حافظى على كنز الحياة 2019
أنشد مخارق عند المأمون قول أبي العتاهية :
وإني لمحتاج إلى ظل صاحب ***- يروق ويصفو إن كدرت عليه
فقال المأمون : أعد ما قلت .
فأعاده سبع مرات ,
فقال المأمون : يامخارق خذ مني الخلافة , وأعطني هذا الصاحب !!
وقال أبو تمام :
من لي بإنسـان إذا أغضـــــــــبته وجهلت كان الحلم رد جوابـــه
وإذا صبوت إلى المُدام شربت من أخــــلاقه وسكـرت من آدابه
وتــراه يصغي للحــديث بطـــرفه وبقلـــبه ولعلّـــه أدرى بــــه
الصداقة ملح الحياة , وزهرة الدنيا , لايملّ منها عاقل ,
ولا ينكر جمالها منصف .
ما أكثر ماقيل في الصداقة , وما أجمل ما كتبه الشعراء عنها ,
إنها نعمة من نعم الله , وجمال من جماليات الكون .
لكنني لن أتكلم في السطور القادمة عن أهمية الصداقة , ومحاسنها , وطرق اكتسابها ,
فقد أسهب الكتاب في الكتابة عنها ,
وأرفف المكتبات خير شاهد على ذلك .
لكنني سأتكلم عن الحلقة الأهم في موضوع الصداقة وهي :
كيف تحافظي على صداقتك ؟؟
إن تباعد الإخوان بعد طول صحبة … وتفرق الأصحاب بعد حسن عشرة , لهو أمر جلل ,
وواجب على كل ذي عقل حصيف , أن ينأى بنفسه عن كل ما قد يكون سبباً لذلك .
أخذت في التفكير في ماقد يسبب ذلك , فكانت النتيجة 7 قواعد , أسميتها :
(( القواعد الذهبية في الصداقة الأبدية )) …
القاعدة الأولى : ( ماكان لله يبقى )
جاء رجل إلى الإمام مالك – رحمه الله –
فقال : يا إمام , ألّفتَ الموطأ (كتاب في الحديث) , فألّفَ الإمام (فلان) موطأً له …
فرد عليه الإمام مالك برد كُتب في صفحات التاريخ .. وقال:
ما كان لله يبقى …
فهل سمعتم بموطأ غير موطأ مالك؟؟؟ !!
إذا كانت صداقتك مبنية على غير هذا الأساس ,
فاعلمي أنها سحابة صيف عن قليل تنقشع ,
“وستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً .”
إذا كنت اتخذت فلانة صديقة لك لمصلحة ترجين تحقيقها ,
أو لأي غرض في نفسك ,
فتداركي الأمر قبل أن تذوب الصداقة أو تنقلب إلى عداوة .
وهذه القاعدة ليست خاصة في موضوع الصداقة ,
بل في حياتك كلها .
القاعدة الثانية : ( لا تحسديها )
إذا رأيت صديقة لك , وفقها الله , فأبدعت في مجال من المجالات ,
فأحسست بضيق في صدرك , وألم يتحرك في جنباتك ,
فاعلمي علم اليقين , أنك لست صديقة صادقاً محبة للخير ,
واعلمي أنك تسيري بسرعة كبيرة , إلى إنهاء سنوات جميلة , من العشرة والصداقة …
مرني نفسك على أن يحفزك إبداع صديقتك , على صنع إبداعك الخاص بك ,
واتركي الحسد , فإنه قاتلك …
لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتلـــه
يقول عباس العقاد :
(وليس الحاسد هو الذي يطمع أن يساويك , بأن يرقى إليك ,
بل هو الذي يريد أن تساويه ,بأن تنزل إليه).
صدق العقاد … فإن الصديق الحقيقي , صاحب الأخلاق الرفيعة ,
هو الذي يحفزه نجاح إخوانه على الإبداع ,
وليس التفرغ للحسد , والاعتراض على ما قسمه الله من الرزق بين العباد
القاعدة الثالثة : ( لا تفشي أسرارها )
إذا ائتمنتك صديقك على سرها , فأفشيتيه …
فما لبثت أن تركتك , وأنهى علاقتها بك , فلا تلوميه على ذلك ,
حتى تضعي نفسك في مكانها , وستعلمين حينها هل هي محقة فيما فعلت أم لا ؟؟
صديقتك وثقت فيك , وجعلتك مستودعاً أميناً لأسرارها ,
ظنت فيك أن تكوني قبراًت دفن فيه حديث نفسها ,
لكنك مالبثت أن بدّدت كل ظنونها الحسنة , بتصرف بعيد عن الصواب..
قد تكوني أمضيت سنوات من عمرك في بناء صداقاتك ,
فاحذري أن تهدميها في لمح البصر !!
القاعدة الرابعة : ( ضعي خطوطا حمراء )
في رأيي أن الإنسان الذي يكسب احترام الناس وتقديرهم ,
هو ذلك الذي احترم نفسه في المقام الأول ..
ووضْع خطوط حمراء لتعامل الشخص مع المحيطين به , وتعاملهم معه ,
دليل قوي على احترامه لنفسه .
الإنسان الذي ليس له خطوط حمراء ,
تجده مستحقراً من الناس , مسلوب الحق , ليس له قيمة .
أما صاحب الخطوط الحمراء , فهو كالوردة الحمراء ,
التي أحاطت نفسها بالشوك , كي تبقى في جمالها .
الخطوط الحمراء بمعنى أوضح :
(الحدود التي لا تسمح لغيرك أن يتجاوزها) .
زميلتك في الدراسة, جارتك , صديقتك , لهنّ خطوط حمراء ,
وكلما زاد قرب الشخص منك , قلّت الخطوط الحمراء…
حتى والديك , لهم خطوط حمراء !!
كيف ذلك؟؟
مثلاً المرأة المتزوجة , ترفض (بأدب طبعاً) تدخل والديها في حياتها الزوجية ,
والمشاكل التي قد تحصل بينها وبين زوجها, ليس لأحد حق التدخل به ,
وليس لهذا علاقة من قريب ولا من بعيد بالبر والإحسان لهما.
ونقول:
ولأجل دوام الصداقة , و جب على كل صديقة ,
أن تحرص على الحفاظ على تلك الخطوط ,
ووجب عليها أن تكون واضحة في كشفها لصديقتها
إن احتاجت لذلك .
القاعدة الخامسة : ( تقنين التواصل )
وأعني بذلك أن طول الالتقاء , ودوام الاتصال , فيه الملل والنفرة ,
وكما قيل : ( زُر غباً , تزدد حباً ) .
الإنسان العاقل يجب أن يختار الأوقات المناسبة للتواصل,
المفصولة بفاصل زمني مناسب , بلا إفراط ولا تفريط .
مع الحفاظ على المبادرة بالسؤال عنها لو انقطعت فترة غير معهودة…
ولا تفوّتي فرصة تهنئة أو تبريك ..
القاعدة السادسة : ( شعرة معاوية )
قال معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنه – حين تولى أمر المسلمين :
( إن بيني وبين الناس شعرة ,
إن شدوها أرخيت , وإن أرخوها شددت )
هذه قاعدة جميلة لو تفكرنا فيها قليلاً , وطبقناها تطبيقاً واقعياً في حياتنا .
لن أعلق على هذه القاعدة !! وسأترك لكن مساحة التفكير بها …
القاعدة السابعة : (التغـــافل)
يقول الشاعر :
ليس الغبي بسيد في قومه لكن سيد قومه المتغابي
التغافل عن بعض الأخطاء في حقك الشخصي يديم الألفة ,
قال تعالى : ((عرّف بعضه وأعرض عن بعض )) ..
وقال الإمام أحمد : (تسع أعشار العافية في التغافل).
فما أجمل هذا الخلق , مع قريبة أوصديقة …
أختم موضوعي هذا بما قاله الشيخ نزار الحلبي رحمه الله :
الصاحب ساحب إما إلى الجنة وإما إلى النار.
اسأل الله أن يجمعنا على الحق
ويجنبنا الفتن والخلافات
ويوفقنا لما يحبه ويرضاه .