تَسْوِيقَ التّخلُّف!.. بقلم عبد اللطيف البوني

السودان اليوم:

(1)
جاء في الأخبار أنّ وفداً تجارياً سُعودياً جاء للبلاد لرؤية إمكانية شراء لحوم مذبوحة من السودان وبهذا يكون الهدف من الزيارة الوقوف على البنيات الأساسية في هذا الشّأن من مذابح ومسالخ وتبريد وترحيل والذي منه، فقامت الجهات المسؤولة بأخذ الوفد والتطواف به على المَسالخ الموجودة.. أها وعينك ما تشوف إلا النور فقد رأي الوفد مسالخ أقل ما تُوصف به أنّها (قرن أوسطية)، مسالخَ ليس فيها الحد الأدنى من المُواصفات العالمية للمسالخ، فَطَبّقَ أوراقه ولسان حاله يقول: (لُحُوم مَسالخكم دِي إلا تأكلوها براكم)! وأخشى ما أخشاه أن يكون الوفد قد أمضى بقية ساعاته أو أيّامه في السُّودان نباتياً..!
(2)
هذا الوفد من المُؤكّد أنّه لم يهبط فَجأةً في السودان ليقوم بزيارة تفتيشيّة للمسالخ السُّودانية لأنّ هذا ليس من حقه، فالأمر المُؤكّد أنّ هناك اتصالات بدأت بإبداء الرَّغبة ثُمّ تحديد موعد الزيارة والذي منه.
فيبقى السؤال، ألا تعلم الجهات المسؤولة لدينا مُفارقة مسالخنا للمواصفة العالمية؟ إن كانت تعلم ومع ذلك رحّبت بالزيارة تبقى مصيبة، لأنّ النتيجة معروفة سلفاً.. وإن كانت لا تَعلم وتَظن أنّها يُمكن تَمرير الصّفقة عبر هذه المَسَالخ البدائية تبقى المصيبة أكبر..!
الوَضع الطَبيعي في هَذِه الحَالة أن يَتعذّر لهذا الوفد ومن (قولة تيت)! ويُمكن أن يكون ذلك بالقول إنّنا بصدد تأهيل مسالخنا أو إنشاء مسالخ جديدة، أمّا متى سَوف نفرغ من هذا فـ(الفورة مليون)! ويا حَبّذَا لو اُستغلت هذه السَّانحة في الدّعوة للاستثمار في هذا القطاع، وعلى حسب علمي أنّ الوفد الزائر كَتَبَ النقاط التي تَحُول بين المَسَالخ السُّودانية والمُواصفة العالمية.. فالخَوْف يكون قد كَتَبَ مُجلداً (أكان في داعي لشيل الحَال دَا؟ ما كُنّا مستورين)..!
(3)
شَكَا الاقتصاديون لطوب الأرض من تصدير الحيوانات الحَيّة، لأنّ ذلك يحرم السُّودان من القيمة المُضافة التي كَانَ يُمكن أن تنتج عن الصناعة التحويلية في هذا القطاع المُهم.. فهناك العشرات من الصناعة الجانبية يُمكن أن تقوم على المسالخ الحديثة بدءاً من قرون الثور إلى فرثه ودمه، فقد أصبحت هذه الصناعة (زيرو فاقد) وعلى طريقة (يهدوا فيها من الدواحة رقدت خلا)، فبالإضافة لتصدير الحيوانات الحَيّة أصبحنا نصدِّر البرسيم والرودس والذي منه، أي رجعنا خطوات للوراء، كل هذا علماً بأنّ تكلفة المسالخ الحديثة ليست بالكبيرة فهي ليست صناعة ثقيلة أو تعدينية بل تحويلية، فتوفير (سفريات) سنة واحدة يُمكن أن تسلخ جلود الكثير من القطيع السُّوداني وبمُواصفة عَالميّة، لكن (مين يَعَلِّمنا الأولويات؟).
(4)
القطاع الخاص في الزراعة (مَشكوراً مَأجوراً)، قَامَ بتحديثها وتَهيئتها للصذادر، فَقَد شَهدنا أحدث الآليات من زَرّاعات وحَاصدات والذي منها، فكانت الطفرة في هذا المجال، ونحن نترقّب هذا العام صادراً يبلغ أربعة مليارات دولار من العُروة الصيفية.
فالسُّؤال، أين القطاع الخاص في مجال صَادر الحيوان، علماً بأنّه الأقدم وهو الذي ظَلّ مُستمراً عندما تراجعت الزراعة، فلماذا لم يُفكِّر في تطوير حرفته بالصناعة التّحويليّة؟
إنّ مُصدِّري الماشية في مُعظمهم إن لم نقل كلهم تُجّارٌ لا يعملون حتى في تربية الحيوان (ناس جاهزة)، لذلك ظَلّوا دَومَاً الأعلى صوتاً، ومنهم من تَلاعب بحصائل الصادر، ومنهم من أسَاءَ لسُمعة السُّودان بتصدير حيوانات مريضة، ومنهم من هَبَرَ في بنك الثروة الحيوانية في أكبر عملية فساد.
فيا ناس الزراعة.. كَمِّلُوا جميلكم، لا بل كَمِّلُوا دورتكم الزِّراعيّة بإضافة الحيوان تَربيةً وصِناعةً وصَادراً و(فِكُوا الناس البلعلعوا دَيل عَكس الهَوَا)..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى