خطبة محفلية عن الشهيد , خطبة طويلة عن شهداء الوطن

أيها الأحبة! إن لذة الشهادة في سبيل الله لا يحصرها قلم، ولا يصفها لسان، ولا يحيط بها بيان، ولكن أن نتعرف إلى الشيء بملامحه وسماته، ففي هذا خيرٌ عظيم من عند الله جل وعلا، يقول الله جل وعلا:} إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ{ [التوبة:111] تأملوا هذه الآية العظيمة التي فيها شراء، وفيها صفقةٌ عظيمة، ولـابن القيم كلامٌ أجمل مما نقول : المشتري هو الله، والمتفضل هو الله، والمنعم هو الله؛ خلق هذه النفس من العدم وأطعمها وسقاها وكفاها وآواها، ودفع عنها النقم، وأسبل عليها وابل النعم، ثم هو جل وعلا يشتريها من صاحبها ويبذل له عوضاً وثمناً ألا وهو الجنة؛ فيها مالا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

ولو أن القلوب سليمة، كما قال ابن القيم في نونيته:

والله لو أن القلوب سليمةٌ لتقطعت ألماً من الحرمان

يا سلعة الرحمن لست رخيصةً بل أنت غاليةٌ على الكسلان

يا سلعة الرحمن سوقك كاسدٌ فلقد عرضت بأيسر الأثمان

يا سلعة الرحمن كيف تصبّر الخطاب عنك وهم ذوو إيمان

يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحدٌ لا اثنان

فإذا كان الثمن هو الجنة، فإنه لا يجتهد في هذه الصفقة أو أن يكون ممن يبتاعها إلا واحدٌ ممن عرف الثمن وعرف القيمة والعوض والمعوض.

أيها الإخوة المؤمنون : هذا فضلٌ من الله، والله دعانا أن نستبشر بقوله: } فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ { [التوبة:111] أي: اضمنوا أنها صفقةٌ رابحةٌ لا تَندُّم بعدها، لو أن أحداً اشترى بضاعةً أو عقاراً أو داراً، ثم عاد وخلا بنفسه وأخذ يقلب الحال، هل غُبن في هذه الصفقة؟ وهل اشتراها بأكثر من قيمتها؟ أما هذه فهي صفقةٌ مربحةٌ رابحة: } فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ { [التوبة:111].

ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يتمنون الشهادة في سبيله لما لها من هذه المكانة العظيمة؛ فلا يعلمون عنها سوى الطريق الموصل لما أعدّ الله لهم من الجنات، فهذا حنظلة تزوج حديثاً وقد جامع امرأته في الوقت الذي دعا فيه الداعي للجهاد فيخرج وهو مجنبٌ ليسقط شهيداً في سبيل الله، ليراه النبي بيد الملائكة تغسله ليسمى بغسيل الملائكة.

وهذا مثال آخر لطلب الشهادة، ففي غزوة بدر ، قالَ رسولُ اللَّهِ -r – لأصحابِهِ : ” قوموا إلى جنَّةٍ عرضُها السَّمَواتُ والأرضُ، فقالَ عميرُ بنُ الحمامِ الأنصاريُّ: يا رسولَ اللهِ، جنَّةٌ عرضُها السَّمواتُ والأرضُ؟ قال: نعَم ، قال: بخٍ بخٍ ، فقالَ رسولُ اللهِ وما يحملُكَ علَى قولِ بخٍ بخٍ؟ قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، إلَّا رجاءَ أن أَكونَ من أَهلِها ؟ قال: فإنَّكَ من أَهلِها . . . فأخرجَ تمراتٍ من قرنِهِ، فجعلَ يأْكلُ منْهنَّ. ثمَّ قال: لئِن أنا حييتُ حتَّى آكلَ تمراتي هذِهِ إنَّها حياةٌ طويلةٌ ، فرمى ما كانَ معَهُ منَ التَّمرِ ثم قاتَلَهم حتَّى قُتلَ َ ” ( مسلم )

وهذا أَنَسَ بْنَ النَّضْرِ تَغَيَّبَ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ وَقَالَ: تَغَيَّبْتُ عَنْ أَوَّلِ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ النَّبِيُّ r ، وَاللَّهِ لَئِنْ أَرَانِي اللَّهُ قِتَالًا لَيَرَيَنَّ مَا أَصْنَعُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ r وَأَقْبَلَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَقُولُ: أَيْنَ؟! أَيْنَ؟! فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ قَالَ: فَحَمَلَ فَقَاتَلَ , فقُتِلَ فَقَالَ سَعْدٌ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَطَقْتُ ما أطاق فقالت أخته: والله ما عرفت أَخِي إِلَّا بِحُسْنِ بَنَانِهِ فَوُجِدَ فِيهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ جِرَاحَةً ضَرْبَةُ سَيْفٍ وَرَمْيَةُ سَهْمٍ وَطَعْنَةُ رُمْحٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: } مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا{ [الأحزاب: 23] (صحيح ابن حبان )

وإذا كان الله أنعم عليك بالصحة فهذا مثال لصحابي أعرج رخص له في عدم الخروج ومع ذلك خرج لطلب الشهادة، ألا وهو عمرو بن الجموح رضي الله عنه كان شيخاً من الأنصار أعرج، فلما خرج النبي r إلى غزوة بدر قال لبنيه : أخرجوني ( أي للقتال ) فذُكر للنبي r عرجه ، فأذن له في البقاء وعدم الخروج للقتال ، قلما كان يوم أحد خرج الناس للجهاد ، فقال لبنيه أخرجوني !! فقالوا له : قد رخص لك رسول الله r في عدم الخروج للقتال ، فقال لهم هيهات هيهات !! منعتموني الجنة يوم بدر والآن تمنعونيها يوم أحد !! فأبى إلا الخروج للقتال ، فأخرجه أبناؤه معهم ، فجَاءَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ قُتِلَ الْيَوْمَ دَخَلَ الْجَنَّةَ؟ قَالَ:(نَعَمْ) قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أرجعُ إِلَى أَهْلِي حَتَّى أَدْخُلَ الْجَنَّةَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا عَمْرُو! لَا تَألَّ عَلَى اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : ” مَهْلًا يَا عُمَرُ! فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَّره، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ يَخُوضُ فِي الجنة بعرجته” (صحيح ابن حبان )

أيها الأحبة في الله! إن فضل الله واسع، فينبغي أن تسأل الله الشهادة وتضحي بنفسك وأهلك من أجل الله ، فعن سهل بن حنيفt- قال: r ” مَن سأَل الشَّهادَةَ بصِدقٍ ، بلَّغه اللهُ مَنازِلَ الشُّهَداءِ ، وإنْ مات على فِراشِه ” ( مسلم )، لذلك كان عمرُ رضيَ اللهُ عنهُ يقول في دعائه : اللهمَّ ارزقْنِي شهادَةً في سبيلِكَ ، واجعلْ موتِي في بلَدِ رسولِكَ r. ( البخاري )، واستجاب الله دعاءه ورزقه الله الشهادة ودفن بجوار المصطفي r.

فنسأل الله أن يكتب لنا الشهادة في سبيله مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً .

العنصر الثاني:أنواع الشهداء

كثير من الناس يعتقد أن الشهادة تقتصر على الموت في محاربة الكفار فقط ، ولكن شهداء أمة محمد r كثيرون، ففي الحديث المتفق عليه أن النبي r قال: ” الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله.” (ابن ماجه وأبو داود ) وقال رسول الله r : ” الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، والحرق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيد.”

والمبطون كما يقول النووي : هو صاحب داء البطن. وقيل: هو الذي يموت بداء بطنه مطلقًا. وقوله: المرأة تموت بجُمع شهيد. أي تموت وفي بطنها ولد، لأنها ماتت مع شيء مجموع فيها غير منفصل وهو الحمل.

هذا وخصال الشهادة أكثر من هذه السبع، قال الحافظ ابن حجر: وقد اجتمع لنا من الطرق الجيدة أكثر من عشرين خصلة.. وذكر منهم: اللديغ، والشريق، والذي يفترسه السبع، والخار عن دابته، والمائد في البحر الذي يصيبه القيء، ومن تردى من رؤوس الجبال. قال النووي : وإنما كانت هذه الموتات شهادة يتفضل الله تعالى بسبب شدتها وكثرة ألمها. اهـ

قال ابن التين: هذه كلها ميتات فيها شدة تفضل الله على أمة محمد r بأن جعلها تمحيصًا لذنوبهم وزيادة في أجورهم يبلغهم بها مراتب الشهداء. اهـ

ويدخل في ذلك الدفاع عن الأهل والمال والوطن فعن سعيد بن زيد قالr : “مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فهوَ شَهيدٌ ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهوَ شَهيدٌ ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ أهلِهِ فهوَ شَهيدٌ”( الترمذي وحسنه)، وعن أبي هريرة قال : جاء رجل فقال : يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي ؟ قال : ” فلا تعطه مالك ” قال : أرأيت إن قاتلني ؟ قال : ” قاتله ” قال : أرأيت إن قتلني ؟ قال : ” فأنت شهيد ” . قال : أرأيت إن قتلته ؟ قال : ” هو في النار “. ( مسلم )

ويتحصل مما ذكر من هذه الأحاديث أن الشهداء قسمان: شهيد الدنيا وشهيد الآخرة، فشهيد الدنيا هو من يقتل في حرب الكفار مقبلاً غير مدبر مخلصًا. وشهيد الآخرة وهو من ذكر، بمعنى أنهم يعطون من جنس أجر الشهداء ولا تجري عليهم أحكامهم في الدنيا.اهـ.

وبما تقدم نعلم أن المسلم الذي يموت بسبب مرض أو حادث سيارة ونحو ذلك مما ذكرها من الميتات التي فيها شدة وألم نرجو أن يكون من الشهداء.

هذا وليعلم أن لنيل أجر الشهادة شروطاً، من هذه الشروط: الصبر والاحتساب وعدم الموانع كالغلول، والدَّين، وغصب حقوق الناس. ومن الموانع كذلك: أن يموت بسبب معصية كمن دخل دارًا ليسرق فانهدم عليه الجدار فلا يقال له شهيد، وإن مات بالهدم. وكذلك الميتة بالطلق الحامل من الزنا.

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: عن رجل ركب البحر للتجارة فغرق فهل مات شهيدًا؟ أجاب: نعم مات شهيدًا إذا لم يكن عاصيًّا بركوبه، وقال في موضع آخر: ومن أراد سلوك طريق يستوي فيها احتمال السلامة والهلاك وجب عليه الكف عن سلوكها، فإن لم يكف فيكون أعان على نفسه فلا يكون شهيدًا. اهـ

فمن مات بهذه الميتات وهو موحد فإننا نرجو له الحصول على أجر الشهادة، فرحمة الله واسعة وفضله عظيم.

فمدار الأمر على النية، فقد يكون في الظاهر في سبيل وفي الباطن غرضه الدنيا أو منصب أو جاه أو غير ذلك.

نخلص من ذلك إلى أنْ الشهادة في سبيل الله إمَّا أنْ تكون حقيقيَّة، وإمَّا حُكميَّة.

1- فالشَّهادة الحقيقيَّة: هو القتيل مِن المسلمين يقعُ شهيدًا في المعركة وهو يُقاتِل في سبيل الله؛ فهذا هو الشَّهيدُ حقيقةً، وهذا له أحكامٌ معروفة في الإسلام، فهو لا يُغسل، ولا يُكفَّن، ويُدفن في ثيابه التي تَضمَّخت بالدِّماء الزَّكيَّة، ويُدفن في المكان الذي وقع فيه صريعًا. هذه أحكام خاصة بالشَّهيد في المعركة.

2- والشَّهادة الحُكميَّة، لا يترتب من ورائها شيءٌ من هذه الأحكام المتعلِّقة بالشَّهادة أو الشَّهيد الحقيقيُّ.

وقد ذكرنا بعض النَّماذج مما صحَّ عن النَّبيِّ r أنَّه أطلق عليه اسم شهيد، قال الشيخ الألباني – رحمه الله- : ومع ذلك فالعلماء مجمعون على أنَّ هذا الإطلاق لا يعطيه فضيلة الشهيد حقيقةً الذي مات في المعركة؛ وإنَّما هو من باب التَّقريب في الفضل؛ يعني هؤلاء الذين أَطلق عليهم الرَّسول عليه الصلاة والسَّلام أنَّهم، أو أنَّ كل واحد منهم شهيد، له فضل لا يساويه في ذلك سائرُ النَّاس الذين لا يموتون في حالةٍ من هذه الأحوال.)

العنصر الثالث: كرامات الشهداء وثمرات الشهادة في سبيل الله

إن ثمرات الشهادة وكرامات الشهداء كثيرة في الدنيا والآخرة، وقد جمعتها لكم مدعمة بالأدلة من القرآن والسنة وتتمثل فيما يلي:-

أولاً: الحياة بعد الاستشهاد مباشرة :

قال تعالى: } وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لاَ تَشْعُرُونَ { ( البقرة: 154)، وقال تعالى: } وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ { ( آل عمران : 169 ) . وقال رسول الله r : “الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا (صحيح الترغيب والترهيب) ، وهذه هي صفة الحياة الأولى فهم أحياء أولاً بهذا الاعتبار الواقعي في دنيا الناس ، ثم هم أحياء عند ربهم باعتبار آخر لا ندري عن كنهه ، وحسبنا إخبار الله تعالى به ( أحياء ولكن لا تشعرون ) لأن كنه هذه الحياة فوق إدراكنا البشرى القاصر المحدود لكنهم أحياء ، ومن ثم لا يغسلون كما يغسل الموتى ، ويكفنون في ثيابهم التي استشهدوا فيها فالغسل تطهير للجسد الميت؛ وهم أطهار بما فيهم من حياة ، وثيابهم في الأرض ثيابهم في القبر لأنهم بعد أحياء .

ثانيا : الفرح بما آتاهم الله من فضله ، والاستبشار بما من الله عليهم من نعمة وفضل :

قال تعالى : } وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ { ( آل عمران : 169، 170 )

ثالثا : مغفرة الذنوب ، وتكفير السيئات والنجاة من النار :

قال تعالى : } فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ { ( آل عمران : 195 )

وروى مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أن النبي r قال : “يغفر الله للشهيد كل شيء إلا الدين “

وروى ابن ماجه في السنن من حديث المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه عن النبي r قال : ” إن للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له عند أول دفعة من دمه . . .” الحديث. وإسناده حسن .

رابعا : دخول الجنة وحصول الأجر والنعمة والفضل العظيم :

قال تعالى : } فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ {( آل عمران : 195 )، وقال تعالى : } إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ { [التوبة:111]، وأخرج البخاري في باب الجهاد والسير عن أنس رضي الله عنه، أن أم حارثة أتت النبي r، فقالت : يا رسول الله ألا تحدثني عن حارثة ، وكان قتل يوم بدر ، أصابه سهم غرب فإن كان في الجنة صبرت ، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه بالبكاء، فقال : يا أم حارثه ، إنها جنان في الجنة وإن ابنك أصاب الفردوس . وذكر الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي r قال : ” إن للشهيد عند الله عز وجل ست خصال ، أن يغفر له في أول دفعة من دمه ، ويرى مقعده من الجنة ، ويحلى حلة الإيمان ، ويزوج من الحور العين ، ويجار من عذاب القبر ، ويأمن من الفزع الأكبر ، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ، ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه ” (الحاكم)

وأخرج ابن ماجه في السنن ، من حديث المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه عن رسول الله r قال : “للشهيد عند الله ست خصال ، يغفر له في أول دفعة من دمه ، ويرى مقعده من الجنة ، ويجار من عذاب القبر ، ويأمن من الفزع الأكبر ، ويحلى حلة الإيمان ، ويزوج من الحور العين ، ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه ورجاله رجال الصحيح إلا هشام بن عمار ، وإسماعيل بن عياش حديثهما حسن وفي رواية سبع بزيادة ويوضع على رأسه تاج الوقار”

خامساً : تمنى الرجوع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى بل عشر مرات :

روى البخاري في صحيحه واللفظ له ، ومسلم في الصحيح من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله r : ” ما من عبد يموت له عند الله خير يسره أن يرجع إلى الدنيا ، وأن له الدنيا وما فيها ، إلا الشهيد لما يرى من فضل الشهادة ، فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى “، وأخرج البخاري من حديث أنس رضي الله عنه عن النبي r قال : ” ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة “، وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة : أن رسول الله rقال : ” والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل ثم أغزو فأقتل ثم أغزو فأقتل “

سادسا : من يكلم في سبيل الله يأتي يوم القيامة اللون لون الدم والرج ريح المسك :

قال رسول الله r: ” والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله – والله أعلم بمن يكلم في سبيله – إلا جاء يوم القيامة واللون لون الدم ، والريح ريح المسك ” (البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)

سابعا : الشهيد في الفردوس الأعلى :

أخرج البخاري في ( الصحيح ) أن أم حارثه أتت النبي r فقالت يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة – وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غرب – فإن كان في الجنة صبرت – وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء ، قال : ” يا أم حارثة ، إنها جنان في الجنة وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى .”

ثامنا : الملائكة تظل الشهيد بأجنحتها .

قال جابر ( جيء بأبي إلى النبي r وقد مثل به ووضع بين يديه ، فذهبت أكشف عن وجهه ، فنهاني قومي ، فسمع صوت نائحة فقيل : ابنة عمرو ، فقال : “لم تبكي أو لا تبكي ، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها .”(صحيح الترغيب والترهيب )

تاسعا : حياة أجساد الشهداء :

روى مالك عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ( أنه بلغه أن عمرو بن الجموح ، وعبد الله بن عمرو الأنصاريين ثم السلميين كانا قد حفر السيل قبرهما ، وكان قبرهما مما يلي السيل وكانا في قبر واحد ، وهما ممن استشهد يوم أحد فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما فوجدا لم يتغيرا كأنهما ماتا بالأمس ، وكان أحدهما قد جرح فوضع يده على جرحه فدفن وهو كذلك فأميطت يده عن جرحه ثم أرسلت فرجعت كما كانت ، وكان بين أحد وبين يوم حفر عنهما ست وأربعون سنة ) . وروى الذهبي أن ( أبا طلحة رضي الله عنه غزا في البحر فمات ، فطلبوا جزيرة يدفنونه فيها فلم يقدروا عليها إلا بعد سبعة أيام وما تغير ).

عاشرا : الشهداء لا يفتنون في القبور :

تقدم حديث المقدام بن معدي كرب وفيه ” ويجار من عذاب القبر .”، وأخرج الحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي r أنه سأل جبريل عن هذه الآية : } وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ {، من الذين لم يشأ الله أن يصعقهم ؟ قال : هم شهداء الله ” ، ( وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه) ، وعن سعيد بن جبير في قوله عز وجل: } فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ { ( الزمر: 68 ). قال: ( هم الشهداء ، ثنية الله عز وجل حول العرش متقلدين السيوف.)

حادي عشر : الشهيد لا يشعر بألم القتل وسكرات الموت :

روى الترمذي وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله r : ” ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة” (وقال : هذا حديث حسن صحيح غريب) ، وكان علي يحض على القتال ويقول : ( إن لم تقتلوا تموتوا ، والذي نفسي بيده لألف ضربة بالسيف أهون من موت على فراش .)

ثاني عشر : أرواح الشهداء في جوف طير خضر :

روى مسلم في صحيحه من حديث مسروق قال : سألنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن هذه الآية : } وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ { . قال : أما أنا قد سألنا عن ذلك فقال : ( أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش ، تسرح من الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى تلك القناديل .. . الحديث. قال ابن النحاس : ( جعل الله أرواح الشهداء في ألطف الأجساد وهو الطير ، الملون بألطف الألوان وهو الخضرة ، يأوي إلى ألطف الجمادات وهي القناديل المنورة والمفرحة في ظل عرش اللطيف الرحيم لتكمل لها لذة النعيم في جوار الرب الكريم ، فكيف يظن أنها محصورة ، كلا والله إن هذا لهو الفوز العظيم لمثل هذا فليشمر المشمرون وعليه فليجتهد المجاهدون. )

ثالث عشر : دم الشهيد أحب شيء إلى الله :

أخرج الترمذي في جامعه من حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله r: ” ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين ، قطرة من دموع في خشية الله ، وقطرة دم تهراق في سبيل الله ، وأما الأثران ، فأثر في سبيل الله ، وأثر في فريضة من فرائض الله ” (ثم قال : هذا حديث حسن غريب .)

رابع عشر : الشهيد له دار ما أحسن منها :

روى البخاري في الصحيح من حديث سمرة رضي الله عنه قال : قال النبي r : ” رأيت الليلة رجلين أتياني فصعدا بي الشجرة وأدخلاني دارا هي أحسن وأفضل ، لم أر قط أحسن منها ، قال : أما هذه الدار فدار الشهداء”

خامس عشر : الشهداء أول من يدخل الجنة :

روى الترمذي في جامعه من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله r : “عرض علي أول ثلاثة يدخلون الجنة ، وأول ثلاثة يدخلون النار ، فأما أول ثلاثة يدخلون الجنة فالشهيد وعبد مملوك أحسن عبادة ربه ، ونصح لسيده ، وعفيف متعفف ذو عيال . . .” الحديث وقال : حديث حسن.

سادس عشر : الشهيد يشفع في أهل بيته :

روى البيهقي من حديث أم الدرداء قالت : سمعت أبا الدرداء يقول : قال رسول الله r : ” يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته ” وتقدم حديث المقدام بن معدي كرب، وفيه أن ” الشهيد يشفع في سبعين من أهله “

سابع عشر : الشهداء لا يصعقون في نفخة الصور : ( الفزع )

روى الحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي r أنه سأل جبريل عليه السلام عن هذه الآية : } وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ { ( الزمر: 68 ). من الذين لم يشأ الله أن يصعقهم ؟ قال : هم شهداء الله ” وتقدم حديث عبادة وحديث معدي كرب وفيه ” ويأمن من الفزع الأكبر “

ثامن عشر : لا يجف دم الشهيد حتى يرى الحور العين :

روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : إذا التقى الصفان أهبط الله الحور العين إلى السماء الدنيا فإذا رأين الرجل يرضين قدمه قلن : اللهم ثبته ، وإن فر احتجبن منه ، فإن هو قتل نزلتا إليه فمسحتا التراب عن وجهه وقالت : ( اللهم عفر من عفره ، وترب من تربه ) .

تاسع عشر: أفضل الشهداء من أهريق دمه وعقر جواده

روى ابن حبان في صحيحه عن جابر رضي الله عنه، قال: قال رجل: يا رسول الله، أي الجهاد أفضل ؟ قال: ” أن يعقر جوادك، ويهراق دمك.”

عشرون: الشهداء يضحك الله تعالى إليهم

روى البخاري ومسلم واللفظ له من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله r قال: “يضحك الله إلى رجلين، يقتل أحدهما الآخر، كلاهما يدخل الجنة فقالوا: كيف يا رسول الله ؟ قال: يقاتل هذا في سبيل الله عز وجل فيستشهد ثم يتوب الله على القاتل فيسلم، فيقاتل في سبيل الله عز وجل فيستشهد.”

هذه هى كرامات الشهداء وفضائلهم ، ونسأل الله أن يرزقنا عيش السعداء، وميتة الشهداء، ومرافقة الأنبياء، والنصر على الأعداء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى