خطبة عن الصوم , لفضيلة الشيخ محمد حسان

موضوعنا اليوم هو: (( من أحكام الصيام ))

وسوف ينتظم حديثى مع حضراتكم في العناصر التالية:

أولاً: معنى الصيام وحكمته.

ثانياً: أركان الصيام.

ثالثاً: مبطلات الصيام.

رابعاً: رخص الصيام وآدابه.

وأخيراً: أخطاءٌ في الصيام.

أولاً: معنى الصيام وحكمته

الصيام لغةًّ: هو الإمساك والكفُ عن الشيء كما قال تعالى حكاية عن مريم عليها السلام : إني نذرت للرحمن صوماً أى إمساكاً عن الكلام والصيام

شرعاً: الإمساك عن جميع المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع النية ، أما حكمة مشروعية الصيام: فهي كثيرة ولله الحمد.

فما من عبادة شرعها الله لعبادة إلا لحكمة بالغة عَلِمَها من علمها وجَهِلَها من جهلها وليس جهلُنا بحكمة

شىء من العبادات دليلاً على أنه لا حكمة لها بل هو دليلٌ على عجزنا نحن إدراك حكمة اله سبحانه

وتعالى القائل: وما أوتيتم من العلم إلا قليل

ومِنْ ثَمَّ فإن من أعظم حكم الصيام أنه سبب للتقوى كما قال سبحانه وتعالى :

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ([4]).

والتقوى هي وصية الله للأولين والآخرين من خلقه.

وهي كما عرفها ابن مسعود :

أن يطاع الله فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى .. ، وأن يشكر فلا يكفر .

وعرفها طلق بن حبيب بقوله:

التقوى هى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ..، ترجو ثواب الله ..، وأن تترك معصية الله.. ،

على نور من الله .. ، تخافُ عقابَ الله.

والصومُ من أعظم العبادات التى تهيئ النفوسَ لتقوى الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.

لأن الصوم أمرٌ موكولٌ إلى نفس الصائمِ، وضميره، إذ لا رقيب عليه إلا الله.

ومن هنا قال الله تعالى في الحديث القدسي: « كلُ عمل ابنِ أدمَ له، إلا الصومِ فإنه لي وأنا أجزى به، والصيام جُنَّةٌ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يُرْفُثْ، ولا يَصْخَب، فإن شاتمه أَحَدٌ أو قالتهل، فليقل : إنى صائم ، إنى صائم، والذى نفس محمدٍ بيده، لخَلُوفُ فم الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك وللصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فَرِحّ بفطره، وإذا لقى ربه فرح بصومه » ([5]).

ومن حكمة العظيمة تربيةُ النفس بكفها عن شهواتها والحدَّ من كبريائها حتى تخضع للحقِ وتلين للخلق.

ومن حِكمِه البليغة تذكيرُ الأغنياء الذين يرفلُون في نعم الله جل وعلا بأن لهم إخواناً لا يتضورون جوعاً في نهار رمضان فحسب بل في جميع أيام العام..!! بل ومنهم من يموت جوعاً . ومِنْ ثِمَّ يتحركُ أصحابُ القلوبِ الحيةِ والنفوسِ الأبية للبذل والإنفاق والعطاء.

أما فوائدُ الصيام الصحية فلا يجهلُها أحد .

فما أعظمَ حكمةَ اللهِ وأبلغَها وصدق الله إذ يقول: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير ُ ([6]).

ثانياً : أركانَ الصيام

الركن الأول – النية :

وهى ركن في جميع العبادات وهى عمل من أعمال القلب لقوله سبحانه:وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ([7]).

ولقوله في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث عمر بن الخطاب:

« إنما الأعمال بالنيات وإنما لك امرئ ما نوى…. » ([8])

ويرى جمهور الفقهاء تبيت النية ليلاً فى صيام الفرض لما رواه أصحاب السنن بسند صحيح عن حفصه رضى الله عنها أن النبى قال : « من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له » ([9])

وهذا خاص بصيام الفرض أما صيام النوافل فلا يجب فى تبييت النية من الليل ، بل يجوز بينة من ليل أو نهار ، إن لم يكن قد طعم شيئاً للحديث الذى رواه مسلم وغيره من حديث عائشة رضى الله عنها قالت :

دخل على النبى ذات يوم فقال ” هل عندكم شئ . قلنا : لا ، قال : فإنى إذاً صائم ، ثم أتانا يوماً آخر ، فقلنا : يارسول الله أهدى لنا حيس ([10]) فقال « أرنييه فلقد أصبحت صائماً فاكل» ([11])

وهنا سؤال : هل تكفى نية واحدة لصيام الشهر كله ؟

والجواب أن العلماء قد اختلفوا فى ذلك على قولين :

الأول : للمالكية حيث قالوا بأن نية واحدة فى اول الشهر تكفى لصيام الشهر كله.

أما القول الثانى وهو الراجح والله تعالى أعلى وأعلم وهو قول جمهور الفقهاء حيث قالوا لابد من تبييت النية لكل يوم.

ومن رحمة الله تعالى أنه لا يشترط التلفظ بالنية وأنما يكفى أن ينوى بقلبه. فضلاً عن أن سحوره يعتبر نية والحمد لله على تيسيره وفضله هذا هو الركن الأول من أركان الصيام.

الركن الثانى – الإمساك عن جميع المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس :

لقوله سبحانه : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ )([12])

والمراد بالخيط الأبيض . والمراد بالخيط الأسود سوادُ الليل لما ورد فى الصحيحين من حديث عدى بن حاتم :

قال لما نزلت هذا الآية : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى… ) عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض فجعلتها تحت وسادتى فجعلت أنظر فى الليل فلا يستبينُ لى ، فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله فأخبرته فضحك النبى وقال : ” إن وسادك إذا لعريض طويل إنما هو سوادُ الليل وبياض النهار” ([13])

ولا شك أن الركن الثالث هو الصائم نفسُه ويشترط أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً قادراً على الصوم وهذا بَيّن للجميع بإذن الله.

ثالثاً : مبطلات ُ الصيام

ونبدأُ بأشدها وأكبرها إثماً وهو :

أولاً : الجِماع :

فمتى جامع الصائمُ فى نهار رمضان بَطل صومُه ووجب عليه القضاءُ والكفارة المغلطة وهى :

عتق رقبة مؤمنة. فإن لم يجد فصيام ُ شهرين متتابعين لا يُفطر بينهما إلا لعذر شرعى ، كأيام العيدين ، أو لعذر حسى كالمرض ، فإن أفطر لغير عذر ولو يوماً واحداً ألزمه أن يستأنف الصيام من جديد مرة أخرى ليحصل التتابع.

فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.

وأختلف الفقهاء فى حكم الكفارة هل هى على الترتيب أم على التخيير والراجح أنها على الترتيب وهو ما ذهب إليه الجمهور.

والدليل على ذلك ما رواه البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة قال : “بينما نحن جلوس عند النبى إذا جاءه رجل فقال : يارسول الله هلكت .!

وفى رواية فى الصحيح أيضاً قال : يارسول الله احترقت !

فقال النبى : مالك ؟

فقال : وقعت على أمراتى وأنا صائم.

فقال رسول الله : هل تجد رقبة تعتقها ؟

قال : لا

قال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟

قال : لا

قال : فهل تجد إطعام ستين مسكيناً ؟

قال : لا

قال : فمكث النبى فبينما نحن على ذلك أتى النبى بعرق (أى بمكتل) فيها تمر.

فقال النبى : أين السائل . وفى راوية عائشة أين المحترق آنفاً

فقال : أنا يا رسول الله.

قال : خذ هذا فتصدق به.

فقال الرجل : على أفقر منى يا رسول الله ؟ ! فو الله ما بين لابيتها (أى المدينة) أهل بيت أفقر من أهل بيتى فضحك النبى حتى بدت أنيابه ثم قال : أطعمه أهلك” ([14])

واختلف الفقهاء أيضاً على ثلاثة أقوال فى حكم المرأة التى يكرها زوجها على الجماع فى نهار رمضان.

والراحج والله اعلم أن عليها القضاء فقط ، دون الكفارة إذا أجبرها الزوج ، ولم يثبت دليل صحيح يلزمها بالكفارة.

ثانياً : إنزال المنى باختياره بتقبيل أو لمس استمناء باليد أو غير ذلك :

لأن هذا كله من الشهوة التى لا يكون إلا باجتنابها كما فى الحديث القدسى الذى رواه البخارى وفيه : “يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلى” ([15])

* فمن أنزل منياً بشهوة فى نهار رمضان بطل صومه ، ووجب عليه القضاء فقط إذ لم تثبت الكفارة إلا فى الجماع فقط ، ولا حجة لمن قال بخلاف ذلك. والله أعلم.

* أما الإنزال بالاحتلام . فلا يبطل الصوم لأن الاحتلام بغير اختيار من الصائم . فماذا نام الصائم فى نهار رمضان ثم استيقظ ، فرأى أنه قد أحتلم، فليغتسل وليتم صومه وصيامه صحيح ولا شئ عليه.

* أما إن قبل الصائم زوجته أو باشرها بدون إنزال فلا شى عليه ، وصيامه صحيح لما ورد فى الصحيحين من حديث عائشة رضى الله عنها ” أن النبى كان يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم ولكنه كان أملككم لإربه” ([16])

* ويبقى سؤال هام متعلق بهذا البحث وهو : ما حكم من جامع زوجته فى الليل ثم نام ولم يغتسل حتى أذن الفجر الجواب أن صيامه صحيح لما رواه البخارى ومسلم عن عائشة وأم سلمة رضى الله عنهما أن النبى كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم “([17]).

ثالثاً : من مبطلات الصيام الأكل والشرب عمداً :

لقوله تعالى : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) ([18])

أما من أكل أو شرب فى نهار رمضان ناسياً فلا شئ عليه ، وصومه صحيح للحديث الذى رواه البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة أن النبى قال “من نسى وهو صائم ، فأكل أو شربَ فليتم صومَه ، فإنما أطعمه الله واسقاه” ([19])

رابعاً : من مبطلات الصيام القــئُ عمداً :

وهو أن يتعمد الصائم إفراغ ما فى معدته فإن فعل ذلك بطل صومه ويجب عليه القضاء ، أما من غلبه القئ بدون رغبةٍ منه ولا اختيار فلا شئ عليه وليتم صومه وصيامهُ صحيح. لما ورد فى الحديث الذى رواه الترمذى وأبو داود وصححه الحاكم فى المستدرك وصححه أيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية فى كتابه “حقيقة الصيام” وفيه أنه قال :”من ذرعه القئ وهو صائم فليس عليه قضاه ومن استقاء فليقض” ([20])

خامساً : من مبطلات الصيام الحيـــضُ والنفـــاس ُ للمرأة:

فمتى رأت المرأة دم الحيض أو النفاس بطل صومها ، سواء كان فى أول اليوم ، أو فى آخره ، ولو قبل الغروب بلحظات ، ويجب عليها بعد الطهر أن تقضى ما فاتها من أيامها.

لما ورد فى صحيح مسلم من حديث عائشة رضى الله لما سئلت ما بال الحائض تقضى الصوم ولا تقضى الصلاة ؟ فقالت :”كان يصـيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة” ([21])

هذه هى اشهر المفطرات بإيجاز شديد.

رابعاً : من عناصر اللقاء رَخص الصيام وآدابـهُ

هناك رخص عديدة أمتن الله بها على عباده دفعاً للحرج ورفعاً للمشقة… ومنها :

1- جواز الفطر فى نهار رمضان للمريض وكذا للمسافر الذى يشق عليه الصوم.

لقوله تعالى : وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ

بِكُمُ الْعُسْر ([22])

2- ومنها جواز استخدام السواك فى كل وقت للصائم ، قبل الزوال ، وبعد الزوال ، وهذا هو القول الصحيح إن شاء الله. واستدلال بعض أهل العلم بعدم الجواز بعد الزوال بحديث على مرفوعاً : “إذا صمتم فاستاكوا بالغدة ولا تستاكوا بالعشئ” فهو حديث رواه البيهقى والدار قطنى وهو حديث ضعيف جداً ([23])

فالسواك مشروع للصائم فى كل وقت وبخاصة فى المواضع التى ورد النص بذكرها وهى ستة :

1- الصلاة.

2- وعند الوضوء.

3- وعند دخول المنزل.

4- وعند الاستيقاظ النوم.

5- وعند قراءة القرآن.

6- وعند تغير رائحة الفم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى