلحة جديدة من مجموعة إثنية.

الان توجد في ميانمار عدة حركات مسلحة إثنية كجيش كاشن الذي يمثل إثنية /أقلية كاشن المسيحية في الشمال الشرقي وعلي الحدود مع الصين؛ جيش وتنظيم كارن وهي أقلية مختلطة الديانات ولكن اغلبها من المسيحين وقليل من البوذيون علي الحدود مع تايلند ومجموعات اخري علي الحدود الشمالية مثل مجموعة الشان، ومجموعات الواا، وعلي الحدود الغربية مع الهند وبنغلاديش مثل الاراكان وهي إثنية بوذية. كما كانت هناك تنظيمات مسلحة وسط أقلية مسلمي الروهنقا مثل الجبهة الوطنية للروهنقا، ومنظمة التضامن الروهنقي و جبهة مسلمي اراكان. ولكن اختفي او ضمر نشاطها منذ بداية التسعينات.

والي يومنا هذا تقع تحت سيطرة هذه الحركات مناطق جفرافية وسكّان يمارسون حياتهم وأعمالهم الحيايتة في تلك المناطق المحررة بما في ذلك التجارة، التعدين والتصدير ( التهريب الي دول الجوار). وفي فترة المقاومة ضد العهد العسكري حظيت هذه الحركات الاثنية المسلحة بتعاطف ودعم من قوي المعارضة السلمية في المركز خاصة من حزب الرابطة الوطنية للديمقراطية. وكان بينهما تنسيق وتواصل. وان شدد حزب الرابطة علي خطه في المقاومة السلمية ونبذه لاي نوع من انواع المقاومة المسلحة او استخدام اي نوع من انواع العنف لأحداث التغيير السياسي.

فطن الناشطون والشعب في ميانمار الي ان الجنرالات استغلوا العمليات العسكرية الناجحة من الحركات المسلحة لقمع الحريات وتقليص نشاط المعارضة في الداخل وإذكاء نار الجهوية والعنصرية تحت شعارات الخوف من تفكك الاتحاد، الخوف من اقتلاع امتيازات الأغلبية من شعب البامار ( الذي كانت تحمل الدولة اسم قبيلتهم – بورما) وذوبان الهوية البوذية للدولة. وبسبب ذلك الخطاب والتعبئة اصبح الضحايا ( الاثنيات المضطهدة ) هم المعتدين.

وهنا لابد من ايراد نقطتين جوهرتين فيما يتعلق بالمقاومة السلمية والمسلحة. وهما استجابة مجموعات المقاومة السلمية في ميانمار مثل حزب الرابطة الوطنية للدخول في العملية الانتخابية التكميلية رغم علمه بأنها منقوصة. وهو قرار مثل نقطة انقلاب حقيقية قادت إلى التحول الكبير الذي حدث في نوفمبر 2015. في المقابل عملت الحركات علي الوصول الي اتفاق سلام مع الحكومة الانتقالية ( 2012 -2015) يضمن لهم بعض الحقوق. ولكن مواصلة الحربحرمهم من الاستفادة من هامش الانتفاح.

وبسبب هذا الوضع – مواصلة الخيار العكسري – اضافة ظروف التهميش التاريخية كان اثر هذه الحركات المسلحة محدودا في احداث التغيير الذي تم في ميانمار. والدليل علي ذلك فشلها في انتخابات 2015 علي علي الفوز حتي في الدوائر الانتخابية في مناطقها الاثنية بينما فاز بها حزب الرابطة الوطنية للديمقراطية بزعامة السيدة انغ سان سو چي الذي قبل بحرمان رئيس الحزب من الترشح ؛ وفوق ذلك قبل بحصة للجيش تمثل ٢٥٪‏ من مقاعد البرلمان، نائبا للرئيس و الامساك بوزارات الامن الوطني – الدفاع، الداخلية، الحدود والهجرة.

وعلي الرغم من قيام الانتخابات، لا زالت عملية احلال السلام متعثرة. ولازالت كثير من الحركات المؤثرة في حالة عداء مع الحكومة الديمقراطية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى