تعلم كيف تعبر عن نفسك دون إفراط 2019

خلافا للاعتقاد الشائع الذي يري أن الأشخاص الذين هم أكثر راحة في حياتهم الشخصية والمهنية ليس لديهم معدل ذكاء يفوق المتوسط، بل أولئك الذين يعيشون علاقاتهم الاجتماعية بوئام مع الأخرين، الذين يعرفون أن يفرضوا أنفسهم ويعرفون كيف يحصلون على ما يهتمون به دون أن يصدموا المحيطين أو يتلاعبوا بهم.

كيف يمكنك إذن تطوير التعبير عن نفسك بشكل مثالي؟

يري العالم النفساني “أبوريت هنريط” أن المرء يظل وفيا كثيرا لسلوكياته الغريزية في مواجهة الصعوبات التي يقابلها في العيش مع رفاقه، وأكثر ما يتأتي منه حيال ذلك بطبيعة الحال هو الهروب (الخضوع، قبول ما لا يمكن قبوله، الشكوي، الانطواء علي النفس…) أو الهجوم (ممارسة الغضب، الاحتقار، الإهانة، أو الضرب…).

الهروب أم الاعتداء؟

لا يخلو سلوك الهروب والسلبية والتفاني القسري من الانزعاج المادي والنفسي العميقين، أما عن السلوك العدواني، فإنه يضعف العلاقة مع الآخر من خلال التسبب في انعدام الثقة والخوف والانغلاق والتخلص منه.

في الطرق الأولية التي نعمل بها (حيث يكون الذكاء والمنطق خارج دائرة العمل) لا نختلف مطلقا عن الحيوانات، و لسنا بعيدين عن سلوكيات طفل صغير يسعي للحصول على ما يريد، ولا نعرف في المقام الأول إلا البكاء أو الغضب.

وكيف يتصرف الطفل إذا لم تكن دموعه ونوبات الغضب كافية لجذب الاهتمام، وإذا كان لا يشعر بالرضا حيال تلبية احتياجاته ورغباته، فسوف يسعى للحصول على ما يريد بطريقة غير مباشرة أكثر من خلال المكر أو الإغواء، ويظهر وسيلة أخرى للعيش في علاقة واحدة للآخرين ، ألا وهي التلاعب.

الوعد ومخاطر التلاعب:

يمضي المتلاعب علي طريق الغواية أوالأكاذيب (بجميع الأشكال)، الوعد الذي يحمل في طياته المراوغة والقدرة على التقاط ما نريد، من دون الحاجة إلى طلبه، دون الحاجة إلى التعرض لخطر الرفض، خطر فقدان القوة والسيطرة على الآخرين.

ويندفع الشخص إلى أبعد حد وفي الجانب الأكثر مرضا حيث نجد “انحرافا” وإن لم يكن ضارا، والمراوغة تكون علامة علي عدم احترام الطرف الآخر.

وينصب اهتمام الفرد علي الفوز بمصلحة ما من شخص أو مجتمع أو الحصول على خدمة أو أي منفعة، فما هو مهم هو أن يجعلهم يبتلعون المر، وعلى الرغم من احتياجات وتطلعات أو رغبات الأخرين وعلى الرغم مما هم عليه.

وما من شك أن لهذا النهج مزايا علي المدى القصير، وهو السبب على الأرجح في أنه شائع جدا “الذي لم يسبق له أن تذوق المرارة يلقي الحجر الأول”، علي النقيض وعلي المدى الطويل، من المرجح أن يتعرض الشخص المناور للتوتر الشديد الذي يثيره، والخوف من الضربات التي قد يتلقاها تحت الحزام، ورد فعل الآخرين، ورغبته في استمرار موقف القوة والصورة التي لا تتوافق مع ما هو عليه حقا مهما تكلف الأمر، ووراء ردود أفعالنا الغريزية وتكيفنا التعليمي، فإننا لدينا وسيلة للحصول علي مزيد من المنفعة لأنفسنا والآخرين.

فوائد الجرأة:

تسلح بالهدوء حيال التعامل مع الظروف والسلوك الذي يكون أحيانا مزعجاً ممن حولك، ويحتاج ذلك إلى استخدام عدد من قدرات الإنسان بشكل صحيح (الوعي، التأمل، القدرة على الاحتواء، التعبير عما تشعر به، والتعاطف…)

ويتطلب التعبير عن النفس أيضا أن تكون قادرا على الاستناد على ثقة قوية في النفس وفي الآخرين وفي الحياة نفسها، والثقة بالنفس لا تعني أن تكون “سوبرمان” أو شخصاً خارقاً، على العكس من ذلك، إنها تعني قبول ما لا يروق لنا، دون التفكير بأن ذلك يمنعنا من تقدير شيء ما أو أن نكون محبوبين، أو النجاح فيما نشرع فيه أو أن نكون سعداء.

وعندما نتمتع بالثقة، يمكن أن نعطيها للآخرين لأن علاقتنا مع الآخرين هي مرآة لعلاقتنا مع أنفسنا، والقائد الجيد على سبيل المثال هو الذي يتمتع بالثقة في نفسه بما يكفي لإظهار نفسه كما هو بما في ذلك نقائصه إذا لزم الأمر.
وهو أيضا الشخص الذي يعرف كيف يتعامل من خلال سلوك الثقة التي يوليها لفريقه وأن يظهرها بشكل فردي وجماعي.

تطوير الذكاء العاطفي:

ماذا ستكون النتائج؟ هي نفسها في وسط أي فريق أو أي أسرة لديها أفراد يتمتعون بذكاء عاطفي حقيقي، أي أولئك الذين لديهم القدرة على أن يكونوا متسقين مع أنفسهم ويرغبون في العيش في وئام مع الآخرين، على الرغم من الخلافات التي تظهر حتما في جميع الأنشطة البشرية.

سنجد إذاً مزيداً من الدعم، والرغبة في التحرك إلى الأمام معا، مع نقصان في عدم الثقة والغش، والمزيد من الطاقة والاسترخاء والرفاهية للجميع، للبقاء وفيا لنفسك والتعبير عن نفسك في جميع الأوقات، فإن ذلك يعتبر تحديا طموحا إلي حد ما.

وتظل الحقيقة أن هذا هو السلوك الأكثر إفادة الذي يمكننا القيام به لضمان نجاح علاقات الحب أو الصداقات، وحشد الآخرين والتأثير عليهم، وجعلهم يشعرون بالرفاهية والراحة في حياتهم.

يكفي أن نكون مقتنعين أننا نعرف كيف نطلب ما نريد بوضوح، والتفاوض بصراحة على عقد ما، ونقول “لا” بحزم ولكن بهدوء، وفض المنازعات، وإدارة الغضب أو خيبة الأمل.

هكذا نشعر بأننا أكثر راحة وأكثر قوة، ومفعمين بالطاقة، ولدينا ثقة في أنفسنا وفي الحياة وفي حالات أخرى، وإذا كان الأمر كذلك فإنها السعادة بالفعل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى